(5)
الكثير منها لايكاد يقع فى الأسر إلا مات .
فكم السمك يترك الحياة إذ يترك الماء ،كذلك هى تترك الضوء وتأبى العيش بعد فقدان حريتها الطبيعية ؛ فلو كانت لها مراتب لجعلت من الحرية عنوان نبالتها ،
فأما البقية من أكبرها إلى أصغرها ،فهى لاتستسلم للأسر حين نقتنصها إلا بعد أن تظهر أشد المقاومة بالأظافر والقرون والمناقير والأقدام معلنة بذلك عن مدى اعزازها لما تفقد . ثم هى تبدى لنا بشتى العلامات الجليلة مدى احساسها بمصابها حتى أننا لنعجب إذ نراها تؤثر الضوى على الحياة كأنها إنما تقبل البقاء لترثى ما خسرت وليس لتنعم بعبوديتها .

هل يقول الفيل شيئا آخر حين يقاتل دفاعا عن نفسه حتى يستفد قواه ويرى ضياع الأمل ووشوك الأسر ، فإذا هو يغرس فكيه محطما على الشجر سنيه ، هل يقول شيئا آخر سوى رغبته الشديدة فى البقاء حرا تلهمه الذكاء فتحثه على مساومة قناصيه لعلهم يتركون له الحرية ثمنا لعاجه ولعله يفتدى به حريته ?إنا نستأنس الجياد منذ مولدها لندربها على خدمتنا ،فإذا كنا مع ذلك حين نجىء إلى ترويضها نعجز عن ملاطفتها إلى الحد الذى لايجعلها تعض الحكمة وتنفر من المهماز فما هذا فى اعتقادى إلا شهادة منها بأنها إنما تقبل خدمتنا كارهة لا مختارة . ماالقول إذن؟

حتى البقر أنً تحت النير 
وشكا فى أقفاصه الطير .
كما عن لى قوله حينا شغلنى فيه نظمنا الفرنسى . لأنى وأنا أكتب إليك يالونجا مازجا بالكلام أشعارى التى لا أقرؤها أبدا ، لا أخشى قط أن يجرك ما تبديه من الرضا عنها إلى جعلها مدعاة للفخر .

خلاصة القول أنه لما كانت جميع الكائنات الحاصلة على الحس تشعر إذ تحصل عليه بألم خضوعها وتسعى وراء حريتها ، ولما كانت الحيوانات وهى المجعولة لخدمة الإنسان لا تستطيع أن تألف العبودية دون أن تبدى احتجاجا يعرب عن الرغبة فى الضد ،فما هى تلك الرذيلة التى استطاعت أن تمسخ طبيعة الإنسان ، وهو وحده المولود حقيقة ليعيش حرا ، وأن نجعله ينسى ذكرى وجوده الأول وينسى الرغبة فى استعادته ؟