بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

ثلوج سانت كاترين(19)

سانت كاترين1982م

ظل مصطفى يومين غضوباً لايتحدث معى إلا لمماً وفى حدود ضوابط العمل العسكرى ،وتجنب فتح أى مواضيع أدبية أو سياسية .
نذهب معاً إلى ميس الضباط للغذاء بصحبتنا ضابط جديد عبدالرشيد المداح ..كان يراعى الأقدميات ويتنحى جانباً إذا سرنا ولايقترب إلا إذا طلبت منه الاقتراب.
ويحكى لى عبدالرشيد أنه عندما وصل القيادة قابله قائد ثان ورئيس الأركان ..وتم توزيعه على السرية، فقام بتحذيره ،أحد الضباط ،من اللقاء معى لأننى من"أرخم "الضباط ولابد من الانضباط العسكرى وأنه عمل بالنصيحة خشية من رد الفعل العكسى إذا ماتجاوزالسلوك العسكرى المتعارف عليه وأداء التحية العسكرية كما يجب.
وأصبح هذا الضابط فيما بعد من أقرب الضباط إلى نفسى وموضع الثقة والأمانة .
ودخلنا ميس الضباط حسب الأقدميات وأدينا التحية للأقدم ثم وضع الطعام والكلام بيننا فى حدود العمل العسكرى ولاشىء غيره.
كان مقتل الرئيس السادات يُلقى بظلاله الكئيبة فى كل تجمع للضباط،سيما وأن وادى الراحة يستقبل الرئيس السادات فى أواخر شهر رمضان ومدى الاستعدادات التى كنا نقوم بها أثناء وجوده .
بعد الغذاء استأذنت فى العودة للسرية لقيامى بالمرور على الفصايل المتقدمة ، و مصطفى معتصمٌ بالصمت ،شارد الذهن لاينبس ببنت شفة،وعبدالرشيد يسير بجوارنا ملتزماً الانضباط العسكرى ولايحيد عنه قيد أنملة.
وكعادتى التى تلازمنى منذ الصغر أدندن بأبيات شعرية وكانت قصيدة أبى العلاء المعرى "
غير مجد فى ملتى واعتقادى ***نوح باك أو ترنم شاد
فأبو العلاء المعرى شاعرى المفضل وأزعم أنه من العظماء الخالدين على مر التاريخ.
وماكتبه عنه طه حسين "تجديد ذكرى أبى العلاء ومع أبى العلاء فى سجنه وصوت أبى العلاء "..من الدراسات القيمة التى ساعدتنى فى فهمه وعالمه الشعرى .
وينصت لى مصطفى وصوتى يعلو بأبيات القصيدة ثم يفتح الله عليه بالكلام ..فيصحح لى خطئاً عروضياً ،وكأنى ماصدقت أنه تكلم فقلت بانشراح وبهجة :
أنشدها أنت.ولبى مصطفى الرجاء:
غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ
وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِيسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ
أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنْت عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ
صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْبَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ
خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْدُ هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ
سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيداًلا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراًضَاحِكاً مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ
وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ في طَويلِ الأزْمانِ وَالآباد
فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّامِنْ قَبيلٍ وآنسا من بلادِ
كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍوَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ
تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُزْناً في ساعةِ المَوْتِ أضْعَافُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ
خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفادِ
إنّما يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْمالٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ الجِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ
أبَناتِ الهَديلِ أسْعِدْنَ أوْ عِدْنَ قَليلَ العَزاءِ بالإسْعَادِ
إيه للّهِ دَرّكُنّ فأنْتُنّ اللْلَوَاتي تُحْسِنّ حِفْظَ الوِدادِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق