مهداة إلى السيد الأستاذ الدكتور محمود غنايم
_______________________________
قريتنا تقع على الطريق الزراعى وهى المدخل من الطريق السريع ،القاهرة - أسكندرية ،إلى السنطة وزفتى .
وقرية البندرة.. التى ولد فيها وتربى الروائى الراحل الكبير عبدالحكيم قاسم ..من قرى مركز السنطة وروايته الفارقة ،أيام الإنسان السبعة ، كنت أعيشها عيشة حقيقية وكنت أساعد فى كل مايقوم به الكبار والمريدون من أصحاب الطريقة الصوفية ..
وأثناء المولد الأحمدى "شيخ العرب سيدى أحمد البدوى "أصاحب جدتى أم أمى، وهى من عائلة منسّبة إلى أسرة سيدنا على رضى الله عنه ،هكذا سمعت من والد جدتى .
فقد كانت لهم طريقة صوفية تنتهى إلى الطريقة الشاذلية وعند حلول ميلاد شيح العرب سيدى أحمد البدوى ..يتم عمل العيش والفطائر وكميات العدس واللحوم والدقة "عبارة عن ملح مطحون مضاف إليه فلفل مطحون ودقيق محروق كالردة " ثم يتم نقل هذه المواد جميعها فى سحارات خشبية ويتم إستئجار منزل بجوار المسجد الأحمدى وإقامة سرادق ضخم لإستقبال الزائرين ومد الموائد لهم مجانا وأكواب القرفة طوال فترة المولد ويسمونها الخدمة وهى تطوعية لمن شاء لخدمة زوار المولد الأحمدى رضى الله عنه .
وخلال فترة أيام المولد تصبح مدينة طنطا كعبة الزوار من أقاليم مصر وقراها بل وزوار من بلاد عربية وأجنبية ،فهو سوق ضخم تنتظره مدينة طنطا وتجارها وأهلها من العام للعام بشوق وإشتياق ولهفة وفى الليلة الختامية تحصل جميع المدارس على إجازة رسمية .
وحتى العام الفائت 2015م ذهبت إلى الساحة الكبرى فى الليلة الختامية وتجولت وأصدقائى وأولادنا بين السرادقات الضخمية لسماع الإنشاد الدينى ومص القصب وركوب الملاخى والمرجيح وتناول الحلوى وشرب القرفة وشراء الطراطير الملونة والزمامير والحمص وحب العزيز.
كما وأنه أثناء شهر رمضان تقام حلقات الذكر أمام البيت بقريتنا ميت حبيش البحرية ،تحت شجرة التوت ،أذهب بصحبة جدتى كى أرى والد جدتى.
قطب من الأقطاب،مشرقٌ وجهه بالنور، جالس فى صدر المجلس، فى حجرة كبيرة يلتف حوله المريدون والزوار وتدور عليهم صينية مرصوصا عليها أكواب القرفة الحريفة الطعم ورائحة البخور تملأ الحجرة وتنتشر فى حجرات البيت.
ولايدخل عليه أحد المريدين أو الزوار إلا وانحنى على يده مقبلاً إياها بسكينة وتوقير .
البيت مزدحم بالمريدين والمريدات والزائرات والزوار وأمام البيت تفرش الأبسطة الصوفية ويتراص عليها الرجال والشباب فى صفوف متقابلة .
بعد لحظات يخرج عليهم الشيخ الكبير ،فتعلو أصواتهم بذكر الله .
ويبدأ المنشد فى ترديد مقطع
من قصيدة الإمام البوصيرى البردة .
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
محمد سيد الكونين والثقليـ ـن والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهوالذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ماشئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
وأردد وراء المنشد هذه الأبيات محاولاً حفظها والتغنى بها .
وبعد أن ينتهى المنشد من إلقائه الجميل الرائع ..يهم الشيخ الكبيرواقفاً ويتبعه المريدون والزوار ،كى تبدأ حلقة الذكر ويرددون "الله حى .الله حى "
كنت وأصدقائى صغاراً لانقدر على الانضمام فى هذه الصفوف ،فنجلس على الأرض بعيداً عنهم نراقبهم وهم يتطوحون ، حتى تأخذ أحدهم الجلالة ،فنراه وكأنه يطير فلايدرى بما حوله ويردد بقوة "الله حى" .
وفجأة يقع على الأرض مما يستدعى تهدئة حلقة الذكر قليلاً ،فقد لحق به آخرون وتساقطوا على الأرض وهم يرددون :"الله حى ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق