الفصل الرابع
فلاح بوهيميا و محاكمة الموت
26- الموت
فلاح بوهيميا و محاكمة الموت
26- الموت
مهما زاد العتاب واللعن والسباب, أو حتى التمنى والرجاء, فأنهم لايملآون كيسا ولو كان صغيرا. يضاف الى ذلك : أن الجدال مع كثيرى الكلام لاينفع. فلنبدأ برأيك القائل بأن الانسان مزود بكل أنواع المعرفة والجمال والكرامة. رغم ذلك لابد من وقوعه فى شباكنا ولامفر له من خيوطها. ان علم النحو_ وهو أساس كل حديث بليغ_ لايساعدة بكل مافيه من حسن البيان ودقة التعبير_ وعلم البلاغة وهو النبع الفياض لكل أحاديث التملق_ لايساعده أيضا بتعبيراته الوردية ذات الألوان الجذابة. وعلم المنطق_ وهو أعدل سيف يفصل بين الحقيقة والزيف_ لاينفع أيضا رغم أسلوبه الملتوى وطرقه المعوجة فى التضليل عن الحقيقة. والهندسة_ وهى التى تكشف معالم الأرض وتقدرها وتقيسها_ لاتجدى هى الأخرى بقياسها السليم وتقديرها القويم وعلوم الرياضة بتنظيمها الدقيق للآعداد, لاتنفع رغم حساباتها وعدها وحصرها ورموزها.وعلم الفلك_ المسيطر على الكواكب_ لاينفع أيضا فى مثل هذا الوضع, ورغم قوة نجومه وتأثير كواكبه السيارة. والموسيقى_ وهى الذراع الأيمن للصوت والمغنى_ لاتجدى رغم حلاوة أنغامها ورقة أصواتها. والفلسفة_ وهى حقل الحكمة الخصيب, الذى حرث طولا وعرضا وغرست فيه أنواع المعرفة لتثمر أطيب العادات _ لافائدة عندئذ فيها, رغم كمال نباتاتها. كذلك لاتجدى: الطبيعة رغم مشروباتها المفيدة فى حالات عديدة, والتنجيم الذى يجيب بمهارة على كثير من التساؤلات الدنيوية بمساعدة تحديد مسار الكواكب وعلامات النجوم فى القبة السماوية, وكشف الطالع الذى يزيح الستار عن المستقبل عن طريق استطلاعه فى المياه, والفلك هو المفسر للأحداث الدنيوية بمساعدة الظواهر السماوية, وقراءة الكف ومعرفة أسرار اليد من تقاسيم سطحها الداخلى, والسحر بتحضيره لأرواح الموتى وطلاسمه المبهمة, والتعزيم والشعوذة بطلاسيمها وترانيمها وتوسلاتها الفعالة, والكاهن المتفهم للغة الطيور وبذلك يتنبأ فعلا بمستقبل الأمور, وعراف المستقبل عن طريق ذبائح القربان, والسحر بأمعاء الأطفال وأحشاء الطيور البرية, ورجل القانون_ ذلك المتدين المنعدم الضمير_ لايجدى هو الآخر رغم قلبه لأوضاع الحق والباطل ورغم أحكامه المعوجة.
كل هذة الفنون ومايتصل بها لاتنفع فعلا: لابد أن نحصد كل إنسان, ونطحنه فى ماجورنا, ثم نصفيه وننقيه فى برميلنا..... صدقنى, أيها الفلاح المتغطرس
.كل هذة الفنون ومايتصل بها لاتنفع فعلا: لابد أن نحصد كل إنسان, ونطحنه فى ماجورنا, ثم نصفيه وننقيه فى برميلنا..... صدقنى, أيها الفلاح المتغطرس
27- أكرمان
لايصح أن يقبل المرء الاساءة بالاساءة , بل ينبغى أن يتحلى الانسان بالصبر ويتحرى تعاليم الفضيلة. وأريد أن أشق هذا الطريق, فربما تقلع عن ثورتك وتتوخى الصبر وطول البال.
وكما فهمت من حديثك, فأنت تدعى أنك تخلص لى النصيحة. واذا كنت فعلا تعرف الاخلاص, فأرجو أن تنصحنى بإخلاص, كما لو كنت قد قطعت على نفسك عهدا بذلك: كيف أخطط الآن لحياتى؟ عشت سابقا فى ظل الحياة الزوجية البهيجة,فأى وجهة أتجه الأن؟ هل أسلك سبيل الدنيويين من بنى الانسان أم أختار طريق الرهبان؟ فالطريقان أمامى مفتوحان. لقد فكرت فى حياة بعض الناس, ووزنتها وقيمتها بمنتهى العناية والاحتراس: فوجدتها كلها غير كاملة, على الانهيار مقبلة, وفى الخطايا نازلة. اننى فى حيرة من أمرى, فالى أين أتوجة, لاأدرى...... أن الانسان فى أى وضع ومكان, مكتوب عليه الهوان. أيها الموت, عليك بالنصيحة, فهذا وقتها. اننى أجد , بل وأظن وأعتقد, أنه لن يعود لى فعلا مثل ماافتقدت من بيت طاهر وانسان بحب الله ظافر. أقسم لك بروحى:لو كنت أدرى أننى سأوفق فى الحياة الزوجية كما كنت , لما ترددت أن أعيش فى كنفها مهما امتد بى العمر. فالرجل الذى رزق بزوجة صالحة, هو رجل متمتع سعيد, منشرح الصدر, معتدل المزاج, أينما كان وحيثما وجد. مثل ذلك الرجل يجد متعة فى السعى وراء لقمة العيش, وفى الطموح الى المجد والشرف , كما أنه يشعر بالسعادة فى أن يدفع الشرف بالشرف, ويقابل الاخلاص بالاخلاص, ويجازى الحسنة بالحسنة. انه ليس فى حاجة أن يحرس زوجته, لأن أحسن حراسة ورعاية هى التى تمارسها السيدة الفاضلة بنفسها. فمن لايصدق زوجته ويثق فيها, دامت الهموم له صديقا والمنغصات رفيقا.
يا إله السموات العلى, ويامن بيده مقاليد السعادة الروحية, هنيئا لمن أنعمت عليه بزوجة فى مثل ذلك الطهر والنقاء..... عليه أن يتجه بقلبه الى السماء, رافعا يديه لك دائما بالشكر والثناء.
أما أنت أيها الموت_ ياصاحب النفوذ الواسع, فافعل خير ماتستطيع.
وكما فهمت من حديثك, فأنت تدعى أنك تخلص لى النصيحة. واذا كنت فعلا تعرف الاخلاص, فأرجو أن تنصحنى بإخلاص, كما لو كنت قد قطعت على نفسك عهدا بذلك: كيف أخطط الآن لحياتى؟ عشت سابقا فى ظل الحياة الزوجية البهيجة,فأى وجهة أتجه الأن؟ هل أسلك سبيل الدنيويين من بنى الانسان أم أختار طريق الرهبان؟ فالطريقان أمامى مفتوحان. لقد فكرت فى حياة بعض الناس, ووزنتها وقيمتها بمنتهى العناية والاحتراس: فوجدتها كلها غير كاملة, على الانهيار مقبلة, وفى الخطايا نازلة. اننى فى حيرة من أمرى, فالى أين أتوجة, لاأدرى...... أن الانسان فى أى وضع ومكان, مكتوب عليه الهوان. أيها الموت, عليك بالنصيحة, فهذا وقتها. اننى أجد , بل وأظن وأعتقد, أنه لن يعود لى فعلا مثل ماافتقدت من بيت طاهر وانسان بحب الله ظافر. أقسم لك بروحى:لو كنت أدرى أننى سأوفق فى الحياة الزوجية كما كنت , لما ترددت أن أعيش فى كنفها مهما امتد بى العمر. فالرجل الذى رزق بزوجة صالحة, هو رجل متمتع سعيد, منشرح الصدر, معتدل المزاج, أينما كان وحيثما وجد. مثل ذلك الرجل يجد متعة فى السعى وراء لقمة العيش, وفى الطموح الى المجد والشرف , كما أنه يشعر بالسعادة فى أن يدفع الشرف بالشرف, ويقابل الاخلاص بالاخلاص, ويجازى الحسنة بالحسنة. انه ليس فى حاجة أن يحرس زوجته, لأن أحسن حراسة ورعاية هى التى تمارسها السيدة الفاضلة بنفسها. فمن لايصدق زوجته ويثق فيها, دامت الهموم له صديقا والمنغصات رفيقا.
يا إله السموات العلى, ويامن بيده مقاليد السعادة الروحية, هنيئا لمن أنعمت عليه بزوجة فى مثل ذلك الطهر والنقاء..... عليه أن يتجه بقلبه الى السماء, رافعا يديه لك دائما بالشكر والثناء.
أما أنت أيها الموت_ ياصاحب النفوذ الواسع, فافعل خير ماتستطيع.
28- الموت
تعود كثير من الناس على المغالاة فى المدح أو المبالغة فى القدح, عندما يريدون تنفيذ أمر من الآمور_ لكن يجب أن يعرف المدح أو القدح حد الاعتدال, ليطابق مقتضى الحال.
فأنت تمتدح الحياة الزوجية مدحا يفوق كل حد. لكننا نريد أن نحدثك عنها. وبغض النظر عن النساء الطاهرات نرى أنه بمجرد أن يتزوج الرجل, فقد دخل هو وزوجته السجن لدينا. عليه عندئذ واجبات ومسئوليات وتبعات, كأنه يجر زلاقة, وفى رقبته طوق وزناق, تثقل كاهله الأعباء والمشاق, التى لايستطيع التخلص منها طبقا للقانون, طالما لم نمنحه رضانا( أى نتوفاه). لايخلو بيت المتزوج كل يوم من الرعد والعواصف الثلجية, والذئاب والثعابين. فالمرأة تطمع دائما أن تكون هى رجل البيت ( لها اليد العليا): اذا أراد النهوض, فضلت القعود, واذا أراد هذا, أرادت ذلك, واذا أراد شرقا, أرادت غربا. وكل يوم تتكرر هذه المأساة, فيشعر فيها بغلبه وأساه, ان المرأة تستطيع فى لحظه واحدة أن تخدع وتمكر وتتملق وتهذى وتلاطف وتزمجر وتضحك ثم تبكى, فكل ذلك فى دمها. هى فى ساعة العمل سقيمة, وفى أوقات المتعة سليمة, ثم وديعة أو متوحشة حسب ظروفها. هى فى غنى عن أى مساعدة, اذا أرادات المعارضة..... اذا أمرت بشىء تركته, واذا نهيت عن شىء فعلته. فلا يعجبها العجب: اذ تجد شيئا شديدا فى حلاوته, وآخر زائدا فى مرارته, هذا أكثر من اللازم, وذاك أقل من اللازم, هذا قبل الأوان, وذاك بعد فوات الأوان. وهكذا تعيب على كل الأمور..... فاذا حدث وامتدحت شيئا, فانها تعيد فيه وتزيد . حتى المدح والثناء لايخلو من السخرية والهجاء. أما الزوج فلا ينفعه أى حل وسط: فان كان طيبا مسالما, أو قاسيا صارما, فهو فى كلا الحالتين ملام. حتى اذا مزج الطيبة بالشدة, فليس هناك من حل وسط, لآن الأمر ينتهى به دائما الى سوء الجزاء. فى كل يوم طلب جديد, أو خناقات وتهديد, فى كل أسبوع عناد أو عكننة , فى كل شهر سيئات وبدع أو رعب وفزع, فى كل عام ملابس جديدة أو مشاحنات يومية_ كل ذلك يواجهه الرجل المتزوج, مهما فعل. ولنسكت عن مآسيه فى لياليه, فنحن نستحى لكبر سننا. ولولا حرصنا على الترفق والرحمة بالسيدات المحصنات لكنا نضيف الكثير ونحكى الوفير عن غير الفاضلات. عليك اذن أن تنتبه وتعرف ماذا تمدح..... فأنت لاتستطيع أن تميز بين الذهب والرصاص.
29- أكرمانفأنت تمتدح الحياة الزوجية مدحا يفوق كل حد. لكننا نريد أن نحدثك عنها. وبغض النظر عن النساء الطاهرات نرى أنه بمجرد أن يتزوج الرجل, فقد دخل هو وزوجته السجن لدينا. عليه عندئذ واجبات ومسئوليات وتبعات, كأنه يجر زلاقة, وفى رقبته طوق وزناق, تثقل كاهله الأعباء والمشاق, التى لايستطيع التخلص منها طبقا للقانون, طالما لم نمنحه رضانا( أى نتوفاه). لايخلو بيت المتزوج كل يوم من الرعد والعواصف الثلجية, والذئاب والثعابين. فالمرأة تطمع دائما أن تكون هى رجل البيت ( لها اليد العليا): اذا أراد النهوض, فضلت القعود, واذا أراد هذا, أرادت ذلك, واذا أراد شرقا, أرادت غربا. وكل يوم تتكرر هذه المأساة, فيشعر فيها بغلبه وأساه, ان المرأة تستطيع فى لحظه واحدة أن تخدع وتمكر وتتملق وتهذى وتلاطف وتزمجر وتضحك ثم تبكى, فكل ذلك فى دمها. هى فى ساعة العمل سقيمة, وفى أوقات المتعة سليمة, ثم وديعة أو متوحشة حسب ظروفها. هى فى غنى عن أى مساعدة, اذا أرادات المعارضة..... اذا أمرت بشىء تركته, واذا نهيت عن شىء فعلته. فلا يعجبها العجب: اذ تجد شيئا شديدا فى حلاوته, وآخر زائدا فى مرارته, هذا أكثر من اللازم, وذاك أقل من اللازم, هذا قبل الأوان, وذاك بعد فوات الأوان. وهكذا تعيب على كل الأمور..... فاذا حدث وامتدحت شيئا, فانها تعيد فيه وتزيد . حتى المدح والثناء لايخلو من السخرية والهجاء. أما الزوج فلا ينفعه أى حل وسط: فان كان طيبا مسالما, أو قاسيا صارما, فهو فى كلا الحالتين ملام. حتى اذا مزج الطيبة بالشدة, فليس هناك من حل وسط, لآن الأمر ينتهى به دائما الى سوء الجزاء. فى كل يوم طلب جديد, أو خناقات وتهديد, فى كل أسبوع عناد أو عكننة , فى كل شهر سيئات وبدع أو رعب وفزع, فى كل عام ملابس جديدة أو مشاحنات يومية_ كل ذلك يواجهه الرجل المتزوج, مهما فعل. ولنسكت عن مآسيه فى لياليه, فنحن نستحى لكبر سننا. ولولا حرصنا على الترفق والرحمة بالسيدات المحصنات لكنا نضيف الكثير ونحكى الوفير عن غير الفاضلات. عليك اذن أن تنتبه وتعرف ماذا تمدح..... فأنت لاتستطيع أن تميز بين الذهب والرصاص.
" فاضحو النساء لابد وأن يفضحوا"_ هكذا يقول الحكماء العارفون. فلماذا دهاك اذن أيها الموت؟ ان مسبتك الهوجاء للنساء, حتى ولو كانت بعد استئذانهن, هى فى الحقيقة عار عليك, واهانة لهن.
نجد فى مؤلفات بعض الحكماء أن المرأة اذا لم تأخذ بزمام الآمور وتوجه دفة السفينة, فلا يمكن أن أن يصل الزوج الى بر الآمان, أو يشعر بالسعادة والاطمئنان. فالزوجة والأطفال هم جزء غير يسير من السعادة فى الدنيا. وعلى ضوء هذه الحقيقة فاضت الفلسفة الحكيمة بالسلام على روح حكيم المواساة الفيلسوف الرومانى بوتيوس. وشاهدى على ذلك هو كل عاقل حكيم ومفكر عظيم: لاوجود لرجل عفيف طاهر الا فى كنف سيدة طاهرة عفيفة. وليتقول القائلون كما يريدون. فالمرأة المؤدبة الجميلة صاحبة الصون والعفة أفضل من أى سعادة دنيوية أخرى.
ليس هناك رجل ذو رجولة حقة, دون أن يكون وراءه امرأة. وكلما اجتمع عليه القوم فى أى مناسبة_ فى كل ميدان وكل بلاط وكل سباق وكل تحركات الجيش_ فأن المرأة تبلى أحسن البلاء. أن من يقوم على خدمة النساء( يتغنى بهن مثل الشعراء) لابد وأن يكون طاهر السريرة, مبتعدا عن كل إثم وجريرة.
فالفاضلات لهن مدرسة يغرسن فيها الشرف والتربية القويمة. والنساء تمتلكن زمام السعادة الدنيوية: هن حريصات على شرفهن , كما أن مجرد اشارة تهديد من إصبع امرأة طاهرة, يعتبر تربية للرجل وعقابا أمضى من أى سلاح. وبالاختصار ودون محسنات : ان المحصنات من النساء هن سر بقاء الدنيا وتكاثرها وثباتها.
ومع ذلك فلابد من وجود الرصاص الى جانب الذهب, والزمير الى جانب القمح, والعملات المزيفة الى جانب الحقيقية, والفاجرات الى جانب المحصنات. الا أنه لايصح أن نجازى الصالح بذنب الطالح. صدقنى فى ذلك, ياوحش الجبل!!!
نجد فى مؤلفات بعض الحكماء أن المرأة اذا لم تأخذ بزمام الآمور وتوجه دفة السفينة, فلا يمكن أن أن يصل الزوج الى بر الآمان, أو يشعر بالسعادة والاطمئنان. فالزوجة والأطفال هم جزء غير يسير من السعادة فى الدنيا. وعلى ضوء هذه الحقيقة فاضت الفلسفة الحكيمة بالسلام على روح حكيم المواساة الفيلسوف الرومانى بوتيوس. وشاهدى على ذلك هو كل عاقل حكيم ومفكر عظيم: لاوجود لرجل عفيف طاهر الا فى كنف سيدة طاهرة عفيفة. وليتقول القائلون كما يريدون. فالمرأة المؤدبة الجميلة صاحبة الصون والعفة أفضل من أى سعادة دنيوية أخرى.
ليس هناك رجل ذو رجولة حقة, دون أن يكون وراءه امرأة. وكلما اجتمع عليه القوم فى أى مناسبة_ فى كل ميدان وكل بلاط وكل سباق وكل تحركات الجيش_ فأن المرأة تبلى أحسن البلاء. أن من يقوم على خدمة النساء( يتغنى بهن مثل الشعراء) لابد وأن يكون طاهر السريرة, مبتعدا عن كل إثم وجريرة.
فالفاضلات لهن مدرسة يغرسن فيها الشرف والتربية القويمة. والنساء تمتلكن زمام السعادة الدنيوية: هن حريصات على شرفهن , كما أن مجرد اشارة تهديد من إصبع امرأة طاهرة, يعتبر تربية للرجل وعقابا أمضى من أى سلاح. وبالاختصار ودون محسنات : ان المحصنات من النساء هن سر بقاء الدنيا وتكاثرها وثباتها.
ومع ذلك فلابد من وجود الرصاص الى جانب الذهب, والزمير الى جانب القمح, والعملات المزيفة الى جانب الحقيقية, والفاجرات الى جانب المحصنات. الا أنه لايصح أن نجازى الصالح بذنب الطالح. صدقنى فى ذلك, ياوحش الجبل!!!
30- الموت
أحمق هو من يعتبر كوز الذرة كتلة ذهب, والعظم ياقوتا أصفر, والزلط ياقوتا أحمر, ومغفل مخبول هو من يعتبر الحطب حصنا, ونهر الدانوب بحرا, والصقر بازا. وها أنت تمتدح مايفتن العيون, دون أن تفكر فى المسببات, ذلك لآنك لاتدرى أن كل شىء فى هذا الكون عبارة عن شهوة الجسد أو شبق العيون وطمعها, أو زهوة الدنيا وخيلائها. فأما شهوة الجسد فهى تبتغى المتعة واللذة, وأما شبق العين وطمعها فهو يشتهى التملك والثراء, وأما زهوة الدنيا وخيلاؤها فهى تطمع فى المجد والشرف. ثم ان الامتلاك يجلب الجشع والطمع, واللذة تذهب بالحياء, والمجد يصاحبه الغرور والخيلاء. أما النتيجة الحتمية للثراء فهى الجشع والفزع, كما أن عاقبة اللذة هى الشر والخطيئة, والمجد والشهرة يأتيان بالزهو والكبرياء. فلو كان بامكانك ادراك ذلك, لكنت تلاحظ مابالدنيا كلها من غرور وخيلاء. وعندئذ تتحمل راضيا ماقد يصيبك من أفراح وأحزان وتكف عن لومنا وعتابنا.
الا أنه لو كان الحمار يجيد اللعب على القيثارة, لاستطعت أنت أيضا أن تدرك الحقيقة. ولذلك فنحن فى قلق عليك شديد. اننا عندما فرقنا بين الفتى بيراموس ومحبوبته تيسبى , وكانا عبارة عن قلب واحد وروح واحدة, وعندما انتزعنا من الاسكندر سيطرته وسلطانه الواسع, وعندما حطمنا باريس أمير طروادة, ومعبودته هيلينا اليونانية_ عندما فعلنا كل ذلك , لم نصادف من اللوم مثل مانلنا على يديك الأن. بل لم يصبنا الكثير من المتاعب والمضايقات, عندما قبضنا على روح القيصر كارل, والشريف فيلهيم ( وليام),ديتريش فون بيرن, بوب المتين, سيجفريد الحصين. ومع أن كثيرا من الناس تنعى حتى اليوم موت أرستطاليس وابن سينا, فلم يتعكر لنا صفو. بل انه عندما توفى الملك القاهر داود, وتوفى سليمان الحكيم, فقد حصدنا من الشكر مايزيد عن اللعنات. لقد مات كل من سبقهم من السلف, وسيموت كل من جاء بعدهم من الخلف, كما أنك وكل من يعيش اليوم أو مستقبلا, لابد وإنكم بهم لاحقون, وعلى دربهم سائرون. أما نحن_ الموت_ فنظل السيد السائد فى الكون.
الا أنه لو كان الحمار يجيد اللعب على القيثارة, لاستطعت أنت أيضا أن تدرك الحقيقة. ولذلك فنحن فى قلق عليك شديد. اننا عندما فرقنا بين الفتى بيراموس ومحبوبته تيسبى , وكانا عبارة عن قلب واحد وروح واحدة, وعندما انتزعنا من الاسكندر سيطرته وسلطانه الواسع, وعندما حطمنا باريس أمير طروادة, ومعبودته هيلينا اليونانية_ عندما فعلنا كل ذلك , لم نصادف من اللوم مثل مانلنا على يديك الأن. بل لم يصبنا الكثير من المتاعب والمضايقات, عندما قبضنا على روح القيصر كارل, والشريف فيلهيم ( وليام),ديتريش فون بيرن, بوب المتين, سيجفريد الحصين. ومع أن كثيرا من الناس تنعى حتى اليوم موت أرستطاليس وابن سينا, فلم يتعكر لنا صفو. بل انه عندما توفى الملك القاهر داود, وتوفى سليمان الحكيم, فقد حصدنا من الشكر مايزيد عن اللعنات. لقد مات كل من سبقهم من السلف, وسيموت كل من جاء بعدهم من الخلف, كما أنك وكل من يعيش اليوم أو مستقبلا, لابد وإنكم بهم لاحقون, وعلى دربهم سائرون. أما نحن_ الموت_ فنظل السيد السائد فى الكون.
31- أكرمان
كثيرا مايوقع الحديث صاحبه فى الشرك, خصوصا اذا أدلى المتحدث الآن بأقوال تخالف أقواله بعد قليل. سبق أن قلت إنك شىء وفى نفس الوقت لاشىء, وإنك لست روحا, ولكنك نهاية الحياة, وان البشر جميعا تحت وصايتك. أما الآن فأنت تقول: لابد وأن نفنى جميعا, الاأنت أيها الموت, فستبقى السيد السائد. هذان قولان متعارضان, ولايمكن أن تثبت صحتهما فى أن واحد. إن صح أننا جميعا نفارق الدنيا, وان كان للحياة الدنيا لابد من نهاية, وأنت تمثل _ على حد قولك_ تلك النهاية, فإننى ألفت النظر الى الملحوظة الآتية: اذا لم تكن هناك حياة, فلن يوجد اطلاقا موت أو وفاة, فإلى أين تذهب اذن أيها السيد الموت؟ أنت لاتستطيع أن تقيم فى الجنة, فهى مكتوبة للأرواح الطاهرة الصالحة, وأنت لست روحا كما تقول بنفسك. فعندما تنتهى مهمتك على الأرض, ثم تفنى الأرض , لابد اذن أن تشق طريقك مباشرة الى النار, وبداخلها لابد وأن تتعذب بلا نهاية. وفى ذلك انتقام للأحياء والأموات منك. ان حديثك المتغير لايمكن أن يهتدى به أحد.
هل يعقل أن تكون كل الأشياء الدنيوية قد خلقت شريرة, بائسة يائسة, عاطلة باطلة؟ ان الخالق الخالد ماكان ليسمح بذلك أبدا. فمنذ بدء الخليقة للآن يحب الله الفضيلة, ويكره الشر والرذيلة, ويغفر الخطايا أو يعاقب عليها. وأنا أعتقد أنه مازال يفعل ذلك دائما وأبدا. اننى منذ صباى وأنا أستمع لما يقرأ, ثم تعلمت أن الله هو خالق كل شىء فى الدنيا, وأنت تقول بأن الحياة والكينونة لابد وأن تفنى وتزول. بينما يقول أفلاطون وغيره من الحكماء ان فناء شىء يشتمل على مولد شىء أخر, وأن كل الأشياء قامت على أساس البعث من جديد, وأن أحداث الآرض والسماء متجاوبة الأصداء, وتؤثر أحداها فى الأخرى باستمرار. لقد أردت بحديثك المزعزع المتقلب_ الذى لايمكن أن يعتمد عليه أحد_ أن تفزعنى لأتراجع عن شكواى. ولذلك أحتكم معك الى الله, فهو ملاذى, أيها الموت المهلك المضلل, فليصب الله عليك غضبه.
هل يعقل أن تكون كل الأشياء الدنيوية قد خلقت شريرة, بائسة يائسة, عاطلة باطلة؟ ان الخالق الخالد ماكان ليسمح بذلك أبدا. فمنذ بدء الخليقة للآن يحب الله الفضيلة, ويكره الشر والرذيلة, ويغفر الخطايا أو يعاقب عليها. وأنا أعتقد أنه مازال يفعل ذلك دائما وأبدا. اننى منذ صباى وأنا أستمع لما يقرأ, ثم تعلمت أن الله هو خالق كل شىء فى الدنيا, وأنت تقول بأن الحياة والكينونة لابد وأن تفنى وتزول. بينما يقول أفلاطون وغيره من الحكماء ان فناء شىء يشتمل على مولد شىء أخر, وأن كل الأشياء قامت على أساس البعث من جديد, وأن أحداث الآرض والسماء متجاوبة الأصداء, وتؤثر أحداها فى الأخرى باستمرار. لقد أردت بحديثك المزعزع المتقلب_ الذى لايمكن أن يعتمد عليه أحد_ أن تفزعنى لأتراجع عن شكواى. ولذلك أحتكم معك الى الله, فهو ملاذى, أيها الموت المهلك المضلل, فليصب الله عليك غضبه.
32- الموت
فى كثير من الأحيان لايستطيع الانسان أن يكف عن حديث بدأ فيه, الا اذا قاطعه غيره. وتنطبق عليك هذه القاعدة. لقد سبق أن قلنا, ومازلنا نقول حتى تصل بالحديث الى نهاية:إن سنة الحياة الدنيا بكل مافيها هى الفناء والزوال. وفى وقتنا هذا تغيرت معايير الدنيا, وانقلبت الأمور وأوضاعها: فصارت المؤخرة فى الأآمام, والمقدمة فى الوراء, وانخفض الجبل, وارتفع الوادى, وأصبح الباطل حقا لدى أغلبية الشعب, لقد رميت بالجنس البشرى كله الى نار جهنم الموقدة. أصبح من شبه المستحيل فى هذه الدنيا أن يعيش المرء على بصيص من النور يهتدى به, أو يجد صديقا صدوقا دائم الاخلاص. أصبح الناس جميعا أكثر ميلا الى الشر منه الى الخير. فاذا عمل أحدهم اليوم عملا طيبا, فإنما يفعله خوفا منا. أصبح الناس جميعا مغرورين بأعمالهم. إن أجسادهم وزوجاتهم وأطفالهم وأمجادهم وممتلكاتهم وكل ثرواتهم_ هذه كلها الى زوال: ففى لحظة واحدة تفنى وتزول, تذروها الرياح, فلا يبقى أثر فى المظهر أو المخبر.ألا فلتلاحظ وتدرك, وترى وتتحقق من نوايا أبناء آدم اليوم: فهم يعيثون فى الأرض, ينقبون فى الوادى والجبل,فى الخشب والصخر, فى الحقول والبرارى والغابات, فى قاع البحر وبطن الأرض_ بحثا وراء متاع الدنيا. وهم يملآون جوف الأرض بالأنفاق والخنادق ويقطعون أوصال الأرض وعروقها, باحثين عن التربة البراقة(الذهب) التى يحبونها لندرتها أكثر من أى شىء. وهم يقطعون الأخشاب ليقيموا منها الحوائط والمخازن والبيوت, كما تفعل العصافير. وهم يزرعون الحدائق ويطعمون أشجارها, ويفلحون الحقول, ويغرسون الكروم, ويبنون المطاحن, ويرفعون العوائد والضرائب , ويمارسون الصيد فى البر والبحر والجو, ويسوقون قطعان الماشية, ويمتلكون كثيرا من الخدم والجوارى, ويمتطون صهوات الجياد, ويختزنون ويكنزون صناديق الدهب والفضة والأحجار الكريمة والثياب الفخمة, ويحافظون على الشهوات والملذات ويسعون وراءها ليلا ونهارا. فماذا يعنى كل ذلك؟ كله غرور وخيلاء يصدر عن نفوس مريضة. كل شىء زائل زوال نهار أمس, وهم يحصلون على ذلك كله عن طريق الحرب والسرقة والنهب , فكلما زادت الامتلاكات, دل ذلك على كثرة السرقات. ثم هم يتركونها وراءهم لتسبب النزاع والعراك والخلاف والشقاق. أواه, أن بنى الانسان يعيشون دائما فى مخاوف وكدر,فى أحزان وهموم, فى خوف وفزع, فى فترات ألم, وأيام مرض, فى حزن ونكد, فى تعاسة وشقاء, وكرب وبلاء, وفى مختلف المكاره والشدائد. وكلما زادت عقارات الانسان, كثرت لديه الآحزان . يضاف الى ذلك أمر من أخطر الآمور, وهو أن الانسان لايدرى متى وأين وكيف ننقض فجأة علية ونزج به فى طريق الأموات. وهذا الهم لابد وأن يقع تحت طائله السيد والمسود, الذكر والأنثى, الغنى والفقير, الطيب والشرير, حديث السن والطاعن فيه_ واأسفاه , كم يجهل الأغبياء ذلك, وبعد فوات الآوان, يريدون جميعا الصلاح والايمان. وكل ذلك خيلاء فوق خيلاء, وتحميل للنفس بالأعباء.
ولذلك فلنترك الشكوى, وتنضم لأى طبقة تهوى, فسوف تجد فى كل منها العيب والغرور. ومع ذلك فعليك أن تربأ بنفسك عن المساوىء والشرور, وتفعل الخير وتنشد الهدوء والسلام, وتتمسك به على الدوام, ولتحب نقاء الضمير وصفاءه أكثر من حبك لكل متاع الدنيا. لقد أخلصنا لك النصيحة, والآن نقف معك بين يدى الله, الخالد, الكبير, ذى القوة المتين.
ولذلك فلنترك الشكوى, وتنضم لأى طبقة تهوى, فسوف تجد فى كل منها العيب والغرور. ومع ذلك فعليك أن تربأ بنفسك عن المساوىء والشرور, وتفعل الخير وتنشد الهدوء والسلام, وتتمسك به على الدوام, ولتحب نقاء الضمير وصفاءه أكثر من حبك لكل متاع الدنيا. لقد أخلصنا لك النصيحة, والآن نقف معك بين يدى الله, الخالد, الكبير, ذى القوة المتين.
صوت الحق في حق الموت
33
33
الربيع والصيف والخريف والشتاء_ وهم قوام السنة ومحيوها الأربعة_ اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا أمرهم. أخذ كل منهم يتباهى بحسن نواياه, ويبرر حالات المطر والرياح والرعد والرذاذ, وكل مظهر من مظاهر سوء الأحوال الجوية, كما أراد كل منهم أن يبز الآخرين فيما يفعل.
فقال الربيع انه يبعث الحياة فى كل الثمار, ويجعلها كثيرة وفيرة. وقال الصيف انه ينضج الثمار حتى يحين قطافها.
وقال الخريف انه موسم الحصاد والتخزين, ففيه تمتلىء الشون والمخازن والبيوت بالثمار.
أما الشتاء فقال انه يلتهم الثمار ويستهلكها, ويطارد كل الديدان السامة.
أخذ الأربعة يتباهون بصنيعهم ويتنازعون أمرهم. لكنهم نسوا أنهم بذلك إنما يفاخرون بقوتهم الشخصية, ويمتدحون سلطتهم الذاتية.
وهكذا تفعلان. إذ يبكى الشاكى فقيدته, وكأنها كانت ملكاً له, ولم يخطر له على بال , أنها كانت وديعة أودعناها لديه. أما الموت فهو يفخر بسلطته ويتباهى بسلطانه, ذلك السلطان الذى لم يعره إياه سوانا.
ذاك يشكو من فقدان شىء لايملكه, وهذا يتباهى بسلطة استمدها من غيره. ومع ذلك فليست أسباب النزاع واهية, بل لها وجاهتها: لقد أحسن كل منكما فى دفاعه عن وجهة نظره, ذاك تدفعه آلامه إلى الشكوى, وهذا يضطره هجوم الشاكى إلى قول الحقيقة.
لهذا نحكم لك بالشرف والكرامة أيها الشاكى, ولك بالغلبة والنصر أيها الموت.... فقد كُتِب على كل إنسان أن يدفع حياته للموت. ويعطى جسده للأرض , ويسلم روحه إلينا.
فقال الربيع انه يبعث الحياة فى كل الثمار, ويجعلها كثيرة وفيرة. وقال الصيف انه ينضج الثمار حتى يحين قطافها.
وقال الخريف انه موسم الحصاد والتخزين, ففيه تمتلىء الشون والمخازن والبيوت بالثمار.
أما الشتاء فقال انه يلتهم الثمار ويستهلكها, ويطارد كل الديدان السامة.
أخذ الأربعة يتباهون بصنيعهم ويتنازعون أمرهم. لكنهم نسوا أنهم بذلك إنما يفاخرون بقوتهم الشخصية, ويمتدحون سلطتهم الذاتية.
وهكذا تفعلان. إذ يبكى الشاكى فقيدته, وكأنها كانت ملكاً له, ولم يخطر له على بال , أنها كانت وديعة أودعناها لديه. أما الموت فهو يفخر بسلطته ويتباهى بسلطانه, ذلك السلطان الذى لم يعره إياه سوانا.
ذاك يشكو من فقدان شىء لايملكه, وهذا يتباهى بسلطة استمدها من غيره. ومع ذلك فليست أسباب النزاع واهية, بل لها وجاهتها: لقد أحسن كل منكما فى دفاعه عن وجهة نظره, ذاك تدفعه آلامه إلى الشكوى, وهذا يضطره هجوم الشاكى إلى قول الحقيقة.
لهذا نحكم لك بالشرف والكرامة أيها الشاكى, ولك بالغلبة والنصر أيها الموت.... فقد كُتِب على كل إنسان أن يدفع حياته للموت. ويعطى جسده للأرض , ويسلم روحه إلينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق