بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 ديسمبر 2014

أميرة المجد وسلطان المساء

قراءة فى نص "تاه العمر بين يديك"
للشاعرة المترجمة والروائية التونسية / منيرة الفهرى

*****************
من غابر الأيام
من سَحيق الزمن
من رحِم الألم
من رتق الوجيعة
أتَيتَني

مِن وأد الأحلام
من وجَع الخطيئة
من تساقط الأيام
من رسميَ والعدم
و كطوق للنجاة
أتيتني

من زوايا القلب الدفينة
من ذبول ورديَ
من نسائم الفجر الشهية
من اغتيال حرفيَ
أتيتَني

و زعمتَ أنك سلطانُ المساء
و أني أميرةُ المجد
و الكون البعيد
منذ الأزل...

و ارتجفتْ أهدابي
وارتعشَ الحب فيَّ
و رقص قلبي
و اهتزت مدامعي تسحبُني
لجنّةٍ في الخُلد
لصفاء العمر
لثوانيَ الوجد الجميلة
***
و تسألني
كيف قضيتِ سنيّ العمر؟
أ كانت تدق أجراسُك الثملى
تَنشُدني؟
أكنتِ تُشهدين السُّهْدَ
على شغفِ الانتظار؟
أكنتِ تُهدين شمسَ الصباح
قرابينَ الليل عنِّي؟
أكنتِ تناجين المسافات
تقرّبُني لديك؟

ياااااااااااااااااه
أتسألني عن ماضٍ لستَ فيه
عن زِيف العمر دون هواك؟
أنا لا أعرِفُني ما دمتَ لستَ فيَّ
أنا لا أذكُر سنينًا ابتدأت دونكَ
من قال إني كنتُ أنا؟
من قال إني حَيِيتُ هناك
من قال إني كنتُ في زمنٍ
أنت لستَ مَدارَه؟
من قال إن القلب انتفض لِسواك
أنا ما حييتُ إلا لِألقاك
***
من غابر الزمان أتيتني
أم من شذَب التمنّي
رسمتَني طيفا في السماء
سميتَني أميرةً لديك
و سيدةَ النساء
و تاه العمر ...تاه
تاه العمر بين يديك

(1)
لم تكن المرأة على مدار التاريخ الإنسانى مصابة بالعقم الإبداعى ،وإنما كانت حبيسة أوضاع إجتماعية صارمة ،حالت بينها وبين منظومة الإبداع والتعبير عما يجيش بصدرها ومايعتمل بعقلها والرؤية المتعمقة لمايدور حولها.
كان القصد تكميم أفواههن وحجب صوت الحرية وأفكارهن التحررية .
ولايمكن أن نلقى باللوم على تاريخنا الأدبى ،وحده،أنه أنكر إبداع المرأة ولم يجد فيها المبدع الحق ،بل كان الإنكار على عموم أركان المعمورة .
ولم يطل الوقت حتى ظهرت سافو ....كى تأخذمكانتها بين المبدعين . .
ويحكى التاريخ.. أن الخنساء تصدرت مكانةً رفيعةً بين شعراء العربية قديماً.
وعبر سنوات طويلة شاقة ومريرة ..تمكنت المرأة من احتلال مكانة سامية فى مسيرة الإبداع الإنسانى .
لكنها مازالت محاصرة بالمحاذير والنواهى والأوامر التى تحيط لها من كل جانب وألا تتخطاها أو تقفز عليها أو تتمرد وإلا كانت هدفاً للقيل والقال .
فالمجتمع الذكورى مصرٌ على إقصائها بحجج واهية لاتصمد أمام المنطق والعقل.
فالمجتمع الذكورى المسيطر والمهيمن قد رسم لها الضوابط الأخلاقية وحدد لها المساحات التى تسير فيها والثوابت التى لاتتعداها ،بل تظل مسجونة داخلها كأنموذج للأنثى يحافظ عليه وفقاً لشروطه ومبادئه وتعليماته .
فلايُعقل أن تفصح المرأة عن معاناتها وأحاسيسها ومتاعبها وخيبة أملها فى حياة تنتقص من قدرها وتحط من شأنها وإلا قامت عليهاالدنيا ولن تقعد.
(2)

"إلى أى مدى يكون الإنسان صريحا مع نفسه والأخرين ?????
وإلى أى مدى يكون الوضوح والدقة ??
وإلى أى مدى يستطيع الإنسان إختراق محرمات المجتمع ،وطرائق تفكيره ،ومنظومة قيمه ،ومناهل ثقافاته، وثوابت عقائده ??
إلى أى مدى؟
أظن ظناً مستريباً ، أنه من الصعب والمستحيل والإستحالة أن يتعرى الإنسان العربى ،ثقافةً وديناً ووطناً، ويطرح حياته هكذا وعلى الملأ ?
بل يتأكد لدى وبيقين لايتزعزع ، أن الإنسان له طوايا وخبايا تسكن بأعماقه وترحل برحيله.
فالقيود الإجتماعية على حرية المبدع قيود شديدة الوطأة وبالأخص على المرأة التى ستحد تماماً من السردية لغوامض سرائرها ودفائن ذاتها .
ومهما زعمنا التحرروالتمرد على القضبان الفولاذية والحصار من الجهات الست ،فهو زعم لا يرتقى إلى الحقيقة المجردة.
إن المرأة دجاجةٌ وديعةٌ لا يحق لها أن تصيح فالصياح للديكة ، وكل الديوك تخجل أن تصيح ولو صاح بعضها فبقدر معلوم ، وإلا تعرضوا للهجوم القاسى والتنديد بهم وصاروا عرضاً مستباحاً وحياةً منتهكةً ،فما بالك لوصاحت الدجاجة؟
وصراع الذات هو إنتصار النفس على نفسها ، أن تفكك مشاعرها إلى عناصرها الأولية ،حتى يستقيم ميزان حياتها ،لكنه ليس صراعاً أحادى الجانب ،فقد يصطدم مع الآخرين ..فتشن عليه الحروب ويسخط عليه الساخطون وينقم منه الناقمون ."

(3)
المشكلة لدى المتلقى لإبداع المرأة.. أنه لايفصل بين حياتها الخاصة وبين إبداعها ،بل يتعمد الخلط بينهما ..
يخلط بين الإبداع كفن متحرر وبين منظومة الأخلاق الإجتماعية التى تسود المجتمع وخاصة التى تلتزم بها المرأة ،لأنه يحكم على إبداع المرأة من خلال المعايير الأخلاقية بعيداً عن المعايير النقدية .
ومن ثم تلجأ المرأة إلى طرق مواضيع لاتفصح عن دواخلهن والتمويه والتخفى خشية الوقوع فيما يتعارض مع قيم وتقاليد ومنظومة الأخلاق السائدة .

(4)
قرأتُ الكثير من إبداعات المرأة العربية ،خاصةً ،كنت أشعر أنهن خائفات ومرعوبات ومذعورات أن تفصحن عن ذواتهن ،فيدرن فى فلك التكرار والبوح المخنوق.
قرأتُ بعض الأعمال الأدبية لعضوات الملتقى الفضليات ..والقليل القليل منها لايقع فى فلك التكرار والمألوف والمقبول والمعتاد .
ومنذ فترة طويلة قرأتُ "تاه العمر بين يديك"لأستاذتنا الجليلة منيرة الفهرى ..
ولم يسعفنى الوقت أن أكتب عنه ..
وفتحتُ ملفاً "النور والفراشة" زعمت لنفسى أننى سأجعله لقراءاتى لأدب المرأة أو المبدعات .
وشغلتنى الحياة فلم أستطع تنفيذ ماعقدت العزم عليه.
سأكتب عن" تاه العمر بين يديك"واضعاً أمامى عينىّ ما سبق سرده .
من غابر الأيام
من سَحيق الزمن
من رحِم الألم
من رتق الوجيعة
أتَيتَني
مِن وئد الأحلام
من وجَع الخطيئة
من تساقط الأيام
من رسميَ والعدم
و كطوق للنجاة
أتيتني
من زوايا القلب الدفينة
من ذبول ورديَ
من نسائم الفجر الشهية
من اغتيال حرفيَ
أتيتَني
هذه السطور الفاجعة وهذا البوح المخنوق ،إنما يعبران عن أزمة حقيقية تعيشها المرأة التى خُنقت أحلامها وفُرض عليها الواقع الذى يجب أن تعيشه وتنضوى تحت قيوده دون أدنى حرية تُذكر .
فكرة الانعتاق بداخلها تنمو رويداً رويداً .
فكرة التحرر من التسلط الذكورى والتمرد سيطرت سيطرة كاملة .
فهل ،خلال تلك القرون المتعاقبة، لم تستطع المرأة أن تتحرر من سطوة القهر والقمع والكبت وتمتلك الحرية أم لازالت مسجونة بين جدرانها ؟
ولنتمعن فى اختيار الكلمات التى سطرتها المبدعة ."الألم ،الوجيعة،وئد الحلام، تساقط الأيام،العدم ،طوق للنجاة ،ذبول وردى ،اغتيال حرفى "
لايمكن للمتلقى إلا أن يتوقف ،بدهشة وإمعان فكر، أمام هذا الكم المهول من التمزقات المتصاعدة واللاهثة والحارقة والتطلع بلهفة وترقب إلى منقذ "أتيتنى "!!!
وهذا الآتى المزعوم التى تنشده المبدعة :
و زعمتَ أنك سلطانُ المساء
و أني أميرةُ المجد
والكون البعيد
منذ الأزل...و ارتجفتْ أهدابي
وارتعشَ الحب فيَّ
و رقص قلبي
و اهتزت مدامعي تسحبُني
لجنّةٍ في الخُلد
لصفاء العمر
لثوانيَ الوجد الجميلة.
مازالت المبدعة تشتهى المنقذ المزعوم الموصوم "سلطان المساء"
هل هذا المنقذ يخشى النهار ؟
هل المبدعة تخشى أن يأتى نهاراً؟
هل الأنا المبدعة تخشى الإفصاح والإفتضاح ؟
هل تخشى الصياح ؟
ولماذ المساء ؟
ولماذا كلل رأسها بتاج المجد وأى مجد؟
هو حلمٌ تتغياه...بعيد المنال!!!
وفى سكرة الحلم والانتشاء ترتجف أهدابها ويرتعش الحب فيها ويرقص قلبها والمدامع تسح وتحلم بجنة الخلد وصفاء العمر و"ثوانى "الوجد الجميلة .
هى تحلم ويأخذها بعيداً ..
فالواقع مُر والأمر منه هذا المنقذ الذى لايجىء.
فالكلمات "ارتجاف وارتعاش واهتزاز ورقص "..تؤكد على اضطرابات داخلية متناقضة تضمر عكس ماتصبو إليه؟
وتأتى التساؤلات المتكاثرة :
و تسألني
كيف قضيتِ سنينَ العمر؟
أتدق أجراسُك الثملى تَنشُدني؟
أكنتِ تُشهدين السُّهْدَعلى شغفِ الانتظار؟
أكنتِ تُهدين شمسَ الصباح
قرابينَ الليل عنِّي؟
أكنتِ تناجين المسافات
تقرّبُني لديك؟
ياااااااااااااااااه
أتسألني عن ماضٍ لستَ فيه
عن زِيف العمر دون هواك؟
أنا لا أعرِفُني
ما دمتَ لستَ فيَّ
أنا لا أذكُر سنينًا ابتدأت دونكَ
من قال إني كنتُ أنا؟
من قال إني حَيِيتُ هناك
من قال إني كنتُ في زمنٍ
أنت لستَ مَدارَه؟
من قال إن القلب انتفض لِسواك
أنا ما حييتُ إلا لِألقاك.
التساؤلات لسلطان المساءالمتعجرف والموهوم بسلطانه على النفوس ،حتى فى اللحظة التى تنشدها أميرة المجد !!!بالخلاص من توهانها الطويل .
يبدأ الغرور الذكرى متحصناً بأسئلته المغرورة والإجابات لأميرة المجد المجروحة تجاهد أن تقف قوية، لكنها انساقت وراء عاطفتها المكبوتة وعذابها القاسى ولوعتها المريرة .."ياااااااااااااااااااااااااااااااااه"
فتنكر ذاتها وأنها "ماحييت إلا لألقاك"وأنها تدور فى مدار فلكه.
المدهش حقاً ..أن أميرة المجد فى حلمها الأبدى بالعاشق المرسوم بروحها لم تفق منه بعد .
وهنا يتبدى العجز الموجع للروح العطشى للإرتواء .
من غابر الزمان أتيتني
أم من شذَب التمنّي
رسمتَني طيفا في السماء
سميتَني أميرةً لديك
و سيدةَ النساء
و تاه العمر ...تاه
تاه العمر بين يديك
وتعود أميرة المجد بعد التحليق مع سلطان المساء ..يملؤها الوهم وتسأل :
أرسمتنى طيفاً فى السماء؟
أم سميتنى أميرة لديك وسيدة النساء
ثم تتضرع بلهفة :
تاه العمر بين يديك.
وكأنى أسمع صوت الأميرة يتوه مع سلطان المساء المزعوم وتتوه أحلامها وتتحطم على صخرة الواقع المتشبث بقدسيته وتفرده وسلطانه الذى لايريم.

(5)
لا أكتم أستاذنا الجليلة ..أن صوت الماضى بقيوده ومحرماته المضروبة حول المرأة حىٌّ لم يمت بعد .
ولا أنسى ماقالته جين أوستن "أنها كانت تخبىء كتابتها بمجرد أن تسمع صرير مزلاج الباب "
وأظن أن هذا اللهاث المتصاعد هو أعلى درجات السعى نحو إستيلاد واقعٍ مبهرٍ وفجرٍ جديدٍ تجد فيه المرأة حقيقتها المسلوبة ،منذ عصور وعصور ،وسلطانها الغائب على أمير روحها .

(6)
كنت أكتب عن أزمة حقيفة تعيشها المرأة العربية ألا وهى أنها لم تزل الإنسان الثانى والغير قادرة على الإبداع فى رأى عباس محمود العقاد ،ورغم مرور عشرات السنوات إلا أنه معتمد لدى الرجل ويسير عليه.
صياح الدجاجة ..وهو مرفوض كل الرفض ،فالصياح للديوك فقط.
كنتِ صريحة للغاية ..
وياليت الرجال يعلمون أن إبداع المرأة هو إبداعٌ إنسانىٌ مطلوب ومرغوب ،فالمرأة نصف المجتمع والنساء شقائق الرجال.

(7)
أتمنى  أن نتكلم بصراحة عن أزمة الحرية عند المرأة العربية .
كنت أطلب من زوجتى ومن ابنتى أن يكتبا ما يرغبان فيه.
فزوجتى حافظة للشعر وقارئة للأدب ..وكم قرأت كتاباتها التى تدون فيه ما تضيق به من تعاملاتى معها أو مع الآخرين والأخريات ومختاراتها من الشعر والنثر.
الكتابة حياة ،والحياة كتابة ..لو أدركنا مانعيش فيه.
وابنتى قبل زواجها ..كانت تقرأ وقبل سفرها خارج البلاد طلبت منها ألا تتوقف عن القراءة وأن تكتب ماتريد..وحتى اللحظة تقوم بالتعليق على كتاباتى بصفحتى بالفيسبوك.
وكانت تشارك فى مواقع أدبية كثيرة .وتابعت كتاباتها طيلة عدة سنوات ..بل طلبت منها ألاتتخفى وراء اسم وهمى وأن تذكر اسمها كاملاً .
هى محامية وتتعامل مع الناس وهى جديرة بعملها وحريصة عليه والحفاظ على اسمها وسمعتها وكرامتها.

أعلم علم اليقين بمرضى النفوس والمنتشرين كالوباء على المواقع والأنترنت ..لكن قوة الشخصية وذكاء المرأة وثقافتها يردعون كل لص أو أفاك أومخادع أو أفاق.
لابد من الفصل بين مانقرأه من شعر أونثر وبين الكاتب أو الكاتبة .فالقد الأدبى الموضوعى لايعنيه إلا النص وهل أفلح مؤلفه أم تنكب السبيل.
فلايمكن لمن كتب عن الخيانة أن يكون خائناً.
ولايمكن لمن تكتب عن مشاعر الأنثى وخصوصيتها ومتاعبها وأحزانها وطواياها الدفينة ،أن تكون هى المعنية بذلك.

عندما كتب جوستاف فلوبير رائعته "مدام بوفارى" واستطاع وهو الرجل أن يسبح داخل طوايا مدام بوفارى وأن يكتب عنها حتى نظن أنه" أنثى "لصدق ما رواه عنها.
كذلك قد تكتب المرأة ماتعجز عن البوح به نساء كثيرات . 
بمكتبتى.. أمامى وحولى جميع كتب سلسلة الجوائز التى تصدرها الهيئة العامة المصرية للكتاب،أذكر منها:
الكون فى راحة اليد للروائية جيوكوندا بيلى من نيكارجوا ترجمة احمد عبداللطيف
التجمع للروائيةالأيرلندية آن إنرايت..ترجمة د.أمانى توما.
الأعمال المترجمة للعربية للروائية دوريس ليسنج الحاصلة على جائزة نوبل فى الأدب.
وأعمال الدكتورة رضوى عاشور والدكتورة سهير المصادفة ومنصورة عز الدين وعفاف السيد وميرال الطحاوى والدكتورة لطيفة الزيات ..
مئات الأعمال الروائية والشعرية والدراسات لسيدات فضليات، لهن عظيم الفضل على ثقافتى المتنوعة .
وكم عشقت شعر نازك الملائكة وملك عبدالعزيز وغيرهن من الشاعرات والأدبيات العربيات رجاء عالم،هدى بركات،سحر خليفة ،كوليت خورى ،غادة السمان..مئات من المبدعات.. صعبٌ علىّ تذكرهن اللحظة ..فالذاكرة جد خؤون .

ورغم وجودى بمكتبتى بجدرانها الأربعة وماتضمه من آلاف الكتب، فقد يمضى الليل كله ،ولاأستطيع ذكر كل ماتحويه من أعمال المرأة العربية والأجنبية على حدسواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق