هناك حقيقة لا مراء فيها ، أن القرآن الكريم عند الله سبحانه وتعالى فى ملكوته ،ثم تنزل وصيغ فى قوالب اللغة العربية لكى يفهمه البشر (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )الزخرف 3،
(أن جبريل صلى الله عليه وسلم إنما ألقى عليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، وأن أهل السماء يقرأونه بالعربية ، ثم أنزل بعد ذلك ) الزركشى : البرهان فى علوم القرآن ، الجزء الأول ص330
ويصبح الفهم البشرى المذكور فى عشرات الآيات ،هو الغاية العظمى والحكمة الكبرى للإرسال والتنزيل حتى ينتفع به البشر فى حياتهم ودنياهم ومعاشهم .
ومن الثابت بصريح النص القرآنى أن إدراك الشريعة لا يمكن أن يتم إلا فى إطار الفهم البشرى للوحى الإلهى، مقاصده وغاياته.
من ثم تنهار الحجج التى تفرق بين التشريع الإلهى والقانون الوضعى فى الإطار الإسلامى لأن الوحى لا يمكن أن يصبح تشريعا تطبيقيا وعمليا يؤخذ به إلا عن طريق الفهم البشرى .
وإذا كان الفهم البشرى لمقاصد وغايات الوحى الإلهى لا يتم إلا فى إطاره التاريخى والمنظور المعرفى والتجربة العملية للبشر الذي يتصدون للفهم وتطبيق الوحى الإلهى ،فعندما يقرأ المسلم حكما من أحكام القرآن أو السنة ،فإنه لا يعى المعنى من التشريع الإلهى إلا انه كان نتيجة تفاعل بين الوحى الإلهى المطلق والفهم البشرى المحدود فى إطاره التاريخى المعين، وهناك الكثير من الشواهد التى تؤكد ذلك ، التدرج فى المواريث ، وشرب الخمر ، والزنا و ...و...
وأسباب النزول من شرائط الفهم البشرى للوحى الإلهى وهوعلم شريف لا ينفك مرتبط بالوحى الإلهى ومقاصده وغاياته.
وإذا كان الثابت بداهة أن فهم المسلمين للمصادر الإلهية للتشريع الإسلامى لابد وأن يختلف باختلاف الزمان والمكان .
إذن لا يمكن إلا الرضوخ للفهم البشرى لمقاصد وغايات الوحى الإلهى فى التطبيق العملى فى إطاره التاريخى ( المكان والزمان )وحتى ينتفع به البشر فى أمور دنياهم .
إذا كان الأمر كما سلف تبيانه ، فمن أين يأتى القول بتقييد الشريعة الإسلامية بفهم المسلمين الأوائل لها الذين عاشوا فى إطار تاريخى يختلف جذريا عن الإطار التاريخى الذى نعيشه اليوم ؟؟؟
حق الفهم للوحى الإلهى أصبح حكراً على طبقة الصفوة ومرتعاً خصباً لتأويلاتهم وتفاسيرهم .
صاروا كهنوت العصر الحديث والقربان منهم هو الجنة الموعودة .
هل حق الفهم للوحى الإلهى قاصر على طبقة الصفوة المتطهرين !!!!!،وما عداهم أنجاس مناكيد؟؟
لست أدرى سبب هذا التمايز لهؤلاء الأدعياء باحتكار المعرفة ودلالات الوحى الإلهى...
لابد أننا _فى مخيلتهم _نتمتع بطفولة فكرية ومراهقة عقلية والوصاية علينا واجبة .
إن إهدار الواقع والإطاحة به والثبات والجمودالفكرى عند لحظة تاريخية معينة والإنسحاب بها لتشمل زمنا مغايرا وأمورا مستجدة ،هو مخالفة صريحة لطبائع الأحداث، فسنة الحياة التغيير .
موقع الوراق17/12/2006م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق