(1)
""هذا الكتاب مثال للفصاحة ،فتعابيره غاية فى الرشاقة والبلاغة ؛وموضوعه هو أن شخصا فصيحا ألقى تسع خطب فى ثوب شكاو من أبدع وأروع ما قيل بسبب حادث ظلم وقع له.ومحور هذه الخطب مدح العدل وذم دناءة الموظفين ،ولكن التعابير التى كانت تتدفق من فم الخطيب جعلتنا نكاد ننسى الغرض التى قيلت من أجله......................
...........................................
شكاوى الفلاح الفصيح وقعت أحداث هذه القصة فى عهد الملك نب كا ورع أحد ملوك هراكليو بوليس (أهناس المدينة الحالية )ويحمل لقب خيتى وقد حكم البلاد فى نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد وتتلخص القصة فى أن فلاحاً من مقاطعة الفيوم من إقليم وادى النطرون كان يسكن ببلدة تسمى حقل النطرون .واتفق أن هذا الفلاح وجد مخازن غلاله تكاد تكون خاوية ،فحمل حميره محصولات قريته واتجه نحو أهناس طلبا للمبادلة . وقد كان عليه أن يمر فى طريقه إلى العاصمة بمنزل تحوتى نخت أحد موظفى رنزى الذى كان المدير العظيم لبيت الملك.وقد راقت الحمير فى عين تحوتى نخت فدبر حيلة للإستيلاء عليها عنوة هو وأتباعه،فاتخذ من أكل أحد الحمير بضع سيقان من القمح، سببا فى ضرب الفلاح ضربا مبرحا واغتصاب حميره وقد مكث بباب تحوتى نخت أربعة أيام يرجو فيها إرجاع حميره ولكن بدون جدوى .ولما علم الفلاح بشهرة عدالة رنزى المدير العظيم لبيت الملك ولىّ شطر المدينة ليشكو إليه ما حاق به ؛ولحسن حظ الفلاح صادف المدير العظيم لبيت الملك وهو يتأهب لركوب قاربه فأخذ يقص عليه ما أصابه بلغة فصيحة مما استرعى سمعه فأرسل أحد خدمه ليسمع قصة الفلاح ،ولما عاد وأخبر رنزى بسرقة تحوتى للحمير.............."
د.سليم حسن. موسوعة مصر القديمة .الجزء الثانى ص 436وما بعدها. طبعة سنة 2000م مكتبة الأسرة
(2)
المصرى فى عصور الفراعين الظالمين!!!! لايأبه أن يطالب بحقوقه ما وجد إلى ذلك من سبيل ،كان بليغا وحصيفا وفصيحا ،يمتلك الثقافة وناصية اللغة وسداد الرأى وقوة الحرص على إقامة العدل ومقاومة الظلم ،فالموظفون وأكثر من خمسة آلاف سنة، هم.. هم.. يستشرى فيهم الفساد إستشراء النار فى الحطب والدم فى العروق .
***********
الزمن واقف ..لاحراك ولاحركة والمشاكل كماهى، فلاجديد ،والشكاوى لاتنفد والظلم قائم على قدم وساق.
ما أشبه الليلة بالبارحة!!!أقصد من خمسة آلاف سنة !!!
*****************
كان الأجداد_ فى عصر القهر والظلم والفراعين الآلهة التى تملك وتحكم وتسيطر وتهيمن _أصحاء العقل ، ثاقبى النظرة، فصحاء اللغة ،حازمين فى مطالبهم ،عاقدين العزم على الوصول إلى مبتغاهم ،لايقبلون ظلماً ولايرضحون لقهر ولايستمرأون العذاب والذل والضيم.
كان الأجداد رغم ما يشيعه المغرضون من انحطاط ووثنية وتخلف لعصور زاهرة ، يمتلكون النبل والقيم الرفيعة والثقافة وحضارة مشرقة خالدة ،يفنى الزمان ولاتفنى ولاتبيد.
كان الأجداد أسوياء النفس والعقل ،يعرفون مالهم وماعليهم ،حاسمين فى قراراتهم ،جادين فى سعيهم .
(3)
لامبو ..المصرى المعاصر ..هذا الذى صار وصمة عار فوق جبين حضارة خالدة ،اعتوره المرض ونخر فيه الخراب وتحطمت نفسيته وتشتت أفكاره وساءت لغته وانحطت ثقافته وانكسرت إرادته .
لامبو ..المصرى المعاصر ..صناعة الحرية والديمقراطية والعلم والإيمان والطهارة والشفافية والثورية والشورى واللهاث الدينى السطحى ...متهافت الرأى ،واهن الإرادة ،عليل العقل،يعانى شتى الأمراض النفسية والعقد المرضية ،أين أنتم ياعلماء النفس و الصحة النفسية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لامبو المصرى ..أصابه المرض المزمن الذى لابرء منه ،الوسواس القهرى.
هذا المرض التى يصيب الشخصية باضطرابات نفسية لاشفاء منها ،هونتيجة حتمية للقلق المزمن التى يعيشه الشخص ،فلا أمن ولا آمان ،ولاحاضر ولامستقبل ،ولا راحة ولا طمأنينة ،ولاثقة ولا هدوء، إنها كآبات لاتعد ولاتحصى .
عبر سنوات عجاف ...تم تصنيع شخصية مصرية مريضة ،أصابها وابل الأمراض الفتاكة .
عبر سنوات عجاف ..انهزمت الشخصية المصرية الأصيلةوتحولت إلى شخصيةهلامية مضطربة هشة مترددة خانعة منكسرة .
عبر سنوات عجاف ...........كانت الحرب والاحتراب والفتنة الطائفية وجماعات العنف المسلح والتسلط الدينى والفقرالمدقع والجهل والمرض والقهرالسياسى والفكرى والدينى والتخلف ،جميعهم وقود الجحيم الذى اصطلى فيه المصرى لامبو وأمثاله.
كان النتاج .. شخصية عاجزة ..شخصية مترددة ..شخصية مقهورة ..شخصية كئيبة مكتئبة..شخصية معذبة لنفسها ولغيرها.
ويقول علماء النفس ..أن سمات أصحاب الوسواس القهرى ..التردد وعدم القدرة على الحسم وصعوبة اتخاذ القرارات اليومية والشك والتأمل المزعج فى أحداث الحياة اليومية.
الإحساس الطاغى بالمسؤلية ويقصد بها أن هذه الشخصية تستشعر بمسؤليتها عن أمور ليس فى مقدورها أن تكون مسؤولة عنها، وربما كان هذا الإحساس ناجما عن الذنب التى يجتاحها ويسيطر عليها.
لامبو المصرى فى عهد الثورة والديمقراطية والصحوة الكبرىواليقظة الدينية ،تشوهت قيّمه ونفسيته وتسلط عليه الذنب القهار، فلم يعد قادراً على الفعل الإيجابى ،صار شخصية منشغلة ليل نهار بالحرص على النظافة وطهارة الثوب والترتيب والدقة ،شاعراً شعوراً ناقصاً بعدم اكتماله ، لايمل التكرار والمراجعة، عاجزاً ومشلولاً عن الحركة فى أى اتجاه .. حتى ولو كان فى الاتجاه الخاطىء !!!
(4)
لامبو .........وعريضته العجيبة .. .حصاد سنوات غابرة وأحداث دامية وواقع مزرى .
متى يستطيع لامبو كتابة عريضته "العجيبة" ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سؤال قد تجيب عنه السنون القادمة !!
نشرت بملتقى الأدباء والمبدعين العرب ..فى 13/9/2008م
____________________
لامبو .. وعريضته العبقرية !!!
ربيع عقب الباب
لم يكن " لامبو " قد وصل إلى قرار ، في أمر كتابة عريضته ، إلى السيد مدير مباحث أمن الدولة ، حين كان ما يزال يبحث ، عن طريقة مبتكرة ، لجعل الأمر يبدو وكأنه غير عادى ؛ رغم عاديته ، فكلما لامس ورقة ، وقربها من أنفه الضخم ، أسقطها فورا .. وهو يتأفف ، ويسرع صوب الحمام .. حيث يظل لساعة أو ربما أكثر من ساعتين ، فقط ليخلص يديه مما علق بها ، من هذه الورقة التعسة .. ثم ينسحب ، وهو يفرك عينيه ؛ و قد نسى تماما ، لم ظل بالحمام كل هذا الوقت ؟!!
ربما كان رأسه الأصلع يتفنن في صياغة ما ، تكون قادرة على جذب الانتباه ، وسرقة تعاطفهم معه ، ومع قضيته ، التي أصبحت ولله الحمد ، قضية ما يقرب من خمسين شخصا بل عائلة في مدينته الصغيرة .. كلهم كان يود بالفعل ، لو تمكن من حل الأزمة ، خاصة بعد تفننه في تزكية وإرساء قواعد لها، حتى غدت قضية عامة ، وواجبة .. بل فرض واجب على كل مسلم و مسلمة ، و مسيحي ومسيحية ، شيوعي ، و شيعي ، درزي ، أو ناصري.. وعلى الجميع أن يسارعوا فورا .. ودون إبطاء ، في إثبات حسن نواياهم .. من عدمه ، و ابتكار الطريف من الخطط ، و ليس هذا فقط ، بل التحرك الإيجابي لصالح هذا المستهدف من قبل قوى خارجية ؛ و إلا استهدفوا هم ، وكانوا عرضة لمداهماته التي تأتى مع مواعيد نومهم ، و ربما فجرا على أقل تقدير ، مما يضطرهم لإخلاء الحمامات فورا .. وعقب عبوره بالعناق مرة أو المصافحة مرات ،و إخلاء رؤوسهم من أي رغاء ، أو كلام فارغ يشغلونها به ؛ حتى لو كان التفكير في خبز الوجبة المقبلة !!!
و أخيرا قر قراره ، بعد معاناة رهيبة ، على اقتناء ورقة بردى ، كلف أحد أصدقائه بشحنها من العاصمة ، بعد أن أكد عليه بعدم ملامستها ، بل إرغام البائع الموسكى طبعا - نسبة إلى سوق الموسكى الشهير -على عدم الاقتراب منها ، مهما كان الأمر . و تنهد أخيرا بارتياح ، وهو يفكر في المرحلة التالية ، و كأنه بالفعل كتب ما يطمح ، و ما عليه إلا حملها داخل قرطاس ، و اقتحام المبنى الشهير ، و عدم الاهتمام ، ولو بالنظر فى وجوه من يعترضون طريقه ، حتى لو كان أعتى مباحثيه ؛ ليقف أخيرا بين يدي الرئيس ، الذى سوف يتخلى عن مقعده ، وربما عن وقاره ، حين يرى ورقة البردي بين يديه .. وهنا سطت على عقله فكرة أكثر حساسية ، ألا وهى كيفية التخلص من صلعته التي على ما يبدو سوف تجرده من أي احترام ينشده أمام الرجل ، وعليه فورا الوصول إلى حيلة ما؛ لتناسب الموقف الجلل ، و يعتدل الكون أمام ناظريه ، فلا يصح أن يحمل ورقة البردي شخص أصلع ، وقد تناسى تماما كهنة آمون ، وكيف كانوا يحلقون رؤوسهم على الزيرو . و بالفعل كان يخوض فى سيرة أجداده العظام .. وغير العظام ، و ما كانوا يثبتون على رؤوسهم من قلانيس ، أو أغطية مختلفة ، مرورا بمينا موحد القطرين ، و انتهاء بسادى مفرق القطرين . رأى صورا عجيبة و رهيبة في ذات الوقت ، بداية من تاج حتشبسوت، و مرورا .. بالشال ، و العمامة ، و الكاب الميرى ، والخوذة البيزنطية ، و البورية ، و الغطاء النابليوني ، وبرنيطة تشرشل ، وحيزبون ايزنهاور ، و عفريتة روتشليد فى مؤتمر بال الشهير، وهدية هرقل لأمرؤ القيس ، و التي أودت بحياته عقب لبسها ، مع أنه لم يكن يشكو الصلع ، حتى استقر على أن أنسب ما يلائم ورقة البردي تاج الملكة نفرتارى - زوج أحمس وأخته - الذي تطل الحية منه إلى جوار زهرة اللوتس التي تشبه قمع الجاز ؛ فربما كانت مادة تخويف ، ورهبة تنال من الرئيس . وعند هذا الحد انتهى من حسم هذه النقطة ، فأسرع صوب حمام مسجد أبى القاسم الذي كان يختلج بالمصلين ، الذين لم يتركوه يهنأ بغسل يديه كما يجب ، وكأن يديه من كانتا في رحلة البحث عن قرار في الأمر ، و عليه بدا الانتظار صعبا ومرعبا ، فغادر المسجد على وجه الريح ، و اندفع بكل قوة صوب مسكنه المسكين ، و قد شمر بنطاله حتى الركبة ، فبدت رجلاه متنافرتين تماما ، و ظهر على الملأ السبب الرئيسي في عرجه الدائم ، والذي كان نتيجة إصابته بشلل أطفال ، أتى على واحدة دون أخرى ، و بسببه سب أمه مليون مرة ، حتى بعد رحيلها إلى العالم السفلى !!!!
عبر باب الحمام مع آذان العشاء ، و لم يخرج منه إلا مع آذان الفجر ، وكل ما فعله ، و الله شهيد وكيل ، غسل يديه إلى الرسخين ، وربما طوح على وجهه بكبشة ماء فى آخر الأمر ، و كح كحة واحدة ، واستلقى على الأريكة منهارا ، وقد أصيب بالشلل التام !
كانت لحظة وصول الورقة لحظة عبقرية ، يؤرخ لها ، فقامت الدنيا و لم تقعد ثانية ، حتى أنه اضطر إلى معاداة كل من سولت له نفسه الاقتراب من الورقة ، أو محاولة النظر إليها . التف حوله الكثير من الأقارب و الأصدقاء ، لمشاهدة هذا الحدث العبقري ، و الجميع يتكتم ضحكة أو صرخة ،أو بسمة استهزاء ، و كأنهم أمام ملك رهيب يخشى غضبه أو مجرد التلويح به . هذا كله لم يمنع أحد المشاكسين من الضراط بلسانه و شفتيه ، وهو يسرع بشكل متعمد لإزالة أي سوء فهم :" لم تكتب شيئا إلى الآن .. نعم .. أنت لم تكتب شيئا ".
و تداخل فى بعضه ، وهو ينهره ، رافعا رجله المشلولة ، مع ذراعه ، و طرح رقبته للخلف :" يا أخي .. انتظر .. لم العجلة .. يا أخي ". وهو يجز على كلمة يا أخي بشكل مؤلم ؛ فتوقف العالم تماما عن التنفس ، ربما مبالغة منهم ، وربما بالفعل عن خوف حقيقي من عصبيته ، و إشفاقا عليه . بعد كثير وقت اكتشف أمرا أعاقه . أولا أنه اضطر لمصافحة كل هذا الجمع ، وهذا في حد ذاته ، يستلزم زيارة الحمام لبعض الوقت ، و الأمر الآخر ، بأي شيء يكتب ؟!!!!!
القلم لن يصلح لورقة البردي الفرعونية ، و الريشة أيضا لن تصلح بأية حال ، و عليه أن يسرع بجلب بعض أوراق الحلفا المعترف بها ، لمثل هذا النوع من الشكاوى ؛ ليستقيم الأمر ، و تنتهي المسألة . وحين كاشفهم بما يجرى في رأسه الأصلع ، كانوا ينهالون عليه ضربا ، بالأيدي والأرجل ، والنعال ، و الألسنة التي كانت تعزف لحنا ضراطيا غير مسبوق . و انصرف الحشد ، بينما حط باكيا و بحرقة ، ليس من ألم الضرب أو السخرية التي منه نالت ، و لكن لأنهم لم يشهدوا بعد كيف يتحدث إلى رئيس مباحث أمن الدولة . جرت دموعه بحرا مملحا . حين كان يحاول مسح عينيه .. توقفت كفه ، بلها تجمدت ؛ فقد تذكر أن عليه عمل زيارة سريعة للحمام أولا ؛ حتى يمكن من إزالة ، ومحو دموعه التي بات يشك في تلوثها !!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق