بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 ديسمبر 2014

طقوس العشق والغربة

إلى ..بياتريس




(1)

"العشق والغربة .. هما حياتى ."
عبدالرؤوف النويهى
(2)
"إننى أستنشق الهواء العذب الخارج من فمك
وأتأمل كل يوم جمالك
وأمنيتى أن أسمع صوتك الحبيب
الذى يشبه حفيف ريح الشمال
إن الحب سيعيد الشباب إلى أطرافى
اعطنى يدك التى تمسك بروحك 
وسوف أحتضنها وأعيش بها
نادينى بإسمى مرة أخرى وإلى الأبد
لن يصدر نداؤك أبداً بلا إجابة عنه"
صلوات وجدت مكتوبة على لوح ذهبى تحت قدم مومياء ،وقد أزيل اسم كاتبها.

(3)


"وقال لى :إنك تحترق بنار صوتك
وستغدو رماداً مثل كريم
الذى احترق بحبه 
ناظم حكمت 


من قصيدة "مثل كريم "


السفر والترحال
أسافر دوماً ،وأرحل فى عيون الآخرين والأخريات ،وأشدو بأغنياتى الطازجة ،وأحاول أن أكون شاعراً ،أن أكون كاتباً ،أن أكون فيلسوفاً .

أن أضع بصمتى فوق حياة الآخرين والأخريات ،أن أظل خالداً فى النفوس والأرواح.

الرحيل إلى شواطىء الروح والإمساك بتلابيب الحقائق ،والوصول إلى أقصى مايمكن أن تصل إليه الروح العطشى من آمال وأحلام واشتياقات .

كنت ولازلت أبحث عن نفسى ،عن حياتى ،عن مدارات الروح المشتاقة للخلود ،والمنبهرة ،دوماً، بأجمل الألحان وأعذب الكلمات وأرق العواطف وأسمى المشاعر وأعمق الأفكار ،والطريق الطويل الذى لاينتهى .

أود إشباع هذه الروح المبهجة وأعطيها كل ماتشتهى وماتصبو إليه..أمحو أدرانها ،وأطهر أعطافها ،وأمسح عنها مايعلق بها من سفاسف وترهات وأحاديث غثة وأفكار محرفة .



البحث يطول ،والطريق يطول ..والعمر قصير .


لكن لنبدأ السفر والترحال .

البحث عن لؤلؤة المستحيل 

لم أكد أعى الحياة وأسير على أرض الواقع ..حتى أدركت أن الحياة لابد أن تؤخذ بجدية وحسم ونضال ومقاتلة ..
أن تضع نصب عينيك على بداية الطريق ثم تندفع بك الحياة رويدا رويداً إلى الأمام ..
لايعوقك عائق ولايقف أمامك سد أو مانع ..تضرم بين أحشائك وجوانجك نار مقدسة لاتخضع للعواصف ولاتنهزم للرياح...
دائماً مشبوبة.. لاتهدأ ولايخفت لهيبها وسعيرها المضطرم .

النار المقدسة المتأججة فى الروح والقلب والوجدان والعقل والجسد .

حاولت جاهداً أن أضع يدى على موطن الداء وأبحث عن الدواء ..
وكان السؤال الأبدى .
كيف لى أن أواصل النضال فى هذه الحياة وأنا خال الوفاض من كل الأسلحة التى تعنينى على النضال والمقاتلة وشق الطريق الصعب فى هذا الليل المتراكم الذاخر بشتى المعميات والمبهمات والغوامض والأسئلة الحائرة بلا جواب ؟


كنت أبحث عن لؤلؤة المستحيل ،دون هوادة ،عطشى لاتطفئه أنهار الكون ..دائماً العطش ..العطش ...العطش
وجوع إلى الحقيقة لايستكين ولايهمد.


وهدأت براكين الأسى 
كان حضورها الأسطورى فى زمن قارب على الإنتهاء والإستعداد للرحيل والخروج من دوامة الحياة إلى مجهول تخشاه الروح،فلقد إنقضى العمر وشاخت كل الأشياء ..
شاخ الجسد وشابت أيامه وضاقت الخطى وعجز العقل عن سبر الأغوار .
ومن بين الضباب المتزاحم بكيانى والظلمات المحيطة بكل اتجاهاتى ،وعواء الريح وصفير العواصف ..
تجلت كالنور وتجسدت أسطورة حية .
يسبقها عبير ها الفواح وخطوها الوئيد ..
ومدت يداً وهمست:
قم معى ..لاتحزن فمازال فى العمر بقية ..
أنت لى وأنا قلب أخضر لم ولن يدخله سواك ..
سأكون لك أبد الدهر ..
أحبك أشتهيك ..
أنام بين أحضانك ..
لن أفارقك ..
فأنت لى وأنا لك..


أمسكت بيدها وسرت بجوارها ..سارت بى عبر الجنائن والحدائق .. خشيت من وهمى وخشيت من لهفتى أن تضيع منى ..
تشبثت بها وشممت عطرها وذاب كيانى فى كيانها ..تلاصق الجسدين وامتزجت الروحين ..

ثم هتفت بى: اهدأ ودعنى أعرف عنك كل شيىء وسوف تصل إلى مبتغاك .
وهدأت براكين الأسى ،وسكنت الزوابع ..


وأنشأ قلبى يقول :

وتلاقت الصرختان 
فى زمن الزهو والنضال الوطنى ،وصوت عبدالناصر ،فى ميدان المشية بالأسكندرية "بعد تعرضه للإغتيال بيد عضو من أعضاء الإخوان المسلمين "حكام مصر الجدد""،يشق الآفاق ،ينادى بأعلى صوته بالعزة والكرامة.."أنا إللى علمتكم العزة والكرامة !!!!!"
والضباط الأحرار والصراع على السلطة ..قوانين الإصلاح الزراعى ،والمحاكمات الثورية لرجال ماقبل يوليو 1952م ....
الإخوان المسلمون ...والشيوعيون .. وبطون المعتقلات تضم الآلاف.

زمن يشتعل فيه كل شيىء وتجيش بالصدور الأمانى والطموحات والرغبات والأحقاد والإنتقامات والمبارزات الفكرية ..طه حسين ،العقاد، لويس عوض ...والمباحثات لإخراج الإنجليز وتحرير أرض الوطن المدنسة من الإستعمار الجاثم على صدر الوطن لأكثر من سبعين عاماً.
عانى فيها الشعب صنوف الذل والهوان ومرارة العيش وشظف الحياة .
وضياع كل شيىء ،فلم هناك مايمكن أن يفخر به الإنسان إلا دماء الشهداء التى تروى ثرى الوطن الحزين .


جاء عبد الناصر وصحبه .. رجال أحرار، ضباط فى الجيش . . ثلاثون عاماً ونيف كانت أعمارهم..أطلقوا لأنفسهم العنان .
استهدفوا الصالح العام ..لكن الثورة أى ثورة لابد من ضحايا ..فكان خميس والبقرى ...ومئات المعارضين ..

بدأ عبدالناصر يزيح من أمامه كل صعب ،ويطيح بكل رأس تطاول رأسه .
سلطة يوليو المسيطرة والمستبدة والحاكمة وعبد الناصر القائد الأوحد والزعيم الملهم ..لاصوت يعلو على صوته ..وسكت مثقفونا وأنضووا تحت مظلة يوليو .

وفى يوم أشرقت شمسه ،كان الجو صحواً والنور يملأ الآفاق ..
آزار،مارس شهر الأزهار والورد والعطر الفواح ..آزار،مارس .إله الحرب عند الإغريق .. والأرض الخضراء والمياه الصافية والأحلام التى تدغدغ المشاعر وتطغى على الأحزان وتفتك بالخوف المتسلط على الأفئدة .

صغيرة أمى ،16 عاماً، صرخت صرخة مدوية ..خرجتُ ،من رحمها الصغير إلى رحم الحياة الكبير،صارخاً وتلاقت الصرختان تنبىء عن زمن قادم يحمل بين جناحيه مايشيب له الولدان.


________________


وسع عقلى كل شىء

وعيت للدنيا ،وثبت فى يقينى ..أننى سوف أواصل النضال فى هذه الحياة حتى أموت وحيداً ..حاملاً بين كتفى رأسى المملوء بكل ثقافات العالم الذى أحياه أو هكذا أظن
.
هذا الشره وهذا النهم وهذا الإندفاع الجامح نحو المعرفة .
كنت معذباً بذاتى ..بأحلامى ..بأشواقى ..بهمومى .. فوجدت الخلاص فى السعى الحثيث إلى المعرفة ،فى إرتياد كافة مناهل العلم ..
السعى الجثيث والدؤوب إلى الكلمة .

روحى متمردة على الواقع المعايش ،تودالصعود إلى أقصى أركان الكون ..مندفعاً نحو المجهول بكل ما أمتلك من قوة وبأس .
لم يتطرق اليأس إلىّ طوال حياتى ،أحسست بأن لى رسالة فى هذه الدنيا ،سوف أؤديها وأرحل ..حاملاً معى روحى ودمى ..ومن ثم سعيت أن أؤدى الرسالة بصدق وحب وتفان.

أحسست منذ ريعان شبابى وسنواتى الأولى ..أن هناك قدر مرصود لى لايمكن التزحزح عنه ولافكاك منه مهما إدلهمت الأسباب.
تعلقت روحى بموسيقى الحياة وبهجتها وقوتها وزهوها وجمالها الفتان .
وكلما تعمقت فى سبر أغوار الحياة والغوص فى أعماقها والسير فى دروبها وحواريها .. زاد اليقين بداخلى أن رسالتى لابد أن تكتمل ولم يداخلنى الشك أن الإنسان لم يهبط من السماء إلا لكى يعود إليها ،وأنه طرد من الجنة وعاش على الأرض لا ليخلد فيها بل ليسعى نحوها ويهرع.

زاد اليقين بداخلى ..ولم يداخلنى الشك مطلقاً فى كونى أعددت لأداء عمل ما ،وهذا العمل طموح إلى أقصى درجة ..وجدت عقلى يسير بى ويعرج إلى سماوات تهواها الأفئدة وتهفو إليها العقول .

وسع عقلى كل شيىء ..ولم يصدنى عن إرتياد المخاطر وركوب الأخطار والخوض فيما يجب وما لايجب 

عقلى كان ومازال المرشد والإمام والدليل والهادى والآخذ بيدى فى ظلمات الحياة وغوامض الكون ..فتح أمامى جميع الأبواب ..لم يبخل ولم يضن ولم ينهزم ولم يشخ .. سعيدأ به مقدراً له ،منحنياً تحت أقدامه لاثماً أعتابه.


_______

هذا الكائن الفريد

هذا الكائن الفريد .."وتظن أنك جرم صغير وفيك إنطوى العالم الأكبر "

هذا الإنسان المعذب بذاته ونفسه وطموحاته وآماله وأمانيه وإحباطاته وانتصاراته وهزائمه.
هذا الإنسان ،المخلوق الوحيد من بين مخلوقات الله الذى يعرف أنه سيموت ولا يبقى إلا ذكرى تنمحى بمرور الأيام وكرور السنين .
هذا الإنسان التائه فى غوامض الأكوان ومبهمات الحياة والصراع الأبدى بين قوى الخير والشر .

أشفقت على نفسى وأشفقت على من حولى ،كان الدمع من عيون الآخرين والأخريات ،يهزنى هزاً ويفتك حنايا روحى ويحفر بأحاسيسى خنادق وأخاديد غائرة .
تعاملت مع الناس ،بهذا المنطق الذى رآه الناس غريباً وعجيباً وبعيداً عن مألوف الحياة وطباعها الشرسة ..وجدوه فعلاً لايستقيم مع الواقع والحياة .
قيل لى ،كثيراً وكثيراً جداً ،أنت حقاً غريب عن هذه الدنيا وتحمل بين حنايا صدرك قلباً أخضر ومشاعر خفاقة .
قلتُ :هذا تعامل إنسانى وتكامل بشرى مطلوب مابقيت الحياة ..والإنسان لن يعيش دنياه إلا مرة واحدة .فلماذا لاينشر بين الناس صدقه وحبه وخيره ؟؟؟
ويبدو أننى أعيش فى وهم مستمر وأقاتل وحدى دون هوادة ،ونضالى مع الحياة والوجود ومع البشر يزداد ضراوة ..وتتأكد لى طبائع الشر المتنامى بالإنسان خسةً وحقارةً ..لقد هيمنت هذه الطبائع الرديئة وتفشت وأصبحت شعار الآنى والواقع.

فاض الكيل بروحى واعتراها مايعترى الربيع من خريف عاصف ..
ولم أجد سوى نور الحب أهتدى به فى ظلمات البر .

______________

لابد من الحرية

بوضوح كافٍ ..أقول ..مارأيته فى طفولتى وصباى ..كان الدافع الأول والأخير، لاختيار الطريق الذى سأنتهجه مستقبلاً وأحرص عليه وأتمسك به .

الظلم ..الجهل ..المرض ..الفقر ..رباعية أمسكت بخناقى ولم تتركنى أبداً.. صارت منبع قلقى وبؤرة تمردى ومحط اهتمامى .

ما رأيته فى القرية والحياة الرديئة التى تُسيطر على العقول المغلقة ..جعلنى فى حالة صدام مع المجتمع بأكمله .

كنت الغريب والمتمرد والقلوق .."على قلقٍ كأن الريح تحتى "

همتُ باحثاً عن العدل والحرية والجمال .

همتُ أسعى وأنبش فى ماضينا العريق ..والسؤال إثر السؤال..

هل نحن فعلاً أحفاد الفراعين ..بناة الأهرام ؟؟

كان أول بحث أُقدمه فى المدرسة الإعدادية عن خوفو وهرمه الأكبر .
حضارة عريقة ضاربة الجذور فى التحضر والثقافة والمعتقدات والإنسانيات والآداب والأفكار .

كلما نظرت حولى ..أصطدم بما يُثير عقلى ويُشغل فكرى.

عشتُ طفولة لا أقول أنها طفولة.. فكما يقول جوركى .."طفولتى !! أنا ليس لى طفولة"

كان المد الثورى وعبدالناصر "ملأ الدنيا وشغل الناس" ثم أرى فقراً وجهلاً ومرضاً وظلماً وهزيمة ساحقة ماحقة..يعيثون فى طول البلاد وعرضها، فساداً وتخلفاً.

منظومة العدل والحرية والخير ..لابد أن تكون لكل الناس بلا استثناء .
كان سلاحى هو القراءة والتثقيف..فتحت عقلى لكل الثقافات ..ما رأيت كتاباً إلا وحرصت على قراءته..قد أفهم بعض ما فيه وقد لا أفهم.لكن فى نهاية الأمر.. أخرج منه بكلمة أو بفكرة.

الظلم ..لعنه الله ..ولعنة الله على الظالمين..رأيتُ أحد أجدادى يضرب أحد الفقراء بكرباج سودانى ،لأنه تجرأ وأعترض على تصرف ما .. صدر من أحد أبناء العائلة .والكرباج كالسيل المنهمر على جسد الرجل، الذى لم ينطق بحرف أويصرخ..رأيتُ الرجل كومة لحم تنزف.

رفضت الظلم بكافة أشكاله ..لعنت الظلم والظالمين ..حرصتُ فيما بعد ..على السعى نحو العدل، ما استطعت إليه سبيلا.

لابد من الحرية ..لابد أولاً وأخيراً..من حرية الإنسان من الفقر والجهل والمرض .
____________

القاهرة الجديدة 


كنت متابعاً جيداً وقارئاً محترفاً لأعمال نجيب محفوظ ..وأمتلك كل ماكتبه والكثير مما كُتب عنه .
كنت ضابطاً إحتياطياً فى الجيش فى أواخر سبعينيات القرن الماضى ..وكتبت دراسة عن ملحمة الحرافيش ،هذا العمل الملحمى الفذ فى القص العربى ، فملحمة الحرافيش .كتابة جديدة وتحليق فكرى فذ فى المعالجة القصصية لواقعنا الإجتماعى والسياسى والفكرى والإقتصادى ..ضاعت منى ..وحزنت حزناً شديداً ولم أحاول الكتابة عنها مرة ثانية .


أتصورها معالجة جديدة لأولاد حارتنا ،هذا العمل الذى نال هجوماً بشعاً وظالماً حتى اليوم .


وبدا لى ملحظ هام فى أعمال نجيب محفوظ ..ألا وهو فلسفة الأسماء لشخصيات رواياته وقصصه.

فمثلاً.. القاهرة الجديدة وبطلها محجوب عبد الدايم ..أزعم أن نجيب محفوظ ، كان عبقرياً فى انتقاء هذا الاسم ف"محجوب" صفة فيها الحجب وقياساً على وزن مفعول ..بل لم يكتف نجيب محفوظ بالحجب والإقصاء ، فألحق به صفة الدوام "الدايم ".

فشخصية محجوب عبدالدايم ..الشخصية المطرودة والبعيدة عن حركة المجتمع ،والتى لم تنل أى رعاية من مجتمع يتحلل رويداً رويداً من كل القيم والمبادىء .

فلم يجد سوى المشاركة فى مسيرة هذا المجتمع القاسى والطارد له ،فتزوج إمرأة ..كان محجوباً عنها ،لاحتلال السلطة الفاسدة مكانه الشرعى مغتصبة إياه رجولته وعرضه وكرامته.


فهناك إحتلال إنجليزى شرس ينتهك عرض الوطن بأكمله ورجال السلطة الوطنية،أذيال الاحتلال !!!ينتهكون عرض وشرف أبناء وبنات الوطن.


_______________

عبدالوهاب البياتى

ستكبر الغابة ، يا معانقي
وعاشقي
ستكبر الأشجار
سنلتقي بعد غد في هيكل الأنوار
فالزيت في المصباح لن يجف، والموعد لن يفوت ،
والجرح لن يبرأ ، والبذرة لن تموت 



عبدالوهاب البياتى ..من أصدقائى الطيبين الذين عانوا تجربة الحياة بقسوتها وتفاهتها وحلوها ومرها .

كان يبحث عن العدل والحق والخير والجمال ..فى زمن ردئ .
كان قناعى الذى أتقنعه عند احتدام الثورة بداخلى .

ما أكثر قصائده الثورية فالمجد للأطفال والزيتون والشعر فى المنفى والكلمات التى لاتموت والنار والكلمات وسفر الفقر والثورة والموت فى الحياة وبكائية إلى شمس حزيران والمرتزقة والكتابة على الطين والذى لايأتى ولا يأتى وعيون الكلاب الميتة وقصائد حب على بوابات العالم السبع وقمر شيراز ..وسيرة سارق النار وكتاب البحر ومحاكمة فى نيسابور ...و...و..................

سعيتُ سعى الملهوف وراء أشجاره الوارفة ،أنتظر ثمار أشعاره تسقط فى حجرى وتسد رمقى وتروى عطشى لقصائد الفقر والثورة .


قمر شيراز 


كل الفقراء اجتمعوا حول الحلاج وحول النار 
فى هذا الليل المسكون بحمى شىء ما،قد
يأتى أولايأتى من خلف الأسوار



ها أنت/أنا.. تعود إلىّ ربيعاً مزهرأ فى ليالى الشتاء القارس .
ها أنت/أنا ..تعود وروداً يانعة .
ها أنت /أنا ..تولد من جديد ،أيها البياتى العظيم، على يد عالم جليل .
ها أنت /أنا ..تروى ظمئى من جديد فى زمن طال فيه الشوق إلى العدل .

أيها البياتى يا أنا ياقناعى فى سنواتى الخضراء .

ها أنت/أنا ..تعود لتعيد إلى روحى بعض السكينة والأمل الذى لن يموت .
ها أنت/أنا ..تعود وقد أدركنى المشيب ..وصرت موشكاً على إنتهاء العقد الستينى،لتزرع فىّ نضالاً لن يخبو حتى طلوع الروح.


مطارد بأحلامى


حفظت الكثير من قصائد الحب والثورة والفقر والأحلام .

تهفو روحى إلى المستحيل وتنبت فى حنايا القلب أزهار الحب والجمال .،أرسلها آنات حرى إلى معشوقتى الحرية .

أعجبنى البياتى فى حلمه الذى عاشه ،واقعاً وخيالاً، بحثاً عن مدينته الفاضلة مدينة الشمس ،مدينة النور ،مدينة العشق والجمال .

وها هى قصيدته التى أحزنتنى صبياً ،أرددها ،كلما شاهدت سقوطاً لأحلامنا ،وانهياراً فى بنيان حضارتنا .

ما مر يوم ،وكما يقول السياب، إلا وفى العراق جوع ،أقصد وطننا الكبير من المحيط إلى الخليج.

أحلامى فى دنيا اللئام لاتزيد عن موت يتبعه موت.

مطارد بأحلامى ،بهواجسى ،بحلمى عن عالم جميل ..لكننى فى النهاية ،الطريد ،كما يقول البياتى العظيم

حلمت 
أني هارب طريد 
في غابة 
في وطن بعيد 
تتبعني الذئاب 
عبر البراري السود والهضاب 
حلمت 
والفراق يا حبيبتي عذاب 
أني بلا وطن 
أموت في مدينة مجهولة 
أموت 
يا حبيبتي 
وحدي بلا وطن

الموت والقنديل
قال البياتى عن ديوانه الفارق "قمر شيراز" الصادر فى طبعة فخيمة عن الهيئة المصرية للعامة للكتاب فى سنة 1984م "أنه يوصى بنشر هذا الديوان فى مشروع كتاب فى جريدة ،وكان أحد أعضاء هيئتها الاستشارية .هذا الديوان الفارق ..كان وسيظل صديقى الحميم ،فما أكثر القراءة وما أكثر حفظى لقصائده العبقرية لغةً وفكراً وفلسفة ً.

قرأته حين نشره، وضمته أرفف مكتبتى بجوار أعماله الكاملة ،يكفينى منه قطرات كى تخضر أوراقى اليالبسة .


فقصيدته" الموت والقنديل" من أروع قصائده التى أردد بعض سطورها ،كلما داهمنى اليأس وحط على روحى الطائر الأسود 
.


(1) صيحاتك كانت فأس الحطاب الموغل في 
غابات اللغة العذراء, وكانت ملكًا أسطوريًّا 
يحكم في مملكة العقل الباطن والأصقاع 
الوثنية حيث الموسيقى والسحر الأسود 
والجنس وحيث الثورة والموت . قناع الملك 
الأسطوري الممتقع الوجه وراء زجاج نوافذ 
قصر الصيف وكانت :عربات الحرب 
الآشورية تحت الأبراج المحروقة كانت 
صيحاتك صوت نبيٍّ يبكي تحت الأسوار 
المهدومة :شعبًا مستلبًا مهزومًا كانت برقًا 
أحمر في مدن العشق أضاء تماثيل الربات . 
وقاع الآبار المهجورة كانت صيحاتك 
صيحاتي وأنا أتسلق أسوار المدن الأرضية 
أرحل تحت الثلج أواصل موتي فى الأصقاع الوثنية ، 
حيث الموسيقى والثورة والحب ،وحيث الله. 


( 2 ) 
لغة الأسطورةْ 
تسكن في فأس الحطاب الموغل في غابات اللغة العذراء 
فلماذا رحل الملك الأسطوريُّ الحطَّابْ? 


( 3 ) 
مات مغني الأزهار البريةِ 
مات مغني النار 
مات مغني عربات الحرب الآشورية تحت الأسوار. 


( 4 ) 
صيحاتك كانت صيحاتي 
فلماذا نتبارى في هذا المضمار? 
فسباق البشر الفانين, هنا, أتعبني 
وصراع الأقدار. 


( 5 ) 
كان الروم أمامي وسوى الروم ورائي, 
وأنا كنتُ أميل على سيفي منتحرًا تحت الثلج, 
وقبل أفول النجم القطبيِّ وراء الأبراجْ 
فلماذا سيف الدولة ولَّى الأدبارْ? 


( 6 ) 
ها أنذا عارٍ عُري سماء الصحراءِ 
حزينٌ حزنَ حصانٍ غجريٍّ 
مسكونٌ بالنارْ. 


( 7 ) 
وطني المنفى 
منفايَ الكلماتْ. 


( 8 ) 
صار وجودي شكلاً 
والشكل وجودًا في اللغة العذراءْ. 


( 9 ) 
لغتي صارت قنديلاً في باب الله. 


( 10 ) 
أرحل تحت الثلج, أواصل موتي في الأصقاعْ. 


( 11 ) 
أيتها الأشجار القطبية, يا صوت نبي يبكي, يا رعدًا 
في الزمن الأرضيِّ المتفجر حبّا, يا نار الإبداع. 
لماذا رحل الملك الأسطوريُّ الحطاب ليترك هذي 
الغابات طعامًا للنار? لماذا ترك الشعراء 
خنادقهم? ولماذا سيف الدولة ولَّى الأدبار? الروم 
أمامي كانوا وسوى الروم ورائي وأنا كنت أميل 
على سيفي منتحرًا تحت الثلج وقبل أفول النجمِ 
القطبيِّ وراء الأبراج. صرختُ: تعالوا! 
لغتي صارت قنديلاً في باب الله, حياتي 
فرت من بين يدي, صارت شكلاً والشكلُ 
وجودًا. فخذوا تاج الشوك وسيفي 
وخذوا راحلتي 
قطراتِ المطر العالق في شَعْرِي 
زهرةَ عباد الشمس الواضعةَ الخد على خدي 
تذكارات طفولة حبي 
كتبي, موتي 
فسيبقى صوتي 
قنديلاً في باب الله


_________________

صديق طفولتى




ربما فى سنوات التكوين ..ولكون لغتى الأولى الأجنبية هى اللغة الفرنسية التى برعتُ فيها صغيراً واهتمامى بالأدب الفرنسى على وجه الخصوص .

قرأتُ الكثير من أعمال القادة الثقافيين الفرنسيين وماكتب عن الثورة الفرنسية .
شدنى أدب الفرنسيين ومدى العمق الفكرى واتساع الأفق التحررى فى طرح الأفكار ..وبمرور العمر قرأت لتوفيل جوتييه وجول فيرن وفولبير وموسيه ولامارتين وفولتير وهوجو وموليير وسارتر وبودلير _الشاعر الرجيم كما قال عنه عبد الرحمن صدقى فى كتيبه الصغير عنه فى سلسلة اقرأ التى لازالت تُصدرها دار المعارف المصرية _ وغيرهم من النوابغ ..
نال هذا الشاعر منى تقديراً واستحساناً.. يليقان به وحتى اللحظة .

أما ألبير كامو ..هذا المتمرد الشريد ..كم كنت مفتوناً به وبكتبه وأفكاره وهمومه وفلسفته ونضاله ضد عدمية الإنسان ..لست أدرى لما؟؟
لكنه ارتباط القارىء بالمبدع بوشائج لا تُرى وأفكار متبادلة بينهما وهموم مشتركة .
قرأت معظم أعماله بل ماكتبه عن الثورة الجزائرية ..
ومن أهم ما قرأت له ..الغريب ..ميرسو بطل الغريب هذه الشخصية الغريبة حقاً ، فقد إنسانيته وضاع ضميره ولم يبق منه سوى عادات يعيش بها بل لا أنسى قول "عندما ننزع الإنسان من ضميره ،فإننا نحوله إلى إنسان آلى النزعة "
بل يؤكد أن" كل إنسان مذنب ولكنه لايدرى .والمذنب من يعتقد أنه برىء"

ثم قرأت أسطورة سيزيف والطاعون وما كتبه من وقائع عن الجزائر ..ثم مسرحه كاليجولا وحظر التجول وسوء الفهم والمنصفون .
وهناك باقى أعماله السقوط ،والمنفى والمملكة ، وقصصه القصيرة ..نبذات وأفراح والرجل المتمرد والصيف والمقلوب والمعدول وخطابات السويد والموت السعيد ومذكراته ووقائعه .

وفى سنة 1957م حصل على جائزة نوبل عن مجموعة أعماله التى تلقى الضوء على المشاكل التى تواجه الضمير الإنسانى ..بل وفى أثناء إلقاء خطبته أمام لجنة نوبل فى ستوكهولم ،قال : "أنا مؤمن بالعدالة ،ولكننى سأدافع عن الإنسان قبل الدفاع عن العدالة ".
كنت أضع لنفسى خطة سنوية وبعد انتهاء العام الدراسى.. أن أحدد أسبوعاً لكل كاتب أعاود قراءة أعماله المتوافرة لدىّ..وحظ كامو كان فى طليعة المحظوظين ..
فقد نالت قصة الغريب والطاعون وأسطورة سيزيف ومسرحياته الأربع أكثر أوقاتى ..قراءةً وفهماً ..
وكم صدمت وأنا أقرأ عن وفاته العبثية وكأنى به رائد العبث.. يموت فى حادث سيارة فى الرابع من يناير 1960م...
هذا المحامى والمدافع بقوة عن حرية الإنسان وكل ما يعتز به الإنسان ؛ضد قوة العادات وإحكام قيدها على روح الإنسان وضد جاذبية العدم المتربص به..
ولا أنسى قولته التى أعتز بها وأرددها "هكذا كُتب علينا أن نكون أكبر من حقيقتنا"
__________________

لا إمام سوى العقل


أذكر ماقاله الشاعر الإنسانى الكبير / أبو العلاء المعرى
كذب الظن لا إمام سوى العقل***مشيراً إليه فى صبحه والمساء
و يبقى العقل حكماً لامناص منه..وأذكر أن الفارابى الفيلسوف العربى يؤكد "يجب الثقة فى قدرة العقل البشرى لاعلى حل معضلات الحكم والسياسة والأخلاق فحسب ،بل وحل مشكلات فهم الدين ذاته".


وياليتنا جميعاً ندرك أهمية الإختلاف ..وأن الإختلاف ،من طبيعة العقول .

إنما هناك ..من يقاوم قدرة العقل على فهم الدين،وهو يؤكد.. أن ما يزعمه هو العقل ذاته،متعصباً لرأيه ،نافياً عن الآخرين ،صفة العقل.
وتشتعل المعارك .

ويحضرنى فى هذا المقام، حكاية طريفة "
كان الشيطان يتجول فى أحد أسواق المدينة،فقابله رجلٌ صالحٌ ،فقال له:ياشيطان ..ابتعد عن هذا المكان ،فالناس هنا فى قمة التقوى والصلاح و الخير والحب بينهم ،سائد ولن يزول، ،ولاأمل لك فى أن تخدعهم بألاعيبك الشيطانية وتجرهم إلى إرتكاب المعاصى واقتراف الذنوب وإحداث الجرائم.
قال الشيطان:والله ..ياسيدى الصالح ..أنا لا أدفع أحداً إلى الإثم والمعصية ،إنما أبدأ بشىء صغير جداً،وهم ،ياسيدى،معتادون على التعصب والتهور وإراقة الدماء .
ثم قام بمد يده إلى وعاء عسل ،موجود أمام محل حلوانى يقلى زلابية ،ومسحها على مدخل المحل.
وقال : صبراً قليلاً ،ياسيدى ، وسترى العجب العجاب.
بعد لحظات.. تجمع النمل ،ثم أتت أسراب الذباب على قطرة العسل.
كانت هناك قطة قفزت على تجمع النمل والذباب ،فرأها كلب جار الحلوانى ، فجرى ورائها،خافت القطة وقفزت على وعاء قلى الزلابية ،الذى وقع أرضاً ومن فوقه الموقد.
زمجر الحلوانى من كلب جاره ،فضربه بعصا غليظة ،فعوى الكلب عواءً شديداً،أتى على إثره صاحب الكلب،فقامت مشاجرة بين الرجلين وتماسكا وأعتدى بعضهما على بعض .بالقول والفعل.
تدخل أهل السوق ..وانقسموا فريقين ،فريق مع الحلوانى وفريق مع صاحب الكلب.واحتدم الصراع وسالت الدماء ،وكثر الجرحى والمصابين .
و نار الموقد.. تسرى فى محل الحلوانى ،ثم امتدت إلى المحل المجاور، وتطاير الشرر وتوهجت النيران، وصار السوق بأكمله مشتعلاً ..بالنيران والمشاجرات وتزايد الخسائر فى الأرواح والأموال.

ونظر الشيطان إلى الرجل الصالح ..نظرة حسرةٍ وتشفٍ .
ومات بينهما الكلام ..فلم ينطقا بحرفٍ واحدٍ.


_______________________

ويبقى العقل مرشداَ ودليلاَ


فى لحظة ما ،وأثناء محاكمة الدكتور/ نصر حامد أبو زيد،شعرتُ بهزيمة ماحقة، طالت روحى وعلقمت فمى ،فلم أعد استطعم شيئاً ،وأبت بطنى هضم الطعام.

الليل موعدنا..شعارنا الذى نختم به أحاديثناالليلية ..فقد كان الدكتور نصر ،يقتطع من وقته الثمين ،دقائق قد تستمر إلى ساعة أو أقل قليلاً. نتكلم فيها عما يجرى حولنا ،وآخر ما قرأنا .....إلخ.
كان كتابه "التفكير فى زمن التكفير " من كتبه التى أهدانيها ،بإهداء جليل من مفكر جليل 

.( إلى الأخ العزيز الأستاذ
عبدالرؤوف النويهى
مع المودة والإعزاز.
نصر
19/4/1995م
)
وحكى لى حكاية قال لى : فى يوم من الأيام ،قام أحد أصدقائى بدعوتى لأذهب معه عند أقاربه الذين غاب عنهم طويلاً ،ويرغب فى رؤيتهم والإطمئنان على أحوالهم،وصمم وبقوة على اصطحابى معه، فحددت له يوماً،وكان يوم جمعة.
وذهبت معه وجلسنا عند أقاربه الذين إحتفوا بنا إحتفاءً لانظير له.
ثم دعى الداعى إلى صلاة الجمعة ،فقمنا جميعاً للصلاة ،فى المسجد الكبير بالقرية ..وتبين لى أن هناك بعض من كان يدرسون فى الكلية (كلية الآداب جامعةالقاهرة )من أهل القرية.
وطلبوا منى إعتلاء المنبر لإلقاء خطبة الجمعة ،تكريماً لى ولكونى أستاذاً لهم ،فى قسم الدراسات العربية الإسلامية،ولم تكن زوبعة القضايا قد اشتعلت بعد ،فامتنعت ..لأننى لم أكن مستعداً بموضوع الخطبة.
وقام خطيب المسجد بإعتلاء المنبر ،وأخذ يخطب ويتشدق ويحكى عن القصص القرآنى ،والحكايات الخرافية التى جمعها المفسرون من بطون الروايات التوراتية ،والتى لايقبلها عقل ولايحكمها منطق.
وأكثر من نصف ساعة.. لم أجد كلمة واحدة عاقلة، اللهم إلا الخرافات والأباطيل والحكايات التى لارأس لها ولاذنب.
ودار بذهنى آنذاك ..بقى إنت يانصر وأمثالك...عايزين تدعو الناس إلى طرح كل هذه الخرافات والحكايات والتفاهات!! دا من يوم كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين حتى اللحظة ،لم نستطع أن نلمس القشرة الخارجية لعقول الناس،إذن كم يكفى من الزمن ..حتى نخترق هذه القشرة لنصل إلى عقولهم!!!
فقلت له على الفور :طيب والعمل؟؟
هل سنترك الخرافة تتحكم فينا ؟
قال لى :أبداً هى محاولات فردية ،المجتمع فى حاجة إلى يقظة ،يعنى عمك (الدكتور /محمد النويهى)لما كتب بعض المقالات فى مجلة الآداب البيروتية وكان بيطالب فيها بثورة فكرية دينية إجتماعية تربوية ،إتهموه بالكفر."




هذه الحكاية لم أنسها أبداً،لأننى كنت_ أخيراً_أصلى الجمعة فى أحد المساجد وقام خطيب المسجد وأخذ يخطب خطبة الجمعة ،وكان يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،وفجأة قال :حتى الصحابة رضوان الله عليهم .كانوا يقتمسون مخاط النبى !!بل بوله أيضاً ويدعكون به وجوههم بل ويشربونه!!

وظهرت كلمات د/نصر ..تملأ عقلى وتهزنى هزاً ..وسيل الفتاوى المريضة إرضاع الكبير ،وغيرها من خرافات وخزعبلات !!


______________________

تعريف القدماء بأبى العلاء

وعيت على قصائد أبى العلاء ،يرددها والدى رحمة الله عليه وغفرانه ، وأجد ديوان سقط الزند وأحاول القراءة وأجد دراسة الدكتور طه حسين عن أبى العلاء ثم كتابه عن أبى العلاء فى سجنه وكتيبه صوت أبى العلاء ..

شدنى هذا النابغة وأزعم أنه الشاعر الإنسانى الأكبر ليس فقط فى ديوان الشعر العربى بل ربما فى ديوان الشعر العلمى .

كنت أسمع والدى يقول :

لاتظلموا الموتى وإن طال المدى
إنـى أخـاف عليكمو أن تلتقوا



وحفظت بعض أبياته واخترت الكثير من قصائده وأخطها فى كراساتى :


فـأى الناس أجعله صديقاَ
وأى الأرض أسلكه ارتيادا
ولو أن النجوم لدى مالنفت كفاى أكثرها انتقادا
كأنى فى لسان الدهر لفظ
تضمن منه أغراضاَ بعادا
يـكررنى ليفهمنى رجال
كما كررت معنى مستعادا


أبو العلاء المعرى ..العين الناقدة لما يسود المجتمع من نفاق أهله، إنه ينتقى سلوكيات مذمومة لشخصيات موجودة بكثرة وتفشيها عبر العصور .
إنه يًذكرنى ببعض رجال قريتى وسلوكهم المشين ،والمرفوض .
سأذكر بعض ما عناه أبو العلاء المعرى، قديماً، وما عانيته ،حديثاً.
(1)
بـخـيـفة الله تعبدتنا
وأنت عين الظالم اللاهى

تأمرنا بالزهد فى هذه ال
دنـيـاوما همك إلا هى


(2
توهمت يامغرور أنك ديّنٌ
عـلىّ يمين الله مالك دين
تسير إلى البيت الحرام تنسكاً
ويـشكوك جار بائس وخدين




(3

تـسـوقوا للغنى بربهم
وأظهروا خيفة له ودعوا
سـعـوا لـدنياهم بآخرةفبئس ماحاولوا غداة سعوا
ولم يعوا ما يقول واعظهم لكن لقول المخرصين وعوا

_________________
الغموض فى الأدب


ماهية الخطاب..تتعدد بتعدد المواضيع المطروحة ،وظنى أن ماهية الخطاب الموجه للمتلقى لابد وأن يكون الكاتب مدركاً لها ومتفهماً لماترمى إليه.
أما الغموض والإبهام فى القول ،سواء أكان شعراً أم أدباً أم نقداً أم سياسةً..مرهون بثقافات المتلقى .
وكون أبو تمام قد حدّد مفاهيمه لإدراك المتلقى لأشعاره ،بأن على المتلقى أن يفهم مايُقال.
فهذا القول منه ،لا أتفق معه فيما قاله.
وسندى فى ذلك أنك لاتكتب أى الكاتب إلا وأمام عينيك القارىء الذى تكتب له.
فهى علاقة وثيقة بين المبدع والمتلقى .
وما قيمة إبداع، أياً كان ،إذا لم يكن له من يقرأه ؟

فقيمة الإبداع الحقيقى فيما يقدمه للمتلقى،وليس معنى ذلك ،أن يتدنى بمستوى اللغة أو الفكر إلى أدنى مستوى . وإنما ما أرمى إليه هو وضع الفكرة العظيمة فى أسلوب مفهوم ومقبول .

وكان لى صديق من الذين يتزعمون الكتابة التجريبية ،وكان له عالمه الخاص ومعجمه اللغوى لألفاظ متقعرة غير مستعملة.وكأنى به يأتى بالغرائب، كى يقول للمتلقى ..لن تقرأنى ولن تفهمنى.

وذات يوم ..منذ أكثر من ربع قرن ويزيد،أعطانى قصة من قصصه وهو ممتلأ زهواً ،وقال لى :اقرأ وسترى.
وأخذت القصة وحاولت القراءة مرة بعد مرة ،بل مرات عديدة لكنى لم أصل لشىء. فاتهمت نفسى بعدم الفهم وقصورى عن إدراك المعانى .
وقلت له:ياصديقى.. أنا لم أفهم ماترمى إليه،ورغم ثقافتى المتواضعة، لم أحظ بشرف معرفة كنه هذا الإبداع.
فقال لى على الفور:أنا لا أكتب للحاضر ،أنا أكتب للمستقبل ،وسوف يعرفون آنذاك ..من أنا؟!!
وقام بتسليم ،هذه القصة أو القصص.. للراحل الدكتور /عزالدين إسماعيل،وكان رئيس تحرير مجلة "إبداع" القاهرية ،الذى نشرها فى باب" التجارب"،وهو باب فى المجلة ،لنصوص غامضة أو غير مفهومة .
صديقى هذا ..من كبار المثقفين الذين صاحبتهم ،أما ما يصبو إليه فهو ،منى، مرفوض ،لأن الكاتب أياً كان ..عندما يكتب ،لابد وأن يكتب مايُفهم،وبلغة تُمكن المتلقى من إدراك أهدافه.
____________________

الكرنك ..وما أدراك ما الكرنك!!


مصر الفراعين.. الذين أقاموا حضارة.. يفنى الزمان ولاتفنى .

لكن "الكرنك "رواية صغيرة الحجم ،ربما من أصغر روايات نجيب محفوظ ..فور صدورها ،قمت بشرائها ب25قرش صاغ مصرى أو ربع جنيه ..كانت فى أوائل سبعينيات القرن الماضى .
قرأتها مرارا وتكراراً ،إذ كنت فى شهور الصيف من كل عام ،أضع مؤلفات نجيب محفوظ وأقرأها دفعةً واحدة ،ثم أعمال يوسف إدريس وغيره من الكتاب .
وبعد نشر القصة .. وبدء مهرجان النقد واللطم والنواح وقتلناك يا آخر الأنبياء إلى الدكتاتورسفاك الدماء ..
كانت الجرائد والمجلات المؤيدة للزعيم الخالد ..والأخرى اللاعنة سنسفيله وسنسفيل عصره.
موضة ..إعتدتُ عليها ،كنت أنتظرها بفارغ الصبر ..فهذا المهرجان من الفلكلور الشعبى ..المؤيدون والرافضون ،وجهاً لوجه ،وليذهب الوطن إلى الجحيم.
كانت سوقاً رائجة للمجلات والمطابع والجرائد.

المهم ..صارت التيارات والأطياف السياسية والدينية تُلاعب الرئيس المؤمن /محمد أنور السادات ،وبدأت موضة التكفير والتخوين، لكل مصرى تقدمى ، بل أذكر فى تلك الفترة وبجامعة القاهرة سنة 1975م ،الجماعات الإسلامية وهم يرتدون الثياب البيضاء ويدخلون علينا فى مدرج العميد بدر، وهو أكبر مدرج بكلية حقوق القاهرة.. وبيدهم بُلط أو بلطات جمع بلطة ويهاجمون التقدميين والتيارات السياسية المناوئة لهم ..كادت أن تكون مجزرة لولا لطف الله ،بنا ..فلاحوار ولانقاش ،ألسنا كفرة !!!والقتل ،فينا ،حلال !!!

لكن السؤال بداخلى لم ينته ..أين الأمن؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وفى كتاب "تجربتى "للمهندس عثمان أحمد عثمان ..ربما إن لم تخنى الذاكرة الخؤون ،قال إن السادات وقد أراد أن ينتقم من التيارات التقدمية والرافضة لسياساته، فقد حاول تأجيج الصراع.. بينهم وبين التيارات الدينية ،وتم إدخال البلطات إلى الجامعة تحت بصر ومساعدة رجال الأمن وتمكين التيارات الدينية من الهجوم الضارى على التيارات الأخرى.
الأهم..العبدلله ..كان من الأخسرين أعمالاً !!! وتعرض لسقطة من درجات المدرج ،كادت أن تودى به .
وتم مغازلة المرحلة الساداتية.. وفؤجئنا بالتزمير والتطبيل والمدح "من الأحسنين أعمالاً " تعلو وتعلو وتعلو ..وتملأ سماء جامعة القاهرة ،بل سماء الوطن كله"مصر المحروسة "ثم نهايته الدراماتيكية على أيديهم الطاهرة !!!
ثم كان فيلم السندريلا "الكرنك"وبطلته الرائعة وخفيفة الظل سعادحسنى ، وعرضه فى سنيمات مصر المحروسة ، أشهرا وأشهراً.
وهاج التقدميون وأرغوا وأزبدوا ورد عليهم الدينيون والرأسماليون وأصحاب الثأر من عبدالناصر وثورته ..وهكذا أتذكر الماضى ، عندما أسمع كلمة" الكرنك ".فأتذكر السندريلا والكرنك..

جزاك الله.. يايوسف ياابنى ..بكل خير ..فلو لم تقل لى أنك مسافر الأقصر عشان تشوف معابد الكرنك ،ماكانت هذة الثرثرةالثقيلة على قلوب الأتقياء!
.

________________________
شاعر من فلسطين

فى يوم 14/5/1993م الساعة الثامنة مساءً ،كان فى زيارتى ،بمنزلى ،الشاعر الفلسطينى الراحل /مروان محمد برزق ،نتبادل الأحاديث والهم العربى والصراع على أرض فلسطين الطاهرة ،فلسطين الأقصى والجليل،فلسطين الرصاصة والبندقية،فلسطين السفرجل والبرتقال.

الشيب يكلل هامته ،متوجاً إياه بثأر السنين الطويلة فى الجهاد والمقاومة والصمود.


وفجأة طلب منى ورقاً وقلماً ،وانتحى جانباً ،جالساً على مكتبى ،إذ كنا بغرفة المكتبة .


وبعد وقت ليس بالطويل ،أعطانى ورقتين بهما قصيدة "المبعدون" 14بيتاً.


وأقرأ قصيدة حارقة صارخة تندد بالإفك الصهيونى للمبدعين الفلسطنيين ورفض الصهاينة دخولهم إلى غزة الصامدة .
هذه القصيدة وبخط الشاعر الراحل وبالمداد الأخضر ..ظلت مخطوطة ومحفوظة لدى طوال السنين الماضية ،كنت حريصاً عليها ،حرصى على الحياة.


الآن ..أجد أن الأمانة تحضنى حضاً على نشر هذه القصيدة القنبلة.


تحية لصديق عزيز وشاعر عظيم .


أهدانى إياها ،وأترككم تقرأون ..وتظل فلسطين الملتقى والعناق.

فليرحمك الله جل شأنه، شاعرى الكبير وصديقى الأعز ..طيب الله ثراك وغفر لك وشملك بعفوه ورضاه.





المبعدون

هـذا زمـان الـشـد فاشـتـدى
وحطمـى كـل مأفـون ومـرتـد
فى ساحك الوعر كم
ولت جحافلهـم شماء
حين دعا الداعى إلـى المـد
حرائر فيك كـم جـادت بمعتصـم
وكنت فى نائبـات الدهـر كالسـد

جبينك الصخر لم يركـع لطاغيـة
يسومك الحتف بين القيـظ والبـرد

تلك المنافى على الأتـراح شاهـدة
لطغمـة جنحـت للإثـم والصـد

ركب الأشقاء فى صمت وفى وسنمن استكانوا ومن خانوا عرى الوجد
فى نفيك إنزرعت أمجادنـا حقبـاً
طوبـاك عنقـاء كنعانيـة المجـد

ببحرك اللجب الأعصـار صاديـةمضت تعانق شمس النصر والغـد

يامبعـدون لكـم تحنـوا مرابعنـايازهرة أينعت من جرحنا الصلـد
ونجمـة بـددت ديجـور غربتنـا
سيف لعنق الخنا والمـارق الوغـد

ما طأطأت بلظى الجلى عزائمكـموتترعون كؤوس الخـل كالشهـد
أنتـم بـلال وللأقصـى مؤذنـها
لمعمـدان بنـا ديمومـة العـهـد

هذى حقوق الجياع المرد
ناصعـةلاتسترد
مـن الشطرنـج والنـرد
إلا بسمر القنا أوفى المـدى
حجـردما شهيد
هوى فـى ظلمـة اللحـد

_________________________________________________


ثقافة النكد فى حياتنا

ما من مرة أقابله والابتسامة تملأ وجهى ،هاشاً باشاً لرؤيته إلا ويصدمنى بشكواه التى لا تنتهى وعذاب الدنيا الذى يلاحقه أينما كان .
كنت أشفق عليه وأرثى لحاله وأسعى جاهداً للأخذ بيده ،بحسبانى أنه يعانى مشاكل كثيرة .
وفى يوم من الأيام كنت أجالس قريبة لى تناقشنى فى قضاياها المنظورة والمتداولة أمام المحاكم بشأن ميراثها من زوجها عليه رحمة الله وغفرانه.
وفجأة ذكرت اسماً لرجلٍ من عائلتنا ،هذا الذى يقابلنى بشكواه ويصدمنى بمآسيه واحباطاته وأحزانه الكثيرة المتكاثرة .
ولم أدع الفرصة تفوتنى فقلت لها على الفور : فلان هذا الله يكون فى عونه ما إن يقابلنى إلا ويهدم الدنيا على رأسى ويجعل يومى نكداً ونهارى حزيناً.
فنظرت لى قريبتى نظرةً فاحصةً متأملةً ودققت النظر فى معالم وجهى ،الأمر الذى أدهشنى ،فقلت لها بغضبٍ :فيه إيه عمّالة تبصى فى وشى كأنك أول مرة تشوفنى ؟ فردت علىّ وقالت :فلان ده حياته أحسن من حياة الملايين ،ده يملك أرض تسد عين الشمس ،وفلوس أكتر من الهم على القلب وولاده كويسين وحياته تتمناها كل الناس.
أنا استغربت وحكيت على مقابلاته والكلام الكتير والشكاوى والأحزان بتاعته..............
قالت بجدية :رغم امتيازاتك فى حاجات كتيرة إلا إنك ممكن تنخدع بشوية دموع وكلام يقطع القلب ،ياسيدى الراجل ده ماعندوش مشاكل أنا أعرفه أكتر منك وحياته سلسة وبدون مشاكل وزوجته وأولاده لابيهشو ولا بينشو .............فى حالهم ..
فقلت لها :لأ الرجل ده أنا حاسس إنه صادق فى كلامه.
قالت :شكوى ولا رقوة. قلت يعنى إيه ؟
قالت أصله بيخاف من الحسد.
قلت :هو أنا باحسده!
قالت :هوبطبعه راجل نكدى وبيخاف موت من الناس ومليان وساوس وخوف ورعب..
قلت :بس إيه شكوى ولا رقوة ؟
ضحكت وقالت :أصله بخيل جداً ولما هو بيخاف من الحسد وعشان ما يعملش رقوة ترقيه من عيون الحاسدين ودى بتكلفه فلوس كتيرة لما يروح لبتوع الأعمال والسحر ،فهو بيشكى كده على طول عشان ما يدفعش فلوس ويبقى وصل للنتيجة المطلوبة ،ويبعد العين عنه،وعلى فكرة (شكوى ولارقوة) مثل شعبى معظم الناس بتعمل به.
بصراحة أنا فزعت من كلامها وتحليلها لشخصية هذا الرجل النكدى بطبعه والمريض بمرض مزمن (الشكوى المستمرة )،وشعرت أن الخرزة الزرقاء التى وجدتها معلقة بالسيارة الفارهة التى يركبها أحد معارفى والحاصل على أعلى مستوى علمى ،قد كشفت لى عن طبيعة الشخصيات المعقدة والمريضة ،هذه الشخصيات التى أعطاها الله المال والجاه والصحة ،لكنها لا تحمد الله وتشكره بل تحاول أن تزرع النكد والحزن والهم فى قلب كل إنسان تقابله.
إن ثقافة النكد والغم والهم التى تسيطر على بعض الناس وتسود حياتنا سواء فى المسلسلات التلفزيونية والمجلات والكتب والصحف وتنهش فى واقعنا المزرى والمحبط وتقتل ما تبقى فينا من الفرحة والابتسامةوالمقاومة ،لجديرُ بنا أن نقف فى وجهها ونعمل جاهدين على هدمها وبيان مفاسدهاوتأثيرها الضار والمدمر والقاتل فى مسيرة حياتنا.
وكفانا ما يحيط بنا من رعبٍ وفزعٍ ودمارٍ .
________________________________
حرية 


الحرص على الأبناء ،فلذات الأكباد ،نحن مارسناه وعايشناه ،وكم أدركنا المعاناة القاسية التى تشغل العقل والقلب معا !
وما يوده الأب لأبنائه من رفعة ومجد،كان بمنأى عنهما .
 

ذات ليلة كان القمر بدرا ، أجالس بعض الأهل والأقارب ،نتطرق إلى مشكلات القرية والظروف المحيطة بنا ، وما يجب عمله حتى تصبح القرية فى مستوى لائق .
وفجأة وبدون تمهيد ،ألقى أحد الأقارب بقنبلة هزت المجلس ،وأخذت الأسماع ونالت إهتماما ملحوظا ،على إثرها ضاعت كل الحوارات الأخرى .
قال القريب :فى يوم كنت جالسا مع عمى العمدة وعمى الحاج محمد(والدى )وبعض الأعيان بالبلد ،ودار الحديث عن مشاكل البلد (القرية)وبعد لحظات سمعت حديثاجانبيا عن رؤوف ومشكلته مع الدولة والأمن والسياسة،وأن البلد مش ناقصة مشاكل ،ولازم رؤوف يبعد عن الأفكار الهدامة وبلاش وجع دماغ.
لكن عمى الحاج محمد ،لم يترك لمن يتكلم الفرصة وقال له : ابنى حر فى أفكاره ويتحمل مسؤليته وهو مثقف وعارف الصح من الغلط ،وإذا كنت أنا مش موافق على آرائه وفكره ،مش معنى ذلك إننى أتبرى منه ،أو أطرده من البيت .
وطبعا كل الموجودين سكتوا وانفض المجلس،وعلى فكرة الكلام حصل حوالى سنة تمانين(1980م).



الحكاية تعتبر حدثا بالنسبة لى ،لأن والدى يرحمه الله ، تربية أزهرية والدين والإسلام والقرآن وخطيب مسجد ومن الدعاة ،وابنه على النقيض منه ،ورغم النقد الشديد والقاسى الموجه له ومحاولة النيل والإصرار على أخذ موقف منى ،لم يتدخل فى حياتى مطلقا.
وعرفت مدى المعاناة والألم الشديد والصبر على تطاول المتطاولين وإيذاء الأهل والأقارب له سواء بالفعل أو القول 
.
إنه كان يعرف معنى الحرية
.

_______________________________
كتابة على شاطىء طنجة

الدكتور /أحمد المجاطى ..المولود بالدار البيضاء سنة 1936م والمتوفى سنة 1995م وعن ديوانه الفروسية.

كتابة على شاطىء طنجة 


جبل الريف على خاصرة الفجر
تعثر
هبت الريح من الشرق
زهت فى الأفق الغربى
غابات الصنوبر

لاتقل للكأس هذا وطن
الله
ففى طنجة
يبقى الله فى محرابه الخلفي
عطشان
ويستأسد قيصر

هل شربت الشاى
فى أسواقها السفلى
غمست العام
فى اللحظة
واللحظة
فى السبعين عام
أم شققت النهر فى أحشائها
قلت:هى اليرموك
والزلاقة الحسناء
من أسمائها
قلت:
هى الحرف
على شاهدة القبر .
يغنى
وعلى سارية القصر
يموت
وعرفت الله فى محبرة الرعب
وقاموس السكوت

تخرج الأكفان من أجداثها
يوماً
وتبقى ها هنا العتمة
والسائحة الحمقاء
والمقهى الذى اعتدنا به الموت
مساءً
ربما عاج بنا الفجرُ على دائرة من
نهوى
قليلاً:
"فخططنا فى نقا الرمل ولم تحفظ"
ويبقى الحرف مصلوباً على سارية
القصر
كأن الله لم يصدع به
سيفاً
وشمساً
ورجاءاً

ليته مال على مراكش الشمطاء
نخلاً
وعلى كثبان وارزازات
ماءاً

آه أمسى جبل الريف سراديب
وعاد الصمت منبر
لاتقل للكأس هذا وطن
الله
ففى طنجة يبقى
الله فى محرابه الخلفي
عطشان
ويستأسد قيصر .
_______________________


الطيب صالح


فى مقتبل الصبا ،كنت أقف أمام فترينات المكتبات وأتأمل الكتب المعروضة ،وفى جيبى قروش معدودة ،أحاول أن أشترى كتاباً لايتجاوزها،وتوقفت أمام بائع جرائد ومجلات ..إعتدتُ وأنا فى طريقى إلى المدرسة الإعدادية ، التمهل عنده لحظات ،أخطف فيه عناوين الجرائد وأسماء الكتب الجديدة.
وفى إحدى المرات ،وقعت عينى على كتاب "موسم الهجرة إلى الشمال"،لكاتب يُدعى الطيب صالح ،ولكنى لم أستطع _حينئذ_ شرائه.وتمر الأيام ..ثم أجد كتاباً آخر "بندر شاه "للطيب صالح،وصممت على شرائه بأى ثمن.
وبعد توفير الملبغ.. ذهبت إلى بائع الجرائد، وبكل ثقة.. اشتريتُ الكتاب .
سهرت طوال الليل ،على ضوء شحيح _من لمبة جاز نمرة 10_ حتى قرأته.
كانت به كلمات لا أفهم معناها.. فقد كانت بالهجة السودانية.ولكن الذى أعجبنى _وقتذاك_المقدمة التى سطرها الناقد رجاء النقاش.وأتى فيها على ذكر "موسم الهجرة إلى الشمال".
وقرأت للطيب صالح ،عرس الزين ومريود وتتبعت مقالته وكتبه.وقرأت نقداً وتقريظاً جيداً عن رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال"،ثم قرأت الحى اللاتينى لسهيل إدريس والسيدة فيينا ونيويورك 80ليوسف إدريس وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم وأديب لطه حسين ..الساخن والبارد لفتحى غانم ....
اهتممت بعلاقة الشرق بالغرب ،وكيف يلتقيان؟
وربما اهتمامى بالآداب الأجنبية هوالغوص فى أعماق هذه المجتمعات والتعرف على جيناتهم المعرفية والتراكم الثقافى فى تاريخهم ،وكيفية التواصل معهم؟
فنحن الشعوب العربية أجهل بمايدور بعقولهم حين نتعامل معهم،وهم أعلم بنا من أنفسنا حين يتعاملون معنا! 

وها هو صاحب موسم الهجرة إلى الشمال ،يهاجر من الدنيا ..يوم الأربعاء20فبراير2009م ،بمدينة لندن ..بعد حياة حافلة وعمرمديد 80عاماً.فى رحاب الله ..ياصاحبى الذى قرأته صغيراً واحترمته كبيراً .
ولن أنسى الفقرة الأولى من روايتك الخالدة وأنقلها كاملةً.

(1)

عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة ، سبعة أعوام على وجه التحديد ، كنت خلالها أتعلم في أوربا . تعلمت الكثير ، وغاب عني الكثير ، ولكن تلك قصة أخرى . المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل . سبعة أعوام وأنا أحن إليهم وأحلم بهم ، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائماً بينهم ، فرحوا بي وضجوا حولي ، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجاً يذوب في دخيلتي ، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس . ذاك دفء الحياة في العشيرة ، فقدته زماناً في بلاد " تموت من البرد حيتانها " . تعودت أذناي أصواتهم ، وألفت عيناي أشكالهم من كثرة ما فكرت فيهم في الغيبة ، قام بيني وبينهم شيء مثل الضباب ، أول وهلة رأيتهم . لكن الضباب راح ، واستيقظت ثاني يوم وصولي ، في فراشي الذي أعرفه في الغرفة التي تشهد جدرانها على ترهات حياتي في طفولتها ومطلع شبابها وأرخيت أذني للريح . ذاك لعمري صوت أعرفه ، له في بلدنا وشوشة مرحة . صوت الريح وهي تمر بالنخل غيره وهي تمر بحقول القمح . وسمعت هديل القمري ، نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا ، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير ، أنظر إلى جذعها القوي المعتدل ، وإلى عروقها الضاربة في الأرض ، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة . أحس أنني لست ريشة في مهب الريح ، ولكني مثل تلك النخلة ، مخلوق له أصل ، له جذور له هدف .
وجاءت أمي تحمل الشاي . فرغ أبي من صلاته وأوراده فجاء . وجاءت أختي، وجاء أخواي ، وجلسنا نشرب الشاي ونتحدث ، شأننا منذ تفتحت عيناي على الحياة . نعم ، الحياة طيبة ، والدنيا كحالها لم تتغير .
فجأة تذكرت وجها رأيته بين المستقبلين لم أعرفه . سألتهم عنه ، ووصفته لهم . رجل ربعة القامة ، في نحو الخمسين أو يزيد قليلا ، شعر رأسه كثيف مبيض ، ليست له لحية وشاربه أصغر قليلا من شوارب الرجال في البلد . رجل وسيم .
وقال أبي : " هذا مصطفى "
مصطفى من ؟ هل هو أحد المغتربين من أبناء البلد عاد ؟ وقال أبي أن مصطفى ليس من أهل البلد ، لكنه غريب جاء منذ خمسة أعوام ، أشترى مزرعة وبنى بيتاً وتزوج بنت محمود .. رجل في حاله ، لا يعلمون عنه الكثير .
لا أعلم تماما ماذا أثار فضولي ، لكنني تذكرت أنه يوم وصولي كان صامتاً . كل أحد سألني وسألته .وسألوني عن أوربا . هل الناس مثلنا أم يختلفون عنا ؟ المعيشة غالية أم رخيصة ؟ ماذا يفعل الناس في الشتاء ؟ يقولون أن النساء سافرات يرقصن علانية مع الرجال . وسألني ود الريس : "هل صحيح أنهم لا يتزوجون ولكن الرجل منهم يعيش مع المرأة بالحرام ؟ "
أسئلة كثيرة رددت عليها حسب علمي . دهشوا حين قلت لهم أن الأوربيين ، إذا استثنينا فوراق ضئيلة ، مثلنا تماماً ، يتزوجون ويربون أولادهم حسب التقاليد والأصول ، ولهم أخلاق حسنة ، وهم عموماً قوم طيبون .
وسألني محجوب . "هل بينهم مزارعون ؟"
وقلت له : " نعم بينهم مزارعون وبينهم كل شيء . منهم العامل والطبيب والمزارع والمعلم ، مثلنا تماماً " . وآثرت ألا أقول بقية ما خطر على بالي : " مثلنا تماماً. يولدون ويموتون وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاما بعضها يصدق وبعضها يخيب . يخافون من المجهول ، وينشدون الحب ، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد.فيهم أقوياء ، وبينهم مستضعفون ، بعضهم أعطته الحياة أكثر مما يستحق ، وبعضهم حرمته الحياة . ولكن الفروق تضيق وأغلب الضعفاء لم يعودوا ضعفاء " . لم أقل لمحجوب هذا ، وليتني قلت ، فقد كان ذكياً . خفت ، من غروري ، ألا يفهم . وقالت بنت مجذوب ضاحكة : " خفنا أن تعود إلينا بنصرانية غلفاء " .
لكن مصطفى لم يقل شيئاً . ظل يستمع في صمت ، يبتسم أحياناً ، ابتسامة أذكر الآن كانت غامضة ، مثل شخص يحدث نفسه .
نسيت مصطفى بعد ذلك ، فقد بدأت أعيد صلتي بالناس والأشياء في القرية . كنت سعيداً تلك الأيام ، كطفل يرى وجهه في المرآة لأول مرة . وكانت أمي لي بالمرصاد، تذكرني بمن مات ، لأذهب وأعزي ، وتذكرني بمن تزوج ، لأذهب وأهنئ . جبت البلد طولاً وعرضاً معزياً ومهنئاً . ويوماً ذهبت إلى مكاني الأثير ، عند جذع شجرة على ضفة النهر . كم عدد الساعات التي قضيتها في طفولتي تحت تلك الشجرة ، أرمي الحجارة في النهر وأحلم ، ويشرد خيالي في الأفق البعيد ؟ أسمع أنين السواقي على النهر ، وتصايح الناس في الحقول ، وخوار ثور أو نهيق حمار . كان الحظ يسعدني أحياناً ، فتمر الباخرة أمامي صاعدة أو نازلة . من مكاني تحت الشجرة ، رأيت البلد يتغير في بطء . راحت السواقي . وقامت على ضفة النيل طلمبات لضخ الماء ، كل مكنة تؤدي عمل مائة ساقية . ورأيت الضفة تتقهقر عاماً بعد عام أمام لطمات الماء ، وفي جانب آخر يتقهقر الماء أمامها . وكانت تخطر في ذهني أحياناً أفكار غريبة . كنت أفكر ، وأنا أرى الشاطئ يضيق في مكان ، ويتسع في مكان ، وأن ذلك شأن الحياة ، تعطي بيد وتأخـذ باليد الأخرى . لكن لعلني أدركت ذلك فيما بعد . أنا الآن ، على أي حال ، أدرك هذه الحكمة ، لكن بذهني فقط ، إذ أن عضلاتي تحت جلدي مرنة مطواعة وقلبي متفائل . أنني أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر . ثمة آفاق كثيرة لابد أن تُزار ، ثمة ثمار يجب أن تُقطف ، كتب كثيرة تقرأ ، وصفحات بيضاء في سجل العمر ، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرئ . وأنظر إلى النهر بدأ ماؤه يربد بالطمي – لابد أن المطر هطـل في هضاب الحبشة – وإلى الرجال قاماتهم متكئة على المحاريث ، أو منحنية على المعاول . وتمتلئ عيناي بالحقول المنبسطة كراحة اليد إلى طرف الصحراء حيث تقوم البيوت . أسمع طائراً يغرد ، أو كلباً ينبح ، أو صوت فأس في الحطب – وأحس بالاستقرار . وأحس أنني مهم ، وأنني مستمر ، ومتكامل . " لا .. لست أنا الحجر يلقى في الماء ، لكنني البذرة تبذر في الحقل " . ,اذهب إلى جدي ، فيحدثني عن الحياة قبل أربعين عاماً ، قبل خمسين عاماً لا بل ثمانين ، فيقوى إحساسي بالأمن . كنت أحب جدي ، ويبدو أنه كان يؤثرني . ولعل أحد أسباب صداقتي معه ، أنني كنت منذ صغري تشحذ خيالي حكايات الماضي ، وكان جدي يحب أن يحكي ، لما سافرت خفت أن يموت في غيبتي . وكنت حين يلم بي الحنين إلى أهلي ، أراه في منامي . قلت له ذلك ، فضحك وقال : " حدثني عراف وأنا شاب ، أنني إذا جاوزت عمر النبوة – يعني الستين – فأنني سأصل المائة " . وحسبنا عمره ، أنا وهو فوجدنا أنه بقي له نحو اثني عشر عاماً .
كان جدي يحدثني عن حاكم غاشم ، حكم ذلك الإقليم أيام الأتراك . ولست أعلم ما الذي دفع بمصطفى إلى ذهني ، لكني تذكرته بغتة ، فقلت أسأل عنه جدي ، فهو عليم بحسب كل أحد في البلد ونسبه ، بل بأحساب وأنساب مبعثرة قبلي وبحري ، أعلى النهـر وأسفله لكن جدي هز رأسه وقـال أنه لا يعلم عنه سوى أنه من نواحي الخرطوم ، وأنه جاء إلى البلد منذ نحو خمسة أعوام ، واشترى أرضاً تفرق وارثوها منها . ثم قبل أربعة أعوام زوجه محمود إحدى بناته . قلت لجدي : " أي بناته ؟ فقال :"حسنة".
وهز جدى رأسه وقال :"تلك القبيلة .لا يبالون لمن يزوجون بناتهم". لكنه أردف،كأنه يعتذر ،إن مصطفى طول إقامته فى البلد،لم يبد منه شىء منفر،وأنه يحضر صلاة الجمعة فى المسجد بانتظام ،وأنه يسارع "بذراعه وقدحه فى الأفراح والأتراح"..
هكذا طريقة جدى فى الكلام.

______________________

عشقٌ وغُربةٌ

قال قيس بن الحدادية " قيس بن منقذ بن عمرو المعروف بابن الحدادية الخزاعي "
 ينسب إلى أمه الحدادية :
شاعر من الصعاليك فى العصر الجاهلى.



ولما تبدت للرحيل جمالنا
وجد بنا السير وفاضت مدامع
تبدت لنا مذعورة من خبائها
وناظرها باللؤلؤ الرطب دامع

أشارت بأطراف البنان وودعت
وأومت بعينها متى أنت راجع ؟
فقلت لها : والله ما من مسافر 
يسير ويدري ما به الله صانع 
فشالت نقاب الحسن من فوق وجهها
فسالت من الطرف الكحيل مدامع
فقالت : إلهي كن عليه خليفة 
فيا رب ما خابت لديك الودائع
__________________________________
تذوق الشعر

فى سنوات التكوين ، وبالمرحلة الثانوية ( سنة 1970م ) ..
كان مقرراً علينا دراسة نص المتنبى ،وأسهب المدرس شرحاً وتحليلاً فى أبيات المتنبى ..
وأشار إلى أن المتنبى قد أخطأ وهو الشاعر الفحل ومن فحول شعراء العربية ..
إذ أن المتنبى وقد عاب عليه سيف الدولة الحمدانى ترتيب صدروعجز البيتين.
وأذكر أننى ،آنذاك، قلتُ له : أن المتنبى قد صادف صحيح التركيب فى صدر البيتين وعجزهما ..
وأن البيت الأول :
وقفت وما في الموت شك لواقف ** كأنك في جفن الردى وهو نائم
هو موقف الموت المحدق من كل جانب وأن الموت الذى يُلقى الرعب فى قلوب أعتى الشجعان ،والحرب الضروس قائمة والموت يحصد الأرواح .
فكأن الموت وهو المسيطر على ساحة الحرب لايجرؤ على الإقتراب من سيف الدولة ..وكأنه يخشاه أو كما يقول المتنبى (نائم) .
فالموقعة يسيطر عليها الموت ،لكن الموت أبعد مايكون عن سيف الدولة .

أما البيت الثانى :
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ** ووجهك وضاح وثغرك باسم
هذا البيت.. الهزيمة مقابل الفرح ،والابتسام مقابل الأحزان .
فكأن المتنبى يريد القول ..أن الهزيمة تحيط بالأعداء من كل صوب وحدب و"أبطال الأعداء" الذين يقاتلونه،
وهم من هم فى الكر والفر والضرب والطعن ،يمرون أمامه تعلوهم الهزيمة الماحقة لقوتهم والساحقة لصمودهم ..
ولكن أنت ياسيف الدولة بوجهك الضحوك وثغرك الباسم ..تؤكد النصر والانتصار .وكأنها لم تكن معركة حامية الوطيس وإنما نزهة خلوية .
حقيقةً.. كنت أحاول أن أقول ما دار بنفسى ..وأن تذوقى للشعر قد يخالف مادرج عليه القوم ،من تذوق واستمتاع .
وكان رد ه على ما قلته : ما أظن أن القدماء أخطأوا!!

ودارت الأيام وتقابلت مع الدكتور النويهى .. وحكيت له عما دار بشأن المتنبى .
فرد قائلاً:الشعر تذوق وما تشعر به أنت قد يرفضه غيرك ..لكن يبقى النص مفتوحاً للتأويل ..وبيان جمالياته وتماسكه وبلاغته وصورته الشعرية .

وربما كان كتابه الضخم "ا
لشعر الجاهلى ..منهج لدارسته وتقويمه"محاولة جادة، منه ،لفتح آفاق جديدة لتذوق الشعر .
_________________________
مايقع إلا الشاطر
كثيراً وكثيراً جداً ..والأمر لايسلم.. يتساهل الواحد منا مع أصدقائه ويتسامح معهم ويمد يد العون ويبذل الغالى والرخيص فى إرضائهم ،ثم ينتهى به المطاف إلى مالايحمد عقباه .
ويتبين له بعد فوات الآوان ،أنه ضحية صداقة مزيفة وجهل بنفسية البشر وثقة مفرطة بالآخرين.وقد تعرضت لموقف لا ولن أنساه .
"كان لى صديق عشنا معاً فترات الطفولة والشباب ثم سافر إلى خارج القطر المصرى ،وعاش هناك سنوات عديدة بل كان يتنقل بين البلدان العربية.
وفى خلال ديسمبر1994م حضر إلى مكتبى وبيده مجموعة أوراق ،فلما اطلعت عليها وجدتها عدة أحكام جنائية بالحبس وأحكام مدنية بمديونيات لشركات وأفراد ،وصار مهدداً من قبل السلطات لتنفيذ هذه الأحكام ومنعه من السفر .
وشمرت عن ساعدىّ ووقفت وقفة الصديق مع صديقه ،وأتصلت بالشركات وتفاهمت معهم على سداد الديون وجدولتها على فترات .
وقد صدقت معى بعض الشركات إلا شركة واحدة طلبت منى أن يكون التعامل معى شخصياً لعدم ثقتها فى صديقى هذا ،وقال لى مدير الشركة وهو يبتسم :

ده نصاب كبير وياما أتعبنا معاه كتير للحصول على فلوسنا وماصدقنا وقع فى إيدينا ،وعلشان نتصالح معاه ونتنازل عن الأحكام الجنائية بالحبس والسجن ،كل المديونيات تبقى باسمك شخصياً،فأنت أهلٌ للثقة بخلاف أنت محاميه ، وتوقع على السندات .وأخذتنى الشهامة ووافقت وكتبت الدين باسمى .وتم وقف أحكام الحبس والتنازل عن الأحكام المدنية .
وسافر صديقى لعمله ببلد عربى، ولم يعد يتصل بى وخشيت من نسيانه ،فكنت أتصل بزوجته للتذكرة .ومرات سنة وراء الأخرى ..ثم وجدت مدير الشركة يرسل لى مندوباً لاستلام الدين ،فقد حل ميعاد السداد.وكانت القطيعة الأبدية بينى وبينه .،فقد تبين لى زيف العلاقة التى لاتمت للصداقة بصلة.
واتصلت بزوجة الصديق فقالت لى :سيعود خلال يومين .فطلبت من مدير الشركة الإرجاء لعدة أيام .
وعاد الصديق سالماً غانماً ،ولم يتصل أو يحضر لسداد الدين .رغم طلبى مراراً وتكراراً.والشركة تتصل للوفاء بالدين وإلا ستلجأ إلى القانون.
وأتانى الصديق وقدمت له صورالمستندات حتى نقوم بسداد الدين وحضور مندوب الشركة لاستلامها .
وكانت ضربة قاتلة ..أن قام بسداد نصف المبلغ ،وقال: لن أسدد النصف الآخر .
فتعجبت وقلت له: هذه ديونك واجبة السداد ..فهز كتفيه وقال :أنا لم أوقع على شيىء ، أنت وقعت على الورق وتحمل النصف الآخر .
وأصبحت مهزوماً أمام نفسى ؛أما أتخانق معه أو أقوم بسداد المبلغ حرصاً على اسمى وسمعتى المهنية وحسن نيتى ..
ووفقنى الله وقمت بسداد المبلغ "مبلغ ضخم "حافظاً ماء وجهى أمام نفسى ومدير الشركة .
وتعود إلى ذاكرتى أسطورة من أساطير دافينشى،قرأتها كثيراً ..الثعلب والغراب ..تقول:

ذات يوم انتهى المطاف بثعلب جائع إلى أسفل شجرة ،وكان بها سرب من الغربان الصاخبة .وبدأ الثعلب المختبىء يرقبها،ولاحظ أن تلك الطيور دائمة البحث عن طعام وأنها لاتخشى أن تقف على هياكل الحيوانات لتنقر فيها.
فقال الثعلب بينه وبين نفسه -فلنحاول .

وتمدد الثعلب فى هدوء دون أن يشعر به أحد، وظل بلا حراك فاغراً فمه متصنعاً الموت .
وبعد قليل رآه غراب فأسرع بالنزول من فوق الشجرة .واقترب من الثعلب ،وبدأ ينقرلسانه معتقداً أنه قد مات.
وهكذا ترك رأسه داخل فم الثعلب ،كما لو كان فى مصيدة .

___________________________________


من دفترى.. أنقل واحدة من مختاراتى لشاعر مغربى قدير.. محمد الميمونى 

اختراع


أنا مثلك حائر مرتاب 
تنال منى مثلما تنال منك
"الكيف " و"المتى" و"الأين"
دونما برهان
لعلنى أراك الآن عارياً
كما ترانى عاريا 
فى ساحة الغبار .
فما جدوى "الكيف" و"الأين" 
و"المتى "
إذا كنا معاً
جزءاً من حزن هذا العالم 
فاختر لى اسماً ترضاه
أما أنا فاخترت أن أخترعك 
بعيداً عن متاهة الأسماء .
_____________________________
الخوف

"
وأوجس فى نفسه خيفة موسى " صدق الله العظيم 
فى البدء كان الخوف .
فى البدء ترعرع الخوف فى الإنسان ، ولم يسلم منه حيوان أو آدمى أيا كان .
الأنبياء والمرسلون عاشرهم الخوف واستولى عليهم وهزمن قواهم وأفقدهم سكونهم ورجرج إتزانهم .
ولم يفلت من الخوف بشر.

الخوف من الفناء ..كان الهاجس السرمدى الذى أقلق مضجع الإنسان ،واختفاء الناس والحيوان والطيور من حوله زاد من قلقه ورعبه وذعره وتأجج ظنونه المربكة لمسيرة حياته القصيرة .
ولكى يتغلب على خوفه ..حاول الإنسان أن يصنع خلوداً لوجوده الزائل وقهر الفناء الذى يتراءى له ،فيما يحيط به ،فأقام الحضارات الشامخة من قصور ومعابد وأهرامات وتماثيل وتسجيل الأحداث على الحجارة والبردى وجلود الحيوان .

كان سعيداً بوجوده ..وفجأة دب الفناء فى أوصاله ،فلم يجد سوى خوفه يلوذ به ويحتمى .
كنت صغيراً غضا مسروراً ومبتهجاً ..أرعى البهائم وأسحب الجاموسة وأنطلق إلى الغيط لكى أحش لها البرسيم ،وأقدمه لها ،وأراقبها وهى تأكله بنهم وتلذذ .
وولدت الجاموسة عجلا صغيراً..أرى أمى تأخذه لترضعه من أثداء الجاموسة التى تلعقه بحنان وهو يحتك بها فى انبساط .
وكبر العجل وتعلقت به ..أخرج من المدرسة وأعدو إلى البيت ، حتى أطعمه وأسقيه وأنظف الطين العالق بجسمه .

وفى يوم خرج ابن عم والدى وهو أسن منى بسنوات أربع وأنا معه لكى نسقى البهائم من الحوض العمومى الذى يبعد عن بيتنا بحوالى 300متر.
وسرت معه ساحباً الجاموسة، وهو يسحب العجل الذى يقفز فرحاً مختالاً .. ويشد ابن عم والدى الذى سيطرت عليه القسوة، والغضب الشديد بان فى وجهه ،وبكل شراسة ،ضرب العجل الذى فزع لهذه القسوة وزاد من قفزاته وجذب ابن عم والدى جذباً شديداً .
وكان هناك حفر بالشارع لتركيب مواسير مياه الشرب ،ولم يكن ابن عم والدى قاسياً فقط ، بل أشد قسوة وفظاظة على هذا العجل الصغير الذى أتأمله بوجه باسم وعيون دامعة من الفرح وهو يقفز ويلعب وكأنه يسعد بسعادتى ويشاركنى بهجتى..
وأحاول أن أثنى ابن عم والدى ألا يقسو عليه، لكنه عنفنى وشتمنى وكاد يضربنى .
وفجأة وجدت العجل منطرحاًعلى ظهره فى الحفرة أمام عينى وأرجله لأعلى، وقد زاغت عيناه وتحشرج صوته..
وبدأ يصرخ ويتألم ويعلو صوته الحزين الباكى الشاكى المؤلم ..

ولم أتمالك نفسى فصرخت أنا الآخر صرخات مرعوبة مذعورة ،وبكيت بحرقة وأنا أسبَ ابن عم والدى على فظاظته وقسوته وضربه المبرح للعجل الصغير.
وتجمع الناس على صرخاتى ورأوا العجل منطرحاً على ظهره بالحفرة .
وهرع منهم من ذهب إلى بيتنا لتبليغ والدى وعمى، وحضر الجميع وشاهدوا العجل منطرحاً ويوشك أن تزهق روحه وأنا أبكى بكاءاً مراً وأرتعش خوفاً وذعراً لأجله.

وطال الوقت ..والعجل منطرحا يئن ويتعذب، بل أكاد أرى دموعه تنساب مدراراً .
وأحضروا عروقا خشبية وأحبالاً ،
ونزل بعض الرجال وربطوا العجل ولفوا حوله أحبالاً كثيرة .وأتى رجال آخرون لرفعه من الحفرة ،ومرة يكاد يصل إلى سطح الأرض ثم يتهاوى منهم فى الحفرة مرة أخرى ليزداد ألماً وتحطيماً لعظامه.

كنت أشاهد أكبر مأساة لحيوان ضعيف لا حول له ولاقوة .
وتم إخراجه بعد عدة ساعات أنهكت قوة الرجال وأصابت العجل بضعف شديد وإنهاك أشد ،لم يصمد لآثارها العنيفة طويلاً.
وأحس بعض شيوخ القرية بقرب نهايته فأسرعوا إلى ذبحه .
وكرهت ابن عم والدى كرهاًعظيماً، لازال حياً فىَ، رغم أنه مات منذ عدة سنين.

كنت ،آنذاك ،فى السابعة من عمرى وترسب فىَ الخوف وتجذَر فى كيانى وروحى ،ولم أبرء منه حتى اللحظة .
__________________________________________
موت الذئب
قصة مترجمة 
أقبل الذئب(، ناصباً يديه، اللتين غرزهما في الرمل بأظافرهما المقوسة. وقدر أنه هالك، لأنه بوغت وقطع عليه خط الرجعة، وسدت عليه الطرق، وحينئذ أمسك بفمه المتوقد، أجرأ الكلاب، من حلقومه اللاهث، ولم يرح فكه الحديدي، - على الرغم من طلقاتنا النارية التي كانت تخترق لحمه، وخناجرنا الحادة التي كانت تتصالب كالكماشات وهي تغوص في خاصرتيه العريضتين، - إلا في آخر لحظة حين رأى الكلب المخنوق، يسبقه إلى الموت بزمن طويل، ويتدحرج معفراً( تحت أقدامه! تركه الذئب حينئذ ثمّ نظر إلينا. وقد بقيت الخناجر مغمدة في خاصرته حتى المقابض، تسمرهفي الكلأ المغمور بدمه، على حين كانت بندقياتنا تحيط به على هيئة هلال مشؤوم، أعاد النظر إلينا ثم عاد إلى الاضطجاع، وهو لا يني عن لعق الدم المنتشر حول فمه ودون أن يعبأ بمعرفة كيف هلك، أغلق عينيه الكبيرتين، ومات من غير أن يصرخ صرخة واحدة...
وأسفاه! لقد فكرت بأنني على الرغم من اسمنا "الرجال" أخجل مما نحن عليه، فما أشد خورنا
!
كيف يجب أن تودع الحياة وشرورها كلها؟ أنتم فقط تعرفون ذلك، أيتها الحيوانات المحترمة فلدى رؤية ما يصير إليه الخلق على الأرض، وما يتركونه، يعلم أن الصمت وحده عظيم، وأن كل شيء غيره خور، - آه لو عرفت جيداً أيها الراحل المتوحش ..فإن نظرتك الأخيرة نفذت إلى قلبي كانت تقول: 
إذا استطعت فاعمل على أن تصل نفسك بفضل بقائها مُجِدِّةً مفكِّرة، إلى هذه الدرجة السامية من الكبرياء الرّواقية التي بلغتها منذ لحظة قصيرة بفضل ولادتي في الغابات إن الأنين والبكاء والاستعطاف هي أيضاً جبن وحقارة، -فاعمل دائباً واجبك الثقيل الطويل في السبيل التي أراد القدر أن يناديك إليها ثم تجلد مثلي بعد ذلك، ومت من غير أن تفوه بكلمة. 
ألفريد دوفيني (1797 – 1863) شاعر وروائي ومؤلف مسرحيات فرنسي
قرأت قصة ألفريد دوفينى منذ زمن بعيد ،ولم يكن الذئب بمنأى عن حياتى،فقد كان موجوداً فى سورة يوسف بالقرآن الكريم حفظتها صغيراًعلى يد الشيخ بكتاب القرية وأتلوها أمام والدى الدارس والحافظ والمجود للقرآن الكريم الذى يُصلح لى أخطائى ويشدد على النطق السليم ومخارج الحروف.

(((أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 12 قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ 13 قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ 14 فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ 15 وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ 16 قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ 17 وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ 18 ))))

كنت أقرأ هذه السورة، وأنا مندهش من الإفتراء على الذئب البرىء من دم يوسف عليه السلام ،وكيف لذئب واحد يشبه الكلب فى حجمه ،أن يأكل طفلاً كبير الحجم ولايترك منه شيئاً !!
شاهدت الذئب وهو يعدو وراء الأغنام والكلاب تطارده ،بل هناك مثل شعبى مصرى يشيد بمن يعمل عملاً بطولياًأنه" جاب الديب من ديله" ويقال أيضا لمن عمل عملاً بسيطاً ولكنه يفتخر به، فنقول على سبيل السخرية "أصله جاب الديب من ديله ".
وفى يوم فوجئنا فى أوائل ستنيات القرن الماضى بعمى " الشقيق الأصغر لوالدى "يأتى بذئب صغير معه، ردااً منه على سخرية جدتى والدته بأنه جاب الديب من ديله !!!
وفزع كل من فى الدار، بل أحد أقاربى قام بتحنيط ديب، وهو يهم بالجرى فأترددعلى منزله، لأراه وأتمعن فيه.

كنا نسهر بالغيط لرى الأرض وأسمع عوائه وهو يقترب من أرضنا أو يبعد عنها ،وظلت صلتى بالديب موصولة وأنا أشيد به لأنه ذُكر بالقرآن الكريم .
وشيوخ القرية يصفون بعض الرجال بأنه ديب يبلد ويقف ساكنا ثم ينقض على فريسته ويفتك بها على غرة .

أعجبتنى قصة موت الذئب لدو فينى وهو يصف الذئب "ومات من غير أن يصرخ صرخة واحدة".


أى شجاعة وقوة يتحلى بها هذا الذئب ؟


وأحسب أن دوفينى استنطقه بكلمات خالدة ستظل لأرباب العقول المتوقدة سراجا منيرا ( فاعمل دائباً واجبك الثقيل الطويل في السبيل التي أراد القدر أن يناديك إليها ثم تجلد مثلي بعد ذلك، ومت من غير أن تفوه بكلمة)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق