بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 نوفمبر 2014

اغتيال مثقف عربى "د.نصر حامد أبوزيد"


 (1)
أخاً وصديقاً ومثقفاً وباحثاً لايشق له غبار .
إنساناً يشع صدقاً وحباً وذكاءا نادراً وعبقرية ً.
مصرياً عربياً مسلماً ، ريفياً أصيلاً وابن بلد قح.
إنه المثقف العربى ذائع الصيت والبحاثة الكبير صاحب (مفهوم النص )
 هذه الدراسة الفذة ، مجده الخالد ومصرعه الشاهد.
إنه الأستاذ الدكتور المغترب ،قهراً وقسراً، عن مصره الوطن والأهل.
إنه  نصرحامد أبوزيد.
ابن قحافة ميلاده ومقامه وإقامته .
بمدينة طنطا بلد العارف بالله السيد أحمد البدوى ، بمحافظة الغربية ، بمصر المحروسة .
لست أدرى من أين أبدأ؟
أأبدأ من النهاية المفجعة أم من البداية المشرقة.
ليكن الحديث عن الشيخ نصر، ممتدا وموصولاً،
 بين حرية التفكير ودعوى التكفير ،
 بين تحرير العقل وحد الردة ،
 بين تجليات الظهور وغياهب الإختفاء .
استيقظت على صوت زوجتى وهى تقول لى الدكتور نصر على التليفون ،قلت لها: الساعة كام ؟
قالت: الساعة 12
أهلا ياأستاذنا الجليل .
هذه ليلة القدر لسماع صوتك.
ودار الحديث عن المؤتمر الذى كنت أزمع عقده عن الدكتور النويهى لمرور 15سنة على وفاته وذلك بقاعة المؤتمرات الكبرى بمبنى المحافظة وتشترك فيه كل القيادات الثقافية وأساتذة الجامعات وعلى رأسهم د/حسن حنفى ،د/محمد خلف الله ،د/نصر حامد أبوزيد ،ود/حمدى السكوت والنخبة المثقفةمن أقاليم مصر المحروسة .
كان الوقت ليلاً يوم 15/3/1995 وكنت  قد شاورته بشأن هذا التكريم والمهرجان الثقافى الكبير وموافقة الجهات المختصة على إقامته بصورة مشرفة وتحمل تكاليفه ومطبوعاته.
ولثقتى المفرطة فى الدكتور نصر ،فالحديث يدور بيننا فى كل شيىء ،وقد يمتد ساعات مثمرة وثرية.
كنت كثيراً وبعد عودتى ليلاً من مكتبى ،أتصل به ليبدأ حوار لا ينتهى .
 ......
محكمة الجيزةالإبتدائية ولاية على النفس للمسلمين  ، تنظر الدعوى المقامة ضده وزوجته الدكتورة إبتهال يونس الدعوى رقم 5991لسنة 1993شرعى كلى الدائرة 11وذلك بالتفريق بينهما وتستطرد صحيفة الدعوى أن الدكتور /نصر وقد ارتد عن الإسلام طبقا لما قرره الفقهاء العدول فإن زواجه من الدكتورة إبتهال يكون قد انفسخ بمجرد هذه الردة ،ويتعين لذلك التفرقة بينهما بأسرع وقت ،منعا لمنكر واقع ومشهود.
وبجلسة 27/1/1994 صدر الحكم بعدم قبول الدعوى .
لكن تم إستئنافها وقيدت برقم 287لسنة 111قضائية استئناف عالى القاهرة ،والدعوى تتداول أمام المحكمة .
           دار الحديث عن ظروفها وحكم محكمة أول درجة  وصحيفة  الإستئناف ومدى تهرأ أسبابه         وافتقاده المنطق والتماسك القانونى.

(2)


بعض أعمال   الدكتور نصرحامد أبوزيد 

 

1-قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة 0رسالة الماجستير  جامة القاهرة كلية الآداب سنة 1976ونشرت تحت عنوان الإتجاه العقلى فى التفسير ،دار التنوير ببيروت سنة 1982
2-قلسفة التأويل ،دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى ،رسالة الدكتوراة ،جامعة القاهرة كلية الاداب ونشرت ببيروت دار التنوير سنة 1983
3-مفهوم النص ، دراسة فى علوم القرآن ، الهيئة المصرية للكتاب ، مصر سنة 1990
4-إشكاليات القراءة وآليات التأويل ،الهيئة العامة لقصورا لثقافة ،مصر سنة 1991
5-نقد الخطاب الدينى ، الطبعة الثانية 1994دار سينا للنشر ،مصر
6-الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية ،دارسينا للنشر 1992
7-التفكير فى زمن التكفير ،دارسينا للنشر    1995مصر
8-البوشيدو  ، المكونات التقليدية للثقافة اليابانية ،ترجمة، دار سعاد الصباح مصر 1993
9-هكذا تكلم ابن عربى ،الهيئة المصريةالعامة  للكتاب ،مصر 2002
10-دوائر الخوف وقضية المرأة،لم استطع الحصول عليه .
دراسات أخرى كثيرة منشورة فى مجلة النهج تصدر فى سوريا ،وقضايا فكرية تصدر فى مصر ،ومجلة أدب ونقد تصدرعن حزب التجمع بمصر

(11) دراسة عن مجمل أعماله للدكتور حسن حنفى نشرتها مجلة الاجتهاد ببيروت العدد 23السنة 6  حوالى 90صفحة سنة 1994م



(3)

دارسة الدكتور نصر كما أكد فى مفهوم النص هذه الدراسة الفذة
وسببت المشاكل والنهاية المفجعة تؤكد على العقل فى فهم النص وطرح كل التفسيرات التى لصقت بالنص الأصلى وصارت مقدسةكالنص الأصلى،بمعنى آخر طرح سلطة النصوص ودراسة القرآن دراسة لغوية نصية بوصفه نصا مقدسا ،له منبعه الإلهى ،وحركية النص فى المجتمع وتأثيره فى تشكيل ثقافة المجتمع .0
الدكتور نصريؤمن بالمصدر الإلهى للقران ،وفى إحدى لقاءاتى معه سألته :هل تعتقد بأن القرآن نص إلهى؟
 ،رد وبسرعة :
إنه نص إلهى.
ومن الذين يؤمنون بعظمة الدين الإسلامى وتفوقه وعقلانيته وتفرده .
وصراعه مع العمائم والسلفيين كان الضربة القاصمة لمشروعه التحررى من سلطة التفاسير الرجعية والمكررة والمفروضة دون إتاحة تأويل جديد يتفق ومعطيات الثقافة المعاصرة.
وأؤكد بصفة شخصية ومن لقاءاتى به والحوارات المتعددة أن الدكتور نصر لو قدر له أن يستمر فى مشروعه التحررى  وعقلنة النصوص وأن العقل فوق النقل وأن النص يظل مؤثرا مع حركية المجتمع وتطلعه إلى مثل جديدة وحضارة وتقدم.
كان صراعه يستند إلى كتاب الدكتور النويهى فى دراساته الخطيرة    (نحو ثورة فى الفكر الدينى )   وإعادة النظر فى الكثير من القضايا واعتبار النص القرآنى نصا حركيا وليس ثابتا ،مثال قضية الميراث وعدم الأخذ حاليا بنصفية الأنثى فى الميراث لأن الواقع تجاوزه وأن  المرأة ترث مثل الرجل ،وأيضا أن الإسلام دين الزوجة الواحدة ولاتعدد فى الإسلام إلا بشروط قاسية وأن الطلاق لايتم إلا على يد المحكمة ولايصبح حقا مطلقا للرجل ولابد من تقييده للظروف التى ألمت بالمجتمع .
و هناك دراسةغير منشورة كان الدكتور النويهى قدكتبها وقدمها إلى لجنة تشريعية بشأن قانون الأسرة وطالب بتغيير العديد من المواد المعمول بها بل إلغاء القوانين السابقة وتقنين قوانين جديدة بعيدة  عن الرجعية والسلفية وتحكم الفقه المالكى والشافعى والحنبلى والحنفى فى حياتنا ولابد من ثورة  تشريعية ولايمكن الإرتكان فى حل مشاكلنا على تراث القدماء،إذ أنهم وبفقههم كانوا يقدمون حلولا لمجتمعاتهم وليس لمجتمعاتنا ومشاكلنا ،لابد من الإجتهاد .
أما عن الردة المنسوبة للدكتور نصر .
تخلص فى أنه يسب الصحابة الأطهار و الأئمة الصالحين  وينادى بطرح تأويل جديد والخروج من سيطرة النصوص وأنه ينكر ألوهية المصدر القرآنى ،والدفاع عن الماركسية والعلمانية ونفى صفة الإلحاد عنهما ،الدفاع عن سليمان رشدى ،وإنكار مبدأ أن الله هو الخالق لكل شيىء وإنكار الغيب والعداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة .

(4)


موقف الدكتور النويهى من موضوع الميراثوحركية النص القرآنى مطروح فى كتابه (ثورة نحو الفكر الدينى ) الطبعة الأولى سنة 1983،منشورات دار الآداب –بيروت 
(حتى تلك الأحكام القرآنية التى كانت فى عهد الرسول من بابى الفرض والحرام ،ليس من الضرورى أن تبقى كذلك ،بل يجوز لنا _ويجب علينا _أن ننقلها إلى بابى الندب والكراهة ،و باب المباح ،مادمنا فى هذا كله لا نخالف الغايات التى رفع القرآن منابرها ،
ولما كان هذا التقرير الخطير ربما يبدو أكثرها ثورية،لذلك أبادر بمحاولة التدليل على أنه برغم ثوريته على الرأى السائد الآن لا يخالف هو أيضا روح الإسلام ،بل على العكس يتفق مع مبدأمقررثابت فى المصادر القديمة نفسها 0وهو مبدأالمصلحة
مبدأ المصلحة _بمعنى المصلحة العامة للأمة لا المصلحة الفردية الضيقة _يقف دائما وراء كل تشريع كما يقرر الفقهاء أنفسهم .
ومن هنا قولهم الجليل (الضرورات تبيح المحظورات  ) وتقريرهم مبدأ  أن دفع الضرر مقدم على   جلب  المنفعة ......
.................................................................
..........................................................
لا أريد أن أكتفى فى هذه المسألة الخطيرة الحساسة بالكلام العام دون أن أضرب مثلا معينا .
فإن كثيرا من قرائنا مادام الكلام الذى يقرأونه عاما غير محدد يوافقون عليه ويهزون رؤوسهم اعجابا به ،يوافقون   على  القول بأن الإسلام حى ديناميكى متجدد يساير تطور الأحوال فى المجتمع الإنسانى .......إلخ حتى إذا عرضت عليهم مسالة محددة بدأوا يحتاطون ويتراجعون ويتذمرون  ويعترضون .والمثل الذى اخترته هنا هو نصيب ميراث المرأة من الميراث.
فلنلاحظ أولا أن هذه المسألة  ليست من مسائل العقيدة والعبادة ،بل هى دون أدنى شك من مسائل المعاش الدنيوى والتنظيم الإجتماعى ،فينبغى أن يكون من حقنا ومن واجبنا  أن ندخل عليها من التعديل والتغيير  ما نعتقد بد دراسة جادة متنية  بأن ظروفنا المتغيرة  توجبه  .
وعلى هذا الأساس أقول :
حين قرر القرآن للأنثى نصف نصيب الذكر  فقد كان هذا فى حد ذاته تقدما عظيما فى ذلك العصر الذى لم تكن الأنثى  فيه تتمتع بأى حق ثابت فى الميراث 0ووجهة الإسلام المبينة التى لا خفاء فيها هى تحسين حال النساء  وفع وضعهن الإجتماعى  واعمل على مساواتهن بالرجال إلى أقصى حدود ممكنة فى ذلك الزمان وتلك البيئة 0 وقد اتخذ فعلا إلى تلك الغاية السامية كل الخطوات التى كانت ممكنة 0لكن اقتصاره عليها لايحدنا نحن بها  ولايضطرنا إلى الوقوف عليها _ كما قلنا فى مسألتى الرق وتحديد الملكية _  بل لنا أن نهتدى بروح الإسلام النيرة فى العدل والمساواة  وفى رفع كرامة المرأة واحقاق حقوقها  فنضيف إلى تشريعه أو نعدله بما يكفل زيادة الإقتراب من غايته السامية التى نصبها للبشرية .
 المعول إذن فى معالجة هذه المسألة ينبغى أن يكون اقتناعنا أو عدم اقتناعنا بأن أحوالنا الإجتماعية والإقتصادية قد تغيرت  تغيراً يستلزم تعديل التشريع القرآنى.
 وفى هذا الصدد نلاحظ أنه حين قرر القرآن للأنثى نصف نصيب الذكر  فإن ذلك لم يكن لأن القرآن يعد الأنثى نصف الذكر  فى القيمة الإنسانية أو يعدها لا تستحق إلا نصف مستوى الرجل من الحياة الكريمة 0فإنه ليسوى بين الجنسين تسوية  تامة فى درجتهما من الإنسانية واستحقاقهما لعزة النفس وكرمة العيش .
وفى تبيين هذه الحقيقة كتب كثير من الكتاب وإنما كان السبب أن أوضاع المجتمع فى ذلك الزمان كانت تفرض على الرجل فى القبيلة فروضا خاصة لا تفرضها على المرأة ، فروضا تستهلك جزءا كبيرا من ماله  مثل نصرة الحليف وحماية المولى ورعاية الجار ( هؤلاء فئات ثلاث لكل منها حقوق معينة معلومة ) ، ودفع الديات ، وأداء المغارم ( وهى ماتغرمه القبيلة كلها لقبيلة أخرى تعويضا عن مظلمة أوقتها القبيلة الأولى أو أحد أفرادها بالقبيلة الثانية ) ،وحمل الحمالات (وهى الديون التى لا يكون الرجل نفسه مدينا بها ، بل يتحملها عن صديق له ويضمن أداءها إذا عجز الصديق ،وكان هذا يحدث كثيرا ) .
دعك من إنفاق كبير فى إكرام الضيفان وإيواء أبناء السبيل بلغ درجة الإسراف.
لم يكن الرجل إذن مسؤلا عن ديونه الشخصية وحدها بل كان مكلفا بأدء نصيب مما يقع على أقاربه الأدنينوسائر أفراد قبيلته من ديون وتكاليف .
وكلما علت نزلته فى القبيلة زاد النيب المفروض عليه 0وكنت هذه الفروض توقع تكليفا ماليا باهظا على كل رجل لا يريد سقوطا تاما فى عين قبيلته ، دون أن تتحمل المرأة ما يماثلها .
فإذا توفيت عن ابن وابنة ، كان ابنى وحده هو الذى عليه أن ينهض بتلك التكاليف الجماعية .
 فكان من العدل فى تلك الأوضاع أن ينال الرجل ضعف المراة من ميراث أبويه أو أقاربه.
فهل بقيت الحال الآن على ما كانت عليه ؟هذه المسألة يجب علينا أن ندرسها وبروية .
 وكل ما سأفعله الآن  هو أن أدلى برأيى الذى اكتسبته من مشاهدتى وقراءاتى ،وهو أن الأحوال قد تغيرت تغيرا كبيرا حتى فى تلك الأطراف من وطننا العربى التى لاتزال تغلب عليها مسحة البداوة ،ففى تلك الأطراف لا يزال الرجال حقا مكلفين بإكرام الضيوف،لكن سائر التكاليف القديمة التى ذكرناها قد رفعت ،أو لم تعد تحدث إلا فى القليل النادر .
أما غير هذه الأطراف البدوية من أقطار العالم العربى ،فقد تغيرت فيها الأوضاع تغيرا تاما .
 لم يعد المصرى مثلا مكلفا تحمل ديون أخيه ،دعك من ديون أبناء عمومته الأقارب والأباعد .
حتى فى قرانا التى لا تزال تحتفظ بقدر كبير من قرويتها ،لم يعد  العمدة فيها مكلفا بما كان يقع على عاتقه فى الجيل السلبق لجيلنا من إقامة دوار يخصصه لنزول الضيوف والغرباء ويتكفل بإطعامهم وإكرامهم مادموا نازلين فيه......... )ص   154  ،      155 ،156،     157
                  _____________________
موقع الوراق 30/11/2006م     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق