صلاح عبدالصبور ..
هذا الذى شغلنى منذ وعيت الدنيا وأمسكت بالكتاب لأقرأ الصفحات .
أحببت شعره وكتاباته ..
كنت أحفظ أشعاره وأرددها .
أقف فى وسط الحقول بعيداً عن الناس وأقرأ القصائد بصوت عالٍ . يرقبنى أخى أنور
الذى يلينى ،وأنا أنشدالشعر ويبتسم .
محاولتى الدؤوبة حتى اللحظة أن أقرأ الشعر ،أياًكان،بصوت عالٍ .
آخذ الديوان ثم أذهب إلى الخلاء ،الحقول .....
وأقرأ القصيدة محاولاً القراءةالصحيحة محافظاً على الوزن الشعرى،منفعلاً بالكلمات ،مندمجاً فى اللحظة الشعرية .
ربما لأننى تعلمت حفظ القرآن ،فى طفولتى، أن أقرأ بصوت عالٍ وأسمّع للشيخ بصوت عالٍ،ثم مارست المحاماة والترافع أمام القضاة
بصوت عالٍ .
أعجبنى صلاح عبد الصبور ..أن يتقمص دور القديس الذى يُشفى المرضىوالمتعبين والمحبطين تأسياً بالمسيح عليه السلام ..
وماكتبه جبران عن النبى وحديقة النبى وعيسى ابن الإنسان ورمل وزبد وأرباب الأرض.
أعجبنى ،وأنا مثله ،"صلاح "وهو يتقمص دور القديس ،دور الطبيب المداوى للعلل والأمراض التى تسكن الأرواح وتهزمها شر هزيمة .
هذه قصيدته التى أحبها كل الحب ،أقدمها بكل الحب ،فهى جزء من روحى وبضعة من شخصيتى .
فلاعجب أن يكون لكل منا قديسه الذى يتجلى فيه حين تحتدم الأمور وتتشابك الأحوال وتمرض الروح وتنهزم النفوس .
وها هى قصيدة "القديس "
أقدمها بكل حب ،فهى جديرة بكل حب .
إليّ ، إليّ، يا غرباء يا فقراء يا مرضى
كسيري القلب والأعضاء ، قد أنزلت مائدتي
إليّ ، إليّ
لنَطْعَمَ كسرة من حكمة الأجيال مغموسه
بطيش زماننا الممراح
نُكسِّر، ثم نشكر قلبنا الهادي
ليرسينا على شط اليقين، فقد أضل العقل مسرانا
إليّ إليّ
أنا، طوفت في الأوراق سواحاً، شبا قلمي
حصاني، بعد أن حلمت بي الأوهام والغفله
سنين طوال، في بطن اللجاج، وظلمة المنطق
وكنت إذا أجن الليل، واسنخفى الشجيونا
وحنّ الصدر للمرفق
وداعبت الخيالات الخليينا
ألوذ بركني العاري، بجنب فتيلي المرهق
وأبعث من قبورهم عظاماً نخرة ورؤوس
لتجلس قرب مائدتي، تبث حديثها الصياح و المهموس
وان ملت، وطال الصمت، لا تسعى بها أقدام
وان نثرت سهام الفجر ، تستخفي كما الأوهام
وقالت:
بأن النهر ليس النهر، و الإنسان لا الإنسان
وأن حفيف هذا النجم موسيقى
وأن حقيقة الدنيا ثوت في كهف
و أن حقيقة الدنيا هي الفلسان فوق الكف
وأن الله قد خلق الأنام ، ونام
و أن الله في مفتاح باب البيت
ولا تسأل غريقاً كُبّ في بحرٍ على وجهه
لينفخ بطنه عشباً وأصدافاً وأمواها
كذلك كنت
وذات صباح
رأيت حقيقة الدنيا
سمعت النجم و الأمواه والأزهار موسيقى
رأيت الله في قلبي
لأني حينما استيقظت ذات صباح
رميت الكتب للنيران، ثم فتحت شُباكي
وفي نفس الضحى الفواح
خرجت لأنظر الماشين في الطرقات، والساعين للأرزاق
وفي ظل الحدائق أبصرت عيناي أسراباً من العشاق
وفي لحظة
شعرت بجسمي المحموم ينبض مثل قلب الشمس
شعرت بأنني امتلأت شعاب القلب بالحكمه
شعرت بأنني أصبحت قديساً
وأن رسالتي ..
هي أن أقدسكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق