بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 نوفمبر 2014

عرائس وشياطين

(1)

أثناء بحثى فى مكتبتى المكدسة بالكتب والدوريات,كى أعثر على كتاب/مرجع يتعلق بموضوع أكتبه ،أكتشف كتباً قرأتها منذ سنوات ..ولم أعد قراءتها .
ومن ضمن ماوجدت كتاباً مصقول الورق وكأنه مطبوع بالأمس القريب ,ألا وهو كتاب"عرائس وشياطين " لعباس محود العقاد،الطبعة الأولى سنة 1945م .
وفى هذه السنة صدر للعقاد الكتب التالية"
هذه الشجرة، الحسين بن علي، بلال بن رباح، داعي السماء، عبقرية خالد بن الوليد، فرنسيس باكون، في بيتي . "
وهذه الطبعة لكتاب" عرائس وشياطين "عن دار إحياء الكتب العربية ،عيسى البابلى الحلبى وشركاه 
وهى طبعة نادرة من الصعب التفريط فيها،رغم الطبعات المتتالية بعدها.
ويقول فى تمهيدها"...............
.هذه الصفحات نخبة مجموعة من وحى العرائس ذوات الشياطين أو من وحى الشياطين ذوى العرائس. 
تلقيناها من هؤلاء وهولاء ،وجمعناها هدية إلى القراء. وكل ماتوخيناه فيها أن نتجنب التكرار ،كما نتجنب الاسفاف والإطالة .
فهى قصائد من الشعر العربى أو العالمى ،يكثر فيها الإيجاز ويقل الإسهاب ،ويندر المشهور المتكرر على جميع الأسماء ......
........ص5،4

وقد أعدت قراءتها أكثر من مرة ..وتبين لى أن ما فهمته سابقاً وفى سالف الأيام من هذه المجموعة القيمة من الشعر العربى والشعر الغربى بترجمة العقاد ،قد تغيّر تماماً وتبدل ،لما أضافته السنون من خبرات ،وما تراكم لدىّ من قراءات وثقافات متنوعة .
ورغم أن العقاد كتب الشعر ،وبعد رحيل أمير الشعراء أحمد شوقى ،حاول بعض أساطين الأدب فى عصره ,وعلى رأسهم الدكتور طه حسين ،أن يتوجوه إمارة الشعر .وفشلت جهودهم .
وأزعم أن العقاد لم يكن شاعراً ،فدواوينه الشعرية لم تصنع منه شاعراً ،لكن دراساته وأبحاثه هى التى صنعت منه أديباً ومفكراً.
بصراحة ..لم أستمر فى قراءة أشعاره ،كنت أشعر أنها جافة وخشنة ،وليس لها من الشعر إلا الأوزان والقوافى إلا القليل منها. 
وربماكان الدكتور النويهى فى دراسة مطولة،نشرها تحت عنوان "العقاد ناقد الشعر " سبق نشرها وأصولها موجودة عندى ،قد التمس كبد الحقيقة ،وأجاب عن مادار بفكرى .

وأقدم بعض مختاراته من الشعرالعربى .

فؤاد ضائع
سألتها عن فؤادى أين موضعه؟***فإنه ضل منى عند مسراها!
قالت لدينا قلوب جمةُ جمعت،***فأيها أنت تعنى ؟قلت أشقاها!
شاعر مجهول

لابد 
العز فى العزلة لكنه***لابد للناس من الناس
الجوهرى "صاحب الصحاح"



(2)
ويواصل العقاد "................ ونجيز لأنفسنا فيها الحذف والتبديل مداراةً لإسفاف فى العبارة أو إسفاف فى الذوق والأدب ،وعلينا تبعة القليل الذى طرأ عليها من الحذف والتبديل .وحسبنا منها شرط واحد نرجو أن يتحقق لها جميعاً فى رأى قرائها ،وذاك أنها- وهى من وحى العرائس والشياطين - خير مايقرب الإنسان إلى قلب الإنسان."ص5

يبدو أن العقاد لم يلتزم بترجمة الشعر العالمى وإنما سمح لنفسه الحذف والتبديل ..
وأزعم أن ما فعله العقاد هو وصاية على العقل العربى ،آنذاك،وفرض ثقافة منتقصة القيمة ، بل وعديمة الفائدة وتشويه متعمد مع سبق الإصرار.
وكيف بأديب كبير كالعقاد، له ماله من قيمة أدبية وفكرية، يسقط وبقوة هذه السقطة المدوية ؟
إذا كانت الترجمة من لغة إلى لغة خيانة ،فالعقاد تجاوز هذه الخيانة إلى جرائم عمدية فى حق الشعر العالمى والشعراء العالميين؟!
بل لو صح قوله،فلم يسلم ما أورده من الشعر العربى من جريمة شنعاء وخطيئة لاتغتفر ، تحت زعم لايليق بمفكر كبير 
"إسفاف فى العبارة أو إسفاف فى الذوق والأدب".

وأحسبنى لا أكون متجاوزاً فى القول أن هؤلاء الرواد انتهكوا آداب وأشعار الشعوب الأخرى بقسوة ودون رحمة أو شفقة .
وها هوالشاعر خليل مطران وقد أقبل على تعريب مسرحيات شكسبير.
يقول فى ص5 من تعريبه "هاملت " طبعة دار المعارف المصرية الطبعة الرابعة سنة 1971م:
"
هذه القصة ترجمتها كما هى فى الأصل ،ولكن رئى لإبراز محاسنها بالتمثيل العربى ألا تترك فصولها كما هى فى الأصل ،لأن فيها إطالة لاتواتى الزمن ،ومقتضيات التمثيل الحديث . ولما كانت كل قيمتها هى فى الأقوال والحكم ،والتحليلات النفسية التى لم يسبق شكسبير أحد، فكل ماورد فى الحوار ،وهو يتضمن هذه المعانى السامية ،ترجم بحرفه وبكل دقة .وبعض الأحاديث الغريبة والواردة فى الحوار ،مما لايدخل فى لباب الموضوع ولكنه من قبيل تحليات المحادثات المسرحية ،فهذا رئى بإجماع الأدباء المضطلعين أن تخفيف حجم الرواية منها أصلح لها فى التمثيل ،وأصدق أثراً فى نفوس المشاهدين".
ولن أنسى الجريمة النكراء التى فعلها الشاعر حافظ إبراهيم فى رواية فكتور هوجو "أحدب نونتر دام" وقد عرّبها تحت عنوان "البؤساء"بلغة مهجورة غريبة غير مستساغة .



(3)
طالعت زوجتى ماكتبته عن العرائس والشياطين ،فابتسمت ضاحكة وقالت :عرائس وشياطين !كيف يجتمعان؟فعدت من فورى إلى تمهيد العقاد لكتابه، فوجدته يقول: اتفقت الأساطير على أن الشعر من وحى العرائس أو من وحى الشياطين . 
فاختار الأوربيون أن يتلقوا وحيهم من عروس ،
واختار العرب أن يتلقوا وحيهم من شيطان. 
ولانراهم اختلفوا كثيراً فى نهاية المطاف ،
وإن اختلفوا قليلاً فى الخطوة الأولى .
فنهاية العروس أن تعمل بشيطان ،
ونهاية الشيطان أن يعمل بعروس .
وما نظنهما عملا قط منفردين فى فؤاد إنسان. 
والرجاز الظريف "أبو النجم العجلى "يقرب الفجوة شيئاً مابين الفريقين حين يقول :
إنى وكل شاعر من البشر ***شيطانه أنثى وشيطانى ذكر 
فما رآنى شاعر إلا واستسر ***فعل نجوم الليل عايّن القمر
 
فهو قد جعل الشياطين -ماعدا شيطاناً واحداً- أناثاً يتوارين خجلات كما تتوارى النجوم من القمر .
تُرى هل أناث الشياطين جميلا ت كالعرائس المعشوقات؟
عند السعدى -الشاعر الفارسى - جوابٌ يحسم الخطاب. فهو يقول 
:
إن الشيطان نفسه جميل يغوى القلوب بجماله ،
وإن أبناء آدم إنما مسخوه فى الصور والتماثيل لأن حرم أباهم الفردوس فحرموه الجمال!"

فالشيطانات إذن أحق بالجمال واقرب إلى العرائس ،وما هؤلاء وهؤلاء إلا كما قال المعرى -قريب حين تنظر من قريب.
وعرضت على زوجتى مانقلته عن العقاد ،لبيان الفرق بين العرائس والشياطين ،فقالت بحسرة:
الأوربيون فازوا بكل شىء ولم يتركوا لنا شيئاً ..حتى فى وحى الشعر أخذوا العرائس وتركوا لنا الشياطين تعيث بيننا وتنشر الفسادوتدمر الأخضر واليابس!!



(4)


قياس

مادمت أعلم أن الوقائع التى نشهدها 
ليست هى الحق اليقين
فمن أين لى أن أحلام المنام
ليست سوى أحلام

ٍ(شاعر يابانى مجهول حوالى القرن الثانى عشر للميلاد)

النسر الجريح

قصة يرويها اللوبيون!
قالوا :أصاب النسر سهم من قوس 
فنظر إلى ذلك الصنع المجنح العجيب 
قال: على هذا نحن بريشنا ،لابريش غيرنا ،فصاب"
هكذا وردت وربما نُصاب"اسكايلوس من أكبر شعراء اليونان الروائيين والغنائيين 425-456قبل الميلاد(هكذا وردت بهامش الصفحة ،ولكن الصحيح أنه عاش مابين عامى 525-456 قبل الميلاد) وأزيد على ماكتبه العقاد، أن إسخليوس كتب قرابة تسعين مسرحية ،وصلنا منها سبع فقط وهن :
الضارعون ،الفرس، سبعة ضدطيبة ،بروميثيوس فى الأغلال، ثلاثية الأورستيا.


بستانى دفين
أمنا الأرض العزيزة !
خذى إلى صدرك الشيخ أمنتكيس ليستريح
واذكرى -وماهى بقليلة - تلك السنين التى كان يجهد فيها شتى الجهود من أجلك
فكثيراً ماغرس لك الزيتون المورق
وحلىّ وجهك بدوالى الكروم
وأغناك بحقول الغلال
وأجرى فيك الجداول منسربات
ليزدان أديمك بالعشب والثمرات
فاليوم آن لك أن تجزيه على صنيعه
وأن تخففى الوقر على رأسه الأشيب وجسده النحيل
وإذا جاء الربيع فزيّنى قبره بالخضرة والريحان

(شاعر يونانى قديم مجهول)


قصة مختصرة 
ثلاثة شيخة راحوا ***إلى البحر على زورق
ولو زورقهم أقوى!***ولو بنيتهم أوثق
لكانت قصتى أوفى ***وكانت قصتى أشوق!
(أعنية مرضعات إنجليزية )

الشيخة :أى الأشياخ ،والترجمة العربية من نظم المؤلف"


ص11،10،7
من الملاحظ.. أن العقاد لايذكرأسماء الكتب التى وردت بها هذه الأشعار .
وهل تمت الترجمة من لغتها الأصلية أم من لغة وسيطة ؟
وبالتأكيد وبالبناء على ماذكره، فى تمهيده ، أعطى لنفسه حق الحذف والتبديل.
ومن ثم فماينشره العقاد هو مايريده العقاد وليس الشاعر المترجم له.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق