تقول جين أوستن "أنها كانت تخبىء كتابتها بمجرد أن تسمع صرير مزلاج الباب "
وجين أوستن إحدى عبقريات الرواية العالمية .
لا أندهش لقول جين أوستن ،فالقهر الذكورى والهيمنة الأبوية لم يخل منها عصرٌ من العصور .
والحط من شأن المرأة ميراثٌ تتوارثه الأجيال ..إنه ميراث ٌبغيضٌ.
وها هى إحدى القصص الرائعة التى تأخذ بعقولنا إلى وضعية المرأة وإلى مدى نقتل فيها الروح المبدعة .
قرأت هذه الدموع الحارقة ..لكن البطلة لم تتركنى ولم تدعنى أفارقها حزيناً ملتاعاً ..
وراحت تقرأ ، على مسمعٍ من روحى،القصة "بصوت مرتفع و إلقاء جميل."
__________________________
أفيقي..فالعالم تغير
الأديبة التونسية
منيرة الفهري
جرت تزف له الخبر و عيناها تترقرق دموعا:
لقد حزت على المرتبة الأولى...أنا سعيدة...سعيدة. -
-المرتبة الأولى ؟ في ماذا؟
- في القصة...قصتي التي حدثتك عنها
و ماهي الجائزة؟ -
- في القصة...قصتي التي حدثتك عنها
و ماهي الجائزة؟ -
- الجائزة؟ حصولي على المرتبة الأولى أحسن جائزة-
- لا… أقصد كم ستجنين من هذا؟ اسمعي لا تصرفي المبلغ كله في عطوراتك كالعادة؟ كم؟ كم؟ هيا ...قولي..
- ما هذا يا جمال؟ الجائزة هي هذا الفوز...الجائزة هي قلمي الذي سيجوب العالم كله و سيقولون و هم يتحدثون عني: الأديبة التونسية المبدعة وفاء محمد...الجائزة يا زوجي العزيز هي احترام الناسِ لريشتي...الجائزة هي عندما يقرؤون بإعجاب ما أكتب...الجائزة حب الناس لي و هم يستمعون إلي و أنا أصرخ و أكتب بكل حرية.
- ههههه....و هذا الحب سنأكل منه الخبز إن شاء الله...يا امرأة كم من مرة قلت لك انك تحلمين...و انك تنظرين للدنيا من منظار ضيق...منظار العواطف و السخافات ...لم يعد للأحاسيس مكان في هذا العالم يا سيدتي...أفيقي...العالم تغير....تغير...ألا تفهمين...
تعالي و اكوي لي هذا القميص ...كان الأجدر بك أن تعتني بي أولا بدل الجلوس طوال النهار على الحاسوب...لتخطي تفاهات نحن في غنى عنها...”
أخذت منه القميص و ذهبت لتكويه مع أنها كانت قد كوت له آخر البارحة...لا فائدة....كم هي غبية...هي دائما تنسى انه يكره كتاباتها...و لم يقرأ لها و لا حرفا طوال هذه السنين..
- لا… أقصد كم ستجنين من هذا؟ اسمعي لا تصرفي المبلغ كله في عطوراتك كالعادة؟ كم؟ كم؟ هيا ...قولي..
- ما هذا يا جمال؟ الجائزة هي هذا الفوز...الجائزة هي قلمي الذي سيجوب العالم كله و سيقولون و هم يتحدثون عني: الأديبة التونسية المبدعة وفاء محمد...الجائزة يا زوجي العزيز هي احترام الناسِ لريشتي...الجائزة هي عندما يقرؤون بإعجاب ما أكتب...الجائزة حب الناس لي و هم يستمعون إلي و أنا أصرخ و أكتب بكل حرية.
- ههههه....و هذا الحب سنأكل منه الخبز إن شاء الله...يا امرأة كم من مرة قلت لك انك تحلمين...و انك تنظرين للدنيا من منظار ضيق...منظار العواطف و السخافات ...لم يعد للأحاسيس مكان في هذا العالم يا سيدتي...أفيقي...العالم تغير....تغير...ألا تفهمين...
تعالي و اكوي لي هذا القميص ...كان الأجدر بك أن تعتني بي أولا بدل الجلوس طوال النهار على الحاسوب...لتخطي تفاهات نحن في غنى عنها...”
أخذت منه القميص و ذهبت لتكويه مع أنها كانت قد كوت له آخر البارحة...لا فائدة....كم هي غبية...هي دائما تنسى انه يكره كتاباتها...و لم يقرأ لها و لا حرفا طوال هذه السنين..
آه يا سنين العمر تمرين بسرعة...
تنهدت و هي تتذكر أول مرة فازت فيها بكتاباتها...كان ذلك منذ أعوام عدة لما أرسلت إدارة التعليم منشورا للمدرسة تحث فيه المعلمين أن يكتبوا إبداعاتهم...فرحت كثيرا عندما قرأت المنشور...الحمد لله أن الإدارة تذكرت أخيرا أن للمربين إبداعات...أسعدها الخبر لأنها كانت تكتب و تكتب و تكتب ...و لا أحد يقرأ لها...فكانت كلما أرادت أن تعرف وقع ما تكتب على الناس تجلس أمام المرآة و تقرأ كتاباتها...لأنها تعرف أن تلك المرأة التي تقبع هناك في الرواق تستمع إليها...و حتما ستعطيها رأيها...ههههههه أطلقت ضِحكةً خفية و هي تذكر عندما فاجأها زوجها مرة و هي تلقي بكل حماس ما تكتبه أمام المرآة...لقد صاح فيها أن تتعقل و أن تقلع على هذا الجنون...
جنون؟ و هل كلُّ من يكتب مجنونا؟...
كان أولَ ما فعلته عند عودتها من المدرسة أن فتحت الحاسوب و أرسلت للإدارة أحدَ قصائدها بالفرنسية ...و انتظرت ...انتظرت طويلا...حتى كادت تفقد الأمل...
و في يوم كانت فيه في ساحة المدرسة مع زملائها, جاء المدير و بيده ورقة...نظر إليها مبتسما سعيدا...ثم قال يخاطبها: مبروك مدام وفاء..مبروك
سرت فيها رعشةً لم تستطع تفسيرها و قالت: مبروك على ماذا؟ على عدد التفقد؟ لقد كان ذلك مند أيام و قد باركتَ لي
لا يا مدام وفاء...حاز قصيدك المرتبة الأولى في إبداعات المعلمين
- لا تدري كيف استطاعت أن تبقى واقفة في مكانها...أسعدها الخبر جدا و لِلَحظة خالت نفسها تطير..تطير....
تماسكت ... و قالت لزملائها الذين تحلقوا حولها: الله يبارك فيكم...يعيشكم
تماسكت ... و قالت لزملائها الذين تحلقوا حولها: الله يبارك فيكم...يعيشكم
لم تعرف كيف أنهت ساعاتِ الدراسة في ذلك اليوم...كانت تنتظر خروجها لتخبر زوجها...زوجها فقط؟ لا ...كل العالم يجب أن يعرف أنها فازت في المسابقة ...
مشت في طريق العودة و رجلاها لا تحملانها...اعترضت طريقها امرأة بالكاد تعرفها..ألقت عليها التحية...ردت السلام و همت أن تخبرها...تخبرها ماذا؟ هذه المرأة لا تفهم حتى ما معنى مسابقة...و هي لم تدخل المدرسة أصلا....ابتسمت و قالت في نفسها: يا وفاء...انتظري حتى تصلي إلى البيت و تخبري زوجك حبيبك...حتما سيطير فرحا...و سيتباهى بك أمام أهله و سيفرح كثيرا...
أدارت المفتاح في الباب...ولَجتْ مسرعة...كان كعادته عندما يعود من العمل و لا يجدها... يسقي أشجار الحديقة...لم تنتظر حتى تضع محفظتها ...زفت له الخبر...و هي تمد له القصيد الفائز و قد طبعته في المدرسة لتعطي زملاءها نسخا منه...
لم ينظر حتى للأوراق بين يديها...و قال ببرود: و هل هذه نهاية العالم؟ هذه سخافات لا نجني من وراءها شيئا ...هل أحضرت الفطور؟
لم تعر كلامه انتباها و حسبته لم يستوعب الموقف فقالت بحماس:
ليس سهلا أن أفوز من بين المئات من المشاركين...أنا سعيدة..سعيدة...خذ..اقرأ القصيد و سترى..
أخذ منها الأوراق وعوضا أن يقرأها رماها في التراب قائلا: يا سيدتي...أنت مازلت صغيرة لا تفقهين شيئا في الحياة...كم مرة قلت لك إن العالم تغير...و إن هذه العواطف التي تكتبينها هنا لا تشتري لنا سيارة أو رقعة أرض...."
آآآآآآآآآه....ما أتعسها... كانت غبية عندما ظنت أن زوجها سيفرح بنجاحها.../
جرت تجمع أوراقها المبعثرة في الحديقة...نفضت عنها ما علق بها من أتربة ...خبأتها بكل حرص في المِحفظة و دخلت المطبخ لتعد الغداء
تذكرت هاته الحادثة و هي تكوي القميص...
خرج جمال و لم يعتذر ولم يقل لها حتى كلمة مبروك و هي تحتفل بفوزها بالمرتبة الأولى في قصة كتبتها....
تبللت وجنتاها بدموع انسابت متدفقة...
ثم و بحركة لا إرادية رفعت رأسها...فتحت محفظتها...مسكت الأوراق... مشت إلى الرواق...و جلست أمام المرآة تقرأ قصتها بصوت مرتفع و إلقاء جميل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق