بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

الحزن رفيقى


هكذا قالت لى نفسى ،لكننى وجهت إليها نظرات تقطر دماً.
فعاتبتنى نفسى قائلةً: 
ياويلى من السكارى الذين هاموا على وجوههم ولم يتأملوا وجه الحبيبة!!
ونمت مهموماً حزيناً ،فآتانى محمود درويش وأودعنى ماقاله .

****
قراءة في وجه حبيبتي


..وحين أحدّق فيك
أرى مدنا ضائعة
أرى زمنا قرمزيا
أرى سبب الموت و الكبرياء
أرى لغة لم تسجل
و آلهة تترجل
أمام المفاجأة الرائعة.
..و تنتشرين أمامي
صفوفا من الكائنات التي لا تسمى
و ما وطني غير هذي العيون التي
تجهل الأرض جسما..
و أسهر فيك على خنجر
واقف في جبين الطفولة
هو الموت مفتتح الليلة الحلوة القادمة
و أنت جميلة
كعصفورة نادمة..
..و حين أحدق فيك
أرى كربلاء
و يوتوبيا
و الطفولة
و أقرأ لائحة الأنبياء
وسفر الرضا و الرذيلة..
أرى الأرض تلعب
فوق رمال السماء
أرى سببا لاختطاف المساء
من البحر
و الشرفات البخيلة !..

منار والطوفان



سليلة البحر ومنها إلى البحر رسائل.
تحض البحر على الثوران.
أن يغسل نفوسنا .
فهل يستجيب البحر أم علينا أن نسعى إليه؟؟؟
عبدالرؤوف النويهى
*****
رسالة إلى البحر / منار يوسف
آن لك أن تثور
أن تغسل نفوسنا من أدران الاغتراب
في جزائر الخوف
انتشرت بثور خطايانا
على أجسادنا الهشة كأيامنا
أيها الممتد من بداية التكوين
حتى مرافىء الحقيقة
المتوغل في تفاصيلنا
القابع على ضفاف التاريخ
الثائر كذاكرة الحُر
الهادىء كأشجان المساء
لم نعرف بعد سرّ ملوحة القهر
و جنوح مراكب الحزن إلى شواطئنا البيضاء ؟
مازال التنين عند أبوابنا
ينفث نيران الفجيعة
و ملامح الطغاة تنتشي
عند اغتصاب العطر من جسد الياسمين
أي سرّ تخفيه عنّا في أعماقك السحيقة ؟
و كنّا نظن أنك شفيف كأحلامنا الخضراء
متوهج كمنارة كبريائنا
لم الصمت عقيدتك
أم أن صرخات أمواجك
تبكي سفننا المترنحة
بين جبروت الرياح العاتية
و إصرار الشراع للعبور إلى الضفة الأخرى
بدواماتك انسكبت حكايات العالم
قطرات .. لم تزد ملوحتك إلا مُرّا
و لم تزد عواصفك إلا عنفا
حين دفعتنا إلى صخور اليقين
دون أن نفقه حكمة الصمود
أيها المتربّص بنا
الرابض على قارعة الوقت البطىء
كم ابتلعت من خيباتنا
من أفراحنا و همومنا
من سموم شقاءنا عند صراعنا الأبدي
فوق صفحتك الزرقاء .. لتحيلها حدائق دم
مازلنا نحمل متاعنا القليل
على أكتاف أمواجك الغاضبة
الضباب يحاصرنا
نفقد بوصلتنا إلى مدائن النور
تتبعثر شظايانا في قاع ظلمتك
أعماقك تفور .. تتخلى عن بقايانا
عن أشلاء ماض لم تُعمّده طهارة أنفاسك
الآن ,, عليك أن تعلن ثورتك
لتعلمنا اعتذار الماء عن خطيئة الظلم

قيثارتى ..منيرة الفهرى

قيثارتى
للأديبة التونسية
منيرة الفهرى
*********
أما قبل 

الموسيقى ..وآهٍ من الموسيقى !
منذ سنوات بعيدة ..فى أواخر سبعينيات القرن الماضى،وكنت ُ قد تعلمتُ العزف على البيانو،وأعزف بعض السوناتات لكبار الموسيقيين العالميين.
تعلمت العزف على يد أحد المدربين فى قصر الثقافة بطنطا،فآلة البيانو من الآلات الضخمة ،قلّ أن توجد فى بيوتات الأسر المصرية ،بعد تفشى آلات العزف الوترية وآلات النفخ والترمبيط. بل بعد سيادة الهشك بشك والميوعة والغناء السفيه،لم تعد حتى موجودة بالمدارس . وبانتشار التزمت والضيق الفكرى ،أصبحت الموسيقى الرفيعة فى خبركان.
قرأتُ كتباً كثيرة عن الموسيقى وأصبحت مكتبتى تضم كتابات عن أعلام الموسيقى العالميين ،العملاق بتهوفن ،والنابغة موتسارت،وشوبان وشوبرت وهندل وتشايكوفسكى و...و..
وأذكر من ضمن هذه الكتب ،دراسة قيمة"الفيلسوف وفن الموسيقى" تأليف :جوليوس بورتنوى ،ترجمة د.فؤاد زكريا ،ومراجعة د.حسين فوزى.وعدة دراسات أكاديمية عن عبقرى الموسيقى والعملاق الخالد بيتهوفن وهاندل ورحمانينوف وخاتشادوريان وشومانو شوبان وغيرهم .
أذكر أن جون بول سارتر ونيتشه كانا يعزفان البيانو ..رغم أن الموسيقى نقيض الفلسفة ،فالفلسفة تواصل فكرى مستمر والعقل لايكف عن التفكير ،أما الموسيقى فهى تتجاهل الوعى وتقطع تواصل التفكير.
وأذكرأيضاً أننى عندما أضع أصابعى فوق أصابع البيانو ،أشعر بأن جسدى قد صارمتجاوباً مع حركة أصابعى ،وأحس بروحى سابحة ،وتبدأ النغمات تتصاعد ليس فقط بتوقيعى على أصابع البيانو ،بل بروحى وتعلو ثم تهبط وترق ثم تشتد ..وهكذا أرى عالماً تسبح فيه روحى عبر المدارات .
كنت أؤيد ما قاله فيثاغورس "أن الموسيقى البشرية ما هى إلا أنموذج أرضى للإنسجام العلوى للأفلاك" وحتى هذه اللحظة أستمع إلى االسيمفونية التاسعة (الكورالية )لبتهوفن ،وأجدنى محلقاً فى سماوات لانهاية لها.
وعندما بحثتُ فى أوراقى المتناثرة ،والتى كتبتُ فيها بعض آرائى وملاحظاتى ،وجدت فى كراسٍ متهالك صفحاته ،مطموس بعض حروفه،بعض سطور رسالة كتبتها بيتنا فون آرنم إلى الشاعر الأكبر جوته إثر لقائها مع العظيم بيتهوفن"إننى أتحسر كلما فتحت عينى ،لأن كل ما أراه من الناس يخالف عقيدتى الدينية ،وأكاد أحتقر العالم الذى لايعرف بأن الموسيقى إلهام أرفع من الفلسفة ..وأنا عارف بالله ،أقرب إليه من الفنانين الآخرين،عرفته وأدركته فأطمأنت نفسى إلى أن موسيقاى لن يصيبها ضر أبداً،وكل من يفهمونها يرتفعون عن الدنايا التى يعمه فيها البشر ..الموسيقى وسط بين الإحساس والفكر..حدثى جوته عنى ،قولى له أن يسمع سمفونياتى وسيؤمن حينئذ على قولى بأن الموسيقى هى المدخل الروحى إلى نطاق المعرفة العليا،تلك التى تفهم الإنسانية والإنسانية لاتفهمها.."
يُحكى أنه ..عندما حضرت الوفاة فردريك شوبان ،وجه كلامه إلى صديقيه :العازف فرانشوم والأميرة البولندية تسارتوريسكا ،وكانت من خيرة تلاميذه ومنفذة وصيته قال: اعزفوا دائماً الموسيقى الرفيعة ،وسأسمعكم من هناك"
ومن شدة تعلقى بالموسيقى الأعظمعلقت فى حجرتى على الجدار المواجه لمدخلها ،صورة كبيرة لبيتهوفن ، مما استرعى انتباه الداخلين ،وكم تشملنى السعادة وأنا أمسك بزمام الحديث متحدثاً عن بيتهوفن أو كما حفظت اسمه"لود فيج فان بيتهوفن" وعن سيمفونياته التسع وخاصةً القدرية والبطولية والكورالية .
أظن أن من كان يسمعنى ، لايعى شيئاً مما أقوله فى غمرة حماسى وشبابى الغض.بل ربما تحسر على عقلى الذى وفى أول الشباب، قد مسه خبل!!
كنت أكتب تحت صورته ماقاله شومان"خذوا مائة سنديانة ،عمر كل منها مائة عام،واكتبوا بها اسمه حروفاً باسقة منتشرة بين السهول و انحتوا شبيهاً له فى جرم هائل كتمثال القديس شارل بوروميو على ضفاف بحيرة ماجيورى،حتى يطل من علاه مثلما كان موقفه فى الحياة ، وعندما تمر السفن بنهر الراين ،ويسأل السواح عن صاحب التمثال الضخم يجيبهم الصبية :إنه بيتهوفن ..فيظن السياح أنه اسم إمبراطور جرمانى عظيم"
ومما لفت نظرى وشد انتباهى "قيثارة المبدعة الموهوبة منيرة الفهرى"حديثها عن قيثارتها الصغيرة ،وبفرنسية رشيقة كتبتها وبلغة عربية ناصعة البيان قامت بترجمتها ..وقرأتهما ووجدت الموسيقى تسرى فى أوصالى وتملأ روحى وتنعش وجدانى الذى أصابه الجفاف .
لكننى أشاطرها بعض أحزانها لتكسر الأمل واندثاره .
وبصراحة أشكرها كل الشكر فلولا قيثارتها ،ما كان حديث ذكرياتى التى تاهت فى مسرح الأحداث التى سيطرت على حياتنا.





أما بعد



Ma petite guitare


Ecrit par
Mounira Fehri
Ma petite guitare
mon vieux violon
mon ardeur et ma passion
Le rêve s’est brisé en moi
Il était une fois
Une reine qui se sentait femme
Oh pardon, pardon
Une femme qui se sentait reine
Et tu étais là
Un amour de roi
Dans tes cordes
Je me suis abandonnée
Tes airs d’amour
Je les ai trop bien composés
Autrefois
J’ai semé les « dorémifasol »
J’ai réglé ma vie à ta boussole
Autrefois
Mais depuis
Tout se rétrécit
Le cœur fragile
Se durcit
Les cordes subtiles
Sombrent en mélancolie
Le mur autrefois solide
S’aplatit
Bas, très bas
Il était une fois
Une reine qui adorait son roi
Ma guitare, mon violon
L’espoir s’est brisé en moi



الترجمة للعربية : منيرة الفهري
قيثارتي الصغيرة
قيثارتي الصغيرة ...معزفي
هيامي و شغفي
تكسر الحلم فيّ
كان يا مكان
ملكة احست انها انثى
لا ...لا.. أعتذر
امرأة أحست انها ملكة
و كنتَ هناك
ملكا جميلا
أدمنتُك و انتهى أمري
موسيقى حبك
أنا لحنتها
في ما مضى
نثرت الدوري مي فا صول
عدلت حياتي على بوصلتك
في ما مضى
لكن تقلص كل شيء
منذ ذلك الحين
و تصلب القلب الشفيف
وغاصت حبالك الرقيقة
في حزن لا ينتهي
و انهارالجدار الذي كان متينا
في ما مضى
انهار..انهار
كان يا ما كان
ملكة عشقت ملكها
عزفته لحنا على كمان
قيثارتي ..معزفي
تكسر الامل فيّ و اندثر

أقاصيص تثير الدهشة

حياة
.....
غفت على صدرى
لم أستطع تغيير موضعى 
ظللت متماسكاً
همست فى أذنها :
متى تستيقظين؟
لم تسمعنى
.....
منذ أمدٍ بعيد
راودتنى نفسى أن أقاطعها
فلاترانى ولا أراها
لكنها مغروسة بأعماقى
....
سجادة صلاة
مسبحة لؤلؤية
عصفور على حافة الشباك
حفيف أوراق شجرة الليمون
عواء كلب
....
عطشى لها لاينتهى
جدول ٌرقراقُ مُشتهى
حديقةٌ وحشية ٌ
أغنيةٌ سماوية الكلمات
خطيئةٌ مفعمةٌ بالمتعة
حياةٌ وموتٌ
...
ضجيجٌ يهز المكان
أقدامٌ
أصواتٌ
دقاتُ لاتتوقف
تكسيرُ أبواب
صرخات تشق الصمت
.....
الحبس لمدة سنة

****************

غُرابٌ
...
طار فوق رؤوسنا
لم نستيشر خيرا
أسودٌ كملك الموت
أو كنار الجحيم
أو كليل لافجر له.
...
خائفٌ ترتعد مفاصلى
تحتضنى بكل قوة
تنادى روحى أن تستكين
رعشةُ قلبى
عيمةٌ شاردة
حصاةٌفى جب عميق.
...
تفاحةٌ نقتسمها
جنةٌمالها مثيل
صوتٌ يجلجل
عتابٌ مرير
وخروجٌ ذليل
...
نهايةٌمؤسفة

*******************
هدهد
....
على حصاة توقف
ريشه المرفش وتاجه البديع
وبمنقاره الطويل يبحث 
فى شقوق الأرض
يلتقط .
رأنى أقترب
همس :
قف ولاتقترب
فصيدى ثمين
...
أشرقت من بين الأشجار
شمشٌ شهباء
تنير دياجى الروح
عانقتها
ثملتُ
طرتُ على متون الريح
أشاهد قصرها الممرد
شمرت عن ساق
...
قالت :هذا عرشى
وهذا كل ما أملك.
بين صحوٍ ونعاسٍ
نادانى الهدهد :
إنها تعبد رباً سواك
فاحذر ملاحم الفوضى
ومعسول الكلام .
....
هدهد .......
*******************

فى ذكرى صديق عظيم 
......
فى رحلته الأخيرة 
وهو يبصر الحياة لآخر لحظة 
فى ذلك اليوم 
المشبع بالحزن
فى نعشه الخشبى
تحمله أكتاف الرجال
ويحيط به المشيعون
...
أراه ،كعادته ،مبتسماً
مودعاً حبه للحياة والأحياء
فقد عاد من سيره اليومى المعتاد
وأغتسل
ثم بصق
ثم ارتمى على كرسيه
ونظر نظرته المتأنية
لقرص الشمس الأحمر
فى رحلة المغيب .
...
وغاب
غن الوجود.

فى ذكرى طه حسين

لحق بربه ،جلّ عُلاه ،فى 28/10/1973م
..........................................................
حوار ثوري مع طه حسين
نزار قبانى



ضـوءُ عينَيْـكَ أمْ هُمْ نَجمَتانِ؟
كُلُّهمْ لا يَـرى .. وأنـتَ تَراني
لسـتُ أدري مِن أينَ أبدأُ بَوْحي
شجرُ الدمـعِ شـاخَ في أجفاني
كُتِبَ العشقُ ، يا حبيبـي ، علينا
فـهـوَ أبكـاكَ مثلما أبكـانـي
عُمْرُ جُرحي .. مليونَ عامٍ وعامٍ
هلْ تَرى الجُرحَ من خِلال الدُخانِ؟
نَقَشَ الحـبُّ في دفاتـرِ قـلبـي
كُـلَّ أسمـائِهِ ... وما سَـمَّـاني
قالَ : لا بُدَّ أن تَمـوتَ شـهـيداً
مثلَ كُلِّ العشّـاقِ ، قلتُ عَسَـاني
وطويـتُ الدُّجـى أُسـائلُ نفسي
أَبِسَيْفٍ .. أم وردةٍ قد رمـاني ؟
كيفَ يأتي الهوى، ومن أينَ يأتي؟
يعـرفُ الحـبُّ دائماً عـنواني
صَدَقَ الموعدُ الجميلُ .. أخيـراً
يا حبيبي ، ويا حَبيـبَ البَيَـانِ
ما عَلَينـا إذا جَلَسْـنا بـِرُكـنٍ
وَفَتَحْنـا حَـقائِـبَ الأحـزانِ
وقـرأنـا أبـا العـلاءِ قـليـلاً
وقَـرَأنـا (رِسَـالةَ الغُـفْـرانِ)
أنا في حضـرةِ العُصورِ جميعاً
فزمانُ الأديبِ .. كـلُّ الزّمانِ ..
* * *
ضوءُ عينَيْكَ .. أم حوارُ المَـرايا
أم هُـما طائِـرانِ يحتـرِقانِ ؟
هل عيـونُ الأديبِ نهرُ لهيبٍ
أم عيـونُ الأديبِ نَهرُ أغاني ؟
آهِ يا سـيّدي الذي جعلَ اللّيـلَ
نهاراً .. والأرضَ كالمهرجانِ ..
اِرمِ نـظّارَتَيْـكَ كـي أتملّـى
كيف تبكي شـواطئُ المرجـانِ
اِرمِ نظّارَتَيْكَ ... ما أنـتَ أعمى
إنّمـا نحـنُ جـوقـةُ العميـانِ
* * *
أيّها الفارسُ الذي اقتحمَ الشـمسَ
وألـقـى رِداءَهُ الأُرجـوانـي
فَعلى الفجرِ موجةٌ مِـن صهيـلٍ
وعلى النجـمِ حافـرٌ لحصـانِ ..
أزْهَرَ البـرقُ في أنامِلكَ الخمـسِ
وطارَتْ للغـربِ عُصفـورَتـانِ
إنّكَ النهـرُ .. كم سـقانا كؤوسـاً
وكَسـانا بالـوردِ وَ الأقـحُـوانِ
لم يَزَلْ ما كَتَبْتَهُ يُسـكِـرُ الكـونَ
ويجـري كالشّهـدِ تحـتَ لساني
في كتابِ (الأيّامِ) نوعٌ منَ الرّسمِ
وفـيهِ التـفـكيـرُ بالألـوانِ ..
إنَّ تلكَ الأوراقِ حقـلٌ من القمحِ
فمِـنْ أيـنَ تبـدأُ الشّـفـتـانِ؟
وحدُكَ المُبصرُ الذي كَشَفَ النَّفْسَ
وأسْـرى في عَـتمـةِ الوجـدانِ
ليـسَ صـعباً لقـاؤنـا بإلـهٍ ..
بلْ لقاءُ الإنسـانِ .. بالإنسـانِ ..
* * *
أيّها الأزْهَـرِيُّ ... يا سارقَ النّارِ
ويـا كاسـراً حـدودَ الثـوانـي
عُـدْ إلينا .. فإنَّ عصـرَكَ عصرٌ
ذهبـيٌّ .. ونحـنُ عصـرٌ ثاني
سَـقَطَ الفِكـرُ في النفاقِ السياسيِّ
وصـارَ الأديـبُ كالـبَهْـلَـوَانِ
يتعاطى التبخيرَ.. يحترفُ الرقصَ
ويـدعـو بالنّصـرِ للسّـلطانِ ..
عُـدْ إلينا .. فإنَّ مـا يُكتَبُ اليومَ
صغيرُ الـرؤى .. صغيرُ المعاني
ذُبِحَ الشِّعـرُ .. والقصيدةُ صارَتْ
قينـةً تُـشتَـرى كَكُـلِّ القِيَـانِ
جَـرَّدوها من كلِّ شيءٍ .. وأدمَوا
قَـدَمَيْهـا .. باللّـفِ والـدّورانِ
لا تَسَـلْ عـن روائـعِ المُـتنبّي
والشَريفِ الرّضـيِّ ، أو حَسَّانِ ..
ما هوَ الشّعرُ ؟ لـن تُلاقي مُجيباً
هـوَ بيـنَ الجنـونِ والهذيـانِ
* * *
عُـدْ إلينا ، يا سيّدي ، عُـدْ إلينا
وانتَشِلنا من قبضـةِ الطـوفـانِ
أنتَ أرضعتَنـا حليـبَ التّحـدّي
فَطحَنَّـا الـنجـومَ بالأسـنانِ ..
واقـتَـلَعنـا جـلودَنـا بيدَيْنـا
وفَـكَكْنـا حـجـارةَ الأكـوانِ
ورَفَضْنا كُلَّ السّلاطينِ في الأرضِ
رَفـَضْنـا عـِبـادةَ الأوثـانِ
أيّها الغاضبُ الكبيـرُ .. تأمَّـلْ
كيفَ صارَ الكُتَّـابُ كالخِرفـانِ
قَنعـوا بالحياةِ شَمسَاً .. ومرعىً
و اطمَأنّـوا للمـاءِ و الغُـدْرانِ
إنَّ أقسـى الأشياءِ للنفسِ ظُلماً ..
قَلَمٌ في يَـدِ الجَبَـانِ الجَبَـانِ ..
يا أميرَ الحُروفِ .. ها هيَ مِصرٌ
وردةٌ تَسـتَحِمُّ في شِـريـانـي
إنّني في حِمى الحُسينِ، وفي اللّيلِ
بقايـا من سـورةِ الـرّحمـنِ .
تَسـتَبِدُّ الأحـزانُ بي ... فأُنادي
آهِ يا مِصْـرُ مِـن بني قَحطـانِ
تاجروا فيكِ.. ساوَموكِ.. استَباحوكِ
وبَـاعُـوكِ كَـاذِبَاتِ الأَمَـانِـي
حَبَسـوا الماءَ عن شـفاهِ اليَتامى
وأراقـوهُ في شِـفاهِ الغَـوانـي
تَركوا السّـيفَ والحصانَ حَزينَيْنِ
وباعـوا التاريـخَ للشّـيطـانِ
يشترونَ القصورَ .. هل ثَمَّ شـارٍ
لقبـورِ الأبطـالِ في الجَـولانِ ؟
يشـترونَ النساءَ .. هل ثَمَّ شـارٍ
لدمـوعِ الأطـفالِ في بَيسـانِ ؟
يشترونَ الزوجاتِ باللحمِ والعظمِ
أيُشـرى الجـمـالُ بالميزانِ ؟
يشـترونَ الدُّنيا .. وأهـلُ بلادي
ينكُشـونَ التُّـرابَ كالدّيـدانِ ...
آهِ يا مِصـرُ .. كَم تُعانينَ مِنـهمْ
والكبيـرُ الكبيـرُ .. دوماً يُعاني
لِمَنِ الأحمـرُ المُـراقُ بسَـيناءَ
يُحاكي شـقـائـقَ النُعـمانِ ؟
أكَلَتْ مِصْـرُ كِبْدَها .. وسِـواها
رَافِـلٌ بالحـريرِ والطيلَسَـانِ ..
يا هَوَانَ الهَوانِ.. هَلْ أصبحَ النفطُ
لَـدَينا .. أَغْـلى من الإنسـانِ ؟
أيّها الغارقـونَ في نِـعَـمِ اللهِ ..
ونُعـمَى المُرَبْرَباتِ الحِسـانِ ...
قدْ رَدَدْنا جحافلَ الـرّومِ عنكـمْ
ورَدَدْنا كِـسـرى أنـوشِـرْوانِ
وحَـمَيْنا مُحَـمَّـداً .. وعَـلِيَّـاً
وحَـفِظْنـا كَـرامَـةَ القُـرآنِ ..
فادفعـوا جِـزيَةَ السّيوفِ عليكُمْ
لا تعيـشُ السّـيوفُ بالإحسانِ ..
* * *
سامِحيني يا مِصرُ إنْ جَمَحَ الشِّعرُ
فَطَعْمُ الحـريقِ تحـتَ لِسـاني
سامحيني .. فأنتِ أمُّ المروءَاتِ
وأمُّ السّماحِ والغُفرانِ ..
سامِحيني .. إذا احترَقتُ وأحرَقْتُ
فليسَ الحِيادُ في إمكاني
مِصرُ .. يا مِصرُ .. إنَّ عِشقي خَطيرٌ
فاغفري لي إذا أَضَعْتُ اتِّزاني ...
*******


(2)


القاهرة..
العاشر من رمضان 1393هجرية .
السادس من اكتوبر 1973 ميلادية والجيش المصري يعبر قناة السويس ويرفع العلم في صحراء سيناء، وأنظار العرب من المحيط إلى الخليج مصوبة إلى جبهات القتال الثلاث: المصرية والسورية والأردنية وقلوبهم تخفق بشدة في انتظار ما سوف تسفر عنه الحرب الرابعة مع العدو الصهيونى.
ظهر يوم السبت 27 اكتوبر 1973م، أصيب د. طه حسين عميد الآدب العربي والذي ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى خمسين عاما، بوعكة في بيته في ،رامتان، ولما جاء الطبيب عالج النوبة وعاد صاحب ،الأيام، إلى حالته الطبيعية. وعندئذ وصلت من الامم المتحدة بنيويورك برقية تعلن فوزه بجائزة حقوق الانسان، غير أنه لم يسعد كثيرا بتلك البرقية. وبإشارة من يده تعرفها جيدا ًزوجته الفرنسية السيدة سوزان، علق على ذلك قائلا: وأية أهمية لذلك!
في الليل، بعد أن غادر الطبيب وسكرتيره الخاص ،قال لزوجته وهو يستعيد ذكريات السنوات العسيرة التي عاشها مناضلا من أجل أفكاره ضد االتخلف والتزمت:
أية حماقة!!!! هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة؟!!!!!
صبيحة يوم الأحد 28 أكتوبر من العام المذكور، شرب د. طه حسين، بصعوبة كبيرة شيئا من الحليب، ثم لفظ انفاسه.



*******
(3)
أثناء حياته الطويلة (83 عاما) وعقب رحيله، كُتِب عن د. طه حسين وعن أفكاره ومعاركه الأدبية،الكثير والكثير ونال الباحثون عن الدراسات المتعمقة عن حياته وإبداعاته العديد والعديد من شهادات الماجستير والدكتوراه، بل أفردت المجلات الثقافية آنذاك أعدادا خاصة مثل مجلة الثقافة والهلال،
كنت سعيدا ًغاية السعادة وأنا أبحث عن هذه الأعداد الخاصة بل أصبحت هذه الأعداد الخاصة المرجع الرئيسى والأساسى بمكتبتى .
وتضم مكتبتى جميع أعماله ،فى ركن خاص بها ، فقد عشقتُ كتابات الدكتور/ طه حسين ،وسعيتُ فى قراءة كل إبداعاته المتنوعة ، قد نختلف وقدنتفق فى مدى تأثيره فى مسيرة الأدب العربى ،ولن أنسى_فى لقاء معه _ ما قاله الدكتور / محمد النويهى :
أن الدكتور / طه حسين هو أبرز من وعى الشعر العربى فى مختلف عصوره ، وهو الذى مهَد الطريق لمن يجىء بعده ، وفضله على الأجيال لا يُنسى .

وفى أثناء تجوالى سنة 1982 م الذى لن ينتهى إلا برحيلى عن الدنيا ،وتفقدى عناوين الكتب الجديدة بمكتبة دار المعارف بطنطا وهى المكتبة التى تحظى بشرف طباعة وعرض كتب الدكتور طه حسين .
استرعى نظرى كتاب ( avec toiمعك) فأخذته وتصفحته لكن طال تصفحى واندماجى مع سطوره وحكاياته والترجمة الرقيقة الممتعة التى أحسنها الأستاذ/ بدر الدين عرودكي،الذى ترجمها عن الفرنسية وراجعها الأستاذ/محمود أمين العالم.
ماذا تقول سوزان عن لحظة موت طه حسين؟
كتبت واصفة مشاعرها في تلك اللحظة العصيبة:
" جلست قربه، مرهقة متبلدة الذهن وإن كنت هادئة هدوءا غريبا .
ما أكثر ما كنت أتخيل هذه اللحظة الصعبة، كنا معا وحيدين، متقاربين بشكل يفوق الوصف. ولم أكن أبكي ـ فقد جاءت الدموع بعد ذلك ـ ولم يكن أحد يعرف بعد بالذي حدث.
كان الواحد منا مثل الآخر مجهولا ًومتوحداً، كما كنا في بداية طريقنا."


*******
(4)
منذ سنوات .. طرحتُ،فى أحد المواقع الأدبية المتخصصة ، محاولة جديدة لقراءة معاصرة لكتاب "فى الشعر الجاهلى "للدكتور طه حسين ،ونشرت الكتاب فى طبعته الأولى ،وأردفته بتقرير النيابة العامة للنائب العام ،آنذاك، محمد نور . نقلتهما وكتبتهما من مجلة القاهرة ومجلة فصول المصريتين ،وقد أخذا منى مجهوداً جباراً .
كان هدفى الأول ومقصدى،الكتابة عن حرية الكاتب فى طرح آرائه ،وإلى أى مدى تتسع آفاق الحرية فى قبول آرائه أو رفضها والتصدى لها،وإلى أى مدى يتقبل المجتمع هذه الطروحات.
كان دافعى ،آنذاك، مايتعرض له صديقى وأستاذى الدكتور نصرحامد أبوزيد ،رحمنا ورحمه الله وإياكم ، من محاكمات نالت منه وما أسفرت عنه ،فيما بعد، من محاكمة غير عادلة، لأفكاره وطروحاته، وصمته بالردة وفرّقت بينه وبين زوجته الدكتورة إبتهال يونس ،ثم سفره إلى منفاه بهولندا .
كنت أحاول أن أعقد مقارنة بين عصرين من 1926م (تاريخ نشر الشعر الجاهلى ) وبين 1995م ،سنة بدء المشاكل بين أبى زيد وجامعة القاهرة، وأدباء ونقاد عصره لكتابه (مفهوم النص) ثم الأحكام القضائية التى صدرت مُنهيةً حياة قلم حر جرئ وعقل مستنير وفكر واعٍ ودارس متعمق لتراثناوأحد المفكرين الإسلاميين الكبار ،وسواء قبلنا آراءه أو اختلفنا معها ،يبقى له اجتهاده الرصين شاهداً على نبوغه وتفوقه وتميزه .
لكن محاولتى باءت بالفشل الذريع لخروج المشاركين و المنتقدين _لى ولطه حسين _ على كل قواعد النقد وحدود الأدب وألجمتنى الصمت حتى هذه اللحظة.





***************
(5)
أزعم أن كل جديد فى الأفكار والاختراعات يُلاقى صعوبة منذ الوهلة الأولى وقد لاتقبله العقول _آنذاك_ بسهولة ويسر ويخطرنى ما قرأته من مقاومة أهل الحجاز ،فى بداية قيام الدولة السعودية ، لإدخال خدمة التليفون ومعارضةالشيوخ والفقهاء،والفتوى بتحريمها .
ما أقصده وأسعى إليه أن الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصاديةوالدين والعقائد عوامل فعالة فى قبول أو رفض منجزات العلم وجديد الأفكار .
فعندما أصدر الدكتور طه حسين كتابه"فى الشعر الجاهلى سنة 1926م قامت الدنيا ولم تقعد،وصدرت المقالات والكتب تهاجم بضراوة وقسوة ماكتبه طه حسين .
كما أزعم "وهذا رأيى استقيته من الظروف المحيطة به" أن النواحى السياسية ،كانت إحدى العوامل الرئيسية فى طى صفحة كتاب طه حسين وحفظ التحقيق معه وعدم محاكمته وصدور تقرير النيابة العامة بذلك.
وليس خافياً على الدارسين الكرام ،موضوع كتاب " الإسلام وأصول الحكم "للشيخ على عبدالرازق ،وما أثاره طرد الشيخ على عبدالرزاق من هيئة علماء الأزهر ،وكان ذلك قبل نشر كتاب"فى الشعر الجاهلى " فلايُعقل وفى خلال سنوات قلائل أن تكون هناك محاكمات للأفكار والمطاردة لها حتى وإن تنكبت السبيل ..
وفى ظنى أن استقرار الأمور واستتباب الأمن العام هدف يسعى إليه الحكام بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة للحفاظ على عروشهم وامتيازاتهم ،سيما وأن مصر محتلة احتلالاً دام طويلاً ،والحاكم بأمره المندوب السامى البريطانى يهمه انقسام الشعب وشغله بأمور كثيرة حتى يتفرغ للنهب والسرقة .


************
(6)
كانت مصر فى بداية صحوة وطنية وظروف عالمية متغيرة ،الحرب العالمة الأولى ،سقوط الأمبرطورية العثمانية ،ثورة الشعب سنة 1919م،نجاح الثورة البلشفيةسنة 1917م حروب العرب للاستقلال من حكم العثمانيين ،صراع القوى العظمى على تقسيم الكعكة العثمانية ، ربما كل هذه الأسباب مجتمعة أو بعضاً منها ،مع الشأن الداخلى المتردى والقمع الاستعمارى والفقر والمرض والجهل ،من الأسباب التى أحاطت بوأد فتنة "فى الشعر الجاهلى "فى المهد ،فليس ببعيد ثورة الأزهر على أحد علمائه والحكم بطرده من معيته.
ومن الملاحظ ..أنه وفى عصرين مختلفين، أن تكون الكلمة الفاصلة للقضاء والنيابة العامة فى مواضيع فكرية بحتة ..
وهذا مما يثير الدهشة ،فلم يثبت أن أى من الجهتين قد أحالت الكتاب"فى الشعر الجاهلى أو مفهوم النص" إلى لجنة علمية محكمة من كبار العلماء "كل فى تخصصه "لكتابة تقرير علمى موضوعى ،وإنما تصدرت المشهد بالكامل ولم تستعن بأهل الخبرة ،كما تقضى بذلك نصوص وأحكام القانون ،واعتبرت نفسها هى الخبير الأعلى فى مواضيع علمية شائكة ،هى أبعد ماتكون عنها وخارج نطاق تخصصهاالعلمى .!!!!!
وكأن التفكير "هو اجتهاد بشرى ،قد يُخطئ وقديصيب "جريمة معاقب عليها ،مثلها مثل القتل والضرب والسرقة وجزاؤها السجن أو الغرامة !!!!



****
(7)
لم تكن الثورة التى أحدثها كتاب (فى الشعر الجاهلى )للدكتور /طه حسين ،جديدة على العالم العربى الإسلامى أو فى شرق الأرض ومغاربها ، فحراس الفضيلة بالمرصاد لمن يخرج عن القطيع ، وتكال له الإتهامات جُزافا وتُنصب له المشانق وتُعد المحارق ، فتاريخُنا لايكاد يبتعد كثيراً أو قليلاً عما يدور فى العالم أجمع ، فلم نكن بمنجاة عن التأثر والتأثير ، فسقراط شرب السم مفضلا إياه على العدول عن آرائه ومنهج تفكيره ، وقال قولته المشهورة (اشرب السم ولايقولون أن سقراط خالف قانون روما ) ومات من سقووه السم واندثروا، وبقى سقراط على مدى العصور حياً بفكره وعقله ، اختلفنا أو اتفقنا معه ، فهو تُراث انسانى عريق .
لا أختلف عن الآخرين بل أنا منهم لحماً ودماً وثقافةً ووجوداً ، أشقى بشقوتهم ، وأسعد بسعادتهم ، وأعلو بعلوهم ، واسقط بسقوطهم ، أبحث عن نفسى ووجودى وبدايتى ونهايتى ، وحاضرى ومستقبلى .
مشغول البال ومهموم العقل ومكدود الفكر .
من أنا ؟
ومن أكون ؟
ولماذا الحاضر يبدو مظلما شديد الإظلام ؟
كيف الخروج من المتاهة ؟؟
تشعبت بنا السبلُ ،وضاقت عقولُنا عن سماع الآخر أياً كان ، وسالت من أفواهنا زخم الكلام ،وشراسة الأقوال، وحِدة التعابير، وكيْل الإتهامات بلا رادعٍ من حق أو وازعٍ من ضمير ، كأننا نبحثُ عن أنفسنا فى غرفةٍ مظلمةٍ ، وقد فقدنا البصروالبصيرة ،كأننا فى حندس نتصادم ، كما يقول شيخُنا وإمامُنا وشاعرُنا العظيم ،الإنسانى الخالد _ المعرى _
لم أكن بمنأى عن اللخبطة التى نعيشها جميعاً فى عالمنا العربى الكبير ، والتنقيب عن ثغرة للخروج والتماس النورواستشراف الأمل وتجسيد النهضة .
لم أحد عن النهوض وبقوة نحو الدفاع عن ماضىَ وإشراقة الأمل تنبعث منه ، قد أُخطىء وقد أُصيب ،لكن يكفينى شرف المحاولة ويكفينى أننى أسعى لاستجلائها.
قرأتُ تاريخى ،وعشتُ حاضرى ،وأتطلعُ لمستقبلٍ زاهرٍ ،وجدتُ الجمال والحب والعشق،وجدت الحرية الضائعة المهدورة المُطاردة تبحثُ عن ملاذ آمن ، وكنت مثلها ضائعاً ،فعشقتها وتغنيتُ بها ،ورضيت بى عاشقاً، مكسور الجناح ،فقير الفكر ، خاوى المال ،عاطل الوسامة، كثيرالأسئلة ،معطوب العقل ،مثير الضجيج.
قلتُ لنفسى :ابتعدى عن العبودية المختارة ،وتحررى من ركام السنوات الحزينة السوداء ،وتعوَدى على قبول الهجوم القاسى بلا تذمرٍ ولاضيقٍ،_ فكُلنا باحثُ عن الحقيقة _،لكنها أحيانا تنفرُ منى ،وتهربُ من بين أصابعى ،ثم تؤوب مرةً ثانيةً إلى رُشدها، لأنها لا تهوى الوعظ والنصائح .
على هامش الشعر الجاهلى ،أُثرثر مُحدثاً ضوضاءا وشغباً ،وسوف أستكمل ما بدأتُ .

(8)

"أنا لا أملك نفسى من أن أقول صراحة أن هذا الكلام ثمين ، ولا أغالى إن قلت أنه أعرق فى الإسلام من كل كلام قرأته قبل هذا ، ولايعيبه إلا شىء واحد وهو أنه مفرغ فى قالب الخروج عن الجماعة على حين أنه مذهب القرآن الذى هو دستور هذه الجماعة .
فلو كان قال أنه سيعالج البحث فى الأدب العربى وتاريخه ناسيا قوميته وكل مشخصاتها ، ودينه وكل ما يتصل به ، وغير متقيد بشىء ، ولا مذعن لشىء ،إلا مناهج البحث الصحيح ، جاريا بذلك على مذهب القرآن لا ديكارت لكانت كلماته هذه عدت أجمل تفسير لآيات الكتاب التى ور دت خاصة بمنج البحث عن الحقائق.
ونحن نقول أن قول الدكتور طه حسين أن ورود اسمى إبراهيم وإسماعيل فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى ، معناه أنه لايمكن اثبات وجودهما إذا جرى التاريخ على أسلوبه فى اثبات وجود الرجال وتحقيق الحوادث المعزوة إليهم ،مستقلا عن نصوص الكتب السماوية .
لأن التاريخ وسائر العلوم قد أعلنت استقلالها عن الأديان منذ ثلاثة قرون ، فالتاريخ يطلب فى اثبات وجود الرجال أدلة حسية ، وآثارا مادية فوق ما تذكره عنهم الكتب الدينية وبخاصة بالنسبة للأفراد المتغلغلين فى القدم كابراهيم واسماعيل .
والقول بأن ابراهيم واسماعيل لم يثبت وجودهما تاريخا ليس معناه أن التاريخ قرر بأنهما لم يوجدا ، ولكن معناه أنه لايستطيع اثبات وجودهما اثباتا ينطبق على أسلوبه الحسى ، وهذا العجز من العلم لاينفى انهما كانا موجودين وأنهما بنيا الكعبة .
فنحن نحترم هذا العجز من العلم ، ونشجعه على الاعتراف به ، بل ولانقبل منه أن يدعى علم مالاينطبق أسلوبه عليه وإدراك ما لا تصل وسائله إليه "
محمد فريد وجدى .
نقد كتاب الشعر الجاهلى .
مذكور فى "كتاب طه حسين فى معاركه الأدبية "" ، رقم 21،تأليف سامح كريم، نشر كتاب الإذاعة والتليفزيون ،مصر ، الطبعة الأولى 1974،ص85،84

ألوان وأحزان وأفكار وتاريخ

قصيدة نويهية
سألت الموت مرة
ليه يابعيد مابتقرّب
وليه كل ما أقرب منك 
تجرى منى وتغرّب.
رد علىّ وقال:
عمرك فى الشقا لم ينتهِ
وكمان قلبك تعبنا معاه
وروحك راغبة الحياه
صدقنى ياصاحبى
نفسى آخدك معانا
من زمان
لكن لسه الأمر مانزلشى.


حلم نويهى
حلمت ف يوم
إنى فى السما طاير
فى إيدى وردة حمرا 
عطرها فواح
حواليا طيور خضرا وبيضا شكلها يفرح
والهوا مندى بالمسك والعنبر
والنور طوفان غرقت أنا فيه
وقلبى من فرحته
الهم راح منه.
صحيت م النوم
أضحك ومستعجب
وأقول لنفسى :
بلاش زعل وهموم
بلاش غضب وجنون
بلاش قهر وحزن وضنا .
وفجأة لقيت أمى على راسى
تطبطب علىّ وتقول بصوت محزون :
حبيبك إللى إنت به مشغول
ربك أمر يطلع له
وجنازته بعد صلاة الضهر .


عتاب
عتبت علىّ مراتى وعندها حق
الناس سعيدة وإنت ليه حزنان ؟
بكرة الأمور تنصلح 
وإللى إنكسر يتصلح
والناس تشوف الفرح
بعد سنين أحزان .
قم وبص بعينيك
الميدان مليان
ناس بتهتف وطالبة من الله الأمان
عاشوا بيرتعشوا
خايفين على نفسهم
من ليل طويل مالوش آخر .
آه لو تعرفى إللى جوا القلب راسخ
قالق حياتى وروحى جفاها النوم
خايف ف يوم على القلوب تصحى
تلاقى تلال الهم بتزيد يوم عن يوم.

مصر يا امّة يا بهية
شقيت طريقى بين ألوف الناس
والناس بتصرخ من الفرح
وإيدين طويلة قصيرة 
رافعة العلم بيرفرف فوق كل الرووس
ومن عميق الروح تنادى :
بلادى بلادى
لكى جبى وفؤادى
مصر يا أم البلاد
أنتى غايتى والمراد.
وطفلة جميلة
ع الرصيف واقفة
شايلة على صدرها
خريطة للعظيمة مصر
مكتوب عليها بدم الروح
إللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى
وبكرة يروحوا العدا ومايرجعوش تانى .
وشجرة خضرة مع النسيم تتمايل
عليها ولد جريء وفى الإيدين شايل
لوحة كبيرة وبخط الدهب بتقول :
مصر يا امّة يا بهية يام طرحة و جلابية
الزمن شاب و انتي شابة هو رايح و انتي جاية
جايه فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل و مية
و احتمالك هو هو و ابتسامتك هي هي
تضحكي للصبح يصبح بعد ليلة و مغربية
تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية و صبية.


ماتت أختى
...
الأسود/الموت .
أختى ماتت ،كانت فى ريعان الصبا وزهرة الأنوثة الغضة ،ذهبت إثر مرض عضال ..
اللون الأسود يملأ المنزل ..
يملأ الجدران..
يملأ القلوب ،يخرج مع الكلمات والهمسات والأنفاس.
راحت لم يعد يذكرها أحد.
السواد /الموت /النسيان .

العذارى
...
اللون الأبيض ،لون الطهارة والبكارة .....العذارى فى حارتنا بيضاوات ، الفستان الأبيض ،الطرحة البيضاء ،القلوب البيضاء .
حسناء من حارتنا تزوجت ،فستانها أبيض طويل ،تساءلت لماذا الفستان أبيض؟؟؟
أليس هناك ألوان أخرى ؟؟
ضحكت أمى ،شخط أبى ،لم أنبس بحرف ،قمت ،جريت إلى الشارع ، كنا شلة تحدثت معهم ، قلت ما جال بخاطرى ، همس أحد الخبثاء :ليلة الدخلة المفرش أبيض حتى يظهر فيه الدم !!!


أنا حزين
...
السواد /الأحزان /الأفكار ..سودوى المزاج ، متشائم ، عصبى ، القتامة ، المرارة .
بداية مظلمة ، نهاية أشد إظلاما ...الليل الطويل لا آخر له ..
متى يطلع الفجر يارفيق ؟؟؟
الأوضاع تزداد سوادا وظلاما ..
أنا حزين ، أنا سودوى المزاج وعصبى ..

الطيف
...
ملابسى معظمها تميل إلى البياض .
لا أدرى لماذا لا تكون هناك ألوان أخرى ؟
لم أحاول البحث عن إجابة ...
سالنى أحد الرفاق :
لماذا ترتدى دائما ملابساً بيضاء ً؟؟؟
لم أجد إجابة مقنعة فى اللتو والحال .
تذكرت كلمة قرأتها لأحد علماء النفس يقول :
إن حب إرتداء الثياب البيضاء يدل على أن مرتديها لا يريد أن يفصح عن نفسه ،بل يود التخفى ويسير بين الناس كالطيف حتى لا يراه أحد.

ثورة بيضاء
...
قرأت ذات مرة أن ثورتنا ثورة بيضاء ،تعجبت !
هل هناك ثورة بيضاء وأخرى سوداء أوحمراء ؟؟؟!!!
سألت المدرس: ماذا تعنى ثورة بيضاء ؟نظر إلى ،لم يرد على ...
كان مشغولاً بمغازلة مدرسة حسناء لعوب يمسك يديها ويهمسان وتلتمع عيناها ،تتمايل عليه .
أهرب من أمامهما قبل اكتشاف أمرى .

كفن أبيض
...
فى الصباح ..يصيح أهل حارتنا بالتحية ، نهارك أبيض .نهارك زى الفل .
تساءلت :مالون الفل؟ 
قالوا: أبيض .
ضحكت ، ولم أعرف سبب ضحكى .
قالت جدتى : الذين يدخلون الجنة وجوههم بيضاء .
قلت : هل لن يدخل الجنة ذوو الوجوه السوداء ؟
نهرتنى جدتى ، قالت :الله غفور رحيم ،ثم همست متمنية سأقول" لأبوك" إذا مت أن يكون كفنى أبيض بالقصب .

المقابر
...
السواد ...المقابر .نلعب عليها وفى القبور المفتوحة ،نعيش مع الأموات أكثر مما نعيش فى منازلنا ،منازلنا ضيقة ،الحارة ضيقة ،الرجال عصبيون ،النساء متسخات .


طفولة
...
الأبيض ....لون اللبن الحليب ، لون االبراءة والطهارة.
وجه أبيض كاللبن الحليب ،قطب من الأقطاب ،يصلى الوقت لوقته ، لو أقسم على الله لأبره 
.أحد رجال حارتنا الأتقياء، وجهه أبيض،ملابسه بيضاء ،مسبحته بيضاء ،أولاده كثيرون ،على الأرض يجلسون ،ينظرون إليه ،يأمر وينهى ، الحفدة والحفيدات .
نندس فى وسط الجالسين ،إذا ضحك ،ترى لؤلؤا منثورا ،إذا مشى ،خلفه الأولاد ، وإذا جلس سارع أحدهم لإحضار كرسى خيرزان.
جدتى تقول :سوف يدخل الجنة .
قال أحد أبنائه:النعش ..طار .
صدقه الجميع ،وحكووا الكثير عن كراماته.
نظرت إليهم ،تعجبت كيف يطير النعش بميت؟؟؟!!!
ولم أكمل ...لكمنى أحدهم بقبضة يده ..صرخت ،هربت.

جدتى
....
الأسود ....جلباب جدتى ترتديه بعد موت جدى ، مات جدى منذ زمن طويل لا أدركه لا أعيه ، دائماً ملابسها سوداء ،أعتقد أن قلبها لم يعرف الفرح بل الأحزان السوداء ،الآلام .


جنازة
...
السواد/الموت ...جنازة طويلة يسير فيها الرجال بملابسهم الداكنة ووجوههم الغبرة وسحنهم المهمومة.
النساء متشحات بالسواد ،على البعد منهم،يسرن يصرخن يلطمن ..يقطعن الثياب ..يلطخن وجوههن بالطين ..
منظر يتكرر كل أسبوع ، بل أحياناً فى أيام متتالية .


الملائكة 
...
الملائكة خلقت من نور أبيض ،شفاف.
الممرضات ..ملائكة الرحمة لابد أن لهن وجوه بيضاء .
أمر غريب !!إن فيهن سوداوات !!!!


شقاوة
...
الششم ....لونه أبيض ،مرض العيون ، المدرسة الإبتدائية ، زملاء كثيرون يصلون المدرسة صباحاً ولم يستطيعوا غسل الششم من عيونهم ، ننظر إليهم ونضحك ، نتمايل من كثرة الضحك .
الفصل... الطباشير الأبيض نسرقه من العلبة الموضوعة فوق المكتب ، نخفيه فى جيوب المرايل وعلى جدران البيوت ننتقى جدراناً ملساء ً،نكتب عليها "عاش جمال عبد الناصر " ثم الشتائم المتبادلة بيننا.


مصطفى بيومى 


الصديق الأعز عبد الرؤوف النويهى،يعزف منذ يومين ويبدع ويتألق.يقدم تجربة فريدة بالغة الدفء والعذوبة،ويحقق لقارئه توازنا يعز العثور عليه فى زمن التيه الرمادى الذى نعيشه.
سيمفونية لونية تنبىء بميلاد عمل فنى عبقرى،فهكذا تكون الكتابة والبوح،وهكذا تتراكم الخبرات الإنسانية فيشعر الفرد المأزوم بأن فى الحياة ما يستحق أن يعيش من أجله.
بعد عشرة أيام أستعيد قدرتى على الكلام،وأتخلص من أزمة أسنانى التى طالت أكثر مما ينبغى.عندئذ أستطيع أن أطلب الرقم،وأحتشد بكل ما أتوهم أنها بلاغتى،فأقول له:ما كل هذه الروعة؟.
يوم الخميس بعد القادم ليس بعيدا،وإلى أن يأتى،لا أملك إلا أن أضيف إلى روشتة العلاج دواء غير تقليدى،اسمه:كتابات النويهى.



حبيبتى
.....
الأحمر ، الخدود الوردية ، الحب ،الطفولة ،الخجل ، المراهقة ،لحظات الإنسجام والسباحة فى بحر العواطف المشبوبة والمشاعر الخضراء .
حبيبتى..... تحدثت معها على إنفراد ، تلعثمت ،إحمر الوجه والأذنان ،ماتت الكلمات على الشفاه ،وقفت صامتة ، الوجه كالدم ،العينان تبرقان ،الصدر يرتفع وينخفض، ارتعاشات ،همهمات، تركتها وخرجت .


الدم الأزرق
....
جلوسٌ حول "صنية العشا" فوق الطبلية الخشبية ، أبى وجدتى وعمى الأصغر وأنا ،يحكى أبى :
لما كنت فى مصر عند عبدالهادى"شقيق أبى" وهو كان فى الحرس الملكى فبل الثورة ،قال لى إن القطار الملكى كل كراسيه باللون الأزرق وكان ممنوع على أى واحد من الشعب إنه يستعمل اللون الأزرق .
ضحكت وقلت : الأبلة فى المدرسة قالت لنا إن الملوك فى أيام الفراعنة كان يتجوزوا إخوتهم وبناتهم حفظاً على الدم الأزرق !


خيار الهزيمة
...
طعم الهزيمة المر لايفارق روحى ، وأقص هذه الحكاية التى عشتها بعقلى ووجدانى وهى محفورة فى ذاكرتى ،متوهجة،حية ،تقتات روحى وتستكين بأعماقى ،فى سنة 1967وتحديداً شهر يونيو ، هزيمة يونيو المدوية الساحقة الماحقة للعقل العربى والإرادة العربية والكبرياء العربى ، كنت أبلغ آنذاك 13سنة ، وكنا نمتلأبالحلم العربى والصمود العربى ونزهو بالقومية العربية والتحدى الخلاق للتخلف والرجعية وسحق الإستعمار الجاثم فوق نفوسنا.
أقف مع أمى وعمى على الطريق بجوار سوق بيع الخضروات ، نبيع ما جمعناه من أرضنا من محصول الخيار ، وفجأة يمتلأ الطريق بالسيارات العسكرية حاملات الجنود العائدين والمنسحبين من سيناء بعد إحتلالها وسحق القوات المصرية بها .
وكان هؤلاء الجنود الشعث الغبر الجوعى العطشى الممزقى الثياب الزائغى الأعين المهزومين الضائعين التائهين ،مئات السيارات تحمل فلذات الأكباد أبناء مصر البررة ، المخدوعين ، الذين إنهزموا قبل الحرب ،قبل القتال ، تركوا السلاح والمعدات للصهاينة ،غنيمة حرب لم تقم ، والألوف من الجنود تُركوا بسيناء المحتلة ،غنائم حرب ، للعدو المتربص بنا دوماً وإلى آخر الزمان ،عيونهم ، ملابسهم ، أشكالهم ، الحسرة ، والضياع الذى يسربلهم وإلى المتاهة يأخذهم .
ولم نجد بداً ولم نجد مناصاً ،أن يبادر الرجال والنساء بإيقاف هذه السيارات وإعطاء الجنود الأكل والخضروات والخيار الأخضر والمياه والسجائر ، صار السوق يقذف بكل مابه لهؤلاء المساكين العراة الحفاة المهزومين .


الصورة 
...
تقدمتُ المسيرة ،فالرحلة إلى" سخا - كفر الشيخ- موشكة على التنفيذ،مدرسة الفصل الأيلة إلهام تتمم علينا ،أعشقها أراها أجمل من رأت عينى..
عيناها تبتسمان ،وجهها صبوح،شعرها أسود ناعم طويل هفهاف،فمها دقيق ،أنفها رقيق .
ترتدى قميصاً أزرق وجونلة بيضاء ،على كتفها الأيسر شنطة جلدية بشرائط بيضاء وزرقاء.
تمسك بيدى وتسير بجوارى .
نركب القطار ،الكراسى خشبية،نصل إلى سخا ..
تأتى إلينا تراقبنا عند النزول ،تلحظ هوة بين القطار والرصيف،تسرع فى النزول وتمد اليد حتى تساعدنا على النزول .
لاتترك يدى ،أمشى ،بجوارها، مطيعاً أليفاً.
نهتف بها أن نتصور معها ،تضحك وتفرح عيناها ويهتز جسمها طرباً ،نترص صفوفاً.
فى الصف الأول ،بجوارها، تضع يدها على كتفى.
أعيانى البحث وأشقانى التفكير أين هذه الصورة؟
ضاعت!!!!
لكن لم تضع أبلتى الحنونة الوديعة ،عن ذاكرتى ،أبداً.

الأخضر
الحقول المترامية الأطراف ، النباتات الخضراء ، الأشجار الباسقة ، الحشائش الخضراء ،على شط الترع ،الأخضر ،الصفاء ،الهدؤ ،النمو ،الخير ،الأحلام الخضراء ،القلوب الخضراء ، لازالت نبتا صغيرا ، وقت العصارى ، الهواء العليل ، الأشجار تتمايل ، الزروع فرحة ،الأرض لونها سندسى ، بساط عريض ..الهدؤ ، الصفاء ، الوقار الذى يسربل الكون .


الليل الصافى
...
الأصفر ...أعياد الحصاد ،القمح ،الأرز ،التخزين فى الصوامع الطينية .أرضنا التى بعناها والمجد الذى ذهب ،مساحات عريضة يغطيها اللون الأصفر، قمحنا،أرزنا ،خيرنا الوفير ، ليالى الحصاد والنسمة العليلة ، ماكينة الدراس والسهر لعدة ليال ،ماكينة الداراوة،حبات القمح الذهبية ، الخير ..
جدتى تخاف من الحسد ،توزع على الفقراء والمساكين ،يتم نقله بالأجوال فى عز الليل الصافى .

عصفور
...
كتاب أصفر من زمن الجمود والقداسة المزعومة ،غريب على المرء أن يطالعه ، يطالعه أبى ، نتناقش ، يحتدم النقاش ، يتهمنى بالجهل وقلة الأدب والتطاول على أولياء الله الصالحين ،الدمار لكل شىء ، الرفاعى ، إمام وولى ،يتحكم فى مخلوقات الله ، عصفور تجرأ وتبرز على الإمام ، يغضب الإمام ، يرغى ويزبد ، يشير بإصبعه نحو السماء ، يسقط العصفور مقسوما نصفين ، يضم النصفين لبعضهما ينهض العصفور ، الإمام يوبخه ، ثم يتركه يطير مرة أخرى.
حضارة التخلف والجهل والشعوذة ، أمية عقلية ، رجال بلا رؤوس بلا عقول بلا أفكار ، قرون طويلة ، الجهل جاثم فوق الصدور ، متى يطلع الفجر يارفيق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


الشمس
...
الأخضر ...لون الحياة المتجدد لاتشبع منه العيون ...أنفار الدودة ،عز الحر ، الشمس عامودية على الرؤوس .

صفعة
...
فى الفصل وأمام زملائى وزميلاتى ، يشكونى مدرس الحساب لأبى، أننى لا أحل مسائل الحساب وأننى ضعيف جداً وسوف أسقط فى الإمتحان .
نظر إلىّ أبى ،فاستجمعت إرادتى للرد على ما قاله مدرس الحساب . ولم أكد أفتح فمى إلا ويد أبى على وجهى تطرحنى أرضاً.
من هول الصفعة ،مات الكلام وتحجرت الدموع .
عدتُ إلى المنزل ،قبلتنى جدتى ولم تتكلم،أخذتنى أمى فى حضنها ودمعت عيناها .
بعد عدة أيام صالحنى أبى وأهدانى قلم أبنوس ومعه زجاجة حبر أزرق.


ثورة
...
الأحمر ...الثورة الفرنسية ،العدل والمساواة والحرية والإخاء ،شعارات الثورة التى ظهرت ،فى التاريخ ،شامخة الرأس .
الدماء التى سالت بحاراًوبحاراً ،صراع الطبقات ،مارى أنطوانيت والثراء الفاحش والشعب يتضور جوعا لا يجد خبزا ؟؟؟؟ َ!!
ترد مارى أنطوانيت وعلى صدرها عقد بملايين الفرنكات وخزينة الدولة بين يديها :
مادام لايجد خبزاً فليأكل جاتوهاً !!!!
المقصلة ،روبسبير ،ميرابو ،قصة مدينتين لتشارلز ديكنيز ،التاريخ الفرنسى ،نابليون ،الدماء تعبر البحار والمحيطات.
مصر وضربة عسكرية استراتيجية لإنجلترا ،وصف مصر ،أعظم ما كتب عن مصر حتى الآن .
محمد عبده ،مصطفى كامل ،محمد فريد،طه حسين ....فرنسا أم الحريات ،أم الثورات ،لابد لنا من ثورة تصلح الأحوال المنهارة ؟؟؟
أنف أخى
...
الأحمر /الدم ..صرخت ، هرعت إلى أمى ، الدماء تنزف من أنف أخى الصغير ، لوثت الملابس ، أخى عيونه زائغة ، نزف دما كثيرا ، قابلتنى جدتى ، أشرت إلى أخى ، صبت ماءا فوق رأسه وجعلت رأسه يرجع للوراء ، توقف النزيف ،
فرحت ، لم أعد أصرخ ،قمنا لنعاود اللعب .
أحمر شفاه
...
الأحمر ...أحمر شفاه ..عروسة فى الكوشة ،الجو حر جداً جداً، الشفتان حمراوان فاقعتان ،الخدود الحمراء ،البودرة البيضاء ...
العرق ينساب على الخدود ،تبدو الحقيقة فاقعة ،الوجه قمحى .
شىء مدهش ، أحمر وأبيض وقمحى !!!ا
العرق يجرف معه الألوان ....
.شىء غريب ..عالم منافق.. العروس تكاد تبكى ..
.الأهل يزغردون ،والصبايا يطبلن ،الموقف محرج ...
من يشهد للعروس ؟؟؟
الحلوق أصابها الجفاف ،العروس تطلب ماءً ،الموقف يتأزم ، الألوان تختلط ......
شىء مضحك يثير الإشفاق .

أناتول فرانس
..
الأحمر ..الورود الحمراء ، الحب فى بواكيره وربيعه الفتان وعطوره الفواحة ،الزنبقة الحمراء ،رواية قرأتها ، لأناتول فرانس ،الإقطاع ،تريز.. دى شارتر والنهاية المؤسفة .

وهم
...
الأحمر ،الدم ،غشاء البكارة ،الشرف ،العرض ،رجل يشكو رجلاً أمام القضاء .
كيف تزوجنى ابنتك وقد فوجئت بها بدون غشاء بكارة ؟؟؟؟!!!! 
تبكى الفتاة بحرقة ،تصرخ: لم يمسسنى أحد غيرك ..
الفضيحة ،العار ...رأس العائلة فى الطين ،مصير الفتاة ،القتل، حفاظا على الشرف والعرض المثلوم .
كم من الفتيات البريئات قتلن ظلما وعدوانا ؟؟؟؟
تاريخ الدماء المراق من أجل وهم مصطنع .

رفض
...
شيخ معمم يعظ المصلين ، المصلون يغطون فى النوم !!!!
النار ،جهنم بئس المصير ،كل جمعة ،لاجديد ،أترك المسجد ،لا أريد الاستماع.
طفولة
الأخضر ،الخضرة ،الربيع ،الحياة تتفتح ،طفلة وطفل تحت خميلة_ أعرفهما_ راقدان ،محتضنان ،يقبل إحدهما الآخر فى سرور وانتشاء ،أصطدم بهما ،أتمهل ، أرقبهما عن كثب ، لايشعران بى ،الطفلة تحاول رفع ملابس الطفل لأعلى ، تعتليه ،ينتشى الطفل ، يحاول أن يفلت ،يتدحرجان ،غائبان عن الوجود ،اصطنع الغضب ،أدنو منهما،تحدجنى الطفلة بغضب ، تواصل لعبتها .
مرت الأيام وتوالى الأعوام ،أراها ،صبية ..أتأملها ،تعلو وجهى إبتسامة عريضة ،تنظر نحوى تلقى التحية ،لا تدرى ما بداخلى .
هذه الحكاية الخضراء فى زمن القحط والجفاف.
تقتيل الأشجار
...
المدينة ،الحلم ،الرغبة ،الحلم المتأجج فى الجوانح لا يفتر ولايهدأ لهيبه المقدس ،مدينة بلا خضرة تساوى صفرا ، بل لاتساوى شيئا ، أين الحدائق ؟؟؟
أين الجنائن ؟الأشجار على الجنبات .أين؟؟؟
ثورة تقتيل الأشجار .
الهروب إلى القرية ، الخضرة ، الهدؤ ، الصفاء ، الوجد الروحى يسبى الأفئدة ويسكر الوجدان .

اللون الأحمر
...
اللون الأحمر إذا ظهروأنت تعبر الطريق ، قف ، اللون الأحمر يعنى قف ، فاهم !!!!!!!!!!!!
القرية مظلمة ،الحارة أشد إظلاما ،لا عربة ،لا نور أحمر ،الحمارالوسيلة الوحيدة للإنتقال.
كتاب مدرسى صغير فى المرحلة الإبتدائية به التعليمات ، مهمل ، مطروح فى أرض الحجرة ، يشكو الوحدة والحرمان .

كرسى ذهبى
...
الأصفر ...الذهب ..الثراء ..الأموال ..الحب ...الأحلام ..الرغبات المتاحة فى زمن الهوان.
من لا يملك ذهبا لايملك شيئاً .
من قديم العصور ،الذهب هو كل شىء .
فى روسيا ..القيصرة كاترين تهدى أحد ملوك أوروبا كرسياً ذهبياً، تقول الرواية.. من الذهب الخالص !!!!
الجوع يهلك الألوف من البشر ، القيصرة فى واد آخر ..
التيجان المرصعة يالياقوت والألماس فوق الرؤوس ..

الأزرق
...
شيخى،فى الكُتّاب ،طيّبٌ ضحوكٌ بسّام،يكبره أبى بعدة سنوات،يُجل أبى ويخشاه ويهابه.
حفظتُ القرآن على يديه .
سألته مرةً:لما لم يذكر القرآن اللون الأزرق رغم ذكره ألواناً أخرى؟
تأملنى متفكراً ثم رد علىّ:إيهٍ ياشيخ ..مافرطنا فى الكتاب من شىء.


أمى وأبى
(إلى مصطفى بيومى)
______
ذات ليلة
زار الموتُ بيتنا
عانق أبى
ورفض أن يعانقنى
...
حان وقت الظهيرة
صار أبى جثةً
حملوه إلى المقبرة
سرتُ خلفه أبكى.
...
غابت الشمس
وتكاثف الظلام
هرعت جموع الناس
يشدون على يدى بالعزاء
....
لم تنظر فى وجهى
عبست وطال عبوسها
تقول عيناها :
أخطأت فى حقى .
...
كيف يخرج ، فجراً،
إلا من شكة فى صدره .
ثم تُبشرنى بموته
وبعيداً عنى تغسلوه وتكفنوه وتدفنوه؟
....
ربع قرنٍ إلا قليلا
معذبٌ بصهيل روحى وحزينُ
لم أقصد الإيذاء
كنت أنأى بالحزن عنها والألم .
...
منذ سنتين وبضعة أشهر
نادت علىّ
ضحكت فى وجهى
تفاءلتُ خيراً
....
يملأ النور وجهها
همست :
نادانى أبى
نادانى أبوك
....
ماتت


فصوص الحكم
___________
مولاى محيى الدين بن عربى 
صاحب "الفتوحات المكية"
هذا المحيط الذى لاساحل له ولاعمق.
تاه فيه الباحثون.
....
"كتاب التجليات"
تجلى تصحيح المحبة:
"من صحت معرفته
صح توحيده،
ومن صح توحيده
صحت محبته،
فالمعرفة لك والتوحيد له،
والمحبة علاقة بينك وبينه
بها تقع المنازلة بين العبد والرب.
...
"روح القدس فى مناصحة النفس "
كتابٌ يأخذ بالألباب
أما كتاب "فصوص الحكم "
فقد أحكمت فصوصه
وصار كل فص
يحكى عن كلمة قدسية .
...
وعن" فص كلمة فردية فى كلمة محمدية"يقول:
"ومعرفة الإنسان بنفسه ،
مقدمة على معرفة الإنسان بربه،
فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه ،
لذلك قال عليه السلام
"من عرف نفسه عرف ربه"


الحسين بن منصور الحلاج
________________
_
لم أشك يوماً ،
أن صديقى الحلاج ،
لم يكن كما قيل عنه.
هو بلاشك أكبر مما يزعمون وبه يهرفون.
سألته يوماً:
هل أنت كما يزعمون؟
قال لى :
كيف وأنا الذى قلتُ فيهم
"وهؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلى
تعصباً لدينك
وتقرباً إليك ،
فاغفر لهم ،
فإنك لو كشفت لهم ماكشفت لى لمافعلوا مافعلوا
ولو سترت عنى ماسترت عنهم لما أبتليت بماابتليت.
فلك الحمدفيما تفعل ولك الحمد فيما تريد".


سلطان العاشقين
_____
لو تمنيتُ أمنيةً أفوز بها فى دنياى ،
ماتمنيتُ سوى اللقاء بسلطان العاشقين ،
أبو القاسم بن أبى الحسن على ابن المرشد بن على الفارض الحموى الأصل والمصرى النشأة والمقام والوفاة .
ولكم تمنيتُ أن أرى مقامه بسفح جبل المقطم بالقاهرة .
تأتيته الكبرى سلبتنى روحى :
"سقتنى حميّا الحب راحةُ مقلتى ***وكأسى محيّا من عن الحسن جلّتِ"
.....
وعشتُ أناديه فى كل صحوةٍ.
أيا سلطان العاشقين خذ بيدى ،
فأنت القطب والإمام المبجّل.
وفى ذات ليلةٍ كان القمر بدراً والسماء صافيةً ،
هبت علىّ نسائم من روح سلطان العاشقين،
وهمس فى أذنى :
"شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً سَكِرْنا بها، من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ
لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يديرها هِلالٌ، وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ
ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ
ولم يُبْقِ مِنها الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة ٍ كأنَّ خَفاها، في صُدورِ النُّهى كَتْمُ
فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ
ومنْ بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدتْ ولم يَبْقَ مِنْها، في الحَقيقَة ِ، إلاّ اسمُ
وإنْ خَطَرَتْ يَوماً على خاطِرِ امرِىء ٍ أقامَتْ بهِ الأفْراحُ، وارتحلَ الهَمُ
ولو نَظَرَ النُّدمانُ ختْمَ إنائِها، لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ
ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ، لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ، وانْتَعَشَ الجسْمُ"