من رماد الذكريات ،تسطع فى ذاكرتى قصص جدتى رحمها الله وإيانا وإياكم ..
كنا أطفالاً صغاراً لانكاد نعى الكثير ممايدور فى الحياة ، نجالس جدتى ذات الذاكرة الحديدية ونسهر معها كى تروى لنا من أقاصيص الماضى ،العبرة والموعظة وحكايات الشاطر حسن وست الحسن والجمال وأمنا الغولة التى تخطف الأولاد الصغار وتشرب دماءهم وتأكل لحومهم وتقف بكل طريق تتلون مرةً شابة جميلة ،ومرةً أخرى حماراً ضالاً ومرة ثالثة بقرةً عفية ومرة رابعة كلباً عقوراً ومرة خامسة ذئباً شرساً ومرات كثيرة حيوانات مفترسة وطيوراً متوحشة ،وتشعل الحرائق وتدمر المحاصيل ،وتفتعل المشاكل بين الناس وتنشر الفتنة وتذيع الشائعات فى المدن و القرى والعزب والكفور ،فهى مجمع الشرور وإن ظهرت طيبة صالحة تقية .تحكى جدتى :
كان ياما كان فى سالف العصر والأوان ..كان فيه بلد جميل حباه الله بكل الخيرات وناسه ناس محترمين و كان الشاطر حسن وست الحسن والجمال يعيشان عيشة هنية ،ترفرف عليهما طيور السعادة والهناء ويهنأ معهم الرجال والأطفال والنساء ،وفى قصرهما الجميل التى تجرى فيه الأنهارالصافية وتعشش, فى أشجاره المثمرة ,الطيور المغردة وتفوح فى جنباته السرور والبهجة والسعادة .لكن أمنا الغولة والتى تعبد نفسها ،وتظن أنها بما تملكه من عبيد ومكر ودهاء وأموال وألاعيب وسحر وشعوذة ودجل وضحك على الذقون ،تستطيع السيطرة على كل شىء واللعب بكل شىء ،فكل شيىء لديها مباح .
ولم ترض بكل مالديها ، فهى قاسية متوحشة مرعبة ويخشاها الكبار والصغار ،فهى كفيلة بالتدمير والتهييج والإثارة والفتنة وتحطيم النفوس وزرع الشكوك وممالأة قطاع الطرق واللصوص وسارقى الأوطان والأفاكين والنصابين وقتلة الصغار .
تمتلىء حقداً وتتأجج ناراً وتأز جحيماً، كلما رأت بلداً سعيداً وشعباً هانئاً وتسعى سعياً حثيثاً أن تصل إليه وتعيث فيه فساداً وتدميراً .واستشاطت غيظاً من هذا البلد السعيد ،بلد الشاطر حسن وست الحسن والجمال اللذين يعيشان عيشة رغدة واستقراراً وطمأنينة ،فجاهدت أن تصل إلى قصر الشاطر حسن وست الحسن والجمال وأن تخرب قصرهما وتزرع الفتنة فيه ،وهى العليمة بفنون التغيير والتلوين ،فقد غيرت من شكلها ولبست الجديد من الثياب وتحلت بالياقوت والزمرد والماس وأتقنت معسول الكلام وأرق الأحاديث وفنون التشويق والقدرة على الإقناع وموهبة الترغيب والترهيب..
وصارت شابة أنيقة وسيدة يتشهاها الجميع ويسيل لرؤيتها لعاب الناظرين المتسكعين الآكلين على كل الموائد ،وبالخديعة دخلت البلد و تمكنت من رقاب أصحاب النفوس الضعيفة، وأيضاً من قلوبهم وعقولهم ،وبقليل من الرشاوى دخلت قصر الشاطر حسن وست الحسن والجمال ..وأحدثت فيه فتنة بين رجال القصر وكانت كالنار لاتهدأ ولاتنام ..بل وصل الشقاق إلى قلب الشاطر حسن وست الحسن والجمال ..وانقسم أهل القصر ففريقُ مع الشاطر حسن وفريقُ آخر مع ست الحسن والجمال ،وهاجت البلد وماجت وقامت معارك وحروب سقط فيها الكثيرون والكثيرات واحترقت الأشجار وتعكرت الأنهار وسالت الدماء تروى الأرض الطيبة..
وفى لحظة تبين لأهل القصر أن هناك أمنا الغولة التى تتغول فى البلد ودخلت أرجاء القصروأحتلته واعتلت جدرانه وانتشرت فى أركانه ..فكان من الشاطر حسن.. أن نادى :
مابيننا حياة وهدف ومصير ..
علينا.. بمن يفتك بالصغار والخضار ويعكر الأنهار ويعيث فى الأرض فسادا..
علينا ..نقف موقف الرجولة الحقة وندافع عن بلدنا وقصرنا ومصيرنا ..
علينا ..حل مشاكلنا بالحوار لا بالحرب والخراب والفوضى ..
لكن الشر يسيطر ويتفشى فى البلد و يأكل الأخضر واليابس وأصبحت البلد مسرحاً للحروب والخراب والتقاتل وإراقة الدماء والنهب والتدمير و القتال والفوضى ...
وسكتت جدتى، لكى تُكمل لنا باقى الحكاية فى الليلة القادمة ،فلقد داعبنا النوم ولم نعد قادرين على اليقظة والانتباه . وأزعم أنها نسيت أن تُكمل لنا باقى الحكاية ،ومن المحتمل أننا، فى الليلة التالية ، طلبنا منها حكاية جديدة عن "حاز وماز والتى تضرب بالعكاز".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق