استهلالٌ
منذ أن رحلت أختي "قمـر" و اختفت تلك البسمة التي كانت تلاقيني بوهن في أواخر الليل و أنا عائد من سهرة مع الشباب أو إجتماع مع الرفاق.
وفقد النهار خصلات ذهبية من شمسه و امتلأ الليل بضياء القمرين ...
أهو الوهمٌ نعيشه أم الكذب نزعمه فننحى الموت عن تفكيرنا ونطرحه جانباً، نرهبه ونخشاه ونكرهه . ألسنا نحن عابرون ، مجرد أعداد عابرة في هذه الحياة..؟؟
غرورنا يُزيّن لنا عبورنا المؤقت على أنه إقامة . ذهولنا أمام الموت يجعله خلودا.
كما أن الإنسان يُمعن فى مراوغة الموت ناشداً إقصاءه ، نرى الموت بدوره يُمعن فى الظهور والتجلى .
ها هو الموت يستيقظ فى داخلى كنشيد نسيته منذ زمن .
بل إن هذا النشيد الصاعد من أعماق النسيان ،هو الآن يخترقنى وينساب عبر صحراء روحى ويغمرنى بنور فياض.
و أرى ابتسامة أختي ،قمـر، يتثاءب في دمعة الصباح
نحـن و المـوت
من الأمورالجادة التى تنال اهتماماً واضحاً ودراسات متعمقة ، مسألة الموت ،هذا المترصد والمرصود للجنس البشرى والنهاية المحتومة التي يأخذنا إليها مهما طال العمر و امتد الأجل ، تبقى شغل الإنسان الشاغل .
.
لقد قرأت أبحاثاً ودراسات وأشعاراً وقصصاً وملاحم وروايات عن نهاية البشرية يضيق المكان عن سردها ، وآخر دراسة متفردة تتكلم عن الموت ، وجدته في سفر ضخم ، أصدره المجلس الأعلى للثقافة بمصر ، بترجمة جيدة جداً للأديب الكبير / بدر الديب بعنوان :الموت والوجود.جيمس .ب.كارس،الكتاب رقم 29المشروع القومى للترجمة ، مصر .
كما سبق لى قراءة دراسة ممتازة (الموت فى الفكر الغربى) تأليف /جاك شورون و ترجمة /كامل يوسف حسين ،مراجعة وتقديم د/إمام عبدالفتاح إمام ، الكتاب رقم 76،إبريل 1984م ، عالم المعرفة ،الكويت .
قلق الموت ،تأليف د/أحمد محمد عبدالخالق ،عالم المعرفة ،الكويت ،رقم 111 .مارس 1987م.
أصبح هاجس قلق الموت من خلال الدراسات الميدانية و البحوث الإمبيريقية محط اهتمام الباحثين العرب.
وبما أن الموت كان و لا يزال و سيبقى مصدراً مثيراً للبحث فى شتى مجالات العلوم المختلفة ، نرى أن علم دراسة الموت والاحتضار فى العقود الأخيرة ، أصبح مقرراً فى الجامعات المختلفة .
وإذا كان الموت من القضايا التى تَوَقَف حيالها الإنسان مفكراً ومندهشاً ومكتوف الأيدى لا يملك سوى الصمت الأبدى والدهشة المستمرة والحيرة الطويلة والتساؤل المرير ، نراه لا يفقد محاولة مقاومة الفناء بالإبداع الحضارى عبر العصور المختلفة .
المعابد الشامخة والملاحم الخالدة والأشعار والقصص والدراسات التى ما زلنا ننهل منها حتى الآن ، كلها تُجسد مدى تأثير فكرة الموت على الإنسان في حياته اليومية .
كتاب الموتى من التراث المصرى القديم، من أرق وأعمق ماكتب عن الموت والإستعداد له .
عبر التاريخ الإنسانى الضارب الجذور فى القدم والذى يكتنفه الغموض، تبدو الومضات المتلألئة للإبداع الإنسانى ، الإلياذة والإوديسا لهوميروس ،وتناسخ الكائنات لإوفيد ،والإينيادة لفرجيل ،وجلجاميش ،ورسالة الغفران للمعرى ، والكوميديا الإلهية لدانتى ،والفردوس المفقود لملتون .
منذ أن رحلت أختي "قمـر" و اختفت تلك البسمة التي كانت تلاقيني بوهن في أواخر الليل و أنا عائد من سهرة مع الشباب أو إجتماع مع الرفاق.
وفقد النهار خصلات ذهبية من شمسه و امتلأ الليل بضياء القمرين ...
أهو الوهمٌ نعيشه أم الكذب نزعمه فننحى الموت عن تفكيرنا ونطرحه جانباً، نرهبه ونخشاه ونكرهه . ألسنا نحن عابرون ، مجرد أعداد عابرة في هذه الحياة..؟؟
غرورنا يُزيّن لنا عبورنا المؤقت على أنه إقامة . ذهولنا أمام الموت يجعله خلودا.
كما أن الإنسان يُمعن فى مراوغة الموت ناشداً إقصاءه ، نرى الموت بدوره يُمعن فى الظهور والتجلى .
ها هو الموت يستيقظ فى داخلى كنشيد نسيته منذ زمن .
بل إن هذا النشيد الصاعد من أعماق النسيان ،هو الآن يخترقنى وينساب عبر صحراء روحى ويغمرنى بنور فياض.
و أرى ابتسامة أختي ،قمـر، يتثاءب في دمعة الصباح
نحـن و المـوت
من الأمورالجادة التى تنال اهتماماً واضحاً ودراسات متعمقة ، مسألة الموت ،هذا المترصد والمرصود للجنس البشرى والنهاية المحتومة التي يأخذنا إليها مهما طال العمر و امتد الأجل ، تبقى شغل الإنسان الشاغل .
.
لقد قرأت أبحاثاً ودراسات وأشعاراً وقصصاً وملاحم وروايات عن نهاية البشرية يضيق المكان عن سردها ، وآخر دراسة متفردة تتكلم عن الموت ، وجدته في سفر ضخم ، أصدره المجلس الأعلى للثقافة بمصر ، بترجمة جيدة جداً للأديب الكبير / بدر الديب بعنوان :الموت والوجود.جيمس .ب.كارس،الكتاب رقم 29المشروع القومى للترجمة ، مصر .
كما سبق لى قراءة دراسة ممتازة (الموت فى الفكر الغربى) تأليف /جاك شورون و ترجمة /كامل يوسف حسين ،مراجعة وتقديم د/إمام عبدالفتاح إمام ، الكتاب رقم 76،إبريل 1984م ، عالم المعرفة ،الكويت .
قلق الموت ،تأليف د/أحمد محمد عبدالخالق ،عالم المعرفة ،الكويت ،رقم 111 .مارس 1987م.
أصبح هاجس قلق الموت من خلال الدراسات الميدانية و البحوث الإمبيريقية محط اهتمام الباحثين العرب.
وبما أن الموت كان و لا يزال و سيبقى مصدراً مثيراً للبحث فى شتى مجالات العلوم المختلفة ، نرى أن علم دراسة الموت والاحتضار فى العقود الأخيرة ، أصبح مقرراً فى الجامعات المختلفة .
وإذا كان الموت من القضايا التى تَوَقَف حيالها الإنسان مفكراً ومندهشاً ومكتوف الأيدى لا يملك سوى الصمت الأبدى والدهشة المستمرة والحيرة الطويلة والتساؤل المرير ، نراه لا يفقد محاولة مقاومة الفناء بالإبداع الحضارى عبر العصور المختلفة .
المعابد الشامخة والملاحم الخالدة والأشعار والقصص والدراسات التى ما زلنا ننهل منها حتى الآن ، كلها تُجسد مدى تأثير فكرة الموت على الإنسان في حياته اليومية .
كتاب الموتى من التراث المصرى القديم، من أرق وأعمق ماكتب عن الموت والإستعداد له .
عبر التاريخ الإنسانى الضارب الجذور فى القدم والذى يكتنفه الغموض، تبدو الومضات المتلألئة للإبداع الإنسانى ، الإلياذة والإوديسا لهوميروس ،وتناسخ الكائنات لإوفيد ،والإينيادة لفرجيل ،وجلجاميش ،ورسالة الغفران للمعرى ، والكوميديا الإلهية لدانتى ،والفردوس المفقود لملتون .
هذه الشوامخ الإبداعية، تراث الإنسانية العريق.
كنت أتساءل، دوماً ،ومنذ نعومة أظافرى ومصاحبتى لوالدى رحمة الله عليه وحضورى معه جنازات الأهل والأصدقاء ،
وهذا الصمت الطويل الذى يعقد الألسنة ألا تتكلم ،
وهذا السكون العميق الذى يملأ المقابر ،وهذا الجلال المقدس الذى يحيط بالموت.
كنت أهمس لنفسى ،آنذاك ،وأنا ألتفت لأرى المشيعين والواقفين بخشوع حول المقابر حتى يتوارى الجثمان فى جوف المقبرة .
هل هذا الصمت هو تواصل مع الميت الذى واره التراب؟
هل هو تضامن معه ومشاركة إياه فى لحده الأبدى ؟
هل هو الخوف من النهايةالمرتقبة ؟
كنت صغيراً لكن السؤال لم يمت بداخلى رغم مرور الأيام وتوالى الأعوام.كنت مشغولاً بالموت ومهموماً به،لكن القرآن الكريم ملاذى الآمن ومستقرى الأمين ، أعود إليه مرتلاً وحافظاً ومجوداً ، يقينى الذى لايتزعزع وإيمانى بحياة أخرى بعد الممات.
و من هنا بدأت رحلتي مع فلاح بوهيميا و حواره مع الموت ، وكنت معه فلاحا مصرياً من طنطا أستكنه مايدور فى نفسه وما يعتمل بفكره و قلت لنفسى الموت علينا حق ومن التراب إلى التراب نعود ولمن الملك اليوم ؟؟ لله الواحد القهار ...
وبصراحة وجدت فى هذا الحوار قضية من أروع وأعظم الأقضية التى تُطرح فى ساحة القضاء .
فالقضية أى قضية لابد من وجود متهم ومجنى عليه ومواد العقاب ، و من ثم فلابد من تقديم صحيفة الإتهام ثم الدفاع من المتهم والمجنى عليه
وتقديم المستندات الدالة على صدق الإتهام من المجنى عليه وتقديم
المتهم للمستندات التى تنفى صحة ماتم تقديمه والرد عليها ثم حجز القضية لإصدار الحكم .
و لعل دراسة القانون والتعامل مع مشاكل الناس وهمومهم لا تفتأ تُلقى بظلها الرمادى على حياتى فأجد زوجتى وأولادى وأهلى يحاولون الإختصار فى الكلام عن مطالبهم وشكواهم ، لأن رحابة الصدر واتساع الأفق لم يعودا جاهزين لسماع الحديث الممل وبلا طائل ، و هدا ما جعل من المحكمة الدائرة بين فلاح بوهيميا و بين الموت منفساً يشغلني عن القضايا اليومية في مكتب العمل .
غمغمات الحروف المنكسرة
فلاح بوهيميا ،هذا الذى أطار صوابه موت حبيبته وزوجته وأفقده الصبر وأضاع الحكمة وزعزع يقين روحه وألهج لسانه بالشكوى المرة من الموت وشن حرب شعواء ، لم يسكت كما سكت الملايين من البشر ، لم يصمت ويتشح بسواد الكلمات وهمهمات النفس الملتاعة والحزينة وغمغمات الحروف المنكسرة وانكسارالروح ، وإنما أقام محاكمة هى الأولى من نوعها فى التاريخ الإنسانى ليترافع فيها ضد الموت وقدم أسانيد الإدانة ونصوص الإتهام والجريمة الشنعاء لما اقترفه الموت فى حقه بأخذ رفيقته وحبيبته من الحياة ، ثم دفاع الموت عن نفسه لما أقدم عليه ...........
إنها محاكمة غير مسبوقة فى تاريخ الإنسان.
عبرإثنين وثلاثين حديث (مرافعة ) يتداولها فلاح بوهيميا والموت إتهاماً ودفاعاً ، يأتى وفى الختام ،الحكم القاطع والجازم من الله عز وجل . ثم لايجد فلاح بوهيميا سوى الصلاة والدعاء على روح زوجته بأعظم الكلمات وأعمق المشاعر ولهاث الحزن الفوار الساكن بروحه .
هذا الحوار الدائر بين أكرمان والموت ،من الأعمال التى أخذت بأنفاسى وشدتنى إليه شداً ،أقرأه كلما إدلمهت بروحى الكأبة وكلما تصاعد الحزن بقلبى وكلما فُجعت بموت صديق أوقريب ،ألعن الموت وأسبه وأرفع فى وجهه السيوف والرماح ،وعندما أصل إلى الختام أسكت وتشملنى رعدة تهز أطرافى ،وتتملك كلماتى السكينة ،وتطل من رأسى كلمات الغفران وأهتف صارخاً معنفاً هواجسى :إيه يانفسى ورحمة بى ياروحى .....الأجل قريب والموت بالمرصاد .
وأتذكر محمد إقبال وهو يقول :أنا لا أخشى الموت ،أنا مسلم ،ومن شأن المسلم أن يستقبل الموت مبتسماً.
كنت أهمس لنفسى ،آنذاك ،وأنا ألتفت لأرى المشيعين والواقفين بخشوع حول المقابر حتى يتوارى الجثمان فى جوف المقبرة .
هل هذا الصمت هو تواصل مع الميت الذى واره التراب؟
هل هو تضامن معه ومشاركة إياه فى لحده الأبدى ؟
هل هو الخوف من النهايةالمرتقبة ؟
كنت صغيراً لكن السؤال لم يمت بداخلى رغم مرور الأيام وتوالى الأعوام.كنت مشغولاً بالموت ومهموماً به،لكن القرآن الكريم ملاذى الآمن ومستقرى الأمين ، أعود إليه مرتلاً وحافظاً ومجوداً ، يقينى الذى لايتزعزع وإيمانى بحياة أخرى بعد الممات.
و من هنا بدأت رحلتي مع فلاح بوهيميا و حواره مع الموت ، وكنت معه فلاحا مصرياً من طنطا أستكنه مايدور فى نفسه وما يعتمل بفكره و قلت لنفسى الموت علينا حق ومن التراب إلى التراب نعود ولمن الملك اليوم ؟؟ لله الواحد القهار ...
وبصراحة وجدت فى هذا الحوار قضية من أروع وأعظم الأقضية التى تُطرح فى ساحة القضاء .
فالقضية أى قضية لابد من وجود متهم ومجنى عليه ومواد العقاب ، و من ثم فلابد من تقديم صحيفة الإتهام ثم الدفاع من المتهم والمجنى عليه
وتقديم المستندات الدالة على صدق الإتهام من المجنى عليه وتقديم
المتهم للمستندات التى تنفى صحة ماتم تقديمه والرد عليها ثم حجز القضية لإصدار الحكم .
و لعل دراسة القانون والتعامل مع مشاكل الناس وهمومهم لا تفتأ تُلقى بظلها الرمادى على حياتى فأجد زوجتى وأولادى وأهلى يحاولون الإختصار فى الكلام عن مطالبهم وشكواهم ، لأن رحابة الصدر واتساع الأفق لم يعودا جاهزين لسماع الحديث الممل وبلا طائل ، و هدا ما جعل من المحكمة الدائرة بين فلاح بوهيميا و بين الموت منفساً يشغلني عن القضايا اليومية في مكتب العمل .
غمغمات الحروف المنكسرة
فلاح بوهيميا ،هذا الذى أطار صوابه موت حبيبته وزوجته وأفقده الصبر وأضاع الحكمة وزعزع يقين روحه وألهج لسانه بالشكوى المرة من الموت وشن حرب شعواء ، لم يسكت كما سكت الملايين من البشر ، لم يصمت ويتشح بسواد الكلمات وهمهمات النفس الملتاعة والحزينة وغمغمات الحروف المنكسرة وانكسارالروح ، وإنما أقام محاكمة هى الأولى من نوعها فى التاريخ الإنسانى ليترافع فيها ضد الموت وقدم أسانيد الإدانة ونصوص الإتهام والجريمة الشنعاء لما اقترفه الموت فى حقه بأخذ رفيقته وحبيبته من الحياة ، ثم دفاع الموت عن نفسه لما أقدم عليه ...........
إنها محاكمة غير مسبوقة فى تاريخ الإنسان.
عبرإثنين وثلاثين حديث (مرافعة ) يتداولها فلاح بوهيميا والموت إتهاماً ودفاعاً ، يأتى وفى الختام ،الحكم القاطع والجازم من الله عز وجل . ثم لايجد فلاح بوهيميا سوى الصلاة والدعاء على روح زوجته بأعظم الكلمات وأعمق المشاعر ولهاث الحزن الفوار الساكن بروحه .
هذا الحوار الدائر بين أكرمان والموت ،من الأعمال التى أخذت بأنفاسى وشدتنى إليه شداً ،أقرأه كلما إدلمهت بروحى الكأبة وكلما تصاعد الحزن بقلبى وكلما فُجعت بموت صديق أوقريب ،ألعن الموت وأسبه وأرفع فى وجهه السيوف والرماح ،وعندما أصل إلى الختام أسكت وتشملنى رعدة تهز أطرافى ،وتتملك كلماتى السكينة ،وتطل من رأسى كلمات الغفران وأهتف صارخاً معنفاً هواجسى :إيه يانفسى ورحمة بى ياروحى .....الأجل قريب والموت بالمرصاد .
وأتذكر محمد إقبال وهو يقول :أنا لا أخشى الموت ،أنا مسلم ،ومن شأن المسلم أن يستقبل الموت مبتسماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق