إلى ..بياتريس
إعتقادى الراسخ والذى أؤمن به يوماً بعد يوم ،نهمى وشغفى وجوعى الأبدى نحو الإلمام بكل ثقافات الشعوب عبر عصورها المختلفة .
تلاحقنى هواجسى، أننى لن أحيط علماً بكل هذه الثقافات ،فالعمر قصير ،وما أطلبه عسيراً صعب التنفيذ .
وأرفع راية التحدى فى وجه هذا العمر القصير والمطلب العسير ،وأمضى فى سعيى ،لاهروب منه ولاتأجيل ،
وأنكر الأفكار التى تتلبسنى ،بتقدم السن وبعدم وجود الطاقة على المتابعة ..
لكننى سأواصل حتى الرمق الأخير .
وأتوق للبحث عن معنى للحياة وتفسيراً لها،قبل أن يضمنى قبرى .
وهاهى نفسى الطامحة الطموحة تختصنى، اللحظة ، بإعادة قراءة المسرح اليونانى ،
وتضع أمامى ماكتبه الرائد العظيم طه حسين عن قادة الفكر وترجمته لبعض مسرحيات عباقرة المسرح اليونانى ،
وبعض الكتب المترجمة عن أدب اليونان قديمه وحديثه ،وماترجمه الدكتور نعيم عطية .
ومنذ مدة قرأت "المنشق"سيرة ذاتية ل نيكولا كازنتزاكى بقلم زوجته إيلينيى كازنتزاكى. صاحب الرواية الأشهر زوربا والإغواء الأخير للمسيح والإخوة الأعداء ..و.. وايضاً أعمال كفافيس الشعرية وريتسوس.. وغيرهم .
ولا أملك إلا دعوة كريمة للإخوة والأخوات لمشاركتى متعتى، فى إلقاء النظرة العجلى على وليمة مقتضبة من أشعار اليونانيين، أبناء حضارة عريقة وتاريخ مجيد فى إثراء العقل والقلب معاً.
***********************************
صاحبة المجد والحضارة والفلسفة والسياسة .
وقرأت لأحد شعرائها سكوكوس كونستندينوس(1852-1929م) درس القانون فى أثينا ،وأصدر مجلة (التقويم الوطنى )لمدة 33عاماً ،
تبارى فى الكتابة فيها أعلام الفكر والأدب والشعر آنذاك .
لكنه رغم دراساته القانونية وعمله بالصحافة وأعماله الأدبية ،أغواه شيطان الشعر، فكتب قصائده القصيرة جداً والتى تشبه فن التوقيعات العربية ،وله دواوين شعرية منها إسكتشات من الحياة ،وغرائب الحياة ،وأشعة وعطور .
وسأقدم بعض قصائده القصيرة جداً الساخرة جداً..بترجمة الدكتور /محمد حمدى إبراهيم ،.
ترى ماذا تنشدين من الجرحى؟
تذهبين إليهم لتداوى جرحاً واحداً،
فإذا بك تصيبنهم بعشرة جروح !!!
هذا البائس
عاش ستين عاماً على ظهر الأرض ،
عاش منها عشرين عاماً إنساناً ،
وأربعين سنة متزوجاً.
كان أورفيوس بأغانيه الشجية الساحرة ،
يبعث الموتى من ظلمات هاديس (العالم الآخر )
أما أغانيك ياسيدتى
فترسل بنا نحن الأحياء ،
إلى عالم الموتى !!!
حقاً ..لقد مات بالسم !
ترى هل لدغته الأفاعى ؟
كلا! بل هو الذى لدغ نفسه بنفسه،
وعقر لسانه بنابه!
سأحاول جاداً تقديم هذه المختارات لشعراء اليونان ،فما زلت أعب من معين هذه الحضارة فلسفة وشعرأ وأدباً وسياسةً وفناً .
الشاعر / أستراتيجيس جيورجيوس (1853- 1938)
أنهى دراسته الثانوية فى مدينة بيريه ثم درس القانون بكلية الحقوق جامعة أثينا ،وتخرج منها وعمل فترة بالمحاماة .
واستكمل دراساته العليا فى القانون فى باريس وبرلين ،ثم جذبته رياح الأدب فترك المحاماة وتفرغ للأدب ،
وحاز التفوق فى كتابة المسرح والقصة القصيرة ونظم الأشعار بالغة الدارجة ،وترجم لكتاب ألمان وفرنسيين .
ومن مجموعته الشعرية (أغانى البيت ) هذه المختارات القصيرة .
وعلمتُ اليوم بموته.
أتعرفون من منهما قضى نحبه
إنه الثعبان المسكين!!!
بعيداً ،
بعيداً عن الآخرين ،
لكنه برغم ذلك ،
مازال قادراً على نهب قبور الموتى !!!
لقد أشدت
كشاعر له خبرات،
وغنائم وفيرة ،
بكل أنواع العيون.
غير أنك كطبيب ،
كنت عاجزاً
عن التمييز بين اللون الأزرق واللون الأسود !
لم يكن شعراء اليونان إلا خلفاء بندار، والشعر لديهم هدف وغاية ،فلم يكن مجرد نصوص مكتوبة أو كلمات مرصوصة،
وإنما إحساس رهيف بالجمال والقيمة والحياة والدفاع عن الحرية والحب .
فاشتهروا بشعرهم وشعرائهم وأعلوا من شأن الإنسانية ومزجوا الحب بالفرح والنضال بالحياة .
كانت جائزة نوبل العالمية فى الآداب يترقبها المثقفون كل عام فى لهفة وشوق .
فمن ياترى سيفوز بها؟
سنة 1979مُنحت الجائزة العالمية للشاعر اليونانى أوديسيوس إيليتيس ،وقالت اللجنة فى تقريرها عن شعره وفلسفته :
"إن الذى يهم ليس أن نوضح ،بل أن نحمل فى عقولنا على الدوام صورة ما يجب أن تكون عليه الحياة ،وما يمكن أن يصوغه الإنسان لنفسه على الرغم من كل شىء يهدد باغتصابه وتدميره "بل أكد التقرير امتداح شعره ،بأنه يصور بقوة حسية وبصيرة فطنة صراع الإنسان المعاصر من أجل حريته وطاقته الإبداعية .
ومما يؤسف له على مر العقود_ أن الشعر ديوان العرب وما أكثر الشعراء وهم فى شتى البلدان العربية.
أكثر من الهم على القلب _،فلم يحظ منهم شاعرواحد بجائزة عالمية ،ولم يجلجل صوته فى المحافل الأدبية الدولية .
اللهم إلا بأطواق الياسمين الذابلة وتيجان الشرف المستعارة والصفات الرنانة الفضفاضة .
ألفاظ وصفات لاتسمن ولاتغنى من جوع.
الحب،
أغوار محيط
وناصية موجة وطيور
ونشيد بحار على أعلى صارية .
الحب ،
تغنية ،
وآفاق رحلة ،
وأصداء حنين
صخرة تنتظر قارباً
الحب،
قارب وريح صيفى ،
وجزيرة تطرب عندها ،
أوهى موجة لشراع أمل مقبل عليها .
حقول زيتون وكروم حتى البحر ممتدة
ومن بعدها قوارب صيادين حمراء ،
إلى الذاكرة
تترامى .
سقائف ذهبية بشمس الظهيرة فى أغسطس
طحالب ومحار ،
وذاك السفين الذى أنزل إلى البحر حديثا ،
أخضر اللون
يشق مياه الخليج الساكن على بركة الله .
مضت السنون مثل أورق شجر تتساقط ،
مثل حصى يتبعثر.
ترجمة الدكتور /نعيم عطية
وأزعم أن مهنة المحاماة والتعامل مع القوانين والأقضية هما الزاد والزواد لكل محام ،ويحتم عليه الإطلاع على كل القوانين وشتى الثقافات المتنوعة ،
بل والإبحار فى نفوس البشر كى يتسنى له فى النهاية سبر أغوارها وكشف المستور فيها والوصول إلى طواياها وخباياها.
فالمحامون فى كل أصقاع العالم هم القضاء الواقف أمام القضاء الجالس (القضاة ).
وشاعرنا اليونانى الكبير /فارفيتسيوس تاكيس(1916 -..)
شاعر ومترجم ومثقف لايشق له غبار فقد أحاط بكل ثقافات العالم شرقها وغربها على حد سواء، وعرك الدنيا بما فيها ومن فيها .
درس القانون وعمل بالمحاماة لفترة ،وانشغل بترجمة الآداب الأخرى ،فترجم للعبقرى لوركا شاعر أسبانيا الأعظم ،ونيرودا عظيم شيلى الخالد وسان جون بيرس وغيرهم من الخالدين .
أصدر أوراق النعاس ديوانه الأول عام 1949 ثم توالت أعماله (المرثية) (ومولد الينابيع) – نال عنها جائزتين –( المسخ )،( جناح الخريف وقصائد أخرى) ، و(ثناء متواضع على العذراء مريم) ونال عن الديوان الأخير جائزة أكاديمية أثينا عام 1977م
وأقدم له إحدى روائعه الخالدة :
وأبحث عن ظلك داخل عيون كل الأزهار .
وأنا أهيم فى كل مكان بغير أن أروى غلتى ،
لكننى لا أعثر عليك فى أى مكان ،
لا فى مياه الغابة الرقراقة ،
ولا فى سحب الغرب البعيدة .
تُرى هل ارتقيت سلم الموسيقى وسط الشفق؟
أم استغرقت فى نوم بالغ التألق داخل براعم زهور خالدة خلود الأبدية
ووهبتها دماءك الزكية ؟
أم أنك ما عدت تنتظرين سوى بزوغ الفجر ،
كى تتورد صفحة السماء بأسرها بفعل جمالك الصارخ؟
ذراعاك طائران جريحان ،
ومرآتك مدفونة فى الثرى ،
ومع ذلك فأنا أتلمس خطاك فى كل مكان.
وأحاول أن أقتفى أثرك.
فأنت تتضوعين بعطر من النسيم المخملى الحزين،
وأنفاسك تنهلينها من عطر البروق،
وكل صباح تهدين لى ضحكتك الخلابة لأغتسل بها ،
وكل مساء تمنحيننى نجمتك البراقة كى ألثمها .
أنت النهار .
وأنت الليل .
أنت النور.
وأنت الأمل .
وبمرور الأيام وبانقضاء الليالى ،
سيصير محياك هو وجهى ،
دعى عبراتك تنهمر فى الصحراء الجرداء ،
كى تنبت فيها غناءً
تتخذين منها سكناً ومنزلاً.
وغداً سيكون فى مقدورنا أن نولد معاً من جديد،
وغداً سيكون بوسعنا أن نذرف المع سوياً.
سوف نذرف دموعنا فوق صفحة البحر.
ولجة اليم.
وسوف ترتفع أمواج البحر الصا خبة عالياً.
كى تغمر ذلك الثرى الدافىء.
ثرى..
حنيننا إلى الوطن .
أن تحظى اليونان مهبط الحضارة وأم المسرح على مدى العصور بيوربيدس واسخليوس وسوفوكليس ، ثم بشعراء مرموقين نابغين،وينحنى رجالات الأدب والفن فى العالم تقديراً لهم وبابداعاتهم المتميزة المتفردة ويكون من شعرائهم الخالدين
جورج سيفيريس(1900- 1971)
أول يونانى يحصل على جائزة نوبل فى عام 1936م وكان شاعراً وكاتب مقال ودبلوماسياً ،درس القانون فى أثينا وباريس .
وعمل بسفارة اليونان بالقاهرة وسفيراً لليونان بلندن ،فهذا هو الخلود ولاشىء غيره.
نشر أول أعماله الشعرية (منحنى)عام 1931وأعتبر تحدياً جديداً فى مسيرة الشعر اليونانى .
تأثر بالشاعرين فاليرى وإليوت ،وترجم لشعراء عالميين وتواصلت إبداعاته،النثرية والشعرية، كراسة التدريبات ،وثلاث قصائد سرية ،واختبارات،وخزان المياه . ورغم الدارسة القانونية ونصوص القوانين المحكمة والقاطعة والملزمة ،تشيع فى أشعاره القدرة الفائقة على التواصل الإنسانى فى سبيل إقامة منظومة العدل والخير والجمال ،وتماسك البشر فى السعى لخلق حياة كريمة شريفة لايعلو فيها وضيع ولا ينهزم فيها شريف .
فالصمود الإنسانى فى وجه القبح والعفن شهادة لايستحقها سوى الشرفاء المناضلين ضد الخراب والظلام والجهل والمرض .
ومن درره اليانعة هذه القصائد المشرقة.
هنا نتنتهى أعمال البحر ،
أعمال الحب.
أولئك الذين سيحيون يوماً هنا حيث انتهينا
- لوحدث أن جلل الحزن ذاكرتهم بالسواد وفاض –
علهم لاينسونا،
نحن الأرواح الضعيفة الراقدة بين الحشائش ،
دعهم يديرون رؤوس الضحايا نحو الظلمة الحالكة : فنحن الذين لم نكن نملك شيئاً
سنعلمهم ،سنعلمهم السكينة.
حزين أنا
تركت نهراًعريضاً ينساب من بين أصابعى،
دون أن أشرب منه قطرة .
ها أنا غارق فى الحجر ،
وما من رفيق فى التربة الحمراء
سوى شجرة سرو صغيرة .
كل ما أحببت ضاع مع البيوت التى كانت جديدة
فى الصيف الماضى ،
ومع قدوم الريح فى الخريف انهارت دعائمها.
الظلال تحت أشجار السرو أضحت ضيقة،
والنسمات التى تهب لم تعد تنعشنا .
ومن حولنا البسيطة كلها تضىء إلى الجبال
صاعدة
ونحن يُثقل كواهلنا الأصدقاء
الذين ماعادوا بعرفون كيف يموتون؟
ترجمة الأشعار ..د/نعيم عطية
أيتها الشفتان ،
ياحراس حبى الذى أوشك أن يزول ،
أيها الساعدان،
يا أغلال شبابى الذى كاد يضيع .
يالون بشرتى ..
أيها الوجه الذى تبدد ذات مرة فى أرجاء الطبيعة .
أيتها الأشجار ،
أيتها الطيور ،
أيها القفص ،
ياجسدى ،
يامن لوحتك السمرة فى القيظ مثل حبة العنب.
ياجسدى ،
ياقاربى الثمين ،
إلى أين تشد الرحال ؟
إنها الساعة التى يختنق فيها الأصيل .
الساعة التى أسأم فيها من البحث عن دياجير الظلام
فحياتنا تتناقص كل يوم وتنقضى !!!
ترجمة ..د/محمدحمدى إبراهيم
صاحب السيمفونيات التسع وأكثر من جددوا فى الموسيقى الكلاسيك ،عشت سنوات جميلة مع موسيقاه وسوناتاته الخالدة .
وأتمنى أن أكتب عنه يوماً .
شابأ وفى مقتبل العمر الغض ،تعلمتُ العزف على البيانو ،لكن مُعلمى أرشدنى إلى موسيقاه وإلى محاولة عزف سوناتا (فى ضوء القمر ) .
كانت أصعب ما أقوم بعزفه ،لكنها تقص قصة حب راقية وعميقة ،مُعجباً بهذه السوناتا وفرحاً بها.
وأقول-الآن- ليت الزمان يعود من جديد كى أعاود العزف على البيانو ،وفقط لعزف سوناتا فى ضوء القمر ،
لكن العمر يجرى والظروف لاتسمح والأصابع تخشبت ،وتبقى الذكرى وحلاوتها فى عقلى وقلبى.
ويأتى أعظم شاعر يونانى حديث وأكثرهم شهرة وأوفرهم انتشارا .
أكبر موهبة متدفقة وأرق ابداعا وأعمقهم بحثاًعن الحب والجمال والحرية ،يأتى ويكتب أشعاراً رائعة ومتميزة وفريدة ،ديوان كامل باسم (سوناتا ضوء القمر )،يُعيد أحلى ذكرى أحملها فى قلبى للعبقرى بيتهوفن .
إنه الشاعر الأشهر /ريتسوس يانيس (1909 م -1990م)هذا الشاعر الذى أشاد به كل عظماء عصره ،بابلو نيرودا ،لويس أراجون ،بالاماس وغيرهم الكثير والكثير .
وحتى لا أطيل على قارئى الكريم ،فسوف آخذ من وقته الثمين دقائق معدودة .
أقدم له جزءاً من (سوناتا ضوء القمر )ترجمة د/محمد حمدى إبراهيم ، علّها تنال بعض اهتمامه واستحسانه.
سوناتا ضوء القمر
دعنى أذهب معك ،
فياله من قمر ،
هذا المساء !
ياله من قمر جميل !
فلن يظهر الموضع الذى ابيض فيه شعر رأس ،
لأن ضوء القمر سيجعل شعرى ذهبى اللون .
لن تفهم ذلك .
فقط ..دعنى أذهب معك
فعندما يكون القمر بدراً بازغاً .
تصبح الظلال فى المنزل كبيرة ،
وتجذب أيد غير مرئية الستائر ،
ويكتب إصبع من البخار ،
على الغبار ،
فوق البيانو كلمات لاتنسى
صمتاً
لا أريد أن أسمعها !
دعنى فقط أذهب معك
قليلا إلى هناك ،
حيث الحظيرة المشيدة بالطوب اللبن
إلى حيث ينحرف الطريق
وتبدو المدينة أسمنتية شاهقة ،
ينعكس ضوء القمر على قممها الحجرية
وحيث تبدو مدينة لاهية بلا روح ،
وحيث تبدو من فرط إغراقها فى المادية (ميتا فيزيقية) ،
وحيث يمكنك فى خاتمة المطاف أن تعتقد إنك موجود،
ولكن لاوجود لك
بل تعتقد نك لم توجد أبداً
وأن الزمان وما يأتى به من دمار لم يكن له وجود .
فدعنى أذهب معك!
سوف نجلس على الأحجار ،
فوق المرتفعات
وعندما يهب علينا نسيم الربيع
بوسعنا أن نتخيل أننا سوف نحلق طائرين،
لأننى فى مرات كثيرة
-والآن على وجه الخصوص –
أسمع حفيف فستانى الذى يماثل صوت خفقان جناحين قويين
يندفعان للطيران ،
وحينما تصبح أسيراً لهذا الصوت المحلق،
فإنك تشعر بأن عنقك قد اعتصر،
وكذا جانباك وجسدك كله ،
تشعر بأنه قد اعتصرتك عضلات الرياح الزرقاء داخل أعصاب المرتفعات الفولاذية ،
وحينئذ تحس بأنه لامعنى لأن ترحل أو تعود ،
ولامعنى أيضاً للمشيب الذى كلل شعرى ،
فليس هذا سبب حزنى ،
سبب حزنى هو أن قلبى ،
لم يشتعل بالمشيب .
دعنى إذن أذهب معك !
أعلم حق العلم أن كل إنسان يخوض تجربة العشق بمفرده ،
وأنه يخوض أيضاً بمفرده ،
تجربة المجد وتجربة الموت .
أعلم ذلك ،فلقد خبرته وجربته ،كما أنه لاجدوى منه .
فدعنى أذهب معك .
هذا المنزل تسكنه الأشباح ،
وهو يطاردنى .
الريح تُصفر ،
ونحن ذاهبون ،
المطر يهطل وابلاً من فوقنا ،
ونحن ذاهبون .
إننا ذاهبون
لنتبادل الحب مع الريح .
ذاهبون
لنقبل الرياح .
ذاهبون
لكى نسير ساعات مع السحب ،
ثم بعدها نقفل راجعين من لدن السحاب.
كما لوكنا ربحنا البسمة .
بسمة إمرأة
نحبها ونعشقها
لسنوات طويلة !
الشاعر اليونانى
أكسنثاكيس سبيروس
( 1917 م -00)
مهما كانت الصعوبات التى تعترض الإنسان فى مسيرة حياته ،فإنه يمتلك عزيمة وشجاعة يدفعان به إلى خوض المستحيل والسير فى طريق الكفاح ،حتى يصل لما يصبو إليه .
نحن والريح ،نحن والعواصف الرعدية ،نحن والعراقيل التى تصدنا عن المضى قُدماً فى تحقيق أهدافناالمشروعة وأحلامنا المبتغاة وسنين العمر التى لايمكن أن تذهب سُدى .
من أقوى الكلمات التى تحض على التمسك بالنضال والكفاح الإنسانى .
فالخور والضعف والجبن لن يطيلوا عمر الإنسان ،فاحرص على الموت توهب لك الحياة .
كلما طالعت سطور هذا الشاعر المبدع ،تنامى بأعماقى حبى للحياة والحرص عليها وعشقها.
ف"لا يأس مع الحياة ولاحياة مع اليأس"
إنه النضال والكفاح والجهاد ومعانقة الريح.
إعتقادى الراسخ والذى أؤمن به يوماً بعد يوم ،نهمى وشغفى وجوعى الأبدى نحو الإلمام بكل ثقافات الشعوب عبر عصورها المختلفة .
تلاحقنى هواجسى، أننى لن أحيط علماً بكل هذه الثقافات ،فالعمر قصير ،وما أطلبه عسيراً صعب التنفيذ .
وأرفع راية التحدى فى وجه هذا العمر القصير والمطلب العسير ،وأمضى فى سعيى ،لاهروب منه ولاتأجيل ،
وأنكر الأفكار التى تتلبسنى ،بتقدم السن وبعدم وجود الطاقة على المتابعة ..
لكننى سأواصل حتى الرمق الأخير .
وأتوق للبحث عن معنى للحياة وتفسيراً لها،قبل أن يضمنى قبرى .
وهاهى نفسى الطامحة الطموحة تختصنى، اللحظة ، بإعادة قراءة المسرح اليونانى ،
وتضع أمامى ماكتبه الرائد العظيم طه حسين عن قادة الفكر وترجمته لبعض مسرحيات عباقرة المسرح اليونانى ،
وبعض الكتب المترجمة عن أدب اليونان قديمه وحديثه ،وماترجمه الدكتور نعيم عطية .
ومنذ مدة قرأت "المنشق"سيرة ذاتية ل نيكولا كازنتزاكى بقلم زوجته إيلينيى كازنتزاكى. صاحب الرواية الأشهر زوربا والإغواء الأخير للمسيح والإخوة الأعداء ..و.. وايضاً أعمال كفافيس الشعرية وريتسوس.. وغيرهم .
ولا أملك إلا دعوة كريمة للإخوة والأخوات لمشاركتى متعتى، فى إلقاء النظرة العجلى على وليمة مقتضبة من أشعار اليونانيين، أبناء حضارة عريقة وتاريخ مجيد فى إثراء العقل والقلب معاً.
***********************************
(1)
من غرائب الحياة
من
أمتع لحظات حياتى قراءة الشعر العالمى بلغته الأصلية أو المترجم إلى اللغة
العربية ،وجذب انتباهى منذ زمن بعيد شعراء اليونان وما أدراك ما اليونان .من غرائب الحياة
صاحبة المجد والحضارة والفلسفة والسياسة .
وقرأت لأحد شعرائها سكوكوس كونستندينوس(1852-1929م) درس القانون فى أثينا ،وأصدر مجلة (التقويم الوطنى )لمدة 33عاماً ،
تبارى فى الكتابة فيها أعلام الفكر والأدب والشعر آنذاك .
لكنه رغم دراساته القانونية وعمله بالصحافة وأعماله الأدبية ،أغواه شيطان الشعر، فكتب قصائده القصيرة جداً والتى تشبه فن التوقيعات العربية ،وله دواوين شعرية منها إسكتشات من الحياة ،وغرائب الحياة ،وأشعة وعطور .
وسأقدم بعض قصائده القصيرة جداً الساخرة جداً..بترجمة الدكتور /محمد حمدى إبراهيم ،.
إلى ممرضة حسناء
أيتها الغادة التى لاتعرف الشفقة ولا الرحمة .ترى ماذا تنشدين من الجرحى؟
تذهبين إليهم لتداوى جرحاً واحداً،
فإذا بك تصيبنهم بعشرة جروح !!!
إلى شاهد قبر لأحد المتزوجين
هذا البائس
عاش ستين عاماً على ظهر الأرض ،
عاش منها عشرين عاماً إنساناً ،
وأربعين سنة متزوجاً.
إلى مغنية بشعة
كان أورفيوس بأغانيه الشجية الساحرة ،
يبعث الموتى من ظلمات هاديس (العالم الآخر )
أما أغانيك ياسيدتى
فترسل بنا نحن الأحياء ،
إلى عالم الموتى !!!
إلى حقود شرير
حقاً ..لقد مات بالسم !
ترى هل لدغته الأفاعى ؟
كلا! بل هو الذى لدغ نفسه بنفسه،
وعقر لسانه بنابه!
(2)
أغانى البيت
هذه الباقة المنتقاة من الشعر اليونانى ،والتى أحاول بها طرح مفهوم جديد
عن الشعر العالمى ،والذى لا نقترب منه رغم جماله وعمقه ونضجه ،أغانى البيت
سأحاول جاداً تقديم هذه المختارات لشعراء اليونان ،فما زلت أعب من معين هذه الحضارة فلسفة وشعرأ وأدباً وسياسةً وفناً .
الشاعر / أستراتيجيس جيورجيوس (1853- 1938)
أنهى دراسته الثانوية فى مدينة بيريه ثم درس القانون بكلية الحقوق جامعة أثينا ،وتخرج منها وعمل فترة بالمحاماة .
واستكمل دراساته العليا فى القانون فى باريس وبرلين ،ثم جذبته رياح الأدب فترك المحاماة وتفرغ للأدب ،
وحاز التفوق فى كتابة المسرح والقصة القصيرة ونظم الأشعار بالغة الدارجة ،وترجم لكتاب ألمان وفرنسيين .
ومن مجموعته الشعرية (أغانى البيت ) هذه المختارات القصيرة .
إلى حقود
لقد لدغه بالأمس ثعبان.وعلمتُ اليوم بموته.
أتعرفون من منهما قضى نحبه
إنه الثعبان المسكين!!!
إلى ناهب لأراضى الغير
حفرتم تراب قبره،بعيداً ،
بعيداً عن الآخرين ،
لكنه برغم ذلك ،
مازال قادراً على نهب قبور الموتى !!!
إلى طبيب عيون شاعر
لقد أشدت
كشاعر له خبرات،
وغنائم وفيرة ،
بكل أنواع العيون.
غير أنك كطبيب ،
كنت عاجزاً
عن التمييز بين اللون الأزرق واللون الأسود !
(3)
فى أرض أخرى ،
تحت سماء أخرى
"الحب وكما أعرفه ليس عبثاً أو مضيعةً للوقت أو إلهاءً ،لكنه رسالة من حبيب لحبيبه وميثاقاً غليظاً بين قلبين ،بين روحين ،بين حياتين "
عبدالرؤوف النويهى
وهذه قصة /قصيدة من أعمق وأروع وأعذب ما قرأته من شعر .
اعتراف
- أبتاه .. لقد وقعت فى حب فتاة ،وأحبتنى هى لدرجة الجنون..
وذات يوم أخذ تها بين أحضانى وطبعت على ثغرها قبلتى الأولى .
فما حكمك؟
* لو كنت تحبها حباً جماً،فسوف تنال الغفران .
- وذات يوم ياأبى ،دخلت هذه الفتاة ،وألقت بنفسها بين أحضانى والخجل يغمرها ،
فوقعتُ فى الخطيئة ،ووقعت هى معى فى الإثم .
فما حكمك فى هذا أيها الأب ؟
*لو كنت تحبها حباً بالغاً فسوف تنال الغفران.
- وبعد برهة من الزمن ،دب الفتور فى قلبى تجاه تلك الخاطئة ،ولم أعد أشتهى منها قبلة ولا عناقاً .
فما حكمك فى هذا أيها الأب؟
* أنت إذن لم تحبها حباً جارفاً،إذهب إنك لرجيم ،وسوف يحل بك العذاب الأليم .
****
الشاعر بوليميس يوانيس (1862- 1925م)
من أعلام كتاب المسرح اليونانى ومن أعماله المسرحية (الحلم )و(وملك غابت عنه الشمس).
درس القانون فى جامعة أثينا بكلية الحقوق ،وعمل بها أستاذاً،ثم درس علم الجمال بجامعة باريس .
ورأس جمعية كتاب المسرح.
أزعم أن معظم شعراء اليونان قد درسوا القانون وتفوقوا فيه ،فهم أحفاد جمهورية الأثينيين والذى تربوا على تراث سقراط وأفلاطون وأرسطو.
أزعم أن غواية الشعر_ وأنا الذى درست القانون بكلية الحقوق جامعة القاهرة وحصلت على شهادتها منذ 36سنة ،وأيضاً الدراسة العليا ،وأفتتح مكتباً للمحاماة _،قد تملكتنى وأخذتنى إلى عوالم السحر والجمال.
وهذا الفن الراقى الذى يجعل قلب القارىء وعقله ووجدانه ،ينبض فى اللحظة نفسها مع قلب شاعر لايعرفه ،شاعر يكتب بلغة أخرى ،فى أرض أخرى ،تحت سماء أخرى .
(4)
سنوات الذكرى الوضيئة
سنوات الذكرى الوضيئة
لم يكن شعراء اليونان إلا خلفاء بندار، والشعر لديهم هدف وغاية ،فلم يكن مجرد نصوص مكتوبة أو كلمات مرصوصة،
وإنما إحساس رهيف بالجمال والقيمة والحياة والدفاع عن الحرية والحب .
فاشتهروا بشعرهم وشعرائهم وأعلوا من شأن الإنسانية ومزجوا الحب بالفرح والنضال بالحياة .
كانت جائزة نوبل العالمية فى الآداب يترقبها المثقفون كل عام فى لهفة وشوق .
فمن ياترى سيفوز بها؟
سنة 1979مُنحت الجائزة العالمية للشاعر اليونانى أوديسيوس إيليتيس ،وقالت اللجنة فى تقريرها عن شعره وفلسفته :
"إن الذى يهم ليس أن نوضح ،بل أن نحمل فى عقولنا على الدوام صورة ما يجب أن تكون عليه الحياة ،وما يمكن أن يصوغه الإنسان لنفسه على الرغم من كل شىء يهدد باغتصابه وتدميره "بل أكد التقرير امتداح شعره ،بأنه يصور بقوة حسية وبصيرة فطنة صراع الإنسان المعاصر من أجل حريته وطاقته الإبداعية .
ومما يؤسف له على مر العقود_ أن الشعر ديوان العرب وما أكثر الشعراء وهم فى شتى البلدان العربية.
أكثر من الهم على القلب _،فلم يحظ منهم شاعرواحد بجائزة عالمية ،ولم يجلجل صوته فى المحافل الأدبية الدولية .
اللهم إلا بأطواق الياسمين الذابلة وتيجان الشرف المستعارة والصفات الرنانة الفضفاضة .
ألفاظ وصفات لاتسمن ولاتغنى من جوع.
فى بحر إيجه
الحب،
أغوار محيط
وناصية موجة وطيور
ونشيد بحار على أعلى صارية .
الحب ،
تغنية ،
وآفاق رحلة ،
وأصداء حنين
صخرة تنتظر قارباً
الحب،
قارب وريح صيفى ،
وجزيرة تطرب عندها ،
أوهى موجة لشراع أمل مقبل عليها .
سنوات الذكرى الوضيئة
حقول زيتون وكروم حتى البحر ممتدة
ومن بعدها قوارب صيادين حمراء ،
إلى الذاكرة
تترامى .
سقائف ذهبية بشمس الظهيرة فى أغسطس
طحالب ومحار ،
وذاك السفين الذى أنزل إلى البحر حديثا ،
أخضر اللون
يشق مياه الخليج الساكن على بركة الله .
مضت السنون مثل أورق شجر تتساقط ،
مثل حصى يتبعثر.
ترجمة الدكتور /نعيم عطية
(5)
بحثاً عن الشمس
كما قلت وأكدت أن شعراء اليونان كلهم دارسو القانون ،وكلهم عمل بالمحاماة ، وكلهم نهلوا من بحار العلم والثقافة .بحثاً عن الشمس
وأزعم أن مهنة المحاماة والتعامل مع القوانين والأقضية هما الزاد والزواد لكل محام ،ويحتم عليه الإطلاع على كل القوانين وشتى الثقافات المتنوعة ،
بل والإبحار فى نفوس البشر كى يتسنى له فى النهاية سبر أغوارها وكشف المستور فيها والوصول إلى طواياها وخباياها.
فالمحامون فى كل أصقاع العالم هم القضاء الواقف أمام القضاء الجالس (القضاة ).
وشاعرنا اليونانى الكبير /فارفيتسيوس تاكيس(1916 -..)
شاعر ومترجم ومثقف لايشق له غبار فقد أحاط بكل ثقافات العالم شرقها وغربها على حد سواء، وعرك الدنيا بما فيها ومن فيها .
درس القانون وعمل بالمحاماة لفترة ،وانشغل بترجمة الآداب الأخرى ،فترجم للعبقرى لوركا شاعر أسبانيا الأعظم ،ونيرودا عظيم شيلى الخالد وسان جون بيرس وغيرهم من الخالدين .
أصدر أوراق النعاس ديوانه الأول عام 1949 ثم توالت أعماله (المرثية) (ومولد الينابيع) – نال عنها جائزتين –( المسخ )،( جناح الخريف وقصائد أخرى) ، و(ثناء متواضع على العذراء مريم) ونال عن الديوان الأخير جائزة أكاديمية أثينا عام 1977م
وأقدم له إحدى روائعه الخالدة :
بحثاً عن الشمس
أبحث عن الشمس داخل مقلتيك،وأبحث عن ظلك داخل عيون كل الأزهار .
وأنا أهيم فى كل مكان بغير أن أروى غلتى ،
لكننى لا أعثر عليك فى أى مكان ،
لا فى مياه الغابة الرقراقة ،
ولا فى سحب الغرب البعيدة .
تُرى هل ارتقيت سلم الموسيقى وسط الشفق؟
أم استغرقت فى نوم بالغ التألق داخل براعم زهور خالدة خلود الأبدية
ووهبتها دماءك الزكية ؟
أم أنك ما عدت تنتظرين سوى بزوغ الفجر ،
كى تتورد صفحة السماء بأسرها بفعل جمالك الصارخ؟
ذراعاك طائران جريحان ،
ومرآتك مدفونة فى الثرى ،
ومع ذلك فأنا أتلمس خطاك فى كل مكان.
وأحاول أن أقتفى أثرك.
فأنت تتضوعين بعطر من النسيم المخملى الحزين،
وأنفاسك تنهلينها من عطر البروق،
وكل صباح تهدين لى ضحكتك الخلابة لأغتسل بها ،
وكل مساء تمنحيننى نجمتك البراقة كى ألثمها .
أنت النهار .
وأنت الليل .
أنت النور.
وأنت الأمل .
وبمرور الأيام وبانقضاء الليالى ،
سيصير محياك هو وجهى ،
دعى عبراتك تنهمر فى الصحراء الجرداء ،
كى تنبت فيها غناءً
تتخذين منها سكناً ومنزلاً.
وغداً سيكون فى مقدورنا أن نولد معاً من جديد،
وغداً سيكون بوسعنا أن نذرف المع سوياً.
سوف نذرف دموعنا فوق صفحة البحر.
ولجة اليم.
وسوف ترتفع أمواج البحر الصا خبة عالياً.
كى تغمر ذلك الثرى الدافىء.
ثرى..
حنيننا إلى الوطن .
(6)
ثلاث قصائد سرية
ثلاث قصائد سرية
أن تحظى اليونان مهبط الحضارة وأم المسرح على مدى العصور بيوربيدس واسخليوس وسوفوكليس ، ثم بشعراء مرموقين نابغين،وينحنى رجالات الأدب والفن فى العالم تقديراً لهم وبابداعاتهم المتميزة المتفردة ويكون من شعرائهم الخالدين
جورج سيفيريس(1900- 1971)
أول يونانى يحصل على جائزة نوبل فى عام 1936م وكان شاعراً وكاتب مقال ودبلوماسياً ،درس القانون فى أثينا وباريس .
وعمل بسفارة اليونان بالقاهرة وسفيراً لليونان بلندن ،فهذا هو الخلود ولاشىء غيره.
نشر أول أعماله الشعرية (منحنى)عام 1931وأعتبر تحدياً جديداً فى مسيرة الشعر اليونانى .
تأثر بالشاعرين فاليرى وإليوت ،وترجم لشعراء عالميين وتواصلت إبداعاته،النثرية والشعرية، كراسة التدريبات ،وثلاث قصائد سرية ،واختبارات،وخزان المياه . ورغم الدارسة القانونية ونصوص القوانين المحكمة والقاطعة والملزمة ،تشيع فى أشعاره القدرة الفائقة على التواصل الإنسانى فى سبيل إقامة منظومة العدل والخير والجمال ،وتماسك البشر فى السعى لخلق حياة كريمة شريفة لايعلو فيها وضيع ولا ينهزم فيها شريف .
فالصمود الإنسانى فى وجه القبح والعفن شهادة لايستحقها سوى الشرفاء المناضلين ضد الخراب والظلام والجهل والمرض .
ومن درره اليانعة هذه القصائد المشرقة.
هنا تنتهى الأعمال
هنا نتنتهى أعمال البحر ،
أعمال الحب.
أولئك الذين سيحيون يوماً هنا حيث انتهينا
- لوحدث أن جلل الحزن ذاكرتهم بالسواد وفاض –
علهم لاينسونا،
نحن الأرواح الضعيفة الراقدة بين الحشائش ،
دعهم يديرون رؤوس الضحايا نحو الظلمة الحالكة : فنحن الذين لم نكن نملك شيئاً
سنعلمهم ،سنعلمهم السكينة.
تركت نهراً ينساب بين أصابعى
حزين أنا
تركت نهراًعريضاً ينساب من بين أصابعى،
دون أن أشرب منه قطرة .
ها أنا غارق فى الحجر ،
وما من رفيق فى التربة الحمراء
سوى شجرة سرو صغيرة .
كل ما أحببت ضاع مع البيوت التى كانت جديدة
فى الصيف الماضى ،
ومع قدوم الريح فى الخريف انهارت دعائمها.
الظلال تحت أشجار السرو أضحت ضيقة،
والنسمات التى تهب لم تعد تنعشنا .
ومن حولنا البسيطة كلها تضىء إلى الجبال
صاعدة
ونحن يُثقل كواهلنا الأصدقاء
الذين ماعادوا بعرفون كيف يموتون؟
ترجمة الأشعار ..د/نعيم عطية
سجع
أيتها الشفتان ،
ياحراس حبى الذى أوشك أن يزول ،
أيها الساعدان،
يا أغلال شبابى الذى كاد يضيع .
يالون بشرتى ..
أيها الوجه الذى تبدد ذات مرة فى أرجاء الطبيعة .
أيتها الأشجار ،
أيتها الطيور ،
أيها القفص ،
ياجسدى ،
يامن لوحتك السمرة فى القيظ مثل حبة العنب.
ياجسدى ،
ياقاربى الثمين ،
إلى أين تشد الرحال ؟
إنها الساعة التى يختنق فيها الأصيل .
الساعة التى أسأم فيها من البحث عن دياجير الظلام
فحياتنا تتناقص كل يوم وتنقضى !!!
ترجمة ..د/محمدحمدى إبراهيم
(7)
فى ضوء القمر
الموسيقى الأشهر / لودفيج فان بيتهوفن ،هذا الألمانى الخالد خلود أهرامات مصر ،عبقرية موسيقية على مدى العصور .فى ضوء القمر
صاحب السيمفونيات التسع وأكثر من جددوا فى الموسيقى الكلاسيك ،عشت سنوات جميلة مع موسيقاه وسوناتاته الخالدة .
وأتمنى أن أكتب عنه يوماً .
شابأ وفى مقتبل العمر الغض ،تعلمتُ العزف على البيانو ،لكن مُعلمى أرشدنى إلى موسيقاه وإلى محاولة عزف سوناتا (فى ضوء القمر ) .
كانت أصعب ما أقوم بعزفه ،لكنها تقص قصة حب راقية وعميقة ،مُعجباً بهذه السوناتا وفرحاً بها.
وأقول-الآن- ليت الزمان يعود من جديد كى أعاود العزف على البيانو ،وفقط لعزف سوناتا فى ضوء القمر ،
لكن العمر يجرى والظروف لاتسمح والأصابع تخشبت ،وتبقى الذكرى وحلاوتها فى عقلى وقلبى.
ويأتى أعظم شاعر يونانى حديث وأكثرهم شهرة وأوفرهم انتشارا .
أكبر موهبة متدفقة وأرق ابداعا وأعمقهم بحثاًعن الحب والجمال والحرية ،يأتى ويكتب أشعاراً رائعة ومتميزة وفريدة ،ديوان كامل باسم (سوناتا ضوء القمر )،يُعيد أحلى ذكرى أحملها فى قلبى للعبقرى بيتهوفن .
إنه الشاعر الأشهر /ريتسوس يانيس (1909 م -1990م)هذا الشاعر الذى أشاد به كل عظماء عصره ،بابلو نيرودا ،لويس أراجون ،بالاماس وغيرهم الكثير والكثير .
وحتى لا أطيل على قارئى الكريم ،فسوف آخذ من وقته الثمين دقائق معدودة .
أقدم له جزءاً من (سوناتا ضوء القمر )ترجمة د/محمد حمدى إبراهيم ، علّها تنال بعض اهتمامه واستحسانه.
سوناتا ضوء القمر
دعنى أذهب معك ،
فياله من قمر ،
هذا المساء !
ياله من قمر جميل !
فلن يظهر الموضع الذى ابيض فيه شعر رأس ،
لأن ضوء القمر سيجعل شعرى ذهبى اللون .
لن تفهم ذلك .
فقط ..دعنى أذهب معك
فعندما يكون القمر بدراً بازغاً .
تصبح الظلال فى المنزل كبيرة ،
وتجذب أيد غير مرئية الستائر ،
ويكتب إصبع من البخار ،
على الغبار ،
فوق البيانو كلمات لاتنسى
صمتاً
لا أريد أن أسمعها !
دعنى فقط أذهب معك
قليلا إلى هناك ،
حيث الحظيرة المشيدة بالطوب اللبن
إلى حيث ينحرف الطريق
وتبدو المدينة أسمنتية شاهقة ،
ينعكس ضوء القمر على قممها الحجرية
وحيث تبدو مدينة لاهية بلا روح ،
وحيث تبدو من فرط إغراقها فى المادية (ميتا فيزيقية) ،
وحيث يمكنك فى خاتمة المطاف أن تعتقد إنك موجود،
ولكن لاوجود لك
بل تعتقد نك لم توجد أبداً
وأن الزمان وما يأتى به من دمار لم يكن له وجود .
فدعنى أذهب معك!
سوف نجلس على الأحجار ،
فوق المرتفعات
وعندما يهب علينا نسيم الربيع
بوسعنا أن نتخيل أننا سوف نحلق طائرين،
لأننى فى مرات كثيرة
-والآن على وجه الخصوص –
أسمع حفيف فستانى الذى يماثل صوت خفقان جناحين قويين
يندفعان للطيران ،
وحينما تصبح أسيراً لهذا الصوت المحلق،
فإنك تشعر بأن عنقك قد اعتصر،
وكذا جانباك وجسدك كله ،
تشعر بأنه قد اعتصرتك عضلات الرياح الزرقاء داخل أعصاب المرتفعات الفولاذية ،
وحينئذ تحس بأنه لامعنى لأن ترحل أو تعود ،
ولامعنى أيضاً للمشيب الذى كلل شعرى ،
فليس هذا سبب حزنى ،
سبب حزنى هو أن قلبى ،
لم يشتعل بالمشيب .
دعنى إذن أذهب معك !
أعلم حق العلم أن كل إنسان يخوض تجربة العشق بمفرده ،
وأنه يخوض أيضاً بمفرده ،
تجربة المجد وتجربة الموت .
أعلم ذلك ،فلقد خبرته وجربته ،كما أنه لاجدوى منه .
فدعنى أذهب معك .
هذا المنزل تسكنه الأشباح ،
وهو يطاردنى .
(8)
نحن والريح
نحن والريح
الريح تُصفر ،
ونحن ذاهبون ،
المطر يهطل وابلاً من فوقنا ،
ونحن ذاهبون .
إننا ذاهبون
لنتبادل الحب مع الريح .
ذاهبون
لنقبل الرياح .
ذاهبون
لكى نسير ساعات مع السحب ،
ثم بعدها نقفل راجعين من لدن السحاب.
كما لوكنا ربحنا البسمة .
بسمة إمرأة
نحبها ونعشقها
لسنوات طويلة !
الشاعر اليونانى
أكسنثاكيس سبيروس
( 1917 م -00)
مهما كانت الصعوبات التى تعترض الإنسان فى مسيرة حياته ،فإنه يمتلك عزيمة وشجاعة يدفعان به إلى خوض المستحيل والسير فى طريق الكفاح ،حتى يصل لما يصبو إليه .
نحن والريح ،نحن والعواصف الرعدية ،نحن والعراقيل التى تصدنا عن المضى قُدماً فى تحقيق أهدافناالمشروعة وأحلامنا المبتغاة وسنين العمر التى لايمكن أن تذهب سُدى .
من أقوى الكلمات التى تحض على التمسك بالنضال والكفاح الإنسانى .
فالخور والضعف والجبن لن يطيلوا عمر الإنسان ،فاحرص على الموت توهب لك الحياة .
كلما طالعت سطور هذا الشاعر المبدع ،تنامى بأعماقى حبى للحياة والحرص عليها وعشقها.
ف"لا يأس مع الحياة ولاحياة مع اليأس"
إنه النضال والكفاح والجهاد ومعانقة الريح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق