بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

نبوءة العرّاف الأعمى(2)

(2)

أبكى جوهرةً
سيدة الجوهر ،
الجوهرة الفرد .

آِهِ .. 
ياوطنى

دائماً وأبداً ..يظل الشاعر، عبر العصور، حاملاً النبوءة لأزمان قادمة .
ولذا يموت الشاعر فى سنى نضجه وتوهجه ،لأنه إستشرف القادم ،فألقى بنبوءته .
ثم غادر الحياة مثخناً بجراح روحه ونزيف قلبه.

يأتينا ..شاعرٌ يحمل بين يديه نبوءته منذ عقدمن الزمان وأكثر .

يأتينا ..شاعرٌ يصيح فينا ويستصرخ العقل فى النفوس الميتة .

ياتينا.. شاعرٌ،بنبوءة عرافه الاعمى"
ترزياس "العصر الحديث.

أنقل نبوءته ..متهيّباً أن أنسى أوأخطئ فى النقل ،وأضع فى نبوئته مالم يصرّح به أو ما صرّح ونسيته.

أنقل النبوءة من عرافنا الأعمى ،وكأنى مثله أعمى ،أستشرف القادم بفزع وجزعٍِ ورعبِ .

يقول :

أرى شرراً قادماً
يتطاير أعمدة من شواظٍ
ويسقط فاكهةً من جحيم
أرى جائعين
تهرول أعينهم خلف كسرة خبز
وتصطك أحشاؤهم
فى انتظار الهبات
وتغشى العيون سحابة يأسِ
ويظلم وجه الزمان العقيم
رجالاً غلاظاً
يسوطون جيش عراة
وليلاً عتى الملامح
ينشب أظفاره فى الشعاع الأخير
فيلفظ أنفاسه
وهو يغلق عينين مجفلتين
على مقدم الرعب والفاجعة
أرى شرراً طالعاً
يتصاعد أعمدة من دخان
سحابة ليل دميم
هو الهول ينتظر الذاهلين
ويفترس الصاغرين
ويذبح فجر البراءة
ويفتح باب العراء
وأقبية الموت للهاربين

***
أرى شجراً حائلاً
ورقاً ذبلاً يتطاير
مذبحة للغصون الهشيم
وعاصفة لاقتلاع الجذور
أرى سحنة للخريف المباغت
تنثر صفرتها فى الوجوه
وتضرم نيرانها فى الظلال
وتعلن عن بدء ذاكرة للغبار
وقارعة لالتهام السكينة
والفوز بالمقعد الحجرى
لقد هزم السدر والسنديان
إذا اشتعل الماء فى الساق
جفت ينابيع هذا الفرات
ورنق يوم الشتات
وضلت خطى الكائنات
وجاء زمان بحجم الموات
أرى شجراً شاخصاُ لايريم
فضاءٌ تأسّن
والبوم منتظر ٌ
والشقاءُ المقيم

***
أرى منشداً ينتقل بين الجموع
ويبحر بين الدموع
يحذر من هجمة للوباء
ومن ساعة لانهمار الفناء
ومن صمم شاخص فى الخنوع
وضبط أوتارأحزانه
على شجن نازف فى الدماء
تسممت الرئتان
وحشرجةالصوت
غرغرةُ الموت
شهقة خيط الحياة الأخير
فمن يوقف الآن سيل الماء
سنابك جيش الشقاء
ووطاة هذا البلاء العظيم
ويرجع صوت الغناء
ويبدل وجه الزمان الذليل
ليزهر فى القلب نور الربيع
وتعتصم الأرض بالكبرياء!

***
أرى عجباً وفجأة يوم قريب
أرى سوقةً فى لباس الملوك
ملوكاً عروشهم من هواء
وايامهم حزمة من دماء
وتاريخهم بقعة من هوان
وأحلامهم من لحوم الجوارى
وركضهمولاقتناص المزيد
أرى عجباً
ونبوءة يوم قريب
أرى الأفق يمطر مُهلاً
أرى الأرض تقذف عاراً وذلاً
ارى العين تذرف شوكاً ورملاً
أرى هاتفين بروعة هذا المصير البليد
ومنطلقين لمائدة من لحوم العبيد
وممتثلين لإمرة هذا الإله الجديد
فويلٌ لمن لايرون
وويلٌ لمن لايبصرون
فى أعين الشاردين.

فاروق شوشة
ديزوان "وجه أبنوسى "
طبعة سنة2000م
الهيئةالمصرية العامة للكتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق