إلى ..بياتريس
سنوات التكوين الفكرى عبر مراحل حياتى ،لم تتوقف حتى اللحظة ،فالنهم إلى المعرفة يدب فى أوصالى ويدفعنى دفعاً نحو تحصيل المعارف المتنوعة من شتى أرجاء العالم ،فالثقافة تراث الإنسانية الخالد فى عصوره المختلفة .يوهان فولفانج جوته
شاعر الألمان الأكبر وبلا منازع ومن أكابر الخالدين ،فهناك عصر فرجيل وعصر دانتى وعصر شكسبير وعصر جوته ،يُؤرخ به فى مسيرة الأدب العالمى .
تعرفت عليه من خلال حديث والدى أسكنه الله فسيح جناته وهو ينطق جوته ، ب "جيته الألمانى"وربما إطلاعه على مؤلفات العقاد وكتيبه "تذكار جيتى" جعله ينطقها جيته،ولقرب النطق بين الهاء والياء المنقوصة.
فى بداية النضج والسعى للبحث فى الكتب ،قرات رواية( آلام فرتر) وعلى ما أظن ترجمة أحمد حسن الزيات صاحب مجلة ((الرسالة ))المصرية.وبكيت من آلام فرتر العاطفية وشاركته أحزانه والمشاعر الخضراء تموج بأعصابى.
وأيضاً الدراستان القيّمتان للدكتور عبدالغفار مكاوى " قصص من جوته ، ثم "النور والفراشة" الصادرتان فى سلسلة اقرأ .
وزبدة أعماله المسرحية قاطبةً "فاوست" بترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوى، فى ثلاثة مجلدات.
وبدأت مسيرة التتبع الشاقةلأعماله الشعرية و النثرية والمسرحية والروائية ،وشغفت به وهو يتحدث عن الإسلام والقرآن الكريم والنبى الكريم صلوات الله عليه،
بل لاأنسى قوله:
أيها القرآن الكريم..أيتها الطمأنينة الخالدة .
وأبياته الشعرية الرائدة :من حماقة الإنسان فى دنياه
أن يتعصب كل منا لما يراه
وإذا الإسلام كان فى معناه
أن لله التسليم
فإننا أجمعين ،
نحيا ونموت مسلمين "
كتاب الأمثالالديوان الشرقى للمؤلف الغربى ترجمة الدكتور عبد الغفار مكاوى
ومن هذا المنطلق ،يكون الحديث عن الجانب العربى والإسلامى فى أدب جوته.
اللهم يسّر وأعن
أن تهيم عشقاًً بمبدع ما ، وفى أى مجال من مجالات إبداعه، تنتظره وتحث الخطى، أن تشرف بأحد أعماله وتنحنى بلهفة لالتهام وجبته الثقافية الرفيعة ولا تنأى بعينيك عن سطوره ولاتنشغل بسواه .هذاهو مجد المبدع وسر خلوده على مر العصور .
ولحظى النادر.. أن يكون والدى ممن فتحواعوالم الفكر والأدب والفلسفة والأديان والشعر والقصة والرواية والموسيقى وشتى الفنون الأخرى، وجعلوه تحت بصرى وعقلى وقلبى ، وأتاحوا لى الفرصة أن تكون هذه الدنيا الشاسعة ،أمامى ، لا أنفك البعد عنها .
مكتبة قليلة الكتب ،لكنها تمتلأ بالنادر من الذخائر ومجلات شتى وجريدة الأهرام اليومية التى لم يخل البيت منها فى أى يوم وحتى وفاته .
ثقافة والدى الدينية ،لم تمنعه من جمع ثقافات الشعوب فى قلبه والمصابرة على القراءة وإدارة حوار بناء ومناقشة لما قاله المؤلف والمغزى الذى سعى إليه والرسالة التى يرغبها وهل نجح فى أدائها أم تاه ولم يصل نحوها؟
كانت كلمة المغزى ..لازمة من لوازمه الكلامية ، وساعده على ذلك مكتبة أحد أبناء عمومته "صديقه ورفيقه الدكتور محمد النويهى "تلميذ الدكتور طه حسين والذى يعرفه كل مهتم بالأدب والتراث الشعرى العربى القديم، بل والحديث وله مؤلفات عريقة "ثقافة الناقد الأدبى ،نفسية أبى نواس،وشخصية بشار ..و..... وقضيةالشعر الجديد،و..إلخ
كان رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية بالجامعةالأمريكية بالقاهرة ، وظل بها حتى انتقاله إلى رحمة الله فى أوائل الثمانيات ولحق به والدى بعدعشر سنوات ،من القرن الماضى ، ولم تباعد بينما الأيام فكانا يلتقيان،ولم يباعد بينهما الموت ،فبين قبريهما شارع لا يتجاوز 10أمتار
المهم فى الموضوع أننى تاثرت بما يحكيه والدى عن جيته الألمانى وأنه أسلم وكتب أعظم أشعاره فى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وجدت فى سعيى المتواصل ترجمات رائعة وعظيمة للدكتور عبدالغفار مكاوى .
ومادفعنى للكتابة عن جيته الألمانى إلاقراءتى فى جريد القاهرة المصرية العدد655فى 1/1/2013م وفى الصفحة الأولى:
"عبدالغفار مكاوى ..وداعاً "فيلسوف الأصالة "وانتقاله إلى رحمة الله تعالى صباح الإثنين 24/12/2012م عن عمر قارب الثالثة والثمانين عاماً"
فأعادنى بكل قوة وشدنى شداً ، أن أضع أمامى كل أعماله الإبداعية والمترجمات التى عرّبها بأستاذية واقتدار وتفرد ،وأعيد مطالعتها من جديد،فهو أول من عرّفنى على جوته وأعماله الخالدة .،وقلّ أن تعثر على مثيل ترجماته ،فى وضوح بلاغتها وناصع لغتها وصفاء بيانهاورقة حواشيها.
ودعائى الحار له بالرحمة والغفران ،وأن يكون مثواه الجنة لما أسداه لى ولغيرى من خير عميم .
وستكون رحلتى معه عن ترجمته الفارقة للديوان الشرقى للشاعر الغربى ،وذكريات عن كتبه وترجماته وثقافته الموسوعية .
كتاب المغنى ،كتاب حافظ،كتاب العشق،كتاب التفكير ، كتاب الضيق،كتاب الحكم،كتاب تيمور ،كتاب زليخا، كتاب الساقى ،كتاب المثال ، كتاب البارسى أو المجوسى،كتاب الفردوس .
قصائد نشرت بعدوفاته ثم ضُمت للديوان.
يقول جوته: "درست تاريخ الأديان على مدى خمسين عاماً، وإن العقيدة التي يُرَبى عليها المسلمون لتدعو لأعظم دهشة!!…إن الإسلام هو الدين الذي سنقر به جميعاً إن عاجلاً أو آجلاً…وأنا لا أكره أن يقال عني إني مسلم."
هكذا قال جوته ولم يثنه عن القول أية تحفظات من القراء والنقاد ومفكرى ومؤرخى عصره،فقدكان حراً لايخشى شيئاً ولا يهتم بضجيج من يرى فى الإسلام ديناً يحض على العنف ،وينتقص من حقوق المرأة ،و.....
فهو أول من فتح الأبواب كلها أمام أوروبا ..حتى ترى الإسلام ليس كما هو منشور فى كتبهم ،وإنما من خلال المواجهة الحقيقية بين شعوب أوروبا وتراث الإسلام الفكرى والدينى والأدبى ،بعيداً عن الكتابات الأخرى التى كُتبت بنظرة ظالمة وبعقل يكره ،وقلب مشحون بالتعصب ،وتأثر جوته بالإسلام تأثراً شديداً، ومعرفته بالقرآن معرفة تنبىءعن دراسة واعية .
يضم "الديوان الشرقي للشاعر الغربي"، الذي نشره عام 1819 م، الكثير من الصور المجسدة، عن حياة العرب والمسلمين، والاستشهاد بأقوال وأوصاف ونماذج من القرآن الكريم، والشعر الجاهلي والإسلامي، حتى أن "هيجل الفيلسوف الألمانى الأشهر "، اعتبر هذا الديوان تحولاً للشاعر إلى الشعر الفلسفي.
كما استخدم الأسلوب القصصي متأثراً بـ"ألف ليلة وليلة" .
وهاهى كاترينا مومزن :تؤكد هذه الصلة الوثيقة فى كتابها" جوته والعالم العربى "نشر عالم المعرفة الكويت العدد 194 فبراير 1995م .
"وفي الفصل الأول من القسم الثاني من فاوست، يوجد كذلك الكثير من المؤثرات التي تعود أصولها إلى ألف ليلة وليلة. فهناك، مثلاً موضوع استخراج الكنز المدفون في باطن الثرى… وفي نهاية الفصل الخاص بالمناظر السحرية، التي رافقت تنكر الأشباح ، أثنى غوته على "ألف ليلة وليلة"، وأشاد بشهرزاد."
ولم يكتف "غوته" بالتأثر بالتراث العربي الإسلامي، بل ترجم الكثير من شعر المعلقات، يقول في رسالة موجهة لأحد أصدقائه ( كارل فول كنيبل):"…وهذه القصائد في جملتها تدعو للدهشة والاستغراب، كما أنها تشتمل على مقاطع بعضها محبب إلى النفس. ولقد قررنا تقديمها للمجتمع مترجمة، ومن ثم فسوف تطلع أنت أيضاًعليها."
فالقصائد التي يتحدث عنها هي المعلقات العربية، والتي كان قد ترجمها "وليم جونز" (1746-1794)، وفي عام 1783 صدرت هذه المعلقات بالحرف العربي المطبوع باللاتينية، مرفقة بترجمة "جونز"، وهذا ما دفع جوته إلى ترجمتها من الإنجليزية إلى الألمانية.
ومهما كان الخلاف قائماً حول صدور هذه الترجمة أو عدم صدورها، فإنه من المؤكد أن جوته قد ترجم بعض أجزاء هذه المعلقات.
ومن القصائد التي حاول ترجمتها، معلقة امرئ القيس، وهذه بعض الأبيات له، مرفقة بتلك الترجمة، كما أوردتها "كاترينا مومزن":
"1- قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قفا ودعونا نبك هنا في موضوع الذكريات ، فهناك بمنقطع الرمل المعوج، كانت خيمتها وقد أحاطت بها خيام القوم.2- فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأللم يعف رسمها بعد تماماً بالرغم مما نسجته عليها ريح الشمال وريح الجنوب من رمال متطايرة.
3-وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم يقولون لا تهلك أسىً وتجمل
ووقف صاحباي رابطي الجأش يعللانني قائلين لا تهلك من شدة الجزع وتجمل بالصبر…" ولا يمكن لجوته إلا أن يتأثر بهذا الشعر وقد نال منه إعجاباً يفوق الوصف ،وتأثره بحافظ الشيرازي، الذي عرفه من ترجمة "هامر" لأشعاره،عام 1814م ،إذ أن أشعار حافظ من تراث الإنسانية الخالد عبر العصور.
وفي "كتاب زليخا"، يقول:"علاوة على حافظ، السابق ذكره، فقد أعرنا ، عموماً ، الشعر وغيره من الآداب الشرقيةأذناً صاغية، وذلك بَدءاً من المعلقات، والقرآن الكريم، وانتهاءً بجامي والشعراء الأتراك…"
هؤلاء جميعاً وغيرهم ، وكما تؤكدر "كاترينا مومزن" ، رصدت لهم مؤثرات في قصائد "الديوان الشرقي.وكاترينا مومزن من اللواتى أوقفن حياتهن ودراستهن وعلمهن على الإحاطة بأعمال وحياة جوته.ولها ،عنه ،دراسات وأبحاث قيمة ،وتعد من المراجع الأكاديمية عالية المستوى العلمى والموضوعى.
العروش تتصدع،والممالك ترتجف ،
فهاجر أنت إلى الشرق الطاهر
تستروح نسيم الآباء ،
وبين الحب ،والشرب ،والغناء
يجدد فيك نبع الخضر الشباب
***
إلى هناك ،حيث الحق والطهر والنقاء
أريد أن أقود أجناس البشر
وأنفد معها إلى أعماق الأصل السحيق،
حيث كانت لاتزال تتلقى من الله
وحى السماء بلغات الأرض
دون أن تصدع رؤوسها بالتفكير ،
وحيث كانوا يجلون الآباء ويوقرون،
ومن طاعة الغريب وخدمته يأنفون،
أريد أن أسعد بالحياة فى حدود الشباب
فيتسع الإيمان وتضيق الفكرة ،
إذ كان للكلمة عندهم شأنٌ أى شأن،
لأنها كانت تنطق بها الشفاه
***
وأود أن أختلط بالرعاة،
وأنعش نفسى فى ظلال الواحات،
وعندما أرتحل مع القوافل،
أتاجر فى الشيلان والبن والمسك،
وأود أن أسلك كل سبيل
ينقلنى من الصحراء إلى المدن.
***
وكلما صعدنا الشعاب الصخرية أو هبطنا منها
كانت سلوانا ،ياحافظ، هى أغانيك
حين يطلق الحادى وهو على ظهر ناقته،
صوته النشوان بساحر الغناء
ليوقظ النجوم فى أعالى السماء
ويبث الرعب فى قلوب قطاع الطرق (الأشقياء)
***
وهناك فى الحمامات وفى الحانات
يطيب لى، ياحافظ، أن أشيد بذكرك،
عندما تكشف المحبوبة عن وجهها النقاب
وتهز خصلات شعرها فتفوح برائجة العنبر
أجل إن همسات الشاعر بنجوى الحب
لتجعل حتى الحوريات يتقن إلى العشق.
وإن أبيتم إلا أن تحسدوه على هذا النعيم
أو شئتم أن تعكروا عليه صفوه،
فاعلموا أن كلمات الشاعر دائماً تحوم
حول أبواب الفردوس،
وتظل تطرقها فى هدوءِ
وهى تتوسل أن تحظى بالخلود.
يقول العقاد فى كتيبه "تذكار جيتى":الألمان كثيرو الدراسات للشرقيات بين الأوروبيين،وقد تضاعفت عنايتهم
بها فى أواسط القرن الثامن عشر لسببين: أحدهما النهضة العلمية العامة،والآخر تمردهم على سلطان
الآداب الفرنسية ،فإنهم -لما تمردوا على هذه الآداب-حولوا وجوههم إلى كل وجهة أخرى ،فدعوا إلى اليونان الأقدمين ،ودعوا إلى الإنجليز،ودعوا كذلك إلى الشرقيين يطالعون كتبهم ويترجمونها ويقتبسون منها الموضوعات.
وقدكان جيتى ألمانيا صميماً فى حب التوسع والاطلاع ،فنهل من الآداب الشرقية مع الناهلين،وقرأ السيرة النبوية وهو فى نحو الرابعة والعشرين من عمره ،واطلع على القرآن وأمعن فيه إمعان الأديب وإمعان الباحث فى الأديان،فاصطبغت كتاباته بصبغة قرآنية كما يرى القارئ فى كلامه عن الله ودلائل وجوده ."
ثم يمضى العقاد ويقول عن الديوان الشرقى:
الديوان الشرقى يمثل الشرق كما يراه خيال شاعر الغرب من بعيد،ولايمثل الشرقيين كما يراهم الشرقيون لا على سبيل الإتفاق.
وقد راق جيتى أن يسم الديوان بالسمة الشرقية فى شكله ومعناه ،فجعل له غلافا عربياً مزخرفاً بالنقوش العربية ،وكتب فى أوله تحية شعرية
ترجمها له الأستاذ سلفستر دى ساسى المستشرق المعروف فى الكلمات الآتية:
"يا أيها الكتاب سر إلى سيدنا الأعز فسلم عليه بهذه الورقة التى هى أ ول الكتاب وآخره:
يعنى أوله فى الشرق وآخره فى الغرب"ويشير جيتى بذلك إلى كتابة الشرقيين من اليمين إلى الشمال وكتابة الغربيين من الشمال إلى اليمين،فتحية هى الأول والآخر . لأنها فى أول الكتاب عند الشرقيين ،وفى ختامه عند الغربيين .
بل أراد جيتى أن يستشرق ما استطاع إظهاره لهذا الديوان.
فكان يقرأ الأشعار الشرقية وينسخ الخطوط العربية ،كأنه يلاقى بذلك بين الروح وجثمانه ،واللفظ وفحواه،فكان فى هجرة إلى الشرق كما قال ،
أو كان الديوان"سلاماً من الغرب إلى الشرق "كما قال هينى،وهو على كلتا الأحوال هجرة مبرورة وسلام نرده بأحسن منه.
مقتطف من 113حتى 118
طبعة 1960م
مكتبة دار العروبة القاهرة .
سنوات التكوين الفكرى عبر مراحل حياتى ،لم تتوقف حتى اللحظة ،فالنهم إلى المعرفة يدب فى أوصالى ويدفعنى دفعاً نحو تحصيل المعارف المتنوعة من شتى أرجاء العالم ،فالثقافة تراث الإنسانية الخالد فى عصوره المختلفة .يوهان فولفانج جوته
شاعر الألمان الأكبر وبلا منازع ومن أكابر الخالدين ،فهناك عصر فرجيل وعصر دانتى وعصر شكسبير وعصر جوته ،يُؤرخ به فى مسيرة الأدب العالمى .
تعرفت عليه من خلال حديث والدى أسكنه الله فسيح جناته وهو ينطق جوته ، ب "جيته الألمانى"وربما إطلاعه على مؤلفات العقاد وكتيبه "تذكار جيتى" جعله ينطقها جيته،ولقرب النطق بين الهاء والياء المنقوصة.
فى بداية النضج والسعى للبحث فى الكتب ،قرات رواية( آلام فرتر) وعلى ما أظن ترجمة أحمد حسن الزيات صاحب مجلة ((الرسالة ))المصرية.وبكيت من آلام فرتر العاطفية وشاركته أحزانه والمشاعر الخضراء تموج بأعصابى.
وأيضاً الدراستان القيّمتان للدكتور عبدالغفار مكاوى " قصص من جوته ، ثم "النور والفراشة" الصادرتان فى سلسلة اقرأ .
وزبدة أعماله المسرحية قاطبةً "فاوست" بترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوى، فى ثلاثة مجلدات.
وبدأت مسيرة التتبع الشاقةلأعماله الشعرية و النثرية والمسرحية والروائية ،وشغفت به وهو يتحدث عن الإسلام والقرآن الكريم والنبى الكريم صلوات الله عليه،
بل لاأنسى قوله:
أيها القرآن الكريم..أيتها الطمأنينة الخالدة .
وأبياته الشعرية الرائدة :من حماقة الإنسان فى دنياه
أن يتعصب كل منا لما يراه
وإذا الإسلام كان فى معناه
أن لله التسليم
فإننا أجمعين ،
نحيا ونموت مسلمين "
كتاب الأمثالالديوان الشرقى للمؤلف الغربى ترجمة الدكتور عبد الغفار مكاوى
ومن هذا المنطلق ،يكون الحديث عن الجانب العربى والإسلامى فى أدب جوته.
اللهم يسّر وأعن
(1)
أن تهيم عشقاًً بمبدع ما ، وفى أى مجال من مجالات إبداعه، تنتظره وتحث الخطى، أن تشرف بأحد أعماله وتنحنى بلهفة لالتهام وجبته الثقافية الرفيعة ولا تنأى بعينيك عن سطوره ولاتنشغل بسواه .هذاهو مجد المبدع وسر خلوده على مر العصور .
ولحظى النادر.. أن يكون والدى ممن فتحواعوالم الفكر والأدب والفلسفة والأديان والشعر والقصة والرواية والموسيقى وشتى الفنون الأخرى، وجعلوه تحت بصرى وعقلى وقلبى ، وأتاحوا لى الفرصة أن تكون هذه الدنيا الشاسعة ،أمامى ، لا أنفك البعد عنها .
مكتبة قليلة الكتب ،لكنها تمتلأ بالنادر من الذخائر ومجلات شتى وجريدة الأهرام اليومية التى لم يخل البيت منها فى أى يوم وحتى وفاته .
ثقافة والدى الدينية ،لم تمنعه من جمع ثقافات الشعوب فى قلبه والمصابرة على القراءة وإدارة حوار بناء ومناقشة لما قاله المؤلف والمغزى الذى سعى إليه والرسالة التى يرغبها وهل نجح فى أدائها أم تاه ولم يصل نحوها؟
كانت كلمة المغزى ..لازمة من لوازمه الكلامية ، وساعده على ذلك مكتبة أحد أبناء عمومته "صديقه ورفيقه الدكتور محمد النويهى "تلميذ الدكتور طه حسين والذى يعرفه كل مهتم بالأدب والتراث الشعرى العربى القديم، بل والحديث وله مؤلفات عريقة "ثقافة الناقد الأدبى ،نفسية أبى نواس،وشخصية بشار ..و..... وقضيةالشعر الجديد،و..إلخ
كان رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية بالجامعةالأمريكية بالقاهرة ، وظل بها حتى انتقاله إلى رحمة الله فى أوائل الثمانيات ولحق به والدى بعدعشر سنوات ،من القرن الماضى ، ولم تباعد بينما الأيام فكانا يلتقيان،ولم يباعد بينهما الموت ،فبين قبريهما شارع لا يتجاوز 10أمتار
المهم فى الموضوع أننى تاثرت بما يحكيه والدى عن جيته الألمانى وأنه أسلم وكتب أعظم أشعاره فى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وجدت فى سعيى المتواصل ترجمات رائعة وعظيمة للدكتور عبدالغفار مكاوى .
ومادفعنى للكتابة عن جيته الألمانى إلاقراءتى فى جريد القاهرة المصرية العدد655فى 1/1/2013م وفى الصفحة الأولى:
"عبدالغفار مكاوى ..وداعاً "فيلسوف الأصالة "وانتقاله إلى رحمة الله تعالى صباح الإثنين 24/12/2012م عن عمر قارب الثالثة والثمانين عاماً"
فأعادنى بكل قوة وشدنى شداً ، أن أضع أمامى كل أعماله الإبداعية والمترجمات التى عرّبها بأستاذية واقتدار وتفرد ،وأعيد مطالعتها من جديد،فهو أول من عرّفنى على جوته وأعماله الخالدة .،وقلّ أن تعثر على مثيل ترجماته ،فى وضوح بلاغتها وناصع لغتها وصفاء بيانهاورقة حواشيها.
ودعائى الحار له بالرحمة والغفران ،وأن يكون مثواه الجنة لما أسداه لى ولغيرى من خير عميم .
وستكون رحلتى معه عن ترجمته الفارقة للديوان الشرقى للشاعر الغربى ،وذكريات عن كتبه وترجماته وثقافته الموسوعية .
(2)
الديوان الشرقى للشاعر الغربى
كعادة المؤلفين فى القرون السابقة ،أن يقسموا المؤلف الواحد إلى عدة كتب،وعلى نهجهم سار جوته فى ديوانه،وعلى سبيل المثال" فرجيل فى إنيادته 12كتاب "وتأسياً بفرجيل قسم جوته ديوانه إلى12 كتاباً ،على النحو الآتى:الديوان الشرقى للشاعر الغربى
كتاب المغنى ،كتاب حافظ،كتاب العشق،كتاب التفكير ، كتاب الضيق،كتاب الحكم،كتاب تيمور ،كتاب زليخا، كتاب الساقى ،كتاب المثال ، كتاب البارسى أو المجوسى،كتاب الفردوس .
قصائد نشرت بعدوفاته ثم ضُمت للديوان.
يقول جوته: "درست تاريخ الأديان على مدى خمسين عاماً، وإن العقيدة التي يُرَبى عليها المسلمون لتدعو لأعظم دهشة!!…إن الإسلام هو الدين الذي سنقر به جميعاً إن عاجلاً أو آجلاً…وأنا لا أكره أن يقال عني إني مسلم."
هكذا قال جوته ولم يثنه عن القول أية تحفظات من القراء والنقاد ومفكرى ومؤرخى عصره،فقدكان حراً لايخشى شيئاً ولا يهتم بضجيج من يرى فى الإسلام ديناً يحض على العنف ،وينتقص من حقوق المرأة ،و.....
فهو أول من فتح الأبواب كلها أمام أوروبا ..حتى ترى الإسلام ليس كما هو منشور فى كتبهم ،وإنما من خلال المواجهة الحقيقية بين شعوب أوروبا وتراث الإسلام الفكرى والدينى والأدبى ،بعيداً عن الكتابات الأخرى التى كُتبت بنظرة ظالمة وبعقل يكره ،وقلب مشحون بالتعصب ،وتأثر جوته بالإسلام تأثراً شديداً، ومعرفته بالقرآن معرفة تنبىءعن دراسة واعية .
يضم "الديوان الشرقي للشاعر الغربي"، الذي نشره عام 1819 م، الكثير من الصور المجسدة، عن حياة العرب والمسلمين، والاستشهاد بأقوال وأوصاف ونماذج من القرآن الكريم، والشعر الجاهلي والإسلامي، حتى أن "هيجل الفيلسوف الألمانى الأشهر "، اعتبر هذا الديوان تحولاً للشاعر إلى الشعر الفلسفي.
كما استخدم الأسلوب القصصي متأثراً بـ"ألف ليلة وليلة" .
وهاهى كاترينا مومزن :تؤكد هذه الصلة الوثيقة فى كتابها" جوته والعالم العربى "نشر عالم المعرفة الكويت العدد 194 فبراير 1995م .
"وفي الفصل الأول من القسم الثاني من فاوست، يوجد كذلك الكثير من المؤثرات التي تعود أصولها إلى ألف ليلة وليلة. فهناك، مثلاً موضوع استخراج الكنز المدفون في باطن الثرى… وفي نهاية الفصل الخاص بالمناظر السحرية، التي رافقت تنكر الأشباح ، أثنى غوته على "ألف ليلة وليلة"، وأشاد بشهرزاد."
ولم يكتف "غوته" بالتأثر بالتراث العربي الإسلامي، بل ترجم الكثير من شعر المعلقات، يقول في رسالة موجهة لأحد أصدقائه ( كارل فول كنيبل):"…وهذه القصائد في جملتها تدعو للدهشة والاستغراب، كما أنها تشتمل على مقاطع بعضها محبب إلى النفس. ولقد قررنا تقديمها للمجتمع مترجمة، ومن ثم فسوف تطلع أنت أيضاًعليها."
فالقصائد التي يتحدث عنها هي المعلقات العربية، والتي كان قد ترجمها "وليم جونز" (1746-1794)، وفي عام 1783 صدرت هذه المعلقات بالحرف العربي المطبوع باللاتينية، مرفقة بترجمة "جونز"، وهذا ما دفع جوته إلى ترجمتها من الإنجليزية إلى الألمانية.
ومهما كان الخلاف قائماً حول صدور هذه الترجمة أو عدم صدورها، فإنه من المؤكد أن جوته قد ترجم بعض أجزاء هذه المعلقات.
ومن القصائد التي حاول ترجمتها، معلقة امرئ القيس، وهذه بعض الأبيات له، مرفقة بتلك الترجمة، كما أوردتها "كاترينا مومزن":
"1- قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قفا ودعونا نبك هنا في موضوع الذكريات ، فهناك بمنقطع الرمل المعوج، كانت خيمتها وقد أحاطت بها خيام القوم.2- فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأللم يعف رسمها بعد تماماً بالرغم مما نسجته عليها ريح الشمال وريح الجنوب من رمال متطايرة.
3-وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم يقولون لا تهلك أسىً وتجمل
ووقف صاحباي رابطي الجأش يعللانني قائلين لا تهلك من شدة الجزع وتجمل بالصبر…" ولا يمكن لجوته إلا أن يتأثر بهذا الشعر وقد نال منه إعجاباً يفوق الوصف ،وتأثره بحافظ الشيرازي، الذي عرفه من ترجمة "هامر" لأشعاره،عام 1814م ،إذ أن أشعار حافظ من تراث الإنسانية الخالد عبر العصور.
وفي "كتاب زليخا"، يقول:"علاوة على حافظ، السابق ذكره، فقد أعرنا ، عموماً ، الشعر وغيره من الآداب الشرقيةأذناً صاغية، وذلك بَدءاً من المعلقات، والقرآن الكريم، وانتهاءً بجامي والشعراء الأتراك…"
هؤلاء جميعاً وغيرهم ، وكما تؤكدر "كاترينا مومزن" ، رصدت لهم مؤثرات في قصائد "الديوان الشرقي.وكاترينا مومزن من اللواتى أوقفن حياتهن ودراستهن وعلمهن على الإحاطة بأعمال وحياة جوته.ولها ،عنه ،دراسات وأبحاث قيمة ،وتعد من المراجع الأكاديمية عالية المستوى العلمى والموضوعى.
(3)
كتاب المغنى
أمضيت من عمرى عشرين عاما ،
تمتعت فيها بما قسم لى ،
تتابعت أيامها الحسان ،
شبيهة بأيام البرامكة"
(1)
هجرة
الشمال والغرب والجنوب تتناثر،كتاب المغنى
أمضيت من عمرى عشرين عاما ،
تمتعت فيها بما قسم لى ،
تتابعت أيامها الحسان ،
شبيهة بأيام البرامكة"
(1)
هجرة
العروش تتصدع،والممالك ترتجف ،
فهاجر أنت إلى الشرق الطاهر
تستروح نسيم الآباء ،
وبين الحب ،والشرب ،والغناء
يجدد فيك نبع الخضر الشباب
***
إلى هناك ،حيث الحق والطهر والنقاء
أريد أن أقود أجناس البشر
وأنفد معها إلى أعماق الأصل السحيق،
حيث كانت لاتزال تتلقى من الله
وحى السماء بلغات الأرض
دون أن تصدع رؤوسها بالتفكير ،
وحيث كانوا يجلون الآباء ويوقرون،
ومن طاعة الغريب وخدمته يأنفون،
أريد أن أسعد بالحياة فى حدود الشباب
فيتسع الإيمان وتضيق الفكرة ،
إذ كان للكلمة عندهم شأنٌ أى شأن،
لأنها كانت تنطق بها الشفاه
***
وأود أن أختلط بالرعاة،
وأنعش نفسى فى ظلال الواحات،
وعندما أرتحل مع القوافل،
أتاجر فى الشيلان والبن والمسك،
وأود أن أسلك كل سبيل
ينقلنى من الصحراء إلى المدن.
***
وكلما صعدنا الشعاب الصخرية أو هبطنا منها
كانت سلوانا ،ياحافظ، هى أغانيك
حين يطلق الحادى وهو على ظهر ناقته،
صوته النشوان بساحر الغناء
ليوقظ النجوم فى أعالى السماء
ويبث الرعب فى قلوب قطاع الطرق (الأشقياء)
***
وهناك فى الحمامات وفى الحانات
يطيب لى، ياحافظ، أن أشيد بذكرك،
عندما تكشف المحبوبة عن وجهها النقاب
وتهز خصلات شعرها فتفوح برائجة العنبر
أجل إن همسات الشاعر بنجوى الحب
لتجعل حتى الحوريات يتقن إلى العشق.
وإن أبيتم إلا أن تحسدوه على هذا النعيم
أو شئتم أن تعكروا عليه صفوه،
فاعلموا أن كلمات الشاعر دائماً تحوم
حول أبواب الفردوس،
وتظل تطرقها فى هدوءِ
وهى تتوسل أن تحظى بالخلود.
يقول العقاد فى كتيبه "تذكار جيتى":الألمان كثيرو الدراسات للشرقيات بين الأوروبيين،وقد تضاعفت عنايتهم
بها فى أواسط القرن الثامن عشر لسببين: أحدهما النهضة العلمية العامة،والآخر تمردهم على سلطان
الآداب الفرنسية ،فإنهم -لما تمردوا على هذه الآداب-حولوا وجوههم إلى كل وجهة أخرى ،فدعوا إلى اليونان الأقدمين ،ودعوا إلى الإنجليز،ودعوا كذلك إلى الشرقيين يطالعون كتبهم ويترجمونها ويقتبسون منها الموضوعات.
وقدكان جيتى ألمانيا صميماً فى حب التوسع والاطلاع ،فنهل من الآداب الشرقية مع الناهلين،وقرأ السيرة النبوية وهو فى نحو الرابعة والعشرين من عمره ،واطلع على القرآن وأمعن فيه إمعان الأديب وإمعان الباحث فى الأديان،فاصطبغت كتاباته بصبغة قرآنية كما يرى القارئ فى كلامه عن الله ودلائل وجوده ."
ثم يمضى العقاد ويقول عن الديوان الشرقى:
الديوان الشرقى يمثل الشرق كما يراه خيال شاعر الغرب من بعيد،ولايمثل الشرقيين كما يراهم الشرقيون لا على سبيل الإتفاق.
وقد راق جيتى أن يسم الديوان بالسمة الشرقية فى شكله ومعناه ،فجعل له غلافا عربياً مزخرفاً بالنقوش العربية ،وكتب فى أوله تحية شعرية
ترجمها له الأستاذ سلفستر دى ساسى المستشرق المعروف فى الكلمات الآتية:
"يا أيها الكتاب سر إلى سيدنا الأعز فسلم عليه بهذه الورقة التى هى أ ول الكتاب وآخره:
يعنى أوله فى الشرق وآخره فى الغرب"ويشير جيتى بذلك إلى كتابة الشرقيين من اليمين إلى الشمال وكتابة الغربيين من الشمال إلى اليمين،فتحية هى الأول والآخر . لأنها فى أول الكتاب عند الشرقيين ،وفى ختامه عند الغربيين .
بل أراد جيتى أن يستشرق ما استطاع إظهاره لهذا الديوان.
فكان يقرأ الأشعار الشرقية وينسخ الخطوط العربية ،كأنه يلاقى بذلك بين الروح وجثمانه ،واللفظ وفحواه،فكان فى هجرة إلى الشرق كما قال ،
أو كان الديوان"سلاماً من الغرب إلى الشرق "كما قال هينى،وهو على كلتا الأحوال هجرة مبرورة وسلام نرده بأحسن منه.
مقتطف من 113حتى 118
طبعة 1960م
مكتبة دار العروبة القاهرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق