بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

ثلوج سانت كاترين(8)





قلبى ثقيل مثل ماء النهر ،غارق وباهت فى المياه التى لاطعم لها ،الأيام التى مضت تراكمت وأصبح من المستحيل أن أتنفس ،كنا إنساناً واحداً يتداخل ولاينفصل ،وتسممت المياه ،وأصبحت الحياة عبئاً،أعددت نفسى للسير فوق الوهاد والجبال إلى أبعد مكان يمكن أن أصل إليه.

أمضيت يوماً مرهقاً بالحزن والشجن أمس ،حتى الآن لا أشعر أننى مسافر ،متبلد إلى أقصى حدٍ،عندما يصل الإحساس والارهاق إلى منتهاه تصل إلى مرفأ التبلد،وخوفاً من الاحتراق داخل إحساسك تتمسك بالبلادة ،وتعيش داخل قوقعتها. بمجرد أن تحرك القطار مغادراً القاهرة بدأت أشرب ،فى المقعد المجاور لى ضابط بحرى ،تحدثنا عن البحر والحرب والمعركة ،قال أن البحر يضعف المشاعر الجنسية فى الإنسان ،قال أن حياتنا متخلفة وغبية ،حكى عن مطاردة البحرية للزوارق الخمسة الإسرائيلية ،وكيف حماها من ضربنا الأسطول السادس ،ووقف القطار .

ذهبت إلى فندق بالأسكندرية ،استحممت ،خلوت إلى نفسى ،نزلت ،جلست فى المقهى ،انتظرت بلاجدوى.

فى الصباح ذهبت إلى الميناء ،أعددت نفسى ،قالت لى فتاة الجمرك هل هذه أول مرة تسافر ،قلت لها سافرت من قبل ،ضحكت ،لم تفتح حقيبتى ،سخرت من نفسى ،أخذت قرصاً مهدئاً،ازدادت بلادتى ،حملت حقيبتى وصعدت إلى المركب .

استندت على سور المركب من الداخل ،بعد ان اكتشفت زنزانتى ،ووضعت فيها حقيبتى ،سألنى ضابط المركب هل أنت صحفى ،قلت نعم ،قال هاجمنا أحد الصحفيين فى إحدى المجلات،كان الباعة والمودعون كثيرين جداً ولم يودعنى أحد،أنا أفضل ذلك،الرصيف يعج بالحياة والناس والأطفال والباعة ،مللت ،ذهبت إلى زنزانتى ،مر وقت طويل ،أحسست بالهزة ،المركب تتحرك ،صعدت إلى السطح.

نحن نبتعد عن الميناء ،نفارق الأسكندرية ،عشرات المراكب تمر بجوارنا ،تحيينا،تشق الباخرة المياه،تتزايد سرعتها وتبتعد،المياه خضراء وفى لون الزمرد الفاتح،بدأت إذاعة داخلية فى المركب تعمل،كانت الأغنية "يامسهرنى" ،الشوق ،الحب ،المحيط،الليل ،الوداد،الماضى ،الخصام،والوصال ،كنت أقف وأسند وجهى على ذراعى وأدخن وأسمع،تقاسيم الموسيقى تلعب على أوتار بداخلى من الشجن والحب والاحباط واليأس،ولاأشعر أننى أبتعد أو أقترب أو ذاهب أو عائدأو بوجود ما ،أنا غائب وثمل وبليد وقاس ورقيق ومتماسك ومنهار ولاتتحرك مشاعرى لحظة فى اتجاه مايحدث فى الحقيقة ،رافض تماماً ،يائس تماماً،متوقف عن الاستمرار ،ناكص ،وطموحى أن أعود من جديد إلى الرحم الذى خرجت منه ولا أخرج منه أبداً أبداً أبداً...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق