بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 ديسمبر 2014

قراءات فى الكوميديا الإلهية.. للشاعر الأعظم دانتى

إهداء إلى بياتريشى .
(1)

كنت ومن صغرى معجباً بالشاعر الأعظم دانتى اليجييرى، هذا الإيطالى ذائع الصيت ، الفلورنسى مولدا لا خلقا ، وكثيرا ما سمعت والدى يرحمه الله ، وهو يذكر أن الكوميديا الإلهية مأخوذة من رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى .
وثبت فى يقينى آنذاك ، أن دانتى ليس بعبقرى وإنما العبقرى هو أبو العلاء المعرى .وسعيت أن أحصل على الكوميديا ، وقرأت بعض الملخصات عنها ولكنها لم تشف غليلى.
ومرت سنوات طويلة ، وفى سنة 1988وفى إحدى زياراتى المتعددة لمكتبة دار المعارف بطنطا ، عثرت على الجزئين الأول (الجحيم )والثانى (المطهر ) ترجمة الدكتور / حسن عثمان ، والذى عكف على ترجمة الجزء الأول بدءا فى 21/10/1951ونشرته دار المعارف فى سنة 1959، ولم يأل جهدا ، فاستمر فى ترجمة الجزء الثانى المطهر وتم نشره فى سنة 1964عن ذات الدار .
الشوق الجارف الذى نما بداخلى طوال سنوات صباى وشبابى ، تفرغت لقراءة الكوميديا متحديا نفسى ، أن أعرف وأتعرف على هذه الآية من آيات الفن الجميل وكيف أخذها من أبى العلاء .
وكانت المقدمة للجزء الأول قد بلغت 77صفحة من حجم الكتاب 494صفحة ،وهو النشيد الأول والبالغ أربعة وثلاثون أنشودة.
وتبدأ الأنشودة الأولى "
فى منتصف طريق حياتنا ،وجدت نفسى فى غابة مظلمة ،إذ ضللت سواء السبيل ..آه ،ما أصعب وصف هذه الغابة الموحشة الكثيفة القاسية ،التى تجدد ذكراها لى الخوف !".
ثم الجزء الثانى المطهر وبلغت مقدمته 52صفحة من حجم الكتاب 506صفحة وهو النشيد الثانى والبالغ ثلاثة وثلاثون أنشودة وتبدأ الأنشودة الأولى فيه 
"الآن يرفع زورق فكرى أشرعته ،لكى يجرى على مياه أهدأ،تاركا وراءه خضما .وسأتغنى بتلك المملكة الثانية .حيث تتطهر الروح الإنسانية،وتصبح جديرة بالصعود إلى السماء بحرا"
وتبدل يقينى الذى زرعه فى والدى ، وتأكد لى أن هناك فرق كبيرجدا بين الكوميديا ورسالة الغفران ، وأن الكوميديا هى آية من آيات الفن الملحمى الراقى وأنها عوالم متعددة من الشعر والموسيقى والشخصيات الكثيرة والمحاكمات التى تجرى لهم ، وكان رائده ودليله ومرشده شاعر اللاتين الأعظم "فرجيليوس " صاحب الإنيادة وأناشيد الريف .
لم أتمكن آنذاك من قراءة الجزء الثالث (الفردوس))ومرت الأيام والسنون ، وأثناء إنعقاد معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يناير سنة 2005وجدت الجزء الثالث الفردوس والصادر عن دار المعارف ،الطبعة الثانية سنة 2002 ، وكأنى عثرث على جزء من نفسى كان تائهاً وضالاً فأمسكت به وأنا سعيد كل السعادة ......
هكذا إكتملت الكوميديا بأجزائها الثلاثة ،والجزء الثالث بلغت مقدمته 77صفحة من حجم الكتاب 700صفة وتذييل من ص604حتى 638وهى النشيد الثالث والبالغ ثلاثة وثلاثون أنشودة.
وتبدأ الأنشودة الأولى منه "
إن مجد من يحرك الكائنات يتغلغل فى أرجاء العالم ، ويزداد بهاؤه فى جانب ويقل فى سائر الجوانب 
.."

لقد قدم الأستاذ الدكتور / حسن عثمان ،طيب الله ثراه، للغة العربية ، عملاً شامخاً وأدباً رفيعاً وفناً راقياً ، بلغة سلسة ،وبيان ناصع .
جزاه الله أحسن الجزاء وأعظم الثواب.

(2)

"
ربما لم يترجم كتاب إلى اللغات الأجنبية _غير الكتاب المقدس _كما ترجمت الكوميديا الإلهية .وبلغت فى لغات بعينها عشرات المرات ، فقد ترجمت إلى الإنجليزية حوالى 47مرة ،وكانت الدوافع للترجمة ماتحويه الكوميديا من أدب وفن ،وبما تتضمنه من سياسة قومية ،ومن سيا سة دولية عا لمية ،وبما تحتوى عليه من أساطير ،وتواريخ ،وعلوم ، لاهوت ،ولغويات ، قد اجتذبت كثرين إلى رحابها ،فوجدوا فيها وسيلة لإرضاء ذوقهم ،وزيادة معارفهم ،وتدريب ملكاتهم فى مجالات الأدب واللغة والعلم...ويواصل مترجم الكوميديا ،الدكتور / حسن عثمان ، الحديث عن دانتى ،ويتشابه ثلاثة من عظماء العالم فى قوة الروح ، ولطف الحس ، وسعة الأفق ، والثورة على القديم ، وفى التطلع إلى بناء مجتمع إنسانى مثالى ، وإن اختلفت أداة التعبير عند كل منهم.
فالأول دانتى أليجييرى ، الذى أراد فى الكوميديا أن يقيم عالما جديدا ، أساسه العدالة والحرية والنظام والوحدة ، والطهر والصفاء والأمل والحب .
والثانى ميكلأنجلو بوناروتى ، الذى عبر فى تماثيله الشاهقة وصوره الإلهية عن بناء عصر جديد ، تسوده القوة والحرية والصدق والذوق الرفيع .
والثالث لودفيج فان بيتهوفن ، الذى هدف ألحانه الرائعة إلى إقامة عالم مثالى ، قوامه الحق والفن والحرية والسلام ، وبلغ به الأمر أن تطلع إلى خلق إله جديد! !وفى كل من هؤلاء قوة وضعف وساذجة وحكمة ، وبراءة وإدراك عميق ، وأسى ونيران ودموع ، وسخط ويأس ومرارة ، وفلسفة وصوفية ،وحب وصفاء وأمل وإيمان .
خرج ثلاثتهم من الأسى والشجن بالصبر عليهما ، وظفروا بالإبداع ، وحَلقوا فى أجواز الفن الرفيع ،بما لم يصل إليه غيرهم .صوروا الطبيعة ،ورسموا الإنسان ،وصفوا الأرض ، با لقلم والريشة والأزميل واللحن ، وأخرجوا للإنسانية روائعهم الخالدة"
.

وسأحاول وبإيجاز أن أتكلم قليلاً ، عن الشاعر الأعظم دانتى ، ولد دانتى فى فلورنسا فى أواخر مايو 1265وعمد باسم دورانتى أليجييرى ، ومن المعانى التى تقال فى تفسير اسمه"
حامل الجناح الباقى على الزمن"وهو ينتمى إلى أسرة يقال أنها تنحدر عن أصل رومانى نبيل ، وتدعى أسرة إليزيى التى ترجع إلى عهد يوليوس قيصر ، ووقت مولده كانت أسرته متواضعة الحال وماتت أمه وهو فى سن مبكرة ثم مات أبوه ولما يكتمل دانتى دور الشباب ،ومس الحب شغاف قلبه وهو فى التا سعة فأحب بياتريتشى ابنة فولكو بورتينارى من أثرياء فلورنسا ، ويقال أنه رآها بعد ئذ فى سن الثامنة عشرة ،وتزوحت بياتريتشى بآخر ثم ماتت فى شرخ الصبا ، فامتلك الحزن فؤاد دانتى ولم ينسها طوال حياته.
كانت مصدر إلهامه لرائعته الكوميديا ، وفى الأنشودة الثلاثين من النشيد الثانى المطهر (
هكذا بدت لى _بين سحابة من الأزهار التى تصاعدت من أيدى الملائكة ،وهوت إلى باطن العربة وإلى خارجها _هكذابدت لى سيدة _ تكللت بغصن الزيتون فوق نقابها الأبيض ،وارتدت ثوبا فى لون الشعلة المستعرة ،تحت عباءة خضراء .وروحى التى لم يك قد نالها منذ أمد بعيد ما ألفته من العجب والرعدة ، حين كانت تمثل فى حضرتها ،أحسست _دون أن أتبين بعينى منها مزيدا _السلطان العارم القديم ،بالسحر الخفى الذى انبعث منها .
وما إن أصابت ناظرى قوتها الساحقة .التى جرحتنى بسهامها ،من أن أتجاوز عهد الطفولة _حتى اتجهت إلى يسارى بالثقة التى يجرى بها الطفل الصغير نحو أمه ، عندما يخاف أويتألم _
).
وانصرف دانتى إلى الدراسة ، وتلقى التعليم السائد فى عصره ، درس القانون والطب والموسيقى والنحت والفلسفة والطبيعة والكيمياء والفلك والسياسة والتصوير والتاريخ واللاهوت ،ودرس تراث اللاتين ، وألم بتراث اليونان والشرق ، وعرف ثقافة العصور الوسطى ، وتعلم الفرنسية ولغة اليروفنس ، ودرس أدب التروبادور .

(3)

لم يقتصر دانتى على حياة الدرس والشعر ، بل اشترك فى الحياة العسكرية وكان فارسا شجاعا ،وشارك فى معركة كامبالدينو سنة 1289م والتى اشتعلت بين الجبلين بزعامة أريتزو وبتشجيع من الملك الفرنسى شارل الثانى ، وبين الجلف بزعامة فلورنسا ، وكان دانتى فى طليعة فرسان فلورنسا ، وقاتل قتالا عنيفا وكذلك اشترك فى القتال ضد بيزا ، واسهم فى حصار قلعة كابرونا ، والذى انتهى بسقوطها فى أيدى القوات الفلورنسية ، كان دانتى جنديا شجاعا لايتأخر فى الدفاع عن بلده ويبذل فى سبيلها كل مرتخص وغال ، ولم يكن بالذى ينأى عن مجتمعه ويعيش فى برج عاجى وإنما منغمسا فيه .وتزوج وأنجب ثلاثة أبناء ، بيترو وجاكوبووبياتريتشى (لم ينس دانتى حبيبته وملهمته 
بياتريتش.أطلق أسمها على إبنته ).وهكذا كان دانتى العظيم صادقا مع نفسه ومشاعره .
وفى سنة 1295م سجل اسمه فى نقابة الأطباء والصيادلة ، وصار من حقه الدخول فى الوظائف العامة والحياة السياسية..
أصبح عضوا فى مجلس قبطان الشعب ، ثم عضوا فى مجلس المائة ورسولاً من قبل حكومته إلى بعض البلدان الإيطالية لتسوية المشاكل المثارة بينها وبين فلورنسا ، وأحرز تقدما بفضل شاعريته وثقافته ، الأمر الذى اختير به عضوا فى مجلس السنيوريا وهو يمثل سلطة الحكومة العليا فى فلورنسا ، واعتبرمن أكفأ رجال السياسة. وإثر صراع بين بابا روما وفلورنسا وقيام دانتى برفض مطالب البابا ، وكالعادة تم تلفيق الإتهامات وصدرت ضده أحكام عديدة ونفى عن وطنه فلورنسا وتشرد فى المدن الإيطالية وهو عزيز النفس ، جم الكبرياء ، شامخ الرأس ، مرهوب الجانب .
وأصاحب ، أنا، دانتى العظيم فى حياة التشرد والنفى ، وأراه وقدامتطى دابة وعبر التلال والأنهار ، وسار فى كثير من الأحايين على قدميه اللتين تورمتا وأصابهما السقم والجروح ، مضى حامللاً متاعه القليل وأوراقه وبعض كتبه ، متعرضاً لأهوال الطريق وقطاع الطرق الأشرار.
كم من المرات تعرضت للأهوال أيها المتشرد العظيم ؟
كم من المرات خرج عليك الأشرار وأوسعوك ضربا وتمزيقا وإهانة ؟
كم من المرات ، عشت أيها الشاعر العظيم لا تجد قوتا ، لا تجد ماءا ، لا تجد مكانا مريحا تريح فيه هذا الجسد العليل؟
ما أشقى نفسك أيها العظيم وأنت تتسول الطعام لتسد جوع الجسد المضنى .
أكاد أراك وأنت مشرد فى الفيافى والبيد والجبال ، ممزق الثياب ، سيىء الهندام ، تسأل المأوى أنى يكون ، تستريح تحت ظل شجرة من الهجير ، تغفو لحيظات ثم تواصل المسيرفى ظلمات ليل لايرحم وظلمات أناس فقدوا المشاعر والأحاسيس...
أراك تعدو خائفا مرتعبا فى ليل الخناجر والظنون .....
وفى سنة 1316معاد دانتى إلى فيرونا وقضى بعض الوقت فى ضيافة أميرها كان جراندى دلا سكالا ، المعجب بالعبقريات ورجال العلم والأدب والشعراء .
ووجد دانتى هدوءاً وراحةً وسكينةً فأهدى له النشيد الثالث من الرائعة الكوميديا الإلهية (الفردوس ).
لكن دائما وأبدا تأتى الرياح بمالاتشتهى السفن وكأن حياة التشرد والنفى لافكاك منها ، حمل دانتى العظيم أوراقه ويالها من أوراق هى الخلود السرمدى الأبدى ..وتنقل بين المدن مانتوا وجوبيو وأودينى .
واجتاز حدود رومانيا فى سنة م1317وكان عمره آنذاك 52عاما، وكأن القدر يريد أن يمن عليه ببعض الهدوء والراحة ، فلم يكد يعبر الحدود حتى سارع أميرها جويدو نوفلو إلى دعوته فى رافنا ، وجنبه مؤنة السؤال وطلب المعونة ، واعطاه مكانة ومكانا ، وعهد إليه بالعمل أستاذا وسفيرا ,وفرض له راتبا مجزيا حتى لايعيش عالة على أحد .
هاهى الدنيا.. ياأيها الشاعر الأعظم التى اثقلت روحك بالعذاب والشقاء والفقر والتشرد والنفى والغربة ..قد أتت إليك بجمالها وحلاوتها وسعدها وفرحتها كى تعيد إليك البسمة والضحكة ، وأصبح له الكثير من الأصدقاء من علية القوم واستقرت حياته بعد عناء ومشقة وبؤس وإملاق ، وأتت إليه أسرته، أولاده، بيترو الذى كان محاميا ، وجاكوبو و أسرة الابنين، وقدمت ابنته بياتريتشى التى صارت راهبة فى دير سان استيفانو دل أوليفيا فى رافنا ، واعتاد دانتى أن يتريض فى غابة رافنا وعلى شاطىء الأدرياتيك ، يفكر ويتأمل ويصغى للطيور ويستمتع بالزهور والورود والأشجار .
وحدث عراك فى البحر بين تاجرمن رافناوسفينةبندقية انتهى إلى قتل القبطان وبعض رجاله ، وقطعت البندقية العلاقات السياسية مع رافنا واشتعلت الحرب الكلامية بينها وتعقدت الأمور إلى الحد أن تقوم الحرب المدمرة بينهما، فلم يجد أمير رافنا بداً أن يقوم دانتى بالسفارة بين البلدين وحل المشاكل التى نجمت عن هذا العراك الذى سيأخذ البلدين لحرب شعواء .
واستطاع العظيم دانتى ،بما أؤتى من حصافة وعبقرية من إنهاء المشكلة والتهدئة بين البلدين ، وأثناء عودته من البندقية براً ، عبروا منطقة مستنقعات ، فأصيب دانتى بالملاريا ووصل إلى رافنا مريضاً ولم يتحمل الحمى،وأسلم الروح ليلة13/14سبتمبر .
مات دانتى العظيم واضعاً يده فوق صدره وكانت عيناه مغلقتين ووجهه متصلبا .
إيه ايها الشاعر الأعظم ، إنك لم تمت ولم تنته حياتك ، بل صرت خالدا أبد الدهر .
عشت 56عاما ولكن الخلود مثواك والرفعة مكانتك الشامخة التى لاتطاولها قامة .
وهانحن بعد 747سنة من مولدك مايو سنة 1265م.
نقف وبكل تقدير وتبجيل ونقول:
ماأجمل الحياة وأروعها بصحبة الكوميديا الإلهيةّ!

(4)

وهكذا استراح أخيراً.. دانتى العظيم .
وفى ليلة وفاته ، لم ينم ولداه وابنته ، ولم ينم أمير رافنا ، ولم ينم مريدوه ومحبوه وأصدقاؤه .
كانت ليلة حزينة أشد ما يكون الحزن ، وأعلن أمير رافنا ، الحداد العام فى بلدان الإمارة ..
وألقى رثاءاً مؤثراً أطرى فيه مزايا الشاعر العظيم وأشاد به وبأفعاله كل الإشادة ،ووعد بإقامة قبر يليق بالشاعر العظيم ، لكن أمور السياسة لاتستقيم، ولم يتم تنفيذ الوعد، مما حدا بأصدقائه بدفن الجثمان فى كنيسة براتشافورتى للفرنتشسكان .
ومرت السنون.. وبعد نصف قرن ويزيد من وفاة دانتى ، شعرت فلورنسا أنها أخطأت خطئاً فادحاً وظلمته ظلماً غير مبرر ، فهو ابنها البار الذى أحبها وحملها بين أضلاعه وديعة غالية وثمينة ، فترات تشرده ونفيه وتنقله بين البلاد.
لم ينسها ولم يطعن فيها وإنما حريص عليها كل الحرص ، وتشهد أبيات الكوميديا بذلك ، فأذاعت الكوميديا ودرستها لأبنائها وصارت الملحمة الأثيرة .
وذاع صيتها فى الإمارات المجاورة ، واكتشف الناس فيها أحلامهم وأمانيهم ومشاعرهم المكبوتة ، وجدوا فيها أنفسهم. وتغنوا بها ورددوا أبياتها وعشقوا صاحبها وتاقوا إليه ..
هذا المتشرد العظيم الغائب عنهم بجسده الحاضرعندهم بأدبه وفنه الخالد (الكوميديا الإلهية ) .
وإزاء الضغط الشعبى ، أرادت فلورنسا الجاحدة لابنها البار والعاقة له ، أن تصلح خطئها الجسيم والأشد جسامة ، فطلبت من رافنا ، أن تسمح لها بنقل رفات دانتى ، ليستقر فى فلورنسا ، ورفضت رافنا وعارضت أشد المعارضة .
ومرت عدة قرون وفلورنسا تشعر بالندم على ماصنعته بابنها ذائع الصيت الشاعر الأعظم دانتى .
وفى بداية القرن السادس عشر الميلادى وإثر تولى البابا ليو العاشر رئاسة الفاتيكان وبإلحاح من رجالات فلورنسا ، تدخل البابا وطلب من رافنا السماح لفلورنسا بنقل رفات دانتى إليها .
وهل يمكن بأى حال من الأحوال رفض طلب البابا؟
وتم فتح المقبرة ووجد التابوت فارغاً إلا من بعض عظام ،ولم يكتمل ما سعت إليه فلورنسا .
وفى سنة 1865م وفى فترة الإحتفال بمرور 600سنة على ميلاد الشاعر الأعظم دانتى ، فى رافنا وأثناء إجراء بعض الترميمات بكنيسة براتشافورتى ، ظهر تابوت خشبى داخل أحد الجدران ، مكتوباً عليه أن الأب أنطونيو سانتى قد أخفاه سنة1677م وجد به هيكل عظمى ،وافق قناع الموت لدانتى .
ووضعت بقايا دانتى العظيم فى تابوت من البللور ثلاثة أيام ، ثم نقل فى حفل مهيب إلى كنيسة براتشافورتى وحضره مندبو فلورنسا ،ونقش على التابوت (
ليست فلورنسا بل أهواء الحزبية هى التى حكمت عليه بالنفى الأبدى ).
وتعظيماً وتقديراًمن رافنا الودودة ،أقامت برجاً تذكارياً به ناقوس من البرونزوالفضة ، ساهمت فيه بلديات إيطاليا بالأموال ،ولكن فلورنسا مفجوعة فى شاعرها الأعظم وندمها الذى لا يغتفر على مدى الحياة ،لما أحاق به من ظلم وعذاب وتشرد وإهانة ونفى أبدى .
وفى سنة 1829م قامت فلورنسا بتشييد قبر رمزى للشاعر الأعظم دانتى فى كنيسة سانتا كروتشى، ويتكون القبر من تابوت فارغ ،يعلوه تمثال جالس للشاعر وقد توج بإكليل الغار،وإلى يمين التابوت سيدة واقفة ،ترمز لإيطاليا وتشير بيدها إلى الكلمات المحفورة أسفل تمثال دانتى ،والتى تقول (
مجدوا الشاعر الأعظم )، والتى أنطقها دانتى على لسان خالد الذكر هوميروس تمجيداً فى شا عر اللاتين فرجيليوس .
"
سمعت وقتئذ صوتا يقول :"مجدوا الشاعر الأعظم " إن شبحه يعود وكان قد ارتحل )
الأنشودة الرابعة ، الجحيم ، البيت 79

ولم تجد إيطاليا سوى هذا البيت من الكوميديا معبراً عن تقديرها لشاعرها الأعظم دانتى، وإلى يسار التابوت تمثال سيدة أ خرى ، ترمز لفلورنسا ، وهى منحية أسفل التابوت ، وبيدها إكليل الغار الذى حلمت يوماً أن تضعه على رأسه حياً ، وهى والهة تبكى ندماً وحزناً على ما فعلته واقترفته فى حق الشاعر الأعظم .
وستظل تبكى أبد الدهر ..
ويبقى دانتى.. علماً شامخا ، وشاعراً متميزاً ، وإنساناً رائعا ،تهفو إليه النفوس ، وتسعى نحوه القلوب ، وتناجيه الأفئدة .

(5)

سأحاول الحديث عن الرحلة إلى العالم الآ خر ، هذا المجهول الذى أتعب العقل البشرى وأشقاه ولايزال .
فمنذ
 وجد الإنسان على الأرض وهو يبحث وينقب عن معنى الحياة وعن معنى الموت ، صار بحثه الدؤوب ومحصلة حياته ، ولم تهدأ روحه القلقة بعد الركون إلى حل لتلك المعضلة الأبدية
وتؤكد الملاحم بدءً من الأوديسا والإلياذة ، على سعى الإنسان إلى
 إختراق ستر الغيب والنفاذ إلى المجهول ، بل أزعم لنفسى أن حضارة الإنسان هى قهر الموت والصمود فى وجه الفناء المتربص به فى كل لحظة ،
إنه النضال السرمدى .
وإذا ما تأملنا الحضارة المصرية القديمة لحسبناها حضارة مقاومة الموت والسعى للخلود .
وكافة الحضارات تسير فى ذلك السبيل وبلا إنقطاع ، عساها تصل لحل يشفى الثورة المتأججة بالإنسان .
إلى أين تذهب أرواح الموتى ؟
وماذا بعد الموت ؟
إن وثبات العقل البشرى لم تهدأ ولن تهدأ ، الحيرة واستشراف المجهول والبحث عن حلول ، الهاجس المدوى و السؤال الذى يظل بلا إجابة .
ولنبدأ بالمحاولة ..
خالد الذكر
 هوميروس وملحمته (الأوديسا) وهى أقدم نص أدبى جاء فيه ذكر العالم الآخر ووصف الجحيم والجنة وما بينهما من مطهر ، والأوديسا كما أثبتت الدراسات قد نظمت بين عام 1000و800قبل الميلاد.
وفى هذه الملحمة يبدأ هوميروس بالبطل {
أوديسيوس}ومغامراته المتعددة وزيارته للجنة والجحيم ،بعد نجاته ورجاله من بلاد العمالقة اللستروجون ثم جزيرة ايايا حيث كانت تحكم الملكة الساحرة سيرسا أوكيركا ذات الضفائر الشقراء بنت هليوس رب الشمس من برسا بنت أوقيانوس رب البحر ، وكانت الجماعة قد هدها الجوع والعطش ومشرفة على الهلاك ، وسعوا إلى الوصول لقصر الملكة ، فوجدوا حول القصر السباع والذئاب تتجول فى الأجمة، وقد سحرتها هذه الساحرة بالعقاقير ولكنها تتمسح بهم وكأنها الكلاب المستأنسة ، ودخلوا القصر وقد استقبلتهم وهى تغنى وأدخلتهم إلى أجنحة القصر الباذخة والأطعمة الشهية ، وسرعان ما تحولوا إلى قطيع من الخنازير ومع إحتفاظهم بعقولهم البشرية ، وعندما عرف أوديسيوس بما حدث لرجاله ، ذهب فى كامل سلاحه إلى القصر لإنقاذ إخوانه ، وفيما هو يخترق الأدغال والوديان المقدسة ويقترب من باب القصر استوقفه الرب هرميز ذو القضيب الذهبى محذرا إياه قائلا :
ممن أحد يذهب إلى قصر هذه الساحرة ويعود أبداً ، وسلحه بعشب الفضيلة الذى يبطل مفعول سحر الساحرة ، ويدخل أوديسيوس القصر ويقابل الساحرة وتصنع معه ما صنعته مع إخوانه، ولكن يسلم من سحرها بفضل العشب ، وتؤكد له على البر بالقسم الذى أخذته على نفسها ،أن تعيده ورجاله للعودة لوطنهم وتقول له :
""
أى أوديسيوس ، يابن لايرتيس وسبط زيوس ياصاحب الحيل الكثيرة ، لابقاء لك الآن فى دارى بعد اليوم على غير رغبة منك .ولكن لابد لك أولا من رحلة أخرى تقطعها حتى تبلغ الدار الأخرى دار هاديس وبرسيفون الرهيبة ، حيث تسكن أرواح الموتى ، لتبحث فبها عن روح تيرسياس بن طيبة ، العراف الأعمى الذى لايزال يحتفظ بعقله ، فقد وهبته برسيفون الحكمة حتى فى الموت ليكون وحده بين الموتى رب الفهم الثاقب ، أما بقية الأرواح فهى تموج كالظلال ""
فلما سمع أوديسيوس هذا الكلام بكى بكاءامرا واستبد به الشقاء حتى تمنى الموت ، وسأل الساحرة :

ومنذ الذى يكون دليلى إلى الآخرة ؟
وتجيب الساحرة لن تجد دليلا ...."

ويبدأ أوديسيوس رحلته فى الجحيم إلى هاديس مملكة الموتى عالم الظلمات والعالم السفلى ويرى الأرواح المحتشدة الصارخة والضارعة ويقابل أمه والتى تتعرف عليه ، ورأى أجاممنون سيد الأغريق الأعظم المظفر فى حرب طروادة ، ورأى سيزيف وهو يتعذب عذابا أليما وهو يمسك بحجر هائل يدفعه إلى أعلى فيتدحرج به الحجر إلى السفح فيعيد الكرة إلى مالا نهاية وهو يلهث وينضح عرقا ، وقدتعفر وجهه،ويقابل هرقل الجبار والكثير من رجالات عصره ...
هكذا كانت البداية الهوميرية لمحاولة الإجابة عن السؤال المتجدد ، عن عالم أرواح الموتى ، وماذا بعد الموت ؟
وتأتى بعد ذلك مسرحيات أوسخليوس وتتواصل الكتابات عن عالم الموتى ، ملحمة جلجاميش .
(6)

ونستعرض ،بإيجاز شديد، الملحمة 
الخالدة لشاعر اللاتين فرجليوس وهو المرشد لشاعر الكوميديا " دانتى "ألا وهى الإنيا دة،وتعتبر الإنيادة من الأعمال الملحمية الراقية ومن تراث الإنسانية الخالد ، وشاعرها "فرجيليوس" أمير الشعر اللآتينى والمولود فى اكتوبر عام 70 قبل الميلاد .
ويتناول فرجيليوس فى ملحمته التاريخ الرومانى ، وبطلها آينياس بطل طروادة .
و بعد سقوطها وهروبه منها بأمر الآلهة ومعه والده أنخيسيس وإبنه أسكانيوس وآلهة الببناتيس الطروادية ، تبدأ هبوب عاصفة ورياح قاصمة ألقت بسفن آينياس على الساحل الأفريقى واستقبال الملكة ديدو له ولمن معه وتعلقها به وحبها له ومحاولة إرغامه على الزواج بها والعيش معها ، لكن هناك من الأمور ما تستدعى النضال والمقاتلة ،وتشييد طروادة الجديدة ، ولكن آينياس يترك كل هذا النعيم 
ويرحل ولم تجد الملكة ديدو مفراً سوى الإنتحار يأسا من رحيل حبيبها ومعشوقها .
وتستمر الإنيادة فى
 مواصلة قص رحلة الطروادى الشريد آينياس وحلمه بطروادة الجديدة .
وفى الكتاب السادس من الملحمة وبعد رسو أسطول آينياس فى كوماى فى إيطاليا تقوده الكاهنة السيبيلينية ،بعد أن تزوده بالغصن الذهبى السحرى حيث يدخل إلى العالم السفلى ،عالم الآخرة ، عند بحيرة أفيرنوس ، وهناك يلتقى بالكثيرين ،ومنهم حبيبته الملكة ديدو والتى إنتحرت حزناً ويأساً من فراقه لها وعدم زواجه منها ،ويلتقى بوالده فى الإليسيوم مقام السعداء والمباركين ، ويطلعه أبوه على الأرواح التى ستولد يوماًفى روما ثم تنمو وتكبر وتصبح رجالات روما العظام،بدءاً من تأسيس المدينة وحتى تاريخ عصر أوغسطس .

وفى معرض القول.. لاأنسى 
ملحمة جلجاميش ، وكل الأعمال الأدبية والمسرحية التى تتحدث عن العالم السفلى ، عن العالم المجهول ، عن الجنة والنار ، عن العذاب والثواب ، عن الدركات السفلى من الجحيم وعن درجات السعادة والنعيم ، عن الخونة والقتلة ، وعن الشرفاء والأبطال ،عن الرفاهية فى العيش والتمتع بكل ما تشتهى الأنفس ، وعن أساليب العقاب وألوان العذاب .

(7)
ثم يجىءالإسلام.. وتقص لنا رحلة الإسراء والمعراج عن إرتقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ،المعراج إلى السماء وعروجه على السماوات حتى وصوله إلى السماء السابعة ووصوله إلى سدرة المنتهى وعودته إلى الأرض بعد رؤيته الفردوس والجحيم ،الذى يصفه الرسول ص"وانفتح الباب فنظرت فيه إلى مشرق من السماء الخامسة إلى نحو الأرضلسايعة السفلى وإذا بجهنم مظلمة ممزوجة بغضب الله ودخانها قائم وإذا بملك عظيم الخلقة مرهب النظر ظاهر الغضب شديد البأس صعب المراس بين عينيه عقدة لو أشرف بها على الأرض لماتوا عن آخرهم وغارت منه البحار وتفطرت الجبال .
قال 
النبى صلى الله عليه وسلم :
قلت : يا أخى يا جبريل من هذا الذى اقشعر منه جلدى ورجف منه فؤادى.
فقال : 
ياحبيب الله .. هذا مالك خازن النار خلقه الله من غضبه وسخطه ولم يزل منذ خلقهالله وولاه جهنم لايزداد إلا غضباً على أعدائه ،هذا ملك الموت عزرائيل لا يضحك أبداً "ثم لاينتهى وصف الرحلة المعراجية وتصنيف العذاب فى طبقات الجحيم وأيضا تصنيف الخطاة بحسب ذنوبهم"ورأيت نساء باكيات حزينات ينادين فلا يجبن ويتضرعن فلا يرحمن ، فقلت : من هؤلاء ياأخى يا جبريل ؟ قال : هؤلاء اللواتى يتزين لغير أزواجهن .ورأيت نساء عليهن سراويل من قطران وفى أعناقهن السلاسل والأغلال .فقلت من هؤلاء يا أخى ياجبريل ؟
قال: هؤلاء المستخفات بأزواجهن تقول إحداهن لزوجها ما أشنع وجهك وما أقبح شكلك وما أنتن ريحك
 .."ثم تتواصل الرحلة إلى الجنة "فقال جبريل : يارضوان خذ بيد حبيب اللهوأره الجنة وما أعد الله له ولأ مته فأخذنى وأدخلنى الجنة ،فنظرت فإذا أرضها بيضاء مثل الفضة وحصباؤها من اللؤلؤوالمرجان وترابها المسك ونباتها الزعفران وأشجارها ورقة من فضة وورقة من ذهب والثمار عليها مثل النجوم المضيئة والعرش سقفها والرحمة حشوها والملائكة سكانها والرحمن جارها ...

(8)

هذه بعض صور المعراج المحمدى ، 
لكن نظراً لأهمية الدراسة, وكون الكوميديا الإلهية لم تأت من عدم ،وأن عبقرية دانتى هى عبقرية الثقافات الإنسانية .
وأن الحضارة أى حضارة هى سلسلة مترابطة لما قبلها ولا يمكن أن يأتى شىء من عدم ، وبإعتبار كوميديا دانتى من التراث الإنسانى الخالد،وفيها روعة التصوير، ودقة التنسيق، وبراعة التناول، وضخامة المواضيع، وتعدد المستويات .
فإنه لزاماًعلينا أن نضع بين-يدى القارىء- قصة الإسراء والمعراج المحمدية ..وكما رواها عبدالله بن عباس رضى الله عنهما .
ويبدأ بأن الرسول كان فى بيت أم هانىء بنت أبى طالب رضى الله عنها وأمها فاختة ، ليلة الإثنين ليلة السابع والعشرين من رجب سنة ثمان من البعثة ،وكان عندها فا طمة الزهراء رضى الله عنها وعمرها تسع سنين ،ولم تكن تزوجت بعلى ر ضى الله عنه لأنه تزوجها بالمدينة ، وإذا بالباب قد طرقه طارق .
فخرجت فاطمة لترى من بالباب فرأت شخصاً عليه الحلى والحلل وله جناحان أخضران، قد سد بهما المشرق والمغرب وعلى رأسه تاج مرصع بالدر والجوهر مكتوب على جبهته لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وكان الطارق جبريل الذى أوفد ليبلغ الرسول " فإنك فى هذه الليلة تناجى ربك "وخرج النبى إلى الصحراء " فإذا بالبراق قائماً ، جبريل يقوده وإذا هو دابة لاتشبه الدواب فوق الحمار ودون البغل له وجه كوجه ابن آدم وجسده كجسد الفرس وهو دابة خير من الدنيا وما فيها من اللؤلؤ الرطب منسوج بقضبان الياقوت يلمع بالنور وأذناها من الزمرد الأخضر وعيناها مثل كوكب درى يوقد لها شعاع كشعاع الشمس شهباء بلقاء مجملة الثلاث مطلقة اليمين عليها جل مرصع بالدر والجوهر لا يقدر على وصفها إلا الله "وركب النبى البراق يقوده جبريل " فسار جارياً بين السماء والأرض " حتى بلغ وادى العقيق فنزل وصلى ثم أستأنف رحلته واستوقفه فى رحلته ثلاثة أصوات :صائح عن يمينه هو داعى النصارى وصائح عن شماله وهو داعى اليهود ثم إمرأة هى فتنة الدنيا ناشرة شعرها ، عليها من كل زينة خلقها الله تعالى من الحلل والجواهر والدر والياقوت قد أشرق حسنها وجمالها ،وهى تنادى وتقول:
يامحمد قف حتى أكلمك فإنى أنصح لك ولأمتك .
ولكن النبى تجاهل كل هذه الأصوات ,لأنه استشعر فيها أصوات الغواية والضلال ,وأنها تعوقه عن رحلته الإلهية .
وبلغ بيت المقدس.. وفيها رأى شاباً حسن الثياب طيب الرائحة ،هو روح دين الإسلام تمثل له بشراًوعانقه ثم إختفى وفى بيت المقدس عرض عليه جبريل ثلاثة أقداح من لبن وخمر وماء ،فاختار اللبن وشرب منه كثيرا فقال له جبريل : اخترت الفطرة .
(9)

وكان مسطوراً ،أن الرسول لو شرب قدح اللبن كاملاً ، ما دخل النار أحد من أمته .
ثم يستكمل الرسول "ص"رحلته " أن جبريل عليه السلام أتى بى إلى الصخرة من عنان السماء ,فلم أر شيئا أحسن من المعراج وهو مرقاة من الذهب ومرقاة من الياقوت الأحمر ومرقاة من الفضة ومرقاة من الزبرجد " وهنا ضمه جبريل إلى صدره ولفه بجناحيه وصعد به إلى السماوات السبع ووجد فى كل سماء طبقة من الملائكة تسبح .
وبلغا السماء الأولى ففتحوا لنا الباب ودخلنا فإذا هى سماء من دخان يقال لها الرفيعة ، ورأى فيها إسماعيل خازن سماء الدنيا ونظرت فيها فإذا نهران عظيمان مطردان, فقلت ما هذان النهران ياجبريل؟
قال : هذا النيل وهذا الفرات عنصرهما من الجنة .
وإذا بنهر آخر وعليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضربت بيدى فيه فإذا هو مسك أذفر .
فقلت : ماهذا النهر ؟
فقال : هذا هو الكوثر " ورأى فى السماء الأولى سبعين ألف فارس فى الحلى والحلل يحملون حراباً من نور يقودهم إسماعيل خازن السماء الدنيا يركب فرساًمن نور وعلم النبى أن هذا الجيش من الملائكة هم جند الله ,وكذلك رأى فى السماء الأولى الملك الموكل بأكناف السماوات وهو أنصح الملائكة لبنى آدم ,ثم صعد إلى السماء الثانية فإذا هى سماء من حديد ،لاوصل فيها، ولاوصل, يقال لها الماعون ورأى فيها جند من الملائكة خلقهم الله لنصرة الإسلام إلى يوم القيامة.
وفى السماء الثا نية رأى يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم .
ثم صعد إلى السماء الثالثة فإذا هى سماء من نحاس يقال لها المزينة ورأى فيها ملائكة ليلة القدر وشهر رمضان ،يحملون ألوية خضراء .وفيها رأى شيخاً وشاباً هما داود وسليمان وبينهما شاب صبيح هو يوسف بن يعقوب .
ثم صعد على السماء الرابعة فإذاهى من فضة بيضاء يقال لها الزاهرة وفيها رأى إدريس الذى رفعه الله مكاناً علياً، وأيضا رأى ملك الموت عزرائيل الذى لايضحك أبداً وبيده حربتان حربة من نور يقبض بها الأرواح الطيبة ويرسلها إلى عليين وحربة سخط يقبض بها الأرواح الخبيثة ويرسلها إلى صخرة سوداء وإسم هذه الصخرة سجين .ورأى إبراهيم وحادثة .
ثم صعدا إلى السماء الخامسة ,فإذا هى سماء من الذهب الأحمر وإسمها المنيرة وقرأ النقش على بابها متلألئا :
لاإله إلا الله محمدرسول الله " فلما قرأتها سقط القفل وانفتح الباب ,فنظرت فيه مشرفاً من السماء الخامسة إلى تخوم الأرض الرابعة السفلى وإذا بجهنم مظلمة ممزوجة بغضب الله ودخانها قائم.
ورأى مالكاً خازن النار فأطلعه مالك على ما فى الجحيم من عذاب للمذنبين,ثم انطبق الباب وعاد كما كان .
ثم صعدا إلى السماء السادسة فإذا هى من ياقوتة خضراء أسمها الخالصة وفيها ملك عظيم وهو الملك الموكل بأكناف السماوات وهو أنصح الملائكة إلى أمة محمد وفيها رأى موسى .
ثم صعدا إلى السماء السابعة فإذا هى من درة بيضاء يقال لها العجيبة وهى العالية ورأى فيها آدم أبو البشر جالساًعلى كرسى من نور وقد أسند ظهره إلى البيت المعمور وهوتلقاء الكعبة ..
وعلم جبريل أنه لايؤذن له أن يقترب من العرش فتخلف ، وإذا بالنداء من قبل الله تعالى :
زجوا حبيبى محمدا فى النور ، فأتتنى الملائكة برفرف أخضر كمثل المقعد يحمله أربعة من الملائكة " وانطلق به الملائكة حتى انتهى إلى بحر من نور أبيض ثم إلى بحر من النور الأخضر ثم إلى بحر أسود وفيه رأى الملاك ميكائيل الذى شرح له وظائف الملائكة حيث انتهى إلى رؤية الملائكة الروحانيين والكروبيين وهم حملة العرش ثم اخترق سبعين ألف حجاب من النور الأبيض ومثلها من الزمرد الأخضر ومثلها من المسك ومثلها العنبر ومثلها من الجبروت ، حيت انتهى إلى حجاب الدخان ثم حجاب الظلمة ثم إلى حجاب النور ثم إلى حجاب الملك ..حتى انتهى إلى حجاب الفردانية .
وهناك كالم الله وتشفع له فى أمته فخفف عنها ثم أذن له أن يرجع إلى حيث ترك جبريل وجلس معه فى جنة النعيم .
ويأخذ رضوان خازن الجنة بيدى الرسول وسار به بين أشجارها وما فيها من سرر وعيون و حور عين وأبكار وقصور عاليات وولدان كأنهن الأقمار وخدم وحشم وكرم ونعيم وخلود، وتصبح الجنة المبتغى والمرتجى لما تحويه من متع وأنهار من خمر وعسل ورحيق ونسيم وسلسبيل ولبن ونهر الكوثر ، وما من سماء يمر عليها الرسول أثناء عودته من معراجه الإلهى إلا وكل شىء فيها يقول : لا إله إلا الله محمدرسول الله ، حتى انتهى إلى السماء الدنيا وإذا بالليل على حاله لم يتقدم ولم يتأخر .
وأتى الرسول إلى مكة شرفها الله وعظمها .."
هكذا كانت الرحلة السماوية والتى تحكى وتقص عن العوالم العلوية النورانية.
تحكى شوق الإنسان وتشهيه الخلود .
تطهر الإنسان من غواية الإندحار إلى الهاوية .
، تأخذ بالمسامع والأبصار والقلوب والأفئدة إلى النعيم الأبدى.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق