بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

الناقد والمبدع

.


يقول أناتول فرانس : الناقد المجيد هو الذى يحكى عن مغامرات روحه مع روائع الأعمال .
ويقول جورج سانتايانا : النقد عمل قومى جاد .إنه يبدى لنا الجنس البشرى وهو ماض فى فصل الجزء الخالد فى روح الإنسان من الجزءالذى يصيبه الفناء .
ويقول امير سون :لا ينبغى أن يكون النقد باحثا عن الشجار ، داعيا إلى هدر الطاقات .يمسك بالسكين وينتزع الجذور .عليه أن يكون هاديا معلما ، ملهما .عليه أن يكون ريحا منعشة وليس ريحا باردة تجمد الأطراف .
ويقول سانت بيف: الناقد هو وزير الجماهير .غير أنه لا ينتظر حتى يملى عليه أحد رأيا .إنه يستبصر ما يجرى ويقرر كل صباح ما الذى يفكر فيه الناس .إن ساعته تسبق ساعات غيره بخمس دقائق .
ويقول لورد تشستر فيلد : لنترك الناقد الغبى يعيش على جثث الأعمال – أعطونى أنا روح العمل ورواءه.
ويقول بوب :الناقد الكامل يقرأ كل عمل بالروح نفسها التى كتب بها المبدع عمله .عليه أن ينظر إلى العمل فى شموله ،ولا يسعى إلى أن يتصيد الهنات ، مادامت العاطفة الحقة قد حفزت الكاتب والنشوة قد أوقدت عقله .
ويقول أيضا :فى كل عمل ، انظر إلى ما يريد الكاتب أن يعبر عنه لا تطلب المزيد فإن أحدا لا يبلغ بالتعبير شيئا لم يقصد الوصول إليه .
أقوال انتقيتها لأنها تقول صراحة ما أقوله أنا تصريحا أو تلميحا فى نقدى للأعمال .
نعم.ينبغى أن يكون النقد مغامرة وسياحة وارتيادا لروائع الأعمال0ويتعين عليه أن يسعى إلى تمييز الباقى فى العمل الفنى من العارض المسرع إلى الفناء.
ومن واجبه أن يتجنب العداء للعمل الذى هو مقبل على فحصه ، وأن يعزف اللحن ذاته الذى عزف عليه الكاتب وهو يصوغ عمله .وعليه كذلك أن يغض الطرف عن الهنات طالما أن العمل الفنى قد جاء نتيجة عاطفة حقة وفكر مشتعل .عليه أن يحلل العمل الفنى بلباقة ورفق ، فيظل العمل بعد النقد ،جسدا حيا ،ولايموت على مائدة التشريح فيصبح جثة هامدة .على الناقد أن يجعل من نفسه ممثلا لمصالح الجماهير فى بلاط الفن .أن يصبح وزيرا مستنيرا ،حر الفكر ، لا يملى عليه أحد رأيا ،ولايقف عند حدود الواقع ، حيث إنه يسبق وعى الغير ، ويقع فى المقدمة منهم.وعليه أن لا يطلب من المبدع شيئا لم يرده ، ولم يهدف إليه من عمله .
عليه أن يزور العمل الفنى ، وقد فطن إلى القصد منه .فلا يقول :كان من الواجب أن يكتب المبدع شيئا آخر غير ما كتب .
طيب ...وما دور النظريات فى النقد ? علينا أن نسترشد بها ، ولا ندعها تركبنا .علينا أن نحذر من أن نحول كتاباتنا النقدية إلى تقارير جافة ، فما استحق نقد أن يكتب إذا ما أجهض روح العمل الفنى ،أو أحاله هيكلا عظميا ، أو امتص رحيقه الحلو وتركه جافا لا يروى .
علينا أن نحذر أن يتحول الغموض إلى إغماض متعمد0وعلينا _بصدد الغموض الطبيعى _أن نطلب إلى المبدع أن يطلق عليه بعضا من النور يعين على فهم هذا الغموض ، فتقر أرواحنا وأفهامنا حينما نتبين أن الغموض له وظيفة محددة تخدم العمل ، وليس حذلقة فكرية تزعم وجود عمق غير موجود ، وتغطى على خواء لا يمكن إخفاؤه ، مهما أمعن الكاتب فى المحاولة .
الدكتور / على الراعى .
المجلد 11 العدد 2 / مجلة فصول / الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1992، ص7و8

لا تبدأ بأن تكون ناقدا ،إلا إذا بدأت بنقد نفسك .
النقد أكثر من قراءة :ليس تفسيرا للنص أو تأويلا وحسب.إنه معرفة ،أو هو ابتكار معرفة جديدة ،انطلاقا من النص واستنادا إليه ؛انطلاقا مما هو ومما قبله 0والنقد ،فى ذلك ،امتحان للنص :هل هو طبقة واحدة ،زلذلك سرعان ما يموت ،أو هو _على العكس _طبقات تموت طبقة فتولد طبقة أخرى ?هل نضب واستنفدوأصبح عاجزا عن توليد المعنى ،أ?و أنه _على العكس _لا يزال مستودعا من الطاقات التى تولد العانى ?وليس النقد هذا الامتحان إلا لأنه يضمر هذه التساؤلات :كيف ينضب النص ?كيف يشيخ ويموت ?ما معنى موت النص ?وما معنى كونه لايموت ?
يؤسس النقد_دائما لبدايات كلام آخر.
أدونيس
علىَ فى النقد أن أفصل النص عن صاحبه ،وأن أستغور هذا النص كما لو كان منجما ،أبحث كما هو ثمين ومحجوب فى طياته يجب استخراجه 0وأنا أشعر فى موقفى النقدى أننى أنتمى إلى تقاليد متواصلة منذ القدم ،جئتها من خلال معارف وآراء بقيت فى تسلسل وتنام مستمرين ،قد أبدؤها بأفلاطون وأرسطو ،وأسترسل بين عشرات من المفكرين _فلاسفة ،وشعراء ،وروائيين ،وفنانين _جعلوا من تأملاتهم ومواقفهم نظريات تتواصل أو تتقاطع ،ولكنها كلها تتطور وتتفرع باستمرار ،وتبقى مع ذلك تصب فى القضية الواحدة الكبرى ،التى هى قضية تعبير المرء عن ذاته ،تأكيدا لإنسانيته ،وإغناء ا لها ،ودفاعا عنها ،وذلك فى أشكال حركية ،تتوالد بغزارة ،ولكن سماتها تبقى هى سمات الإنسان فى أروع صورة وأبقاها أثرا وقوة .
جبرا إبراهيم جبرا
النقد عندى فرع من القراءة ،فأنا لا أنقد إلا عملا عايشته وشعرت أنى نفذت إلى باطنه .وعدتى فى ذلك هى الأدوات التى استفدتها من علم الأسلوب ومن تاريخ الأدب ،وفوق ذلك :من البصيرة _غير المحددة بقوانين _التى استفدتها من قراءاتى فى مختلف العلوم الإنسانية .وغلبا ما أشعر أثناء الكتابة عن عمل أدبى ما أنى أكتشفه من جديد .وربما كان تحمسى لهذا النوع من النقد _فى ضوء تجربتى الشخصية _هو الذى يجعلنى آخد على معظم النقد الذى ينشر فى المجلات الأدبية العربية فى هذه الأيام أنه نقد تكتيكى ،مبرمج ،لا يحمل طابع المعاناة الفكرية أو النفسية ،ويكاد يخلو من أى إبداع .
د.شكرى محمد عياد
النقد هو فن دراسة النصوص الأدبية ، والتمييز بين الأساليب المختلفة ، وهو لا يمكن أن يكون إلا موضوعيا ؛ فهو بإزاء كل لفظة يضع الإشكال ويحله .النقد وضع مستمر للمشاكل ؛ والصعوبة هى فى أن رؤية هذه المشاكل ؛ وهى متى وضعت وضح حلها لساعته 0والذى يضع المشاكل الأدبية ليس علم الجمال ولا علم النفس ولا أى علم فى الوجود ، وإنما هو الذوق الأدبى .وهذا شىء ليس له مرجع يرجع إليه .وأسارع فأقول : إن الذوق ليس معناه ذلك الشىء العام التحكمى ، وإنما هو ملكة إن يكن مردها ككل شىء فى نفوسنا إلى أصالة الطبع ، إلا أنها تنمو وتصقل بالمران .
د .محمد مندور



حاولت وبصبر وأناة وسعة صدر ، أن أعرض بعض آراء لنقاد آجانب وألحقت بها بعض آراء النقاد العرب عبر أجيال متتابعة .
وكان همى وشاغلى أن أضع بين يدى القارىء  وروداً مزهرة ومتنوعة من حديقة النقد الغناء ، المترامية الأطراف ، الشاسعة الجوانب ، العميقة الأغوار .
حاولت أن أعتمد على ذوقى الأدبى فى فهمى للنصوص الإبداعية ، بل أنا أميل ميلاًشديداً للمدرسة التاريخية الإجتماعية ،وظنى أن الفن والأدب ظاهرة إجتماعية متغايرة بتغاير الزمان والمكان .
وأيضا ظاهرة تاريخية فى المقام الأول ،وترتبط بالواقع التى تنبع منه ، بل أعتقد أن هناك علاقة جدلية بين النص الإبداعى وبين هذا الواقع الآنى ، فهو فى حقيقته إعادة صياغة لرؤية الإنسان للحقيقة والواقع والتاريخ ،وطرحه على الساحة ، وخوض متعمق لأغوار الإنسان والتجاوز عن السطح الخارجى والوصول إلى جوهر الأشياء ،وما خلود بعض الأعمال الأدبية إلا الوصول إلى جوهر الأشياء والإمساك بها ، بل هذه الأعمال تأخذ بيدى عبر صفحاتها إلى إدراك حقيقتى وذاتى وتكشف لى عن أعماقى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق