بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 ديسمبر 2014

شمس تبريز

إهداء إلى بياتريس .
(ا)

أقول ..هذه الرأس التى أحملها .
كم قرأت !!
وكم سمعت!!

وما حصادى الفكرى والثقافى المتنوع إلا قراءات جادة ، لقادة ثقافيين ومفكرين عظام وأدباء نوابغ ..فى كل المجالات ..رجالاً ونساءً ..عبر عصور الأدب المختلفة .
قراءاتى الجادة عن التصوف العربى وأعلامه المجيدين.. إبراهيم بن أدهم وبشر الحافى وسفيان الثورى والحلاج والجنيد ومالك بن دينار وابن عطاء الله السكندرى والمحاسبى والسهروردى المقتول وابن عربى وعمر ابن الفارض وذو النون المصرى ورابعة العدوية ..ومئات الأسماء التى عاشت التصوف والزهد ..مدركين حقيقته ومدى أهميته للروح الإنسانى ،دفعتنى دفعاً أن أبحث عنهم وكتبهم ،ورغم النقد اللاذع والقاسى التى شنته، عليهم ،علوم الفلسفة ،إلا أنهم تركوا بصماتهم على حياتى وروحى .
فكما أحببتُ ابن رشد ، أحببتُ الجنيد والحلاج والشبلى والرومى والعطار و.......
ولم أكف ،بعد ،عن القراءة والبحث ..فتجليات الصوفية فى التراث الإسلامى والفارسى ..أمامى اللحظة ..المثنوى وشمس تبريز للرومى والبستان وجلستان للسعدى الشيرازى وغزليات حافظ ومنطق الطير وتذكرة والأولياء للعطار وتراث الصوفيين العرب الإسلاميين .

إنه السعى الحثيث ..نحو الله جل جلاله .. نحو المعرفة الحقة ..نحو العشق الإلهى.. نحو إشراقات الروح، فى سعيها المضنى ،نحو الفردوس الأعلى .

وكم كانت كتابات مولانا جلال الدين الرومى ..من أهم الآثار الخالدة لا فى الشعر الفارسى فحسب بل فى الآداب العالمية ومن تراث الإنسانية المتوارث عبر العصور والأجيال.
و ديوان شمس تبريز والذى يضم 42000بيتاًمن الشعر , فتنتنى بعض قصائده المترجمة ،فأجد نفسى ترددبعض ما علق بذاكرتى ،الأمر الذى حضنى حضاً للحديث عنه وعن شمسه الساطعة.

لكن المثنوى وقد شدنى منذ عدة سنوات "فى مجلداته الستة" التى أصدرتها المجلس الاعلى للترجمة فى مصر ،بما يحتويه من عزل هوالعشق بعينه والحب الذى يسمو بروح الإنسان ويحرك أشواقه نحو الحبيب .

ورغم أننى قد عقدت العزم على الحديث عن شمس تبريز ،إلا أن روحى لن تسمح لى الحديث فى شمس تبريز دون ذكر قصيدة مفتتح المثنوى "أنين الناى".
أقدمهامترجمة للأستاذ الدكتور إبراهيم الدسوقى شتا الذى ترجم وشرح وقدم هذا المثنوى بمجلداته الستة.


وها هى أنين الناى :

- استمع إلى هذا الناى يأخذ فى الشكاية ، ومن الفرقات يمضى فى الحكاية .
- منذ أن كان من الغاب اقتلاعى ، ضج الرجال والنساء فى صوت إلتياعى .
- أبتغى صدراً صدراً يمزقه الفراق ، كى أبث شرح آلام الفراق.
- كل من يبقى بعيدا عن أصوله ، لايزال يروم أيام وصاله.

5- نائحاً صرتُ على كل شهود، وقرينا للشقى ةالسعيد.
- ظن كل إمرىء أن صار رفيقى ، لكنه لم يبحث من داخلى عن أسرارى .
- وليس سرى ببعيد عن نواحى ، لكنه العين والأذن قد حُرمتا هذا النور .
- وليس الجسد مستوراً عن الروح ولا الروح مستورة عن الجسد، لكن أحداً لم يؤذن له بمعاينة الروح.
- وأن هذا الأنين نار وليس هواء ، وكل من ليست لديه هذه النار ليكن هباءً.

10- ونار العشق هى التى نشبت فى الناى ، وغليان العشق هو الذى سرى فى الخمر.
- والناى صديق لكل من إفترق عن أليفه ،ولقد مزقت أنغامه الحجب عنا.
- فمن رأى كالناى سماً وترياقا؟،ومن رأى كالناى نجياً ومشتاقا؟.
- إن الناى يتحدث عن الطريق الملىء بالدماء ، والناى هو الذى يروى قصص عشق المجنون.
- وهذا الوعى محرم إلا على من فقد وعيه ، كما أنه لا مشترٍ للسان إلا الأذن.

15- لقد صارت الأيام تسعى فى أحزاننا بغير وقت ،وأصبحت قرينة للأحزان والمحن.
- فإن مضت الأيام فقل لها اذهبى ولاخوف ، ولتبق أنت يامن لا مثيل لك فى الطهر.
- ولقد ملء هذا الماء من ليس بحوته ، وطويل يوم من يوم من لاقوت له منه.
- أن أحوال الكمل العارفين لا يدركها فج ساذج.ومن ثم يبتغى أن نقصر فى الكلام ...فسلاما.
- ولتحطم القيد ولتكن حراً يابنى ، فحتام تظل عبدا للفضة وعبدا للذهب ؟

20- وإنك إن تصب تصب البحر فى إناء ، فكم يسع نصيباً يكفيك ليوم واحد.
- وإن آنية أعين الحريصين لم تمتلىء قط، وما لم يقنع الصدف لا يمتلىء بالدر.
- وكل من مزق ثوبه من عشق ما،فقد برىء من الحرص ومن كل العيوب.
- ولتسعد إذن أيها العشق الطيب، ياهوسنا ، ياطبيباً لكل عللنا .
- يادواءً لكبريائنا وعنجهيتنا ، يامن أنت لنا بمثابة أفلاطون وجالينوس .

25- لقد سما الجسد الترابى من العشق حتى الأفلاك ، وحتى الجبل بدأ فى الرقص وخف.
- أيها العاشق ، لقد حل العشق بروح طور سيناء ، فثمل الطور وخر موسى صعقا.
- وأنا لو كنت قرينا للحبيب ، لكنت كالناى ، أبوح بما ينبغى البوح به.
- لكن كل من إفترق عمن يتحدثون لغته، ظل بلا لسان ، وإن كان لديه ألف صوت .
- والورد عندما مضى " أوانه" وماتت روضته ،فلن تسمع البلبل بعد يروى سيرته.

30- والكل معشوق ،والعاشق مجرد حجاب ،والمعشوق حى ،والعاشق إلى موت.
- ولو لم يقم العشق برعايته، يبقى كطائر بلا جناح ،ويل له.
- فكيف يكون لى علم بما أمامى وبما ورائى ،إن لم يكن نور حبيبى أمامى وورائى.
- إن العشق يريد أن يصدر منى هذا الشعر ،وإن لم تكن المرآة مُنبئة فماذا تكون ؟
- أتدرى لماذا لا تنبىء مرآتك ؟ ذلك لأن الصدأ لم يُجل عن وجهها
.
.
(2)

فى سنة2004م قام الدكتور محمد السعيد محمدجمال ،بالترجمة-من الفارسية - 101غزلية من ديوان شمس تبريز ،بترجمة عربية سلبتنى روحى وعقلى .
وظلت هذه الترجمة تصاحبنى فى حلى وترحالى ،فكلما سنحت الفرصة أمامى ،تصفحت بعض عزلياته بمتعة وشغف.

ومن غزلياته المدهشة .
الغزلية رقم (56)

طالما كان طيف الحبيب معنا
فإن لنا طوال العمر تفرُّجٌ وحبور

حيثما كان وصال الأحبة
فالصحراء -والله- بيت معمور

وحثما تحقق مراد القلب
فالشوكة تفُضُل آلاف التمور

إن هجعنا على ناصية الحبيب
فوسادتنا الثريا ولحافنا النجم المنير

إن تألق انعكاس جماله
فالأرض والجبال ديباجٌ وحرير

لإن تلمّسنا فى الريح عطره
ففى الريح عزف ناى ومزامير

إن خططنا اسمه على الثرى
فكل حبة من الثرى واحدة من الحور

لوتلونا على النار منه تعويذة
فالنار المستعرة ماء الغدير

ما بالى أطيل القول
فأنا حين أهتف باسمه على العدم ،فالوجود يزيد

وحين يتجلى العشق بطالعه
فكل هذا ،يفنى ويبيد

(3)
فى سنوات الصبا ولواعج الأشواق تعج بروحى ،وهتاف نفسى فى حبيب تهواه،وقراءة الشعر الوجدانى فى عصوره المختلفة ،وحفظ القصائد التى تنساب عذوبة ورقة .
وجدتنى أكتب لا أقول شعراً وإنما سطور ،وعلى ماأذكر "
ذكرتكِ فى الدجى والناس هجع***وطيفكِ يمر فى خيالى ويسرع"وحوالى ثمانية عشر سطراً كلها تنتهى بالعين المكسورة والمفتوحة والمضمومة.وهو مايسمى بالإقواء ،أناجى الحبيب الغائب وأنشدها أمام أصحابى .زاعماً لنفسى أننى متنبى زمانه.
والحقيقة انها محاولات للكتابة لاأزيد ولا أقل.
وبعد مرور سنوات عديدة..تذكرت هذا الكلام وماشدنى فيه إلا كلمة "طيفك وخيالى ".
وقرأت الكثيرمن الأشعار جامعاً كلمتى الطيف والخيال،لعلنى فى قابل الأيام أجد إجابة على تساؤلاتى لكلمتى الطيف والخيال.
وفى سنة 2008م أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة سفراً قيماً بعنوان "طيف الخيال "للشريف المرتضى ،تحقيق حسن كامل الصيرفى وتقديم الدكتور حسن البنا عزالدين. وكأنى عثرت على جزء من عقلى كان مفقوداً "طيف الخيال"هذا الذى شغلنى فى صباى الغض والمشاعر الخضراء تموج بكيانى .
ويقول الشريف المرتضى"
وقد تعجب الشعراءكثيراًمن زيارة الطيف على بعدالداروشحط المزار ،ووعرة الطرق،واشتباه السبل،واهتدائه إلى المضاجع من غير هادِ يرشده،وعاضد يعضده؛وكيف قطع بعيدالمسافة بلا حافر أو خف،فى أقرب مدةوأسرع زمان،لأن الشعراءفرضت أن زيارة الطيف حقيقة ،وأنها فى النوم كاليقظة؛فلابد مع ذلك من العجب مماتعجبوامنه من طى البيد بغير ركاب ،وجوب البلاد بلاصحاب".
ومما أدهشنى ماقاله الرومى" 
طالما كان طيف الحبيب معنا
فإن لنا طوال العمر تفرُّجٌ وحبور"

وتذكرت بيتاً"
آنسنى طيفكِ حتى إذا ***همّ بأن يمضى تعلقت به" .
أما الرومى فقد أكد أن طيف الحبيب مادام معه ويملأ مخيلته ،فإن أيام عمره سعادةً وحبوراً.
وما أجمل طيف الحبيب إذاسكن الحشا واستقر فى سويداء القلب.

وربما كان طيف ملك الدنمارك والد هاملت الذى قًتل بالسم بوضعه فى أذنه، أثناء نومه،أشهر طيفاً فى التاريخ.

(4)

العاشقون يملأهم الحزن ويشقيهم إذا شعروا ببعد الحبيب . وينتابهم الهم والكدر ،وتبيض أعينهم من الحزن .
وإذا ما أقبل الحبيب ،عادت إليهم الروح ،وهتفوا بأنفسهم بالسعادة المفرطة
. 
وها هى الغزلية
(91)

اخرج أيها الحزن من الصدر ،فلطف الحبيب يُقبل
وأنت أيها القلب تول عنى ،فها هو الحبيب ذا الحبيب يُقبل

لا أقول لحبيبى :"أسعيدٌأنت؟"فقد جاوز السعادة هو
من فرط عشقه ينتابنى من السعادة عار

أيها المسلمون أيها المسلمون،جددوا إسلامكم
فالكفر -خجلاً من حبيبى -يُقبل كمسلم من الأبرار

امض أيها الشكر ،فهذه نعمة خرجت عن حد الشكر
لست أبغى الصبر،وإن نفعنى زمناًالاصطبار

اغربى ياكل الصور ،فقد أقبلت صور جديدة
تنتكس أعلامكم؛وهو مايحدث مرات كثار

باب هذا الصدر وجداره ،يتمزق من التزاحم
فما لايسعه الباب ،يقبل من الجدار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق