بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 نوفمبر 2014

غواية العشق ووهم الوصال (الفصل الثانى)

الفصل الثانى
فلاح بوهيميا / محاكمة الموت




بعد قراءة أعمال الشاعر المصري الكبير "صلاح عبد الصبور"، وجدت نفسي مأخوذاً بما كتبه و مشغولاً بما جاء في أدبياته .
بعد قراءة "موت فلاح" و "زرنا موتانا في يوم العيد" و "شنق زهران" قمت بكتابة دراسة قيمة عن رؤية الشاعر للموت و الحب و القصائد التي تصور الإنسان ما بعد موت أحبته كانت وفيرة و مثيرة..

أتذكر الفاروق عمر بن الخطاب ،عندما سمع بموت الرسول الكريم، لم يتوان فى الإنكار ومهاجمة من أذاع هذا الخبر المُفزِع،ويرفع السيف فى وجه كل من يقابله .

كلما هجست لى نفسي أتساءل و أضع الموت في قفص الإتهام أستجوبه صارخاً:
لماذا "قمـر" لماذا قمر و هناك الملايين أمامك من البشر ، الذين تضيق بهم الحياة و تتمنى زوالهم !!؟؟
ألست_ أنا _بشراً أيضاً؟؟؟؟؟

و بثبات المؤمن أجد نفسي تثوب راضية و أعود الى نفسي قائلاً : لكل أجلٍ كتاب . 

8- الموت

لقد كتب الله الجنة للأطهار, وجهنم للأشرار وأورثنا نحن (الموت) الأرض والديار. وخص الجنة بالسلام والثواب لما فيها من فضائل, كما اختص النار بالشقاء والعقاب لما فيها من بحار,فقد كلفنا بها القوى القهار, وأمرنا بأن نقتلع منها الزائد ونجتث الفائض.

تخيل _ أيها الأحمق_ تريث وأمعن الفكر وحكم العقل, فلعلك تفهم مايلى: لو أننا منذ عصور البشرية الأولى تركنا الأعداد تتزايد من بنى الانسان ومن الحيوان ومن الديدان فى الصحارى وفى لغابات الكثيفة, ثم تركنا الماء بما فيه من الأسماك, ذات الحراشف منها والثعابين, ولم نستأصل منها الزائد والفائض, لما استطاع أحد اليوم أن يقاوم البعوض , وماجرؤ أحد على الخروج خوفا من الذئاب, كما أن الانسان قد يفترس أخاه الانسان, ويفترس الحيوان بنى جنسه,ويقضى كل كائن حى على غيره , ذلك لأن الغذاء سوف ينقصهم وتضيق عليهم وبهم الأرض بما رحبت.
أحمق هو كل يبكى على الأموات .... دعك من هذا وخفف عن نفسك. دع الأحياء يعيشون , والموتى فى قبورهم , فتلك سنة الحياة للآن, يحسن بك أيها المأفون أن تفكر فيما هو بالشكوى جدير.
9- أكرمان

لقد فقدت أغلى الكنوز الى الأبد_ أفلا يصح أن أحزن وأغتم, خصوصا وأننى سأقضى بقية عمرى محروما من كل المباهج؟ أسأل الله اللطيف القدير أن ينتقم لقلبى الكسير من كل الملذات والنعم, وسرقت منى أحلى ايام, وحرمتنى كبير الشرف والمقام. كنت أزهو عندما كانت الطيبة العفيفة الطاهرة تلعب كالملاك مع أطفالنا المولودين فى عشنا الطاهر. ماتت الدجاجة التى دأبت على تربية هؤلاء الكتاكيت..... ياالهى, ياقوى, كم كنت منشرحا مسرورا كلما رأيتها تخطو فى حياء واحتشام, لدرجة جعلت الناس يتابعونها بأنظارهم فى حب واعجاب ويقولون لتلك الرقيقة الشكر والثناء والشرف, بارك الله فيها وفى فلذات كبدها, وأنعم عليها وعلى طيورها بالخير والبركة).
_ لو كنت أعرف كيف أقدم لله خالص الشكر على ذلك لما ترددت أبدا. هل هناك من رجل فقير من الله عليه بمثل ماوهبنى؟ _ وقد تختلف الآراء والمفاهيم, لكنى أعتقد أن من يهبه الله زوجة طاهرة فاضلة جميلة, فقد أنعم عليه بنعمة تعلو على كل نعم الدنيا. يا الهى ياقوى ياقهار....... ماأسعد من وهبته زوجة طاهرة لم يمسسها بشر......
فلتفرح يامن شرفك الله بزوجة طاهرة. ومتعكما الله سويا بالسعادة.... ماذا يعلم أى أحمق عن ذلك, طالما وأنه لم ينهل من ماء البئر الطاهر؟ _ورغم ما أصابنى من ظلم وفجيعة, فأننى أشكر الله من الأعماق على أن جعل الكاملة الطاهرة من نصيبى.
فليمقتك الله الى الأبد , أيها الموت الخبيث, ياعدو البشرية!

10- الموت

يبدو من حديثك أنك لم تشرب من ينبوع الحكمة, ولم تمعن الفكر فى أمور الطبيعة وأثارها, ولم تتبصر أمور الدنيا وتدرك التغيير الدائر بها. انك جرو ساذج وأهوج..... أفلا تلاحظ كيف أن الورود الجميلة, والزنابق الشذية الفياحة بالحديقة, وأعشاب العقاقير الفعالة, والزهور التى تشرح الصدر فى البساتين, وكيف أن الأحجار الراسخة والأشجار الباسقة فى الغابات, وكيف أن الدببة القوية والأسود الجبارة فى البرارى الموحشة, وكيف أن الأبطال المغاوير, وذوى المهارات والموهوبين, والأحبار العالمين, وذوى الكفاءات الحرفية المختلفة, وكيف أن مخلوقات الدنيا جميعا_ مهما كانوا أذكياء, ظرفاء, أقوياء, ومهما عاشوا وعمروا , ومهما طالت ممارستهم لأعمالهم_ فأنهم مقضى عليهم بالفناء ومصيرهم الى الزوال؟ _ فاذا كانت جميع أجناس البشر, السابقون منهم واللاحقون, يسيرون إلى زوال, وينتقلون من الحياة الى العدم, فكيف يصح لمنشودتك التى تبكيها أن تتمتع, وألايصيبها مايصيب الأخرين,أو كيف يمكن ألا يحدث للآخرين ماحدث لها ؟ _ أنت بنفسك لن تفلت منا , مهما قل توقعك الآن لهذا الأمر. لابد وأن يقول كل منكم اننا جميعا على هذا الباب واردون, شكواك اذن لامعنى لها ولاطائل وراءها, فهى لن تساعدك فى شىء, لأنها تصدر عن بلادة ذهن ( وقلة احساس).

11- أكرمان

أعهد بأمرى إلى قاهرى وقاهرك, إلى القوى فوق عباده, فهو سوف يحمينى وينتقم لى منك أشد الانتقام لقاء ما ارتكبت فى حقى . ان ماتتحدث به الآن أمامى, لهو ضرب من ضروب المغالطة والشعوذة, اذ تخلط فيه دائما بين الزيف والحقيقة, وتريد أن تقضى على الألم البالغ المعتمل فى نفسي وعقلى ووجدانى , تريد أن تصرف عنه عينى وحواسى وأعماق نفسى. عبثا تحاول, فلن يكون لك ماتريد, ذلك لأن خسارتى الفادحة_ والتى لن أستطيع أبدا تعويضها _ تؤلمنى وتحز فى نفسى, فقد كانت ( الفقيدة) دائما بلسمى الشافى من كل ألم وضيق, كانت العبدة المطيعة لربها, المستجيبة لزوجها, الحارسة على بدنى, الساهرة ليلا ونهارا على شرفى وشرفها. كانت تنفذ كل ماتؤمر به, وتؤديه على خير الوجوه, كاملا غير منقوص بل وتزيد عليه غالبا . لقد أقام فى منزلها كل من الاعتدال والحرص والعناية والتعقل والحكمة دائما. كما رفعت الحشمة مرأة الشرف دائما أمام عينيها. كان الله خير حماتها, كما كان كريما رحيما معى من أجل خاطرها. حباها الله بكل ماتستحق, ونالت منه كل ماتبتغى: الحياء والعفاف وهما شرف البيت الطاهر, اللهم فأجزها خير الجزاء, ياخير من يجزل العطاء, يامثيب الأوفياء, ويا أغنى الأغنياء..... كن رحيما بها بأكثر مما أتمنى لها!
آه آه ثم آه, أيها الموت, أيها السفاح الذى لايعرف الحياء, فيك تستتر الرذيلة فى أخبث رداء.... فليحكم عليك الشديد العقاب, ويكتب عليك العذاب وكلما ترجوه غفرانا يزيدك من العذاب ألوانا !!!!!


12- الموت
لو كنت تستطيع أن تحسن القياس والتقدير, أو الحساب والتفكير, لما تفتق رأسك الأجوف عن مثل هذا الحديث المعجرف. انك تصب اللعنات وتطالب بالانتقام دون فهم أو مدعاة . فماذا يعود عليك من هذة الحماقة؟ سبق أن قلنا بعاليه: أن كل كائن مهما كان غنيا بالأفكار والحيل نبيلا, فاضلا, جريئا, نشيطا, وكل ماهو حى لابد وأن ينتهى على يدنا. ومع ذلك فأنت تنبح وتولول قائلا بأن كل سعادتك كانت مجسمة فى زوجتك الطاهرة الماهرة, فاذا كان من رأيك أن السعادة لاتتوفر إلا فى النساء , فأننا نريد أن نخلص إليك النصيحة بأن تداوم على السعادة, ولكن حذار أن تنقلب السعادة إلى تعاسة.
أخبرنا: هل وجدت زوجتك ماهرة شاطرة عند زواجك منها, أم أنك علمتها المهارة والنشاط؟ اذا كنت وجدتها كذلك, فعليك البحث ( عن غيرها) بشىء من التعقل والروية.... انك تجد فى الدنيا كثيرا غيرها من النساء الطاهرات, ممن ترضى بك احداهن زوجا ... أما اذا كنت علمتها الهمة والنشاط, فأبشر.. فمازلت أنت المعلم على ظهر الحياة وتستطيع أن تتخذ زوجة تربيها وتعلمها.
ولكن دعنى أقول لك شيئا أخر: كلما زاد حبك, زاد بعد ذلك ألمك. فلو كنت تحفظت فى الحب , لما كنت تشعر الآن بفداحة الكرب. فكلما زادت فرحة المرء بحبه, كلما زاد أساه عند الحرمان من الحب.
فالنساء والبنون, والكنوز وكل عقار دنيوى_ هى جميعا تجلب بعض السرور فى البداية, وتأتى بمزيد من الغم فى النهاية. ولابد أن ينقلب كل حب دنيوى إلى كرب قوى. فالكرب هو نهاية الحب, كما أن الحزن نهاية الفرح, والتعا سة تعقب السعادة, ونهاية المزاج هى تعكير المزاج, وهذه هى نهاية الشوط الذى تسعى اليه كل الكائنات الحية . افهم وتعلم, يامن تدعى النباهة والذكاء.

13- أكرمان

بعد الخسارة تأتى الشماتة_ هذا مايشعر به المحزونون. وهذا مايحدث منك لى وأنا المصاب المحزون. لقد حرمتنى من الحب, وأنزلت بى الأسى, وعلى أن أتحمل ذلك الى ماشاء الله. ولكن مهما كنت متبلد الحس, ومهماكان تحصيلى من الحكمة على أيدى أربابها الأحبار تحصيلا قليلا,فأننى أعلم علم اليقين أنك أنت اللص الذى سلبنى مبعث شرفى,أنت سارق أفراحى, وخاطف أجمل أيام حياتى, ومبيد ملذاتى, ومدمر كل شىء من شأنه تدبير وضمان حياة هانئة لى. فعلام أفرح وأستبشر؟ أين أبحث عن السلوى والعزاء؟ أين أجد الملجأ والملاذ؟ أين أعثر على دار للشفاء؟ بل أنى لىبنصيحة تقوم على صدق ووفاء؟_ ماضاع ضاع, وقضى الأمر. لقد هجرنى السرور قبل الأوان, وأصبحت أفراحى فى خبر كان, وبسرعة البرق انتزعت منى المخلصة الوفية , وجعلتنى أرملا وأطفالى يتامى بلا رحمة ولاشفقة. وها أنذا أقف وحيدا تعيسا, مشحونا بالألام لاأستطيع منك القصاص , وأنت لاتريد مواساتى أو تعويض خسارتى, نعم لم تعوضنى عن أفراحى أو تضمد جراحى, رغم جريمتك الكبرى فى حقى. فما هو الوضع أيها الموت, يامفرق الأزواج؟ لايستطيع أحد أن يحصد من ورائك خيرا, فأنت لاتريد تعويض أحد عن ضرر ألحقته به,ولاتريد أن تمسح دموع من تبكيهم. اننى أعلن هنا أن الرحمة ليس لها فى قلبك سبيل, وأنك لم تتعود إلا على اللعنة, فأنت عديم الرأفة حيث أتيت. أبتهل الى من بيده مقاليد الأمور, من موت وحياة, أن يرسل عليك مثل ماتؤديه للبشرية من خدمات, ومثل ماتمنحهم من بركات, أو تعطيهم من جزاءات, وأن ينزل عليك نفس النهاية التى تفرق بها الجماعات. يارب الملائكة الأبرار, عوضنى عما لحق بى من خسارة وأضرار.عوضنى عن ألمى البالغ أما هذا التحدى الصارخ. ثم انتقم لى من المجرم الغادر_ وهو الموت_ يا الهى يامنتقم ياقادر!

14- الموت

حديث لاجدوى منه, والصمت أبلغ منه, لأن الرجل المرتبك لايجنى من حديثه الأحمق سوى الخلاف, والخلاف يولد العداء, وبعد العداء الاعتداء , وبعد الاعتداء التجريح , وبعد التجريح الألم وأخيرا الندم. إنك تعلن الخلاف علينا, وتشكو بأننا فجعناك فى زوجتك العزيزة جدا عليك. إنه لم يحدث لها سوى الخير والبركة: فقد ضممناها تحت لوائنا, دون المساس بشرفها وهى فى ريعان الشباب, وجميل القوام, وأبهج الأيام, وأفضل احترام واجب, وأحسن وقت مناسب . ذلك هو ماامتدحه وابتغاه كل الحكماء حيث قالوا ماأحلى الموت عندما تحلو الحياة)... فلم يمت خير موتة ذلك الذى يشتهى الموت ويتمناه, ولابد أن من يدعونا لقبض روحه, قد زهق طول حياته. ياحسرة على كل من بلغ بة العمر أرذله, فهو فعلا مسكين فقير, مهما كان لديه من المال الوفير.فى ذلك العام,وبعد عيد الصعود, وعند عملية ولادتها, تركنا الأم الشهيدة تودع الدار الفانية ببؤسها وخداعها البراق. وكان هدفنا أن تلحق بالرفيق الأعلى فى سعادة أبدية وحياة متصلة باقية, وأن تخلد لراحة لانهائية هى أهل لها. ورغم كرهك الشديد لنا فأننا نتمنى لك أن تصمد روحك وتلتقى بروحها هناك فى أعلى عليين, وأن يبقى جسدك بجوار جثمانها فى مقابر الدار الدنيا. أردنا أن نكون شفعاء لك, نضمن لك التمتع بحسن صنيعها. صه اذن وكف عن الحديث..... انك لو استطعت أن تنتزع من الشمس ضوءها, ومن القمر برودته, ومن النار جذوتها, ومن الماء سيولته, فأنك لن تستطيع أن تجردنا من سلطتنا.




الموت توأم الحياة


كان كتاب الشاعر الهندى "طاغور" (قربان الأغانى *) السفينة التى مخرت به عباب المحيط العاتى ليحصد فى آخر المطاف جائزة نوبل للآداب سنة 1913م.
كنت معجباً به وباسمه (ربندرانات طاغور) إسم كان لحروفه عند سماعه رنين السحر و نغم الموسيقى الحالمة .
كم طال وقوفى عند نظرته الإيجابية المتفائلة للموت ، ورؤيته الراسخة بأن الموت ليس سوى الوجه الآخر للحياه ......

(كل أبياتى المعبرة عن البهجة
تمتزج بآخر أغنياتى
تلك البهجة التى تجعل التوءمين
الحياة والموت
يرقصان عبر العالم )

لقد كان يرحب بالموت بذات الحرارة التي نرحب بها ولادة الحياة فلا نرى رجفة التردد في كلماته و لا تهيب الخائف في سرده . و تأتي أشعاره لتؤكد لنا بيقين لايخالجه شك أنه كما كُلِّف بالحياة فهو أيضاً كلف بالموت ...

(عندما يحين الموت
فإن المجهول سينحسر أمامى
كأننى أعرفه منذ الأزل
ولأننى مكلف بالحياة
فسأكلف بالموت أيضا)

كلما وقعت عينى على الكلمات التسع التالية أشعر برعدة تتنشلنى من ظنون الخلود وتهتف بى أن الرحيل قريب.

( قد انطفأ المصباح
وقد بلغنى النداء
وإنى مستعد للرحيل)

وأقف مندهشاً لهذا الثبات والشجاعة التى تشى بها السطور اللاحقة من الرضاء والخشوع والاستسلام لما هو مقدر ومكتوب .
الموت في نظره هو إنجاز آخر لا يختلف عن إنجازات النجاح بل هو آخر إنجازات الإنسان ، و لابد أن يلقاه بسعة صدر وبقلب مطمئن وابتسامة مضيئة وروح تذوب شوقاً ولهفة إلى لقاء الموت.......

(أيها الموت
ياموتى
آخر انجازات حياتى
تعال وتحدث إلى همساً
لقد انتظرتك يوماً بعد يوم
وتحملت من أجلك أفراح الحياة وأتراحها
نظرة أخيرة من عينيك
ستجعل حياتى كلها لك)


و يستفيض "طاغور" ليكتب أنشودة تفيض رقةً وعذوبةً وشجناً مؤثراً فى العقل والوجدان عن ألم الفراق وحضور الموت فجأةً لاستلاب أرواح الأحبة .....

(هو ألم الفراق
ينبسط فى كل أرجاء الكون
ويولد فى السماء الرحيبة أشكالاً عديدة
إن حزن الفراق
يحدق فى صمت
طوال الليل وينتقل ببصره من نجمة إلى أخرى
ثم يصبح أغنية بين حفيف الأوراق
هذا الشقاء الذى يعزو كل شىء
ينصهر فى مشاعر حب
ورغبات
وأفراح وأتراح
فى مسكن البشر )

منسجماً مع نفسه و مع إيمانه بتوأمية الموت و الحياة ، يتواصل طاغور مع حقائق الوجود ويضحك ويهمس فى صدق وجلال وصراحة بالغة ويقين مؤكد ......

(إن الزمن لقصير
فلتأت إذا ياليالىّ الممطرة
بخطوات سريعة صغيرة
ولتضحك ياخريفى الذهبى
ولتأت يانيسان الخالى البال
يا أحبائى إنكم تعلمون أننا فانون)







وأعيش مع العظيم فيكتور هوجو (1802_1885م)فى ديوانه الأخير( التأملات) وفى قصيدته الإيمانية ( ما الموت؟ أو(هذا هو الموت)
أُقدم بعضاً منها:

(لاتقولوا نموت ،قولوا نولد
ترى ما أراه .......وماترونه
نحن الرجل الخاطىء ..هو أنت ،وهو أنتم
ننغمس فى الملذات فى الزوابع فى الاحتفالات
نحاول أن نتناسى الباطن،النهاية والصخور
بالمساواة المظلمة للشر والتابوت
التى تساوى الأصغر بالأغنى .

إنهم نفس الدمعة وسيصبحون نفس العين
نحيا مضيعين أيامنا فى الإمتلاء غرورا
نسير ،نهرع ،نحلم،نعانى ،نتمنى فنسقط
نصعد فما هذا الفجر ؟؟إنه القبر
أين أنا وسط الموت ،آه!
ريح مجهولة تلقى بنا عند عتبة السماوات
نرتجف ،نرى أنفسنا عراة
ملوثين مستبعدين معقدين بألف عقدة حزينة
من أخطائنا من عارنا المظلم.
فجأة نسمع هاتفا يأتى من الأبدية
ونجد أنفسنا مباركين بالحب
دون أن نرى اليد التى تسقطه على أرواحنا المدنسة
نعود بشرا....
ونحيا ومن النشوة من الأفق نمتلىء )

هذا الإيمان الذى تمتلىء به نفس الشاعر، وتحليقه فى سماوات العلا ،مؤمناً شديد الإيمان بأخطائه، معترفاً بها ،ذاكراً إياها ،لكنه آملُ فى الخلاص وأن الموت تتبعه حياة أكثر جمالا ،وأفضل سعادة ،وأرق ريحاً، وأعذب نشوة وأرقى إنتشاءً.
إنها الفردوس والغد المأمول.وأن رحمة الله فوق كل شىء،هذه اليد الحانية التى تنشر فى قلوبنا الحب وتبارك أرواحنا باليقين والنشوة والحياة.



   

الشعر الفرنسى .... أحب قراءته بلغته أو مترجماً ،توقفت كثيراً عند الفريد دو فينى(1797_1863م)،هذا الشاعر/ المفكر والذى يعد وبلا منازع من أعظم شعراء الفرنسية وقصيدته ((( الأقدار))).
أقدم سطوراً منها:


تقول بنات الأقدار:نحن _ يارب _الأقدار الباردة
نحكم بين أصابعنا الأيام والسنين
أن نسوق هذه القطعان الضعيفة المستسلمة
من البشر ! الذين يعيشون لحظتهم
والمحكوم عليهم بالموت_
إلى نهايتهم التى نحددها نحن لهم.
وعم صمت كأن الأرض قد توقفت
ثم ملأ الأعماق
صوت منبعث من الأعالى:
عودوا باسمى _أنا القدر_ أيتها الملكات
فالانسان سيظل دائما
سباحا تائها فى أمواج الزمان
الذى يقاس ويمضى.
ستلمسن جبهته يابنات الأقدار
بينما ذراعه تتخبط فى المياه .
باحثا عن مكانه مخمنا لنهايته
ستزداد مقاومته معتقدا أنه سيدحر
فى صراعه معكن _ذلك النزال الخاسر_
الذى أحفظ توازنه أنا فى الأعالى
ومتى ينبع زفيره وقوته وإلى الأبد
أحدد مصيره وفقا لقانون أبدى .
أن يفعل ما أريد ليصل إلى حيث أعرف.

هذه الأقدار المهيمنة والمسيطرة والتى يقف حيالها البشر مسلوبى الإرادة،لاحول لهم ولاقوة ،فهى القوة الساحقة والماحقة ،ورغماً عن ذلك فالاستسلام للقدر هو ما تؤكده أشعار دو فينى ،هذه اللمحة الإيمانية الصادقة أن بعد الموت حياة ،وأن الإله الخالد سيكلأنا برعايته ويشملنا بعطفه. فهو الذى يرسم لنا الخطى ويحدد لنا المصير.(أن يفعل ما أريد ليصل إلى حيث أعرف).















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق