الفصـل الثالـث
فلاح بوهيميا و محاكمة الموت
فلاح بوهيميا و محاكمة الموت
هل هو الخوف من الموت يسيرنا أم هو فراق الاحبة نتركهم وراءنا أو يسبقون رحلينا ، ما يرعبنا حقاً ؟؟؟
لنتابع "أكرمان" في محاكمته للموت الذي سلبه رفيقة العمر و انيسة الدرب.
15- أكرمان
لاينمق حديثه سوى المذنب. وهكذا أنت فاعل. إنك تعودت أن تثبت لمن تنوى خدعتهم بأنك تجمع فى شخصك بين الحلاوة والمرارة, بين اللين والجمود, بين الطيبة والقسوة, وقد وضح ذلك فى حالتى. فمهما دبجت حديثك ونمقته, فأنا واثق تماما أن قسوتك الصارمة كتبت على الأسى وفقدان الشريفة الفاتنة
كما أعلم علم اليقين أنه لم يؤت أحد من العالمين مثل مالله ولك من بطش وجبروت. ولكن الله لم يعذبنى مثل هذا العذاب: لأننى لو كنت خالفت الله_ الأمر الذى يحدث للأسف كثيرا_ لكان قد انتقم منى, أو لكانت الطاهرة قد ردتنى الى صوابى وهدتنى.
اذن فأنت الآثم الجانى: لذلك أود أن اعرف من أنت, وماهى وظيفتك, وأين أنت, ومن أين تأتى (ماهو أصلك وفصلك). وماذا تفعل حتى استجمعت كل هذه السلطة الواسعة التى جعلتك تتحدانى وتؤذينى دون سابق انذار, وتتسبب فى خراب روضتى وهدم قوتى وتقويض دعائم قلعتى؟
أواه ياربى, ياعزاء كل القلوب الحزينة! هبنى العزاء والصبر وعوضنى ( فى مصيبتى), فأنا عبد بائس حزين, وحيد مسكين.
اللهم أنزل بالموت الفظيع عذابك وانتقامك,واضرب اللهم عليه بالقيود, وامحه من الوجود , فهو لك ولنا جميعا العدو اللدود.... يارب ليس فى خلقك أفظع ولاأشنع, ولاأفضح وأبشع , ولاأظلم وأقذع من الموت. انه يعكر صفو عرشك فى الدنيا ويخربه,فهو يتوفى الصالح قبل الطالح, ولايترك غالبا فى الدنيا إالا كل مضر ومسن وسقيم ومالافائدة فيه. أما الصالحون والنافعون فهو يحصد أرواحهم. فاقض يا أعدل القضاة على هذا القاضى الذى لايقضى بالعدل.
16- الموت
إن أحمق الناس هو من يسمى الشر خيرا, والخير شرا , وهذا هو شأنك. تتهمنا بالظلم وبذلك تجور علينا. وسوف نثبت لك ذلك...أنت تسأل عمن نكون, ونقول لك : نحن آلة الله , نحن صاحب السيادة الموت , أى المحشة ( الحاصدة) الفعالة, التى تمضى فى طريقها, فتحصد الأبيض والأسود, الأحمر والبنى, الأخضروالأزرق, الرمادى والأصفر, وكل الأنواع من زهور زينة وحشائش, بصرف النظر عن جمالها أو قوتها أو فضائلها ومميزاتها, فلا يشفع لزهرة البنفسج لونها الجميل ولاعبيرها الفواح ولارحيقها ذو المذاق الطيب. تنبه, هذه هى العدالة... لقد اعترف لنا بهذا الحق كل من الرومان والشعراء, لأنهم عرفونا أحسن من معرفتك لنا.
أنت تسأل عن كنهنا وجوهرنا. والاجابة أننا لسنا بشىء ولكننا مع ذلك بشىء: لسنا بشىء لانه ليست لنا حياة, وليس لنا كيان أو هيكل, ولسنا روحا كما لانرى أو نلمس. ولكننا شىء, لأننا نهاية الحياة, نهاية الكينونة, بداية العدم والفناء, نحن أمر وسط بينهما. نحن حدث تخضع له رقاب الناس جميعا. كل مارد جبار أمامنا ينهار. نحن نقضى على كل كائن تدب فيه الحياة. نحن متهمون بذنب عظيم.
أنت تسأل عن مكان وجودنا, ونحن لايمكن تحديدنا (بزمان أو مكان), ورغم ذلك فقد عثر على صورة لنا مرسومة على حائط أحد المعابد فى روما, ونبدو فيها كرجل امتطى ظهر ثور معصوب العينين, أما الرجل فهو يقبض بيده اليمنى على مغرفة, ويمسك باليسرى جاروفا, وبهما يبارز من فوق الثور, بينما أخذ حشد كبير من مختلف طبقات الشعب يواجهه ويخانقه ويضربه, ومنهم من يحارب بآلته اليدويه, وتظهر بين الجموع راهبة تحمل كتاب الترانيم, كانوا جميعا يقذفون بأسلحتهم ومعداتهم فى وجه ذلك الرجل الذى يمثلنا وهو فوق الثور. ولكن الموت غالبهم وغلبهم وواراهم جميعا التراب.
أما فيثاغورث فهو يقارننا بهيكل رجل له عينان بارزتان قاتلتان, تحملقان فى كل أركان الدنيا وتكيل الموت لكل كائن حى.
أنت تسأل : من أين نأتى . نحن من جنة الله فى أرضه, خلقنا الله ونادانا بإسمنا الحقيقى حيث قال
فى اليوم الذى تأكلون فيه من هذه الفاكهة فسوف يدهمكم الموت وتهلكون). لذلك فنحن نلقب أنفسنا دائما بالآتى
نحن الموت, السيد المهيمن على الأرض والجو والبحر).
أنت تسأل عن معنى وظيفتنا, وقد سمعت بعاليه أننا ننفع الدنيا بأكثر مما نضرها, وتشكرنا لما أصابك من خير على يدنا.
لنتابع "أكرمان" في محاكمته للموت الذي سلبه رفيقة العمر و انيسة الدرب.
15- أكرمان
لاينمق حديثه سوى المذنب. وهكذا أنت فاعل. إنك تعودت أن تثبت لمن تنوى خدعتهم بأنك تجمع فى شخصك بين الحلاوة والمرارة, بين اللين والجمود, بين الطيبة والقسوة, وقد وضح ذلك فى حالتى. فمهما دبجت حديثك ونمقته, فأنا واثق تماما أن قسوتك الصارمة كتبت على الأسى وفقدان الشريفة الفاتنة
كما أعلم علم اليقين أنه لم يؤت أحد من العالمين مثل مالله ولك من بطش وجبروت. ولكن الله لم يعذبنى مثل هذا العذاب: لأننى لو كنت خالفت الله_ الأمر الذى يحدث للأسف كثيرا_ لكان قد انتقم منى, أو لكانت الطاهرة قد ردتنى الى صوابى وهدتنى.
اذن فأنت الآثم الجانى: لذلك أود أن اعرف من أنت, وماهى وظيفتك, وأين أنت, ومن أين تأتى (ماهو أصلك وفصلك). وماذا تفعل حتى استجمعت كل هذه السلطة الواسعة التى جعلتك تتحدانى وتؤذينى دون سابق انذار, وتتسبب فى خراب روضتى وهدم قوتى وتقويض دعائم قلعتى؟
أواه ياربى, ياعزاء كل القلوب الحزينة! هبنى العزاء والصبر وعوضنى ( فى مصيبتى), فأنا عبد بائس حزين, وحيد مسكين.
اللهم أنزل بالموت الفظيع عذابك وانتقامك,واضرب اللهم عليه بالقيود, وامحه من الوجود , فهو لك ولنا جميعا العدو اللدود.... يارب ليس فى خلقك أفظع ولاأشنع, ولاأفضح وأبشع , ولاأظلم وأقذع من الموت. انه يعكر صفو عرشك فى الدنيا ويخربه,فهو يتوفى الصالح قبل الطالح, ولايترك غالبا فى الدنيا إالا كل مضر ومسن وسقيم ومالافائدة فيه. أما الصالحون والنافعون فهو يحصد أرواحهم. فاقض يا أعدل القضاة على هذا القاضى الذى لايقضى بالعدل.
16- الموت
إن أحمق الناس هو من يسمى الشر خيرا, والخير شرا , وهذا هو شأنك. تتهمنا بالظلم وبذلك تجور علينا. وسوف نثبت لك ذلك...أنت تسأل عمن نكون, ونقول لك : نحن آلة الله , نحن صاحب السيادة الموت , أى المحشة ( الحاصدة) الفعالة, التى تمضى فى طريقها, فتحصد الأبيض والأسود, الأحمر والبنى, الأخضروالأزرق, الرمادى والأصفر, وكل الأنواع من زهور زينة وحشائش, بصرف النظر عن جمالها أو قوتها أو فضائلها ومميزاتها, فلا يشفع لزهرة البنفسج لونها الجميل ولاعبيرها الفواح ولارحيقها ذو المذاق الطيب. تنبه, هذه هى العدالة... لقد اعترف لنا بهذا الحق كل من الرومان والشعراء, لأنهم عرفونا أحسن من معرفتك لنا.
أنت تسأل عن كنهنا وجوهرنا. والاجابة أننا لسنا بشىء ولكننا مع ذلك بشىء: لسنا بشىء لانه ليست لنا حياة, وليس لنا كيان أو هيكل, ولسنا روحا كما لانرى أو نلمس. ولكننا شىء, لأننا نهاية الحياة, نهاية الكينونة, بداية العدم والفناء, نحن أمر وسط بينهما. نحن حدث تخضع له رقاب الناس جميعا. كل مارد جبار أمامنا ينهار. نحن نقضى على كل كائن تدب فيه الحياة. نحن متهمون بذنب عظيم.
أنت تسأل عن مكان وجودنا, ونحن لايمكن تحديدنا (بزمان أو مكان), ورغم ذلك فقد عثر على صورة لنا مرسومة على حائط أحد المعابد فى روما, ونبدو فيها كرجل امتطى ظهر ثور معصوب العينين, أما الرجل فهو يقبض بيده اليمنى على مغرفة, ويمسك باليسرى جاروفا, وبهما يبارز من فوق الثور, بينما أخذ حشد كبير من مختلف طبقات الشعب يواجهه ويخانقه ويضربه, ومنهم من يحارب بآلته اليدويه, وتظهر بين الجموع راهبة تحمل كتاب الترانيم, كانوا جميعا يقذفون بأسلحتهم ومعداتهم فى وجه ذلك الرجل الذى يمثلنا وهو فوق الثور. ولكن الموت غالبهم وغلبهم وواراهم جميعا التراب.
أما فيثاغورث فهو يقارننا بهيكل رجل له عينان بارزتان قاتلتان, تحملقان فى كل أركان الدنيا وتكيل الموت لكل كائن حى.
أنت تسأل : من أين نأتى . نحن من جنة الله فى أرضه, خلقنا الله ونادانا بإسمنا الحقيقى حيث قال


أنت تسأل عن معنى وظيفتنا, وقد سمعت بعاليه أننا ننفع الدنيا بأكثر مما نضرها, وتشكرنا لما أصابك من خير على يدنا.
17-أكرمان
يحكى المسن قصصا جديدة, والمتعلم قصصا فريدة, أما من جاب بقاع الأرض, فلا يستطيع أحد أن يقارعه أو يعارضة. وربما قيل أنها قصص مكذوبة, لاعقاب على حاكيها, وذلك لجهل سامعها بها.
فأذا كنت مسنا, فلا حرج عليك من التأليف والتحريف. ورغم أنك تدعى بأنك خلقت فى الجنة لتقبض أرواح الناس, بالعدل والقسطاس, فإن محشتك غير عادلة فى حصدها, فهى تطيح بالورود فى قسوة وجحود,بينما تترك الأشواك فى الوجود, محشتك تترك الضار من الأعشاب, أما النافع منها فتلحق به الدمار والخراب. أنت تدعى أنها تقضى بالعدل, فكيف يتأتى أنها تبقى على أشواك أكثر من الورود, وعلى أعشاب ضارة أكثر من النافعة, وعلى أشرار أكثر من الأخيار؟ أرنى أين المجتهدون المحترمون الأن, ممن كانوا فى غابر الأزمان؟ أعتقد أنك حصدتهم حصدا مثل محبوبتى, ولم يبق منهم جميعا سوى ذرات من رماد.أين ذهب أولئك الذين عاشوا على الأرض, وناجوا الرب, وطلبوا منه اللطف والشفقة والرحمة؟ أين أولئك الذين أتخذوا من الأرض مستقر لهم, وتعاملوا مع النجوم, وحددوا مسار الكواكب والأفلاك؟ أين ذهب الحكماء والخبراء والعادلون والصناديد الذين تحكى كتب التاريخ الكثير عنهم؟ _ لقد اغتلتهم جميعا وبينهم محبوبتى الرقيقة, بينما مازال التافهون الحقراء على قيد الحياة. من الجانى اذن؟ فلو واتتك الشجاعة لتقول الحقيقة_ أيها السيد الموت_ فسوف تعترف بأنك أنت وحدك الجانى. أنك تؤكد فى ادعائك, بأنك عادل فى قضائك, فلا تعفى أحدا, بل أن ضربات محشتك تسقط العباد واحدا تلو الأخر. ولقد رأيت بعينى كيف أن جحافل جيشين عظيمين , يربو عدد كل منهما على ثلاثة ألاف رجل, التحمت مع بعضها, واتخذت من المروج الخضراء ميدانا للقتال, ورأيت كيف خاضوا حتى الركب فى الدماء. وفى تلك الأثناء كنت تصول وتجول فى كل الأرجاء. فقتلت بعض رجال الجيش بينما أبقيت على البعض الآخر. لقد لاحظت أن أغلب القتلى من السادة وليس من العبيد. لقد انتقيتهم واحدا واحدا من بين الجموع, كما ينتقى المرء مانضج من حبات الكمثرى. فهل حصدت بالعدل؟ وهل هذا حكم فصل؟ وهل تعدل المحشة فى القتل؟.
تعالوا يا أعزائى الأطفال .... تعالوا .... لنأتى جميعا راكبين من كل فج مهللين مادحين وللموت مكرمين معظمين, فهو يدعى أنه أعدل العادلين وكأن حكمه يمتاز عن حكم الله فى العدل والمساواة .
فأذا كنت مسنا, فلا حرج عليك من التأليف والتحريف. ورغم أنك تدعى بأنك خلقت فى الجنة لتقبض أرواح الناس, بالعدل والقسطاس, فإن محشتك غير عادلة فى حصدها, فهى تطيح بالورود فى قسوة وجحود,بينما تترك الأشواك فى الوجود, محشتك تترك الضار من الأعشاب, أما النافع منها فتلحق به الدمار والخراب. أنت تدعى أنها تقضى بالعدل, فكيف يتأتى أنها تبقى على أشواك أكثر من الورود, وعلى أعشاب ضارة أكثر من النافعة, وعلى أشرار أكثر من الأخيار؟ أرنى أين المجتهدون المحترمون الأن, ممن كانوا فى غابر الأزمان؟ أعتقد أنك حصدتهم حصدا مثل محبوبتى, ولم يبق منهم جميعا سوى ذرات من رماد.أين ذهب أولئك الذين عاشوا على الأرض, وناجوا الرب, وطلبوا منه اللطف والشفقة والرحمة؟ أين أولئك الذين أتخذوا من الأرض مستقر لهم, وتعاملوا مع النجوم, وحددوا مسار الكواكب والأفلاك؟ أين ذهب الحكماء والخبراء والعادلون والصناديد الذين تحكى كتب التاريخ الكثير عنهم؟ _ لقد اغتلتهم جميعا وبينهم محبوبتى الرقيقة, بينما مازال التافهون الحقراء على قيد الحياة. من الجانى اذن؟ فلو واتتك الشجاعة لتقول الحقيقة_ أيها السيد الموت_ فسوف تعترف بأنك أنت وحدك الجانى. أنك تؤكد فى ادعائك, بأنك عادل فى قضائك, فلا تعفى أحدا, بل أن ضربات محشتك تسقط العباد واحدا تلو الأخر. ولقد رأيت بعينى كيف أن جحافل جيشين عظيمين , يربو عدد كل منهما على ثلاثة ألاف رجل, التحمت مع بعضها, واتخذت من المروج الخضراء ميدانا للقتال, ورأيت كيف خاضوا حتى الركب فى الدماء. وفى تلك الأثناء كنت تصول وتجول فى كل الأرجاء. فقتلت بعض رجال الجيش بينما أبقيت على البعض الآخر. لقد لاحظت أن أغلب القتلى من السادة وليس من العبيد. لقد انتقيتهم واحدا واحدا من بين الجموع, كما ينتقى المرء مانضج من حبات الكمثرى. فهل حصدت بالعدل؟ وهل هذا حكم فصل؟ وهل تعدل المحشة فى القتل؟.
تعالوا يا أعزائى الأطفال .... تعالوا .... لنأتى جميعا راكبين من كل فج مهللين مادحين وللموت مكرمين معظمين, فهو يدعى أنه أعدل العادلين وكأن حكمه يمتاز عن حكم الله فى العدل والمساواة .
18- الموت
من لايفهم الأمور فهو يجهلها ولايستطيع التحدث عنها. وهذا ماحدث لنا. فلم نكن نعرف أنك رجل بارع الى هذا الحد. لقد عرفناك مدة طويلة ولكننا نسيناك. كنا حاضرين ساعة وهبتك الآلهة( سبيلا) أسباب الحكمة, وعندما سلمك سليمان مقاليد حكمته وهو على فراش الموت, وعندما منحك الله ماكان لموسى من سلطان على أرض الكنانة, وعندما أمسكت أسدا من رجليه ونفضته فى الحائط, لقد رأيناك تعد النجوم وتحصى رمال البحر وأسماكه وتقيس قطرات المطر.
رأينا بكل شغف ذلك السباق الذى شاركت فيه مع الأرنب. ورأيناك فى بابل أمام الملك سلطان تقدم له الطعام والشراب بكل تفخيم وتعظيم. ورأيناك وفرحنا لك وغبطناك الشرف عندما كنت تحمل الراية وتتقدم موكب الملك الاسكندر, تلك الراية التى أخضع بها الدنيا تحت لوائه . وغمرتنا السعادة عندما رأيناك فى أكاديمية (أفلاطون) وفى أثينا مع فطاحل العلم وجهابذته, الذين أبدعوا الحديث عن الرب وأظهروا معلوماتهم الغزيرة, وأخذت أنت تناقشهم وتتفوق عليهم بحديثك الحكيم. وأنصتنا إليك معجبين, عندما كنت تعلم القيصر نيرون كيف يفعل الخير ويتحلى بالصبر. وقد عجبنا عندما نقلت القيصر يوليوس فى قارب من القش عبر البحر الهائج ورغم كل الزوابع. ورأيناك فى ورشتك تصنع زيا وجيها من قوس قزح, ازدان برسوم الملائكة والطيور والحيوانات وجميع أنواع الأسماك, ثم نسجت فيه صورة البومة والقرد. وقد ضحكنا كثيرا وامتدحناك, عندما تربعت فوق عجلة الحظ فى باريس , ورقصت فوق ظهر الثور, ومارست السحر وحبست الشياطين فى زجاجة عجيبة. وتحققنا تماما من حكمتك البالغة عندما دعاك الإله للمشورة بشأن خطيئة حواء.
فلو كنا عرفناك من قبل حق المعرفة لاتبعناك, ولتركنا زوجتك وكل الناس يعيشون إلى الأبد. نعم, لو عرفناك سابقا لفعلنا كل ذلك من أجلك, لأنك حقا حمار ذكر حكيم.
22- الموت
رأينا بكل شغف ذلك السباق الذى شاركت فيه مع الأرنب. ورأيناك فى بابل أمام الملك سلطان تقدم له الطعام والشراب بكل تفخيم وتعظيم. ورأيناك وفرحنا لك وغبطناك الشرف عندما كنت تحمل الراية وتتقدم موكب الملك الاسكندر, تلك الراية التى أخضع بها الدنيا تحت لوائه . وغمرتنا السعادة عندما رأيناك فى أكاديمية (أفلاطون) وفى أثينا مع فطاحل العلم وجهابذته, الذين أبدعوا الحديث عن الرب وأظهروا معلوماتهم الغزيرة, وأخذت أنت تناقشهم وتتفوق عليهم بحديثك الحكيم. وأنصتنا إليك معجبين, عندما كنت تعلم القيصر نيرون كيف يفعل الخير ويتحلى بالصبر. وقد عجبنا عندما نقلت القيصر يوليوس فى قارب من القش عبر البحر الهائج ورغم كل الزوابع. ورأيناك فى ورشتك تصنع زيا وجيها من قوس قزح, ازدان برسوم الملائكة والطيور والحيوانات وجميع أنواع الأسماك, ثم نسجت فيه صورة البومة والقرد. وقد ضحكنا كثيرا وامتدحناك, عندما تربعت فوق عجلة الحظ فى باريس , ورقصت فوق ظهر الثور, ومارست السحر وحبست الشياطين فى زجاجة عجيبة. وتحققنا تماما من حكمتك البالغة عندما دعاك الإله للمشورة بشأن خطيئة حواء.
فلو كنا عرفناك من قبل حق المعرفة لاتبعناك, ولتركنا زوجتك وكل الناس يعيشون إلى الأبد. نعم, لو عرفناك سابقا لفعلنا كل ذلك من أجلك, لأنك حقا حمار ذكر حكيم.
19- أكرمان
كتب على الناس أن يتحملوا السخرية وسوء المعاملة, إن أرادوا التوصل للحقيقة. وهذا هو مايدور معى الآن: فأنت تمتدحنى وتنسب الى المستحيل من الأمور, وأنت الذى تأتى بأعمال الفجور, وليس لك سوى القوة والعنفوان من دستور. لقد أسأت معاملتى وأهنتنى وجرحتنى. فإذا ماحدثتك عن ذلك, فإنك تسلط على لسانك , وتصب على غضبك وامتهانك. إن من يزرع الشر ويتكبر ويتعالى. ولايريد الخضوع والامتثال للجزاء, بل ويفعل كل شىء فى زهو وخيلاء فإن عليه أن يتنبه ويحترس حتى لايحصد العداوة ويجنى البغضاء.
ولتعتبر بحالتى... فمهما طال امتهانك لى أو قصر, ومهما أسأت معاملتى وظلمتنى, فستجدنى صابرا, أتحمل ولاأنتقم, رغم أن لى حق الانتقام. أننى أريد اليوم أيضا أن أكون أفضل منك: فأذا كنت قد أرتكبت فى حقك إثما أو رميتك بما لايليق,فنبهنى إاليه ودلنى عليه, فأنا على استعداد للتكفير عنه, أما اذا لم يكن ذلك كذلك. فعوضنى إذن عن خسارتى, أو دلنى على كيفية التخلص من حزنى وحسرتى..... حقا أن أحدا لم يصبه مثل ماأصابنى, ورغم ذلك كله فعليك أن تضع تأدبى وأعتدالى موضع الاعتبار: فأما أن تعوضنى عما ارتكبته فى حق حاميتى من الأحزان وفى حقى وحق أطفالى, وأما أن تذهب وتحتكم الى الله, فهو أعدل القضاة وخير حاكم عليك وعلى الناس أجمعين. كان باستطاعتك أن تستسمحنى, اننى أردت أن أترك لك أمر ذلك, فقد كنت واثقا من أنك ستهتدى بنفسك الى العدالة وتعوضنى عما فجعتنى فيه.
فلتعد الى رشدك, وتحكم بالعقل, وإلا فلتصطدم المطرقة بالسندان, فالشر بالشر, والقسوة بالقسوة, وليكن مايكون.
20-الموتولتعتبر بحالتى... فمهما طال امتهانك لى أو قصر, ومهما أسأت معاملتى وظلمتنى, فستجدنى صابرا, أتحمل ولاأنتقم, رغم أن لى حق الانتقام. أننى أريد اليوم أيضا أن أكون أفضل منك: فأذا كنت قد أرتكبت فى حقك إثما أو رميتك بما لايليق,فنبهنى إاليه ودلنى عليه, فأنا على استعداد للتكفير عنه, أما اذا لم يكن ذلك كذلك. فعوضنى إذن عن خسارتى, أو دلنى على كيفية التخلص من حزنى وحسرتى..... حقا أن أحدا لم يصبه مثل ماأصابنى, ورغم ذلك كله فعليك أن تضع تأدبى وأعتدالى موضع الاعتبار: فأما أن تعوضنى عما ارتكبته فى حق حاميتى من الأحزان وفى حقى وحق أطفالى, وأما أن تذهب وتحتكم الى الله, فهو أعدل القضاة وخير حاكم عليك وعلى الناس أجمعين. كان باستطاعتك أن تستسمحنى, اننى أردت أن أترك لك أمر ذلك, فقد كنت واثقا من أنك ستهتدى بنفسك الى العدالة وتعوضنى عما فجعتنى فيه.
فلتعد الى رشدك, وتحكم بالعقل, وإلا فلتصطدم المطرقة بالسندان, فالشر بالشر, والقسوة بالقسوة, وليكن مايكون.
تأسر الكلمات الطيبة نفوس الناس وتهدىء من روعهم, كما يؤدى بهم الفهم والادراك الى الاعتدال واللطف, ويصل بهم الصبر والتأنى الى مراتب المجد والشرف, والنفس الثأئرة لاتستطيع أن تدرك الحقيقة.
فلو حدثتنا فى بادىء الأمر حديثا وديا, لكنا علمناك عن طيب خاطر, انه لايصح أن تشكو موت زوجتك أو تبكيها. ألم تسمع عن ذلك الحكيم الذى أراد أن يموت فى الحمام؟ ألم تقرأ مؤلفاته التى قال فيها انه لاينبغى لأحد أن يشكو موت أحد من الآنام؟ ان لم تكن تعرف ذلك, فقد حان الوقت لتعرفه: ان الانسان بمجرد أن يولد , فقد تجرع كأس الموت ( وكأنه ولد ليموت) فالنهاية شقيقة البداية, ومن خرج لابد وأن يعود , ولاينبغى لآحد أن يعترض على الأمر المحتوم والقضاء المكتوب. كما لايصح أن يعارض الفرد فيما كتب على الجماعة وقدر, ولابد أن يرد الانسان مااستعار.
ان البشر جميعا ضيوف أغراب فى هذه الدنيا. وهم جميعا سائرون من الوجود الى العدم. فحياة البشر تجرى بخطى سريعة واسعة نحو النهاية. ومن يعش الأن, قد يمت مابين غمضة عين وانتباهتها.
وبأختصار وايجاز: الموت مكتوب على جبين كل إنسان. فهو وراثة الخلف من السلف. فاذا كنت تبكى شباب زوجتك, فلست على حق, لأنه بمجرد أن يعيش الانسان (مدة), فقد أصبح عرضه للموت. ربما تظن أن الكبر(الشيخوخة) حرز أمين أو حصن حصين(ضد الموت). كلا, انه سقيم,ملىء بالمتاعب قبيح, قاس , تزدريه نفوس الناس جميعا. انه لافائدة فيه ولاطائل من ورائة. فالتفاح الناضج يتساقط وحده فى الأوحال, كما تسقط الكمثرى البالغة النضج فى الماء الآسن.
واذا كنت تبكى جمالها , فهذا تصرف صبيانى: فالجمال سريع الزوال, تحطمه الشيخوخة ويفنية الموت.
عندئذ تفقد الشفة الوردية لونها وتذبل, والخدود الحمراء تصبح شاحبة ممتقعة, وكل العيون المشرقة الساطعة لابد وأن تفقد نورها وتظلم. ألم تقرأ من تعاليم هيرميس الحكيم عن رجل أراد أن يحمى نفسه من خطر النساء الفاتنات, فأخذ يقول: من الصعب الاحتفاظ بما هو جميل , فالناس جميعا تشتهيه. لكن من السهل المحافظة على القبيح, فهو ينفر الناس.
دعك من شكواك.... لاتبك على خسارة أو ضياع, فأنت لاتستطيع له أى إعادة أو إرجاع.
فلو حدثتنا فى بادىء الأمر حديثا وديا, لكنا علمناك عن طيب خاطر, انه لايصح أن تشكو موت زوجتك أو تبكيها. ألم تسمع عن ذلك الحكيم الذى أراد أن يموت فى الحمام؟ ألم تقرأ مؤلفاته التى قال فيها انه لاينبغى لأحد أن يشكو موت أحد من الآنام؟ ان لم تكن تعرف ذلك, فقد حان الوقت لتعرفه: ان الانسان بمجرد أن يولد , فقد تجرع كأس الموت ( وكأنه ولد ليموت) فالنهاية شقيقة البداية, ومن خرج لابد وأن يعود , ولاينبغى لآحد أن يعترض على الأمر المحتوم والقضاء المكتوب. كما لايصح أن يعارض الفرد فيما كتب على الجماعة وقدر, ولابد أن يرد الانسان مااستعار.
ان البشر جميعا ضيوف أغراب فى هذه الدنيا. وهم جميعا سائرون من الوجود الى العدم. فحياة البشر تجرى بخطى سريعة واسعة نحو النهاية. ومن يعش الأن, قد يمت مابين غمضة عين وانتباهتها.
وبأختصار وايجاز: الموت مكتوب على جبين كل إنسان. فهو وراثة الخلف من السلف. فاذا كنت تبكى شباب زوجتك, فلست على حق, لأنه بمجرد أن يعيش الانسان (مدة), فقد أصبح عرضه للموت. ربما تظن أن الكبر(الشيخوخة) حرز أمين أو حصن حصين(ضد الموت). كلا, انه سقيم,ملىء بالمتاعب قبيح, قاس , تزدريه نفوس الناس جميعا. انه لافائدة فيه ولاطائل من ورائة. فالتفاح الناضج يتساقط وحده فى الأوحال, كما تسقط الكمثرى البالغة النضج فى الماء الآسن.
واذا كنت تبكى جمالها , فهذا تصرف صبيانى: فالجمال سريع الزوال, تحطمه الشيخوخة ويفنية الموت.
عندئذ تفقد الشفة الوردية لونها وتذبل, والخدود الحمراء تصبح شاحبة ممتقعة, وكل العيون المشرقة الساطعة لابد وأن تفقد نورها وتظلم. ألم تقرأ من تعاليم هيرميس الحكيم عن رجل أراد أن يحمى نفسه من خطر النساء الفاتنات, فأخذ يقول: من الصعب الاحتفاظ بما هو جميل , فالناس جميعا تشتهيه. لكن من السهل المحافظة على القبيح, فهو ينفر الناس.
دعك من شكواك.... لاتبك على خسارة أو ضياع, فأنت لاتستطيع له أى إعادة أو إرجاع.
21- أكرمان
إسمع عن الحكماء قولهم: ( عاقل هو من يقبل الجزاء الوفاق دون عراك أو شقاق , ومن يقبل الخسارة العادلة دون مجاملة باطلة), وما أصابتنى به يمكن تحمله وقبوله, ولكن إذا كان لزاما على المجازى العادل أن يكون معلما ومرشدا, فأنصحنى وعلمنى كيف أتغلب على حزنى البالغ, وغمى الشديد, وحسرتى الزائدة عن الحدود, علمنى كيف أستأصلهم من القلب, وأطردهم من المزاج, وأمسح آثارهم من الحواس.
فوالله لقد أصابنى الغم والأسى, عندما انتزعت كرامة بيتى ورمز الطهر والاخلاص فيه, انتزعت فى لمح البصر, ماتت, وأصبحت أرملا وأولادى يتامى بلا أم.
أه أيها الموت, الدنيا كلها تشكو منك , وأنا أيضا, وقد يخف بلاؤك وشرك, اذا كان فيك جانب طيب وهو النصح والمساعدة والارشاد , فساعدنى ودلنى كيف أتخلص من ألمى وكمدى وأطردهما من القلب, علمنى كيف يستعيض أطفالى عن مثل أمهم الطاهرة, والا فسأبقى دائما كسيرا وهم حزانى.
وعندئذ لايصح أن تؤاخذنى لاننى ألاحظ أن الحيوانات التى لاتعقل تحزن بالفطرة على فقد رفيقها.
أنك مدين لى بالمساعدة والنصيحة والتعويض, لأنك تسببت فى ضررى وخسارتى. فلو لم يحدث ذلك,لكان تعجيزا وتحديا لانتقام القوى القاهر. لآبد على أى حال من القصاص والانتقام, حتى لو أدى الأمر الى استعمال البلطة والمجراف مرة أخرى( وليكن بعد ذلك الطوفان)
فوالله لقد أصابنى الغم والأسى, عندما انتزعت كرامة بيتى ورمز الطهر والاخلاص فيه, انتزعت فى لمح البصر, ماتت, وأصبحت أرملا وأولادى يتامى بلا أم.
أه أيها الموت, الدنيا كلها تشكو منك , وأنا أيضا, وقد يخف بلاؤك وشرك, اذا كان فيك جانب طيب وهو النصح والمساعدة والارشاد , فساعدنى ودلنى كيف أتخلص من ألمى وكمدى وأطردهما من القلب, علمنى كيف يستعيض أطفالى عن مثل أمهم الطاهرة, والا فسأبقى دائما كسيرا وهم حزانى.
وعندئذ لايصح أن تؤاخذنى لاننى ألاحظ أن الحيوانات التى لاتعقل تحزن بالفطرة على فقد رفيقها.
أنك مدين لى بالمساعدة والنصيحة والتعويض, لأنك تسببت فى ضررى وخسارتى. فلو لم يحدث ذلك,لكان تعجيزا وتحديا لانتقام القوى القاهر. لآبد على أى حال من القصاص والانتقام, حتى لو أدى الأمر الى استعمال البلطة والمجراف مرة أخرى( وليكن بعد ذلك الطوفان)
22- الموت
تقوقىء الأوزة كما يحلو لها, مهما وعظها الانسان وهذا هو حالك.... لقد سبق أن شرحنا لك بأن الموت لايصح الطعن فيه. لنفرض أننا أحد محصلى الضرائب يدفع له الناس ضرائب عن حياتهم, فلماذا تعترض أنت وتعارض؟ الواقع هو أن من يريد خداعنا فأنما يخدع نفسه.
تعقل الأمر, وتذكر جيدا: أن الحياة خلقت من أجل الممات, ولو لم توجد الحياة, لما كنا نحن (الموت) وماكانت لنا وظيفة وعندئذ تخلو الدنيا من النظام.
فأما أنك فعلا شربت كأس الحزن حتى الثمالة, أو أن الجنون صفة من صفاتك, فإذا كنت مجنونا,. فأطلب من الله ينعم عليك بنعمة العقل. أما اذا كنت مليئا بالأحزان , ففض حزنك, وفرج من كربك, واعلم أن حياة البشر فى هذه الدنيا ماهى الا نسمة ريح فقط.
أنت تطلب نصيحة تخلصك من آلامك وتبعد عنك أحزانك, وقد سبق أن علمك أرسطو بأن الفرح والحزن والخوف والأمل_ هذه العوامل الأربعة _ تجلب الهموم للدنيا بأسرها, وبالذات لآولئك الذين لايحترسون منها. الفرح والخوف لايدومان طويلا,بينما تطول فترة الألم والأمل. فمن لايطرد الأربعة من وجدانه, فهو يعيش طول حياته غارقا فى أحزانه. أن سنة الحياة الدنيا هى أن الأفراح تعقبها الأحزان, والحب يخلفه الألم والحرمان. فالفرح والألم حليفان متعاقبان. ونهاية أحدهما هى بداية الأخر. وليس مثل الألم والفرح الا كمثل إنسان رسم شيئا فى نفسه ولايريد أن يتنازل عنه, تماما كما هو الحال مع القناعة والطمع: فالقانع لايشعر بالفقر, والطماع لايشعر بالغنى, ذلك لأن الاكتفاء والعوز, أى القناعة والطمع, لاتتوقفان على مقدار الملكية ولاعلى غيرها من الأمور,ولكنهما شعور فى أعماق الصدور. فمن لايريد أن يمحو أثار الحب من أعماق فؤاده فعليه أن يتحمل مابه من ألام. عليك اذن أن تطرد من قلبك ومن فكرك ومن مزاجك كل مايذكرك بالحب, وعندئذ سوف تنمحى الأحزان, وتزول الألام. وبمجرد أن تفقد شيئا لاتستطيع استرجاعه, فعليك أن تتصرف كما لو لم تمتلكه أبدا. أنذاك تتركك الهموم وتذهب عنك الأحزان.
فأن لم تفعل ذلك, فالهم الكثير فى انتظارك: ذلك لآنة عن وفاة أى طفل, يصيب الحزن قلبك. وعند وفاتك, يصاب أولادك بالفجيعة. أى أن الحزن يصيبكم بمقدار كبير, عندما يودع أحدكما الأخر الوداع الأخير. أنت تريد أن تعوضهم عن أمهم , أنك لو أستطعت أن تسترد ماسلف من أعوام, وتحكى ماوقع من حديث وكلام, وتستعيد للاناث بكارتهن, فأنك قد تعيد لأطفالك أمهم ثانية. وقد نصحتك الآن بما فيه الكفاية, فهل يمكنك فهم ذلك_ يابطيىء الفهم وقليل الدراية؟.
24- الموت
تعقل الأمر, وتذكر جيدا: أن الحياة خلقت من أجل الممات, ولو لم توجد الحياة, لما كنا نحن (الموت) وماكانت لنا وظيفة وعندئذ تخلو الدنيا من النظام.
فأما أنك فعلا شربت كأس الحزن حتى الثمالة, أو أن الجنون صفة من صفاتك, فإذا كنت مجنونا,. فأطلب من الله ينعم عليك بنعمة العقل. أما اذا كنت مليئا بالأحزان , ففض حزنك, وفرج من كربك, واعلم أن حياة البشر فى هذه الدنيا ماهى الا نسمة ريح فقط.
أنت تطلب نصيحة تخلصك من آلامك وتبعد عنك أحزانك, وقد سبق أن علمك أرسطو بأن الفرح والحزن والخوف والأمل_ هذه العوامل الأربعة _ تجلب الهموم للدنيا بأسرها, وبالذات لآولئك الذين لايحترسون منها. الفرح والخوف لايدومان طويلا,بينما تطول فترة الألم والأمل. فمن لايطرد الأربعة من وجدانه, فهو يعيش طول حياته غارقا فى أحزانه. أن سنة الحياة الدنيا هى أن الأفراح تعقبها الأحزان, والحب يخلفه الألم والحرمان. فالفرح والألم حليفان متعاقبان. ونهاية أحدهما هى بداية الأخر. وليس مثل الألم والفرح الا كمثل إنسان رسم شيئا فى نفسه ولايريد أن يتنازل عنه, تماما كما هو الحال مع القناعة والطمع: فالقانع لايشعر بالفقر, والطماع لايشعر بالغنى, ذلك لأن الاكتفاء والعوز, أى القناعة والطمع, لاتتوقفان على مقدار الملكية ولاعلى غيرها من الأمور,ولكنهما شعور فى أعماق الصدور. فمن لايريد أن يمحو أثار الحب من أعماق فؤاده فعليه أن يتحمل مابه من ألام. عليك اذن أن تطرد من قلبك ومن فكرك ومن مزاجك كل مايذكرك بالحب, وعندئذ سوف تنمحى الأحزان, وتزول الألام. وبمجرد أن تفقد شيئا لاتستطيع استرجاعه, فعليك أن تتصرف كما لو لم تمتلكه أبدا. أنذاك تتركك الهموم وتذهب عنك الأحزان.
فأن لم تفعل ذلك, فالهم الكثير فى انتظارك: ذلك لآنة عن وفاة أى طفل, يصيب الحزن قلبك. وعند وفاتك, يصاب أولادك بالفجيعة. أى أن الحزن يصيبكم بمقدار كبير, عندما يودع أحدكما الأخر الوداع الأخير. أنت تريد أن تعوضهم عن أمهم , أنك لو أستطعت أن تسترد ماسلف من أعوام, وتحكى ماوقع من حديث وكلام, وتستعيد للاناث بكارتهن, فأنك قد تعيد لأطفالك أمهم ثانية. وقد نصحتك الآن بما فيه الكفاية, فهل يمكنك فهم ذلك_ يابطيىء الفهم وقليل الدراية؟.
23- أكرمان
مع مرور الوقت تتضح للمرء الحقيقة: من تعلم الكثير, أجاد التعبير. أن أقوالك حلوة معسولة, أستسيغ بعضها الآن بسهولة. الا أنه لو كان لابد من محو الفرح والحب واللذة والمتعة من الدنيا, لكانت الدنيا حينئذ على أسوأ حال. اننى أستند فى رأيى هذا الى الرومان, فقد جربوا بأنفسهم وعلموا أطفالهم أن يحافظوا على السعادة والسرور, وأن يتباروا ويتبارزوا ويتسابقوا فى الجرى والقفز. وأن يمارسوا مختلف الفنون التربوية الراقية فى أوقات فراغهم, وذلك بقصد أن يتجنبوا السوء ويبتعدوا عن الشرور, حيث ان العقل الانسانى لايستطيع أن يقف مشلولا, فقد أخذ على النسيج طول الوقت, اما خيرا أو شرا, فهو لايكف حتى فى النوم عن عمله ونشاطه. فلو جردناه من الأفكار الطيبة, فسوف تتزاحم عليه الأفكار السيئة: خروج الصالح يعنى دخول الطالح, والعكس بالعكس. ولابد أن يستمر هذا التغيير حتى نهاية الدنيا. فمنذ أن خلت الدنيا من السرور والعفة والطهارة والحياء والحشمة وغيرهم من الفضائل والمحامد,_ منذ ذلك امتلآت الدنيا بمزيد من الخبث والفضائح والغدر والخيانة والسخرية, وهذا ماتراه كل يوم.
فاذا استلزم الأمر أن أطارد ذكرى محبوبتى الغالية من رأسى وعقلى, فسوف تعود اليه أفكار السوء, وذلك هو مايزيد من تشبثى الى الأبد بذكراها . اذا تحول الحب الكبير الى حزن عميق, فمن ذا الذى يستطيع أن ينسى ذلك بمثل هذه السرعة؟ لايفعل ذلك الا الفاسدون. أما الأصدقاء المخلصون فهم دائما يفكرون فى بعضهم. ومهما بعدت المسافات, وطالت السنوات, فهى لاتفرق بين الأرواح المؤتلفات, واذا كانت زوجتى قد ماتت بالجسد, فأنها تعيش فى ذاكرتى الى الأبد.
فيا أيها الموت: لابد أن تخلص فى نصحك, اذا أردت أن تؤتى نصيحتك ثمارها, والا فأناصبك العداء والخصام, فأنت طائر الخراب والظلام.
فاذا استلزم الأمر أن أطارد ذكرى محبوبتى الغالية من رأسى وعقلى, فسوف تعود اليه أفكار السوء, وذلك هو مايزيد من تشبثى الى الأبد بذكراها . اذا تحول الحب الكبير الى حزن عميق, فمن ذا الذى يستطيع أن ينسى ذلك بمثل هذه السرعة؟ لايفعل ذلك الا الفاسدون. أما الأصدقاء المخلصون فهم دائما يفكرون فى بعضهم. ومهما بعدت المسافات, وطالت السنوات, فهى لاتفرق بين الأرواح المؤتلفات, واذا كانت زوجتى قد ماتت بالجسد, فأنها تعيش فى ذاكرتى الى الأبد.
فيا أيها الموت: لابد أن تخلص فى نصحك, اذا أردت أن تؤتى نصيحتك ثمارها, والا فأناصبك العداء والخصام, فأنت طائر الخراب والظلام.
24- الموت
عاقل كل من لايبالغ فى فرحه عند الربح, ولايتمادى فى حزنه عند الخسارة. وهذا مالاتفعله أنت. من يطلب النصيحة ولاينتصح فلا داعى لنصحه, وليس لنصيحتنا الصادقة أثر لديك. وسواء تألمت أم سعدت, فأننا نريد أن نصارحك بالحقيقة, وليسمعها كل من أراد.
أنت تريد بعقلك الحائر, واحساسك القاصر, وقلبك الشاغر, أن تجعل من الانسان أكثر مما هو عليه قادر. اعتبر الانسان كما تشاء أن تعتبره, انه لايستطيع أن يكون بأكثر مما أقوله لك_ مع احترامى لكل السيدات الطاهرات: الانسان وليد خطيئة, يغذى فى بطن أمه بقاذورات غير طاهرة, ثم يولد عاريا ملوثا مثل خلية ( سلة) النحل, فهو عبارة عن كومة حثالة, وبرميل زبالة, وطعام للديدان, وموطن للآعفان, وطشت غسيل مقرف, وجيفة نتنة, وصندوق عفن, وزكيبة دون قاع, وحقيبة ذات ثقوب, وكور منفوخ, ومزرد طماع, ومبولة كريهة الرائحة, وسطل تفوح منه المكاره, وضوء دمية خداع, ومنزل من الطين يسكنه اللصوص, ووعاء أطفال لايقنع, وخيال مرسوم. ألا فليعلم, من أراد أن يعلم: أن للإنسان كامل النشأة تسع فتحات فى جسده, وتنساب منها جميعا أقذار كريهة نجسة, تفوق فى نجاستها كل شىء. انك لاتستطيع أن ترى انسانا كامل الجمال. فلو كانت لديك عيون الفهد الثاقبة واستطعت أن تبصر داخل الانسان, فسوف تشمئز نفسك ويقشعر بدنك, واذا كشفت عن أجمل سيدة حجابها, ونزعت عنها طلاءها, فسوف ترى دمية حقيرة, وزهرة سرعان ماتذبل, وبريقا لايدوم, وكتلة طينية سرعان ماتتفكك وتذوب. واذا أمكنك أن تذكر لى عدة جميلات من بين الحسناوات اللاتى عشن منذ مائة سنة_ باستثناء المرسومات فى لوحات_ فإنك تفوز منى بتاج القيصر. فلا تعبأ بشىء, وانس الحب والأسى, دع نهر الراين يجرى كالأنهار الآخرى, أيها الفتى الحكيم من قرية الحمير.!!
أنت تريد بعقلك الحائر, واحساسك القاصر, وقلبك الشاغر, أن تجعل من الانسان أكثر مما هو عليه قادر. اعتبر الانسان كما تشاء أن تعتبره, انه لايستطيع أن يكون بأكثر مما أقوله لك_ مع احترامى لكل السيدات الطاهرات: الانسان وليد خطيئة, يغذى فى بطن أمه بقاذورات غير طاهرة, ثم يولد عاريا ملوثا مثل خلية ( سلة) النحل, فهو عبارة عن كومة حثالة, وبرميل زبالة, وطعام للديدان, وموطن للآعفان, وطشت غسيل مقرف, وجيفة نتنة, وصندوق عفن, وزكيبة دون قاع, وحقيبة ذات ثقوب, وكور منفوخ, ومزرد طماع, ومبولة كريهة الرائحة, وسطل تفوح منه المكاره, وضوء دمية خداع, ومنزل من الطين يسكنه اللصوص, ووعاء أطفال لايقنع, وخيال مرسوم. ألا فليعلم, من أراد أن يعلم: أن للإنسان كامل النشأة تسع فتحات فى جسده, وتنساب منها جميعا أقذار كريهة نجسة, تفوق فى نجاستها كل شىء. انك لاتستطيع أن ترى انسانا كامل الجمال. فلو كانت لديك عيون الفهد الثاقبة واستطعت أن تبصر داخل الانسان, فسوف تشمئز نفسك ويقشعر بدنك, واذا كشفت عن أجمل سيدة حجابها, ونزعت عنها طلاءها, فسوف ترى دمية حقيرة, وزهرة سرعان ماتذبل, وبريقا لايدوم, وكتلة طينية سرعان ماتتفكك وتذوب. واذا أمكنك أن تذكر لى عدة جميلات من بين الحسناوات اللاتى عشن منذ مائة سنة_ باستثناء المرسومات فى لوحات_ فإنك تفوز منى بتاج القيصر. فلا تعبأ بشىء, وانس الحب والأسى, دع نهر الراين يجرى كالأنهار الآخرى, أيها الفتى الحكيم من قرية الحمير.!!
25- أكرمان
خسئت يامنبع العار والشنار. كيف يتأتى لك أن تحطم الانسان, وتسىء معاملته, وتجردة من الشرف , وهو المخلوق النبيل, بل وأحب مخلوقات الله اليه؟ انك بذلك تطعن فى الخالق. لقد أدركت الآن_ والآن فقط_ إنك كذاب أشر, ولم تخلق فى الجنة كما تدعى. فلو كنت من أهل الجنة, لعرفت أن الله أحسن خلق الانسان وكل الأشياء, ثم رفع الانسان فوق كل شىء قدرا, ومنحة السيادة عليها جميعا, وجعلها تخضع له وتنقاد. ومن ثم يسيطر الانسان فعلا على الحيوانات فى البر, والسمك فى البحر, والطيور فى الجو, والفواكه والثمار على كل الأشجار. فلو صح قولك بأن الانسان حقير, نجس , شرير_ فمعنى ذلك أن الله لم يحسن الخلق والتدبير. ولو صح قولك بأن يد العلى القدير قد خلقت الانسان دنسا نجسا_ كما تدعى_ لكان خالقا مهينا. وعليه فلا يتناسب ذلك مع القول بأن الله أحسن خلق الاشياء كلها, ثم فضل الانسان عليها جميعا.
أيها الموت, دعك من هرائك الذى لايسمن ولايغنى من جوع. أنك تفضح ألطف مخلوقات الله. فالملائكة والشياطين وعفاريت الغابة وطيور الموتى_ كلها أرواح نفاها الله, أما الانسان فهو أنبل خلق الله, وأمهرهم, بل وأكثرهم حرية. أحسن الله تكوينه ليكون شبيها به, على حد تعبيره سبحانه وتعالى يوم خلق الدنيا.
فأنى لنا من صانع أجاد صنعه وخلق عملا يتميز بهذه الدقة وتعدد الجوانب؟ أو صنع كرة صغيرة تضاهى فى فنها رأس الانسان؟ ان ذلك الرأس يحتوى على قوى فنية عجيبة, تعجز كل الأرواح عن فهمها وادراكها.
ففى مقلة العين نجد الابصار, وهو أهم شاهد ودليل, وقد ركب تركيبا فنيا على طريقة المرأة, ويصل فى مداه حتى عنان السماء. وفى الأذنين تكمن حاسة السمع التى تصل الى أمد بعيد, وهى بديعة الخلق وتحميها جلدة رقيقة وهى تستقبل وتميز بين الأنغام الخلابة الساحرة. والأنف يحتوى على حاسة الشم, وله فتحتان لدخول الروائح وخروجها, وهو مزود بالاحساس اللازم للتمتع بالروائح الطيبة العطرة.
وفى الفم نجد الأسنان, وهى تطحن كل يوم غذاء الآبدان, ثم نجد اللسان, وهو صحيفة رقيقة, تفصح للانسان عن رأى غيره من الخليقة. وهناك أيضا حاسة التذوق لمختلف الأطعمة. أضف الى ذلك أن الرأس هو أيضا متلقى الأفكار الواردة من أعماق القلب, والتى يصل بها المرء بسرعة الى حيث يريد, ويحلق بها فى السماء, بل ويصعد الى مابعدها. ثم تميز الانسان دون غيره بالعقل وهو كنز الكنوز. والانسان هو وحده المخلوق الذى لايقدر على خلقه سوى الله, هو آية الله فى خلقه, أحكم تركيبه بمهارة وفن واجادة. كفى هذرا, أيها الموت. إنك عدو الانسان , ومن ثم فأنت لاتذكره بخير.
أيها الموت, دعك من هرائك الذى لايسمن ولايغنى من جوع. أنك تفضح ألطف مخلوقات الله. فالملائكة والشياطين وعفاريت الغابة وطيور الموتى_ كلها أرواح نفاها الله, أما الانسان فهو أنبل خلق الله, وأمهرهم, بل وأكثرهم حرية. أحسن الله تكوينه ليكون شبيها به, على حد تعبيره سبحانه وتعالى يوم خلق الدنيا.
فأنى لنا من صانع أجاد صنعه وخلق عملا يتميز بهذه الدقة وتعدد الجوانب؟ أو صنع كرة صغيرة تضاهى فى فنها رأس الانسان؟ ان ذلك الرأس يحتوى على قوى فنية عجيبة, تعجز كل الأرواح عن فهمها وادراكها.
ففى مقلة العين نجد الابصار, وهو أهم شاهد ودليل, وقد ركب تركيبا فنيا على طريقة المرأة, ويصل فى مداه حتى عنان السماء. وفى الأذنين تكمن حاسة السمع التى تصل الى أمد بعيد, وهى بديعة الخلق وتحميها جلدة رقيقة وهى تستقبل وتميز بين الأنغام الخلابة الساحرة. والأنف يحتوى على حاسة الشم, وله فتحتان لدخول الروائح وخروجها, وهو مزود بالاحساس اللازم للتمتع بالروائح الطيبة العطرة.
وفى الفم نجد الأسنان, وهى تطحن كل يوم غذاء الآبدان, ثم نجد اللسان, وهو صحيفة رقيقة, تفصح للانسان عن رأى غيره من الخليقة. وهناك أيضا حاسة التذوق لمختلف الأطعمة. أضف الى ذلك أن الرأس هو أيضا متلقى الأفكار الواردة من أعماق القلب, والتى يصل بها المرء بسرعة الى حيث يريد, ويحلق بها فى السماء, بل ويصعد الى مابعدها. ثم تميز الانسان دون غيره بالعقل وهو كنز الكنوز. والانسان هو وحده المخلوق الذى لايقدر على خلقه سوى الله, هو آية الله فى خلقه, أحكم تركيبه بمهارة وفن واجادة. كفى هذرا, أيها الموت. إنك عدو الانسان , ومن ثم فأنت لاتذكره بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق