بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

الحرية



فى موقع الوراق وفى 13إبريل سنة 2006م قمت بنشر هذه المقالات ،وكان بعضاً منها قد تم نشره فى مجلة الرافعى وجريدة مصرية ..صاحبها اليوم من قيادات (الإخوان المسلمين) والصحفى ،الذى لايشق له غبار ،!!! أحمد عطوان
____________________

الحرية                                                                                                                           
  المعشوقة الخالدة على مر العصور والدهور ، وتزهق الأرواح فداءا لها ،
 كنت ومازلت مقدما روحى ونفسى  ،وفى معبدها النورانى ، قربانا وتضحية ،
وللحرية أغنى ، ولشهداء الحرية عبر العصور  والدهور أغنى ،
ولما حض عليه أخى العزيز / وحيد ، بفتح ملف الحرية ، وللرجاء الصادق من أخى الأعز / زهير ، وكلمته ( فلا أرى مثلالحرية فضيلة ترسف فى أغلال الإستعباد ، مسحوقة ممحوقة مهانة ،مبصوقا عليها ،مداسا على وجهها ))، وانضمام أخى الجميل / السعدى ،فى قبولى للدعوة والمساهمة فى ملف الحرية ،وللأحرار فى كل مكان من المعمورة ، ولإختى الجليلة / ضياء ، وأخى الفاضل / يحيى ،ومحمد فادى ، وعبدالحفيظ ، والعياشى 
ولأصدقائى جميعا   ، وعلى بركة الله ، وفى سبيل الحرية                       

         أغنى     أغنية الحرية



(1)

إذا كنا ننادى بتطبيق الديمقراطية وقيام المجتمع المدنى .
وإذا كنا حديثى عهد بالديمقراطية بإعتبارها إفرازا غربيا ونتاجا حضاريا ، وفد إلينا ضمن الثقافات العديدة ، والنظريات الكثيرة التى تحاصرنا من كل جانب .
وإذا كنا نحاول جادين الأخذ بالتغيير نحو الأحسن .



فلابد أن نبدأ البداية الصحيحة الحقيقية ، علينا أن نعدل الدستور بما يتوافق ومعطيات العصر ومتطلبات الواقع ، فالدستور ليس مقدسا لا يجوز المساس به ، بل هو قابل للتعديل والتغيير والتبديل ،لا يكفى تعديل أو إضافة بعض المواد حتى نصبح ديموقراطيين .

لماذا لا يطرح على بساط البحث والمناقشة والحوار، دستور جديد ؟؟؟
لماذا لا تتقدم الأحزاب وهى ، بحمد الله، كثيرة العدد بمشاريع دستورية ؟؟؟

لماذا لا تشارك القاعدة الشعبية من عمال وفلاحين ومفكرين ومثقفين وطلاب ، فى هذا الإعداد وإجراء المناقشات ؟

لماذا لا نفتح الأبواب على مصراعيها بل نخلع الأبواب حتى تتدفق تيارات الحرية ، ونحض على السلوك الديمقراطى، بدءا من التعليم الأساسى وانتهاءا بالجامعات؟؟؟
لماذا الخوف والرعب و الذعر الذى يسرى فى النفوس ويدمر الأفئدة من إنتشار الحرية والإندفاع نحو تطبيق الديمقراطية ؟؟؟؟


ياسادة ..... نحن أعلم بأنفسنا ، ونحن أعلم بحضارتنا .
دعونا فقط نطرق الأبواب .
دعونا نخوض التجربة ، فالحرية أولا وأخيرا ...
إن السلوك الديمقراطى ينشأ بداهة فى الأسرة وهى اللبنة الأولى للمجتمع ، هى الركيزة الأسمى والعظمى لغرس القيم والحقوق والواجبات 0فلنحاول جاهدين تلقين الديمقراطية منذ النشأة الأولى للأجيال الصاعدة الواعدة للمستقبل المزهر المشرق ..

دعونا نصنع الديمقراطية من خلال الممارسة الفعلية ، ولتتسع الدائرة لتشمل كل حياتنا الثقافية والإقتصادية والإجتماعية والتعليمية والسياسية .
لماذا ؟



لماذا يفرض علينا كل شىء بقرار ؟؟
أن يقف رئيس وزراء مصرنا العظيمة ويصرح ويقول: شعب مصر لم ينضج بعد لتحمل مسؤلية الديمقراطية !!!!هو قول مرفوض وطعنة فى قلب كل مصرى.

هل جعلتم كل شىء يسير نحو الديمقراطية ؟؟




الحرية أولا وأخيرا ..

إن شعبنا قادر على المضى قدما نحو الديمقراطية الحقيقية ..
إفتحوا الأبواب ، وسوف يتلاشى ما بداخلكم من خوف ورعب وذعر .
إفتحوا الأبواب ، وستجدون شعبا كريما أبيا .
إفتحوا الأبواب للحرية حتى تتاح للجميع الممارسة الفعلية للديمقراطية .

وإذا الشعب يوما أراد (الحرية ) فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر .
ومعذرة أبا القاسم الشابى .

فنحن نريد الحياة .......والحرية أولا وأخيرا .
 (2)
ونظل نهتف للحرية ونسعى لها ، فالحرية أولا وأخيرا .
ونؤكد أن الحرية هى أثمن ما يحيا الإنسان من أجله ويناضل للحصول عليه ، وإذا كانت الحرية هى كل شىء للإنسان وعبر التاريخ الطويل والسعى الحثيث للحرية ، هى نضال الشعوب للتحرر من الظلم والعبودية والطغيان والإستبداد وإقامة المجتمع المدنى ، واستكمالا لما يمكن أن نرسخه من مبادئ وقيم لبناء مجتمع مدنى متما سك الأركان ، ولإطلاق العنان للفكر الحر والإرادة الحرة القائمة على مناصرة الحق وإزهاق الباطل .



وفى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى ديسمبر 1948والتى أصدرته الأمم المتحدة وفى ديباجته ((لما كان الإعتراف بالكرامة البشرية وحقوق البشر المتساوية ، هو أساس الحرية والعدل والسلام فى العالم ، ولما كان تناسى حقوق الإنسان وإزدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية ، آذت الضمير الإنسانى ،وكان غاية ما يرنو إليه البشر عا مة هو إنبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ، ويتحرر من الفزع والفاقة ، ولما كان من الضرورى أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الظلم ، لما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذه التعهدات ، فإن الجمعية العامة تنادى بهذا الإعلان العا لمى لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذى ينبغى أن تستهدفه جميع الشعوب والأمم، واضعى نصب أعينهم إحترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التربية والتعليم ))).

نحاول أن نركز على بعض مواد هذا لإعلان العالمى لحقوق الإنسان .


المادة (3)لكل فرد الحق فى الحياة والحرية وسلامة شخصه .

المادة (5)لايعرض أى إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحط بالكرامة الإنسانية .

المادة (18)لكل شخص الحق فى حرية التفكير والضمير والدين .

المادة (21)إرادة الشعب هى مصدر سلطة الحكومة ويعبر عن هذه الإرادة بإنتخابات نزيهة مع ضمان حرية التصويت بالإقتراع السرى وعلى قدم المساواة بين الجميع .


واستطرادا لما أكد عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، فإن الأمل المنشود أن نحصل على هذه الحقوق حتى يتسنى لنا المضى قدما نحو الحرية ، لكن ثقافة التعذيب وسلطة القهر وسياسة البطش ، صاروا جميعا معا الثالوث المقدس الذى يسحق كل رأس تطالب بالحرية ، وتقطع كل لسان يهتف بالحرية ...وأن ماهو كائن أفضل ملايين المرات مما سيكون ، وأن الواقع المعايش أكثر أمانا من المجهول ، وأ ن زبانية جهنم بالمرصاد لمن تسول له نفسه أن يهتف للحرية ..

(3)
وحتى يمكن السعى نحو إقامة مجتمع مدنى عماده وسنده الحرية ، لابد من إزالة عوائق وعراقيل كثيرة عظيمة ومتعاظمة ،

ومنها على سبيل الذكر :

أولا : إلغاء قانون الطورائ وكافة القوانين والأوامرالعسكرية المقيدة للحرية بكافة أشكالها ، إذ أن هذا القانون السيىء السمعة هو المناخ العفن الذى تستشرى فيه ألوان القهر والكبت وأشكال التعذيب المتعددة وهو العصا الغليظة والوحشية للقمع والقهر والإذلال ، ورغم تصديق مصرنا العظيمة على إتفاقية منع التعذيب وإحترام الكرامة الإنسانية إلا أن سياسة التعذيب قائمة على قد م وساق ، ممايهدد بعدم الإستقرار السياسى وإشاعة السخط العام والإنجراف نحو العصيان المدنى ،ولاننسى وبكل تقدير النائب العام الأسبق المستشار / محمد عبد العزيز الجندى ، الذى قدم للمحاكمة الجنائية، العديد من ضباط وزارة الداخلية بتهم التعذيب للمواطنين الأيرياء ، وأظن أنها المرة الأولى والأخيرة، برغم أن التعذيب هو الغذاء اليومى المفضل لديهم .


ثانيا : تعديل بعض مواد قانون العقوبات وتغليظ الأحكام لرجال الشرطة ، لتعديهم المتكرر على المواطنين ، ولكون العقوبة والتى تصل حاليا للحبس والغرامة للحالات التى يصل فيها التعذيب واستعمال القسوة إلى حد الموت.



ثالثا :الإسراع فى تعديل قانون السلطة القضائية وإعطاء القضاة الحرية الكا ملة وضمان حياتهم وزيادة أعدادهم وإمتيازاتهم ، حتى يتاح لهم فض هذه الغابة المتشابكة من القضايا المتراكمة وإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم والذين أصابهم اليأس والفشل والإحباط من الحصول عليها والتى قد تستمر سنوات عديدة قد تبلغ العشر سنوات أحيانا ،وكما حدث للعديد من الدعاوى المتداولة والتى أترافع فيها فقد قلت لأحد السادة المستشارين رؤساء المحاكم العليا :إن العدل البطيىءالمسرف فى البطء هوالظلم الذى لاعلاج له ، وهو الذى يجعل صاحب الحق نارا حارقة وجحيما لايطاق ويهددالمجتمع بالفوضى وشيوع الظلم والعنف والبلطجة وتوالد الفساد والمفسدين .



ولا أنسى هذه القصة الطريفة التى قرأتها فى زمن الطفولة الغض .
"كان هناك ثور طليق يرتكب مآس بين القطعان والجماعات ، ولم تكن لدى الرعاة الشجاعة والقوة كى يسوقوا أغنامهم إلى المرعى ، بسبب هذا الثور الطليق المتوحش ، الذى فجأة يظهر فى المرعى هائجا وقد خفض رأسه كى يطعن بقرونه كل ما يصادفه فى طريقه من أغنام وبشر ،بيد أن الرعاة كانوا يعرفون أن الثور يكره اللون الأحمر ، وفى يوم من الأيام قرروا التخلص منه ، وأن ينصبوا له شركا ، فلفوا قطعة كبيرة من القماش الأحمر حول جذع شجرة ثم إختبئوا ، ولم يجعلهم الثور ينتظرون طويلا حيث هرع هائجا وهو ينفث من خياشيمه ، وعندما وجد الجذع الأحمر ،خفض رأسه وأنطلق فى ثورة طائشة ورشق قرونه فى الشجرة محدثا دويا هائلا ،وأصبح عديم الحركة ، وهكذا تخلص منه الرعاة وقتلوه .

أتدرون كيف يمكن للحياة أن تستمر إذا غاب عنها الأمل ؟؟



أتدرون كيف يمكن للحياة أن تدوم إذا تفرق شمل الجماعة ؟؟



لابد من الإصرار على الحرية ولا يمكن الركون على أن الإستبداد صناعة شرقية ولافكاك منها ،وأن شعوب الشرق، بطبيعتهم، عبيد !!!!كما زعم أرسطو !

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تدق 
ولنهتف جميعا وبصوت يزلزل الأرض ومن عليها وما عليها .

الحرية .. أولا وأخيرا .


(4)

كثرة الدموع تعلم البكاء ، هكذا يقول الناس ، ونحن بالطبع نصدقهم ونأخذ قولهم على مأخذ الجد ، وكم من الدموع أهرقت حتى ابيضت العيون من الحزن ، وسنوات القهر والقمع طويلة طويلة طويلة ولياليها لا تعد ولا تحصى ، وضحاياها فوق تصورنا المحدود ، الضيق ، لو تأملنا مسارات الفكر الإنسانى عبر العصور وفى شتى أنحاء الكرة الأرضية ، لتبين لنا على الفور ضحايا السياسة والأدب والدين والشعر والفلسفة .



ومن خلا ل قراءة ما سطره التاريخ ، وبحسب أنه الحقيقة كما حدثت أو القريب منها ، أن هؤلاء الضحايا كانوا شهداء التمرد على السائد والمألوف والساكن والمعروف ، حاولوا التغيير ، وأجهدوا عقولهم فى الثورة على السائد ، وأعملوا فكرهم ونشطت عقولهم فى السعى نحو الثورة على الواقع الآسن العطن ، مقدمين أرواحهم ثمنا باهظا للتغيير ولإماطة الغشاوة عن العيون المسملة ، والعقول المتبلدة ، والنفوس الميتة ، سعيا وراء التقدم والتحرر والتحضر .



لكن الإدمان الفكرى لواقع ما ، فى زمن ما ، لسلطة ما ، يفرض نفسه وبقوة تصل للتشبث بأفكاره إلى حد التقديس ويصبح هذا الفكر إلها معبودا ، له سد نته ومريدوه وأتباعه ، تشيد له المعابد وتتلى له التراتيل ، ويتغنى بأ مجاده الخالدات على مر العصور والدهور، الكهان ومخانيث المريدين والأتباع ، ويكتب فى محاسنه وعظمته وروعته وخلوده ألوف الموسوعات .



والويل كل الويل لمن تسول له نفسه أن يطعن فى الفكر أو حتى يهمس ببنت شفة أو يحاول التحديق و المراجعة والمناقشة والفهم وطرح الأسئلة بشأنه أو بيان تناقضاته العديدة والمتوارثة ، فطبقة المنتفعين وتحالفهم مع النظام القائم واستقرار فكرهم وتبلده وسكونه ، لن يسمحوا لأحد مهما كان حتى وإن كان منهم ،أن يبين لهم خطل ما يتعلقون به والأخطاء العفنة لهذا الذى يقدسونه ويحرصون على عدم المساس بثوابته وأعتابه المعصومة.



وإذا كانت الطبيعة الإ نسانية تأبى السكون ، والعقل البشرى فى حركة مستمرة وهى سنة الحياة ، ومن خلا ل وجودى وحياتى وتطلعاتى نحو الأحسن والأعظم والفكر المتجدد الذى ألهث خلفه ليل نهار ، وتبادل الأفكار ومحاولة الفهم لما يجرى حولنا وبداخلنا ، قد أخطىء وأصيب ، ويبقى دائما شرف المحاولة .

(5)

ساطعة فى سماء حياتنا سطوعا سرمديا ، هذه الشموس السوداء ، القمع ، القهر ، الكبت ، السحق ، الحرق ، الخنق ، الشنق ، تلك سباعية شهيرة ومشهورة ، يعلمها القاصى والدانى على حد سواء ، وضحاياها كثر .



ومن تاريخنا المخجل بعض الشىء ، توجد صفحات خالدة ، كتبت بأحرف من نور وهاج ، تلح علينا أن المستحيل مرفوض ،و أن الحرية عروس مهرها الروح ، وعلى طالبها التقدم بلا أدنى شك فى نفاستها وطهارتها وعظمتها.



ويحكى أن الحكيم والناثر والفليسوف والأديب صاحب العمل الفذ الخالد خلود الدهر ، كليلة ودمنة ، والأدب الكبير ، ابن المقفع ، وكان مقيما با لبصرة ، وقت أن كان سفيان بن معاوية نائب الخليفة المنصور ،حاكما لها ، وكانت هناك مناوشات ومغايظ بينهما ، ويقال أن أنف نائب الخليفة كان ضخما بشكل ملحوظ، فإذا دخل على مجلسه ،ابن المقفع ووجد وحده ، قال: السلام عليكما ، قاصدا بذلك نائب الخليفة وأنفه بإعتبارها شخصا آخر ، ولكن السلطة والقوة فى مواجهة القلم والورقة ، وشتان بين قوتين ، الأولى ساحقة وماحقة للثانية .



ولكن النائب لم يكن بالساذج ، بًيت النية للنيل من هذا الحكيم الذى جعله هزؤا ومضحكة ، وكان ابن المقفع قد كتب رسالة موجزة سماها "رسالة الصحابة "، أرسلها إلى الخليفة المنصور يوصيه فيها بحسن معاملةالرعية واختيار الولاة العدول وبالطبع بما يمكن أن يكون متعلقا بالسياسة وإدارة الحكم ، كان هذا التصرف من ابن المقفع وفى عرف الطغاة، تصرفا أحمقا وسفيها وتجرأً على حضرة الشاهنشاهية،ظل الله فى الأرض الذى لارد لقضائه وحكمه .



كيف لهذا الصعلوك أن يتجرأ بل حتى يفكر فى كتابة آرائه ؟
كيف لهذا الصعلوك أن يرسل كتابه هذا ؟
كيف ؟و كيف ؟



حرية التعبير والحض على العدل وحسن الرعاية للرعية والسياسة والنظام ، كلمات لامعتى لها ولاقيمة .



ياأيها الصعلوك مالك ومال الملوك، ما أنت إلا من عبيد الأمة ، وقطع اللسان أجدر بك وأحق ، والخرس مثواك ومأواك ويليق بك.



ولبث النائب سفيان بن معاوية يدس لابن المقفع لدى الخليفة المنصور ببغداد ، ويرفع له كل نقيصة ويزور ويلفق والخسة تدفعه دفعا للإنتفام ، حتى حصل على أمر من الخليفة بالتخلص من ابن المقفع وقتله .



لكن هل يقتل كما يقتل المجرمون ؟
لا وألف لا ، لابد من موتة غير مسبوقة وفريدة فى نوعها ، وتفتق الذهن الشيطانى عن موتة بشعة ، فلقد أحمى سفيان لفريسته تنورا ، وجعل يقطع من جسم ابن المقفع شريحة بعد شريحة_ وهو حى_ويلقى بالشريحة فى التنور ، ليرى المسكين أطرافه كيف تقطع ثم تحرق، قبل أن تحرق بقيته دفعة واحدة آخر الأمر.

(6)
 مازلت أهتف للحرية ...وأنادى بأعلى صوتى :
ما قيمة السلطان ...إذا كان يحكم شعبا من عبيد ؟؟
ما قيمة السلطة إذا كان صوتها هو الصوت الوحيد ؟؟
ما قيمة شعب ...لا وجود له إلا على الورق؟؟


أذكر ما قاله الشاعر الأسبانى العظيم (لوركا )ضحية الطاغية فرانكو : ((ما الإنسان دون حرية ياماريانا ؟؟
قولى لى:كيف استطيع أن أحبك إذا لم أكن حرا ؟؟
كيف أهبك قلبى إذا لم يكن ملكى ؟؟)))

الطغاة ...فى كل العصور ..قتلة الحرية ...يمزقونها أشلاءا أشلاءا ، يفتكون بمن ينادى بها.
الطغاة والطغيان ..الإستبداد والمستبدون ..صناعة شرقية على أعلى مستوى من المهارة والحنكة والخبرة والممارسة والتمرس .

دراسة التاريخ تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أو الريب ، أن الطغاة فرضوا أنفسهم على الشعوب وكلفوهم بما لا يطيقون ، منعوا الهمس ، كمموا الأفواه ، قطعوا الألسنة ، حرموا النظرات ، صادروا التجوال .

عبادة الطغاة فى بابل وفارس ومصر ....يحكى أن الأسكندر الأكبر وغزواته فى بلدان الشرق والغرب وحروبه المدمرة والساحقة للبلاد والعباد ، وغزوه بلاد فارس _إيرا ن _، سجد له رجالاتها وقادتها ، كما كانوا يسجدون للأكاسرة ، ولما عاد إلى وطنه مقدونيا ، طلب من أبناء وطنه أن يسجدوا له!!!

إنها العدوى التى انتقلت إليه ، تضخم الذات ، والإستعلاء والإستخفاف .
وفى مصرنا القديمة والحديثة ، كان الفرعون يقول لشعبه :ما لكم من إله غيرى !!!!
صار الفرعون إلها ، واهب الحياة ، وباعث الحركة والنشاط ، والقوة والحياة ، وهو النور الذى يعم الوجود ، وهو الفيضان الذى يجرى فى النيل ، وهو البهجة التى تجيش بالصدور ، وهو الخير العميم للبلاد والعباد .
وياويلنا إذا مات الفرعون ...اختل توازن الأشياء ، واحتجبت الشمس ، وكف المطر ، بل قد تؤدى الوفاة ، إلى تصدع نظام الحكم وانفلات النظام العام والآداب العامة ، والفوضى تضرب بأطنابها فى عموم البلاد وتوالى الإنكسارات والهزائم ، حزناً من أجل الزعيم الملهم ، والأب الحنون ، والبطل الهمام ، والمثقف الأول و....و....و....

وما أشبه الليلة بالبارحة 0عندما توفى الزعيم الخالد على مر العصور والدهور / جمال عبد الناصر ، وجوقة المشعوذين والطبالون وصناع الكلمات البراقة والأناشيد العاهرة يدبجون المجلدات ويسحون الدموع الزائفة ، وهزيمة يونيو 1967الساحقة الماحقة تنهش وبقسوة فى البلاد والعباد ، وعار وأى عار عشنا فيه ونعيش ، ياآخر الأنبياء .....وأعظم العظماء .....

الطغاة يحكمون شعوبهم بيد من حديد ،0فلا حرية إلا منحة منهم ، ولا قدم تسعى إلا بتصريح منه ، ولاصوت يعلو فى حضرة السطان إلا بإذن منه ،ولا كتاب ينشر ولاخبر يقرأ إلا بالموافقة السامية منه ، وليس ببعيد ما ذكره الدكتور / رفعت السعيد فى كتابه (مجرد ذكريات ) أن الصحف القومية ولم يكن موجودا غيرها ، لابد من اطلاع الزعيم / عبدالناصر ، على البروفات وقبل الطبع ، وحتى تطرح للقراء فى الصباح !!!!!!!!
الرقابة لا تكفى وجيش الموظفين لايكفى !!!!

ولنا فى التاريخ حكايات وحكايات ....
عبد الملك بن مروان ،عندما اعتلى العرش ،قال :والله لايأمرنى أحد بعد مقامى هذا بتقوى الله إلا ضربت عنقه ..
ولم ينس التاريخ مقالة الحجاج بن يوسف الثقفى : والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد (بالمناسبة كان يخطب خطبة الجمعة ))فيخرج من الباب الذى يليه إلا ضربت عنقه ..
ضرب العنق والتصفية الجسدية ، الشعار الأبدى الذى يرفعه الإستبداد عاليا خفاقا فى كل العصور .
هم الذين يصنعون القانون .
وهم الذين يطبقون القانون .
هم الخارجون على القانون ، بل هم القانون ...وعلينا السمع والطاعة .

مهما ابتعد الزمان وتبدلت الأحوال ، من إقطاعية إلى ملكية إلى جمهورية تتغير الأسماء فقط ، ويبقى الجوهر واحدا لاشريك له ،ألا وهو الإستبداد والطغيان والإستخفاف بالناس .


ما أرخص عنق المواطن ، وما أكثر الإمتهان الذى يتعرض له يوميا !!!! 

(7)

لم يكن السكوت على الظلم سوى وقفة قصيرة لإلتقاط الأنفاس والمعاودة مرة ثانية للحصول على الحقوق مهما كانت التضحيات ،والتأكيد دائما وأبدا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، أن الشعب مصدر السلطات ، فلا شىء فى الدنيا بأجمعها يساوى مطلب الحرية ، يهون فى سبيل الحرية كل مرتخص وغال 0

وفى مطلع عصر اليقظة والتنوير وبعد الغزو الفرنسى لمصر المحروسة ، والثورات الشعبية التى تقاتل ببسالة وشجاعة عن شرف مصر وكرامتها طيلة العقود السالفة والحالية، وفى سنة 1805 م/1220هجرية بلغت مظالم الجند العثمانى وفوضاهم بمصر، الذروة والسفالة والإنحطاط ،وأمام ضعف الوالى العثمانى خورشيد باشا ، ومظالمه التى لا تعد ولاتحصى ، تصاعدت الثورات الشعبية تطالب بالإصلاح والضرب بيد من حديد على يد الظالمين والمفسدين ، وإعطاء الحقوق لأصحابها ونشر العدل وسيادة القانون والمساواة والأمن والنظام .

وكان المؤرخ الكبير / عبد الرحمن الجبرتى ، العين الراصدة والعقل الواعى والقلم الشريف وفى كتابه ( عجائب الآثار فى التراجم والأخبار ) الجزء السادس ، نحاول إيضاح ما جرى :
""فلما أصبحوا يوم الإثنين الموافق 13صفر 1220ه/ 13مايو 1805م ، اجتمع مجلس الشرع والمكون من السادة / عمر مكرم ومحمد السادات وعبدالله الشرقاوى ومحمد المهدى ومحمد الأمير ومصطفى الصاوى سليمان الفيومى ، فى بيت القاضى وسط جماهير الشعب الثائرة والتى بلغ عددها أربعين ألفا ، يمثلون طبقات الأمة وأجيالها وكان هتافهم المدوى ""شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم، ويالطيف ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .""


وفى هذا الحماس الشعبى الطاغى ، طلب أعضاء مجلس الشرع من القاضى إستدعاء وكلاء الباشا العثمانى وتم حضورهم، وهم سعيد أغا الوكيل ، وبشير أغا ، والدفتردار ، وعثمان أغاقبى كتخدا ،والشمعدانجى و....وتم كتابة وثيقة بالحقوق التى يطالب بها الشعب وذكروا فيها ، تعدى طوائف العسكر والإيذاء منهم للناس ، وإخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد(الإتاوات ) قبض مال الميرى وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوى الكاذبة وغير ذلك ،ورغم إمتثال الوالى خورشيد باشا لمطلب الشعب والثابتة بالوثيقة ، إلا أنه لم يعمل بها 0وللضغط الشعبى العارم قرر مجلس الشرع ،واستنادا للإرادة الشعبية والتى يمثلونها والتى لها الحق فى عزل الولاة وتوليتهم ، عزل خورشيد باشا والمعين من قبل الخليفة العثمانى وقرروا محاصرته وأعوانه فى القلعة ، بل وقتالهم باعتبارهم عصاة لسلطة الشعب وباعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات وهو الذى يختار ولاة الأمور ويحاسبهم على ظلمهم وتعديهم وخروجهم عن حدود الشرع القانون 0

ومؤرخنا الجبرتى طيب الله ثراه يعلن وعلى لسان القائد عمر مكرم ، قرارعزل الوالى العثمانى ""فلما أصبحوا يوم الإثنين ، اجتمعوا ببيت القاضى ، وكذلك اجتمع الكثير من العامة ، فمنعوهم من الدخول إلى بيت القاضى ، وقفلوا بابه ، وحضر إليه أيضا سعيد أغا والجماعة ، وركب الجميع وذهبوا إلى محمد على ، وقالوا له : إنا لا نريد هذا الباشا حاكماً علينا ، ولابد من عزله من الولاية ، فقال : ومن تريدونه يكون واليا ؟ قالوا له : لانرضى إلا بك ، وتكون والياً علينا بشروطنا ، لما نتوسمه فيك من العدالة والخير 0فامتنع أولاً ، ثم رضى ، وأحضروا له كركا (ملابس تشريفة )وعليه قفطان ، وقام السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوى فألبساه ، وذلك وقت العصر ، ونادوا بذلك فى تلك الليلة فى المدينة "".


(8)
 عشنا وشاهدنا وكل يوم نشاهد المزيد من المهازل، وكأنه قدر لافكاك منه ،يأتى البلاء على بلدان العالم وينقضى إلا فى بلادنا، فهو مؤبد الآباد ،وصدق أبو العلاءالمعرى وكأنه يصف مانحن فيه " وبنو آدم بلا عقول ، وهذا أمر يلقنه صغير عن كبير .......والذبن يسكنون فى الصوامع ، والمتعبدون فى الجوامع ، يأخذون ما هم عليه 0كنقل الخبر عن المخبر ، لا يميزون الصدق من الكذب ...وإذا المجتهد نكب عن التقليد ، فما يظفر بغير التبليد ، وإذا المعقول جعل هاديا ، نقع برأيه صاديا ، ولكن أين من يصبر على أحكام العقل ؟؟؟ هيهات !""

الأصل فى حرية الفكر والتعبير عنها ، وإذا جرت فى المجرى الطبيعى ، أن يكون حوارا بين نعم ولا ، بين نافع وغير نافع ، بين الصالح العام والضار الذى لابرء منه ، أن تكون حرية يتعاطاها الجميع وعلى قدم المساواة ، فلا حجر على رأى ولا تشبث برأى و لا إستبداد بفكر ولا إطاحة برأس ولا قمع للسان .

وما أشبه الليلة بالبارحة ، وكل الليالى لدينا سواء ، عميد القانونيين العرب وبلا منازع الدكتور / عبد الرزاق السنهورى ، الذى طالب من الضباط الأحرار ( أتصور أحيانا أنهم كانوا أحرارا فى أن يفعلوا بنا أى شىء بدون محاسبة أو مراجعة وكأننا عبيد إحسانتهم ) أن يعود الجيش لثكناته وأن تعود حرية الشعب فى إختيار ممثليه ، ويا ويله ويا سواد ليله الذى طال عليه حتى وفاته ، لابد من سحقه ومحقه وإذلاله وإهانته ليصبح عبرة لمن لايعتبر ، وفى الجامعة العريقة ( جامعة القاهرة ) يتم حشد بعض السوقة والدهماء كى ينالوا من الرجل على مرأى ومسمع من الأحرار ، وكان إنكساراًما بعده إنكسار ، إنزوى الرجل فى حياته ، لكنه كان مبدعاً ورائداً ، ترك لنا تراثاًقانونياً ، مازلنا ننهل منه حتى الآن.

أس البلاء والإفساد فى البلدان العربية من المحيط إلى الخليج ، أن يجتمع الرأى والسيف فى يد واحدة .

جلوا صارماً ، وتلوا باطلاً *** وقالو ا: صدقنا ، فقلنا : نعم 

وفى تاريخنا العريق بالقمع والإرهاب، يُحكى أن المهدى أمير المؤمنين ،دعا الشاعر بشاربن برد ، إلى حضرته المصونة ، قائلاً له : سأقتلك.
قال بشار لأمير المؤمنين : علام تقتلنى ؟
أجاب خليفة الله فى أرضه : على قولك
رب سر كتمته فكأنى *** أخرس ، أو ثنى لسانى عقل
ولو أنى أظهرته للناس دين*** لم يكن لى فى غير حبسى أكل
فقال بشار : قد كنت زنديقا ، وقد تبت عن الزندقة 0
أجابه المهدى : كيف وأنت القائل ؟؟
والشيخ لايترك عاداته حتى يوارى فى ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى غيه كذى الضنى عاد إلى نكسه

لكن السياف غافل بشار بن برد ، فإذا رأسه تهوى على النطع 0ومات الشاعر، شهيد رأيه ، فلا الكتمان أنجاه ولا التوبة أبعدته عن الموت غيلةً.


قد تختلف العقوبات ، لكن الموت المادى والمعنوى سواء .



(9)

وما  أشر جبروت الحاكم الطاغية المستبد !

وما أكثر ترسانة القوانين المقيدة للحريات !

لابد من الطاعة ، أيا كان الثمن ، طاعة العبيد،بل أكثر من ذلك ، إنها طاعة الدواب والبهائم إلغاء كامل للآدمية ، لانقاش ، لا  سؤال ،لا  شكوى ، لا إعتراض ، لا تذمر  ، الصمت الصمت .

بعد هزيمة يونيو 1967وأحتلا ل أجزاء عزيزة من أرضنا ، والصهاينة اللقطاء أولاد الأفاعى يرقصون على دماء الشهداء ، ويمثلون بأجسادهم الطاهرة ، فى  سيناء والجولان وفلسطين .
عارنا الشمس فلنتوارى خجلا ، ولنكحل العيون ملحا وخلا ، عارنا فضاح ومفضوح ما له مثلا

كانت هزيمة مروعة ، وفادحة ، والسؤال يموت فى إثر السؤال، لماذا انهزمنا ?؟
 وتسلب أرضنا فى عز الظهر،وأين كان قادتنا الأشاوس ، المغاوير، الأبطال ، العظماء السادة الذين يجثمون على أرواحنا وينخرون فى عقولنا ويسممون أبداننا ، أين كانوا؟؟؟
 وفى ظل التساؤل والبحث عن إجابة أى إجابة ، وحالة الذهان العقلى والغيبوبة المسيطرة، ،،لم تكن الشجاعة قد تلاشت بعد .

قضاة مصر الأطهار  تساءلوا   وأمعنوا فى السؤال وألحوا فيه ، ماسبب الهزيمة المدوية ؟؟؟

لكن( الأحرار) المستبدين ليسوا بحاجة إلى من يتساءل  أو يعترض أويناقش أو حتى على الأقل يفهم ماحدث ..فجأة وبدون مقدمات أو تمهيد أو إنذار ،يجد هؤلاء القضاة قرارات عزلهم ، وتوزيعهم فى مناصب إدارية بالشركات والمصانع ودواوين الحكومة ، أى والله  أحد القضاة تم تعيينه فى شركة باتا للأحذية !!!!
أى إنحطاط ، أى إمتهان ، أى إذلال إنها مذبحة القضاء الشهيرة ، كان الجزاء رادعا وقاصما وفاجرا .

   وفى عهد الرئبس المؤمن  رجل الحرب والسلام  ودولة العلم والإيمان ، الزعيم أنور السادات ولمطالبة الشعب بحريته وبثورته الشعبية الرائدة يناير 1976 ونزول الجيش فى المدن وحظر التجوال وقانون الطوارىء المفروض علينا ، وتبييت النية لدحر هذا الشعب ولقصم ظهره ولإذلاله وتخويفه وقمعه وإرهابه وكسر شوكته ، وفى لحظات التجلى والعظمة والإستخفاف بالشعب ، يصدر الأمر الإستبدادى الدكتاتورى بفتح الزنازين والمعتقلات والسجون فى طول البلاد وعرضها ، والقبض على الآلاف من المثقفين والطلاب والفلاحين والمفكربن والحزبيين ، رجالا ونساءا ، شيوخا وشبابا ، دون جريرة تذكر ، اللهم إلا الطغيان واالإستبداد والإرهاب .

 وفى عهد الزعيم حسنى مبارك ، والصحوة الكبرى والطهارة والشفافية ، مؤتمر العدالة الأول  وأعتقد أنه الآخير ، وقف المستشار / يحيى الرفاعى  ( وهو أحد ضحايا مذبحة القضاء  ) يطالب  بإلغاء قانون الطوارىء والقوانين الإستثنائية وعودة المحاكمات للقاضى الطبيعى ، والدعوة إلى إزدهار الحريات  ونشر العدل ، وخرج المستشار عن النص .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق