بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 أبريل 2016

ذاكرة تأبى النسيان

فى أكتوبر سنة 2005م بالعدد61 من مجلة الرافعى الأدبية الصادرة بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة والتى تصدرها مديرية الشباب والرياضة بمحافظة الغربية ومقرها طنطا ، نشرتُ مقالة على صفحتين ص 17،16 بعنوان "أرض الخوف والليل الذى طغى "
كان مقالاً مقلقاً مفزعاً وصادماً ،"شكل تهديداً للأمن العام" كما أورت بذلك تقارير مباحث أمن الدولة بالغربية .
وكونى محامياً ،غلّ يدهم من القبض علىّ.
وتم توجيه لوم شديد وقاسِ لرئيس مجلس الإدارة "وكيل الوزارة" والتنبيه"مستقبلاً" بإرسال البروفة النهائية للمجلة قبل طبعها .
ولم يكن المقال سوى صرخة قوية فى وجه الطغيان .

وهذا المقال،الذى يُنشر لأول مرة على النت ،أهديه لأستاذتنا الجليلة منيرة الفهرى ، فكلانا أراد وطناً حراً جميلاً ترفرف عليه راية الحرية والعدالة الإجتماعية والعيش الكريم والكرامة الإنسانية.
تشابهت القلوب وإتحدت العقول ،كانت الثورة حلماً ثم صارت واقعاً،ندعو الله أن يجنبها العراقيل وتؤتى ثمارها المنشودة.
**************************
أرض الخوف ..أرض الرعب. أرض الكذب..أرض المهازل ..أرض الضياع.
النفوس الضائعة والعقول التائهة.زالمتبلدة. نعيش فى الألفيةالثالثة ،التى سيطرت عليها أحلام القياصرة وطموحات الأكاسرة .
الهيمنة الأمريكية الطاغية التى صارت تحلل وتحرم وتغير فى البلاد وفى العباد وفى الحياة .
الليل الأمريكى الطويل الذى يزداد قتامةً وسواداً وظلمةً.
الليل الأمريكى الذى يتسرب إلى كافة مناحى الحياة ويسيطر عليها .
الليل الأمريكى الذى جعل الأرض كلها ظلمة وسواداً وقتامةً .
وفى الليل المدلهم تتحرك كافة الأشباح وتخرج الشياطين من القماقم وتعوى الوحوش وتنهش الأعراض والأرواح،تهدم ..تحطم .تسحق كى تشكل عالماً جديداً وجغرافية جديدة وبشراً جداً.
هذا هو الوحش الطاغى الكاسر،وتلك الحيوانات الوديعة الأليفة المنكسرة التى ألفت السكينة والخمول والكسل والكذب.
هذا الحمل الوديع المعد للذبح ..دائماً لايملك من أمره شيئاً ولامن حياته موقفاً.
سالنى صديق عزيز:
مانهاية الطريق؟
ضحكت وكان ضحكى بكاءًا،
وهل ياصديقى العزيز، عرفنا الطريق حتى نعرف منتهاه.
نحن بداية ولانهاية ،نحن غموض ونزداد يوماً بعد يوم غموضاً أكثر ،نزداد جهلاً وتسطيحاً.
ويعاود صديقى العزيز السؤال:
من نحن وإلى أين نسير؟
وأتوقف كثيراً وتعترينى الدهشة ويتلاشى الصمت المطبق بداخلى وتسبح روحى محلقةً ..
فعلاً من نحن ؟
وإلى أين نسير؟
ويجىء الرد قاطعاً وحاسماً،بأن الواقع والحياة قد فقدت معناها وأن الصراع قد حسم لصالح اليد العليا والذراع القوية الطويلة والليل الذى طغى .
أصبحت ألوف الشموع واعواد الثقاب لاتصنع ضوءاً..حتى الضوء الضعيف لم يعد له أهمية ،ولم يعد له مكاناً.
إنهارت منظومة القيم وأصبح الكذب هوالصراط المستقيم الذى نسير عليه ..
أصبح الماء الذى نشربه ..
أصبح الغذاء الذى نقتاته..
إنه الدماء التى تسرى فى عروقنا ..
الكذب صار الهواء الذى نتفسه والنور الذى نبصره منذ سنوات طويلة ..
إنها سنوات عجاف مريرة ومرة .
قال لنا الحكام :أننا سنسير وسنصع أمجاداً كما صنع الأقدمون "بناة الأهرام" حضارة السبعة آلاف عاماً ويزيد.
حضارة السبعة آلاف عاماً التى توقفنا عندها ولم نتحرك قيد أنملة .
تم النهب لأموالنا وأرواحنا .
سرقة أحلامنا من بين صدورنا.


فى يوم من أيام المجد وموسكو تقف فى مواجهة واشنطن مواجهة مستمرة. العملاقان اللذان يسيطران على الكرة الرضية والفضاء الذى يحيط بها. سنوات الحرب الباردة . هرب أحد المثقفين الروس من بلده المترامى الأطراف آنذاك. والذى قيل له :
لماذا تهرب من إحدى الدولتين العظميين اللذان يحكمان العالم؟
كان رده قاطعاً:أريد أن أحمى أولادى من بلد صار غذاءه اليومى "الكذب"!

لكن الكذب صار علينا قدراً مقدوراً.
الكذب علينا صار أمراً مفضياً . من القمة إلى القاع ،الكل يكذب.
الجوع ينهش النفوس .
الفساد صار أرضاً خصبةً ومحيطاً طامياً نغرق فيه.
التخلف مرتعنا الوخيم ،والمستنقع القذر المعد لنا.
الفقر شعار المرحلة والبطالة أغنية حزينة . المعونات تتساقط علينا .
زبالة الدول وأغذية الكلاب والقطط والأدويةالتى لها فئران تجارب .
الحزن.. أكوام وأكوام..
أرضنا لم تعد تنبت الزهور .
ضاعت مصانعنا ، وبيعت لكل مرتزق وأفاق,
صارت بلادنا نهيبة لكل مقامر وأرضنا تنتج لنا فساداً لانهاية له .
الدول الكبرى تخترق حياتنا وتدمرنفوسنا .
نضحك على انفسنا ونقول :مازلنا مصريين قلباً وعقلاً شكلاً وموضوعاً .
والحقيقة المفجعة ..أننا فقدنا الهوية ،وفقدنا الشكل والمضمون.
أصبحنا ياسادة خارج التاريخ وخارج الجغرافيا. اصبحنا، ياسادة، عجزة عميان مقطوعى اللسان . هذا الليل الطويل متى ينجلى؟
أتأمل محسوراً حياتنا .
هذا الهم اليومى !
طوابير الخبز فى طول البلاد وعرضها ،فى بلد زراعى كما يقال!
هذا العذاب اليومى وملاحقة الروح قبل خروجها. والعيش فى بلد يلفظ أنفاسه الأخيرة .
الكذب الذى ترفعه الحكومات ،والمشاكل التى تم حلها والحياة الرغدة السعيدة التى يحياها المواطنون!!!
الكثيرالكثير من الكذب والنهب المستمر لعقولنا وأرواحنا ..
لكن مصر الكذب السقوط المريع.
والانهيار لكل شيىء والضياع لكل شيىء.
كنت أتحدث مع صديق عن هذا الذى يؤرقنى ويأخذ بيدى إلى حفرى قبرى .
لم يسكت صديقى بل أجاب :أنه كان حاضراً مؤتمر القمة"ضمن وفد رسمى" بالجزائر مارس 2005م ،وتأكد لديه وبما لايدع مجالاً للشك أو الريب،أن البلاد العربية جميعها ..لاشىء لاشىء ،وأننا خراف معدة للذبح وللسقوط المهين وللثورات الشعبية التى لاتبقى ولاتذر.
ياسادة ...أقول بقلب دامع حزين:
هل تاملتم الجوع والفقر والمرض والإفلاس . الضياع هو المستقبل المشرق الزاهر لأولادنا إن قدر لهم العيش.
همنا اليومى ..كيف نستطيع العيش؟
كيف نستطيع العيش والعدو رابض بأرضنا وارواحنا؟
كلما نظرت وأمعنت النظر فى واقعنا وحياتنا ،أحزن حزناً شديداً .
العراق سرق من بين أيدينا وشاركنا العدو فى سرقته، وكما سرقت فلسطين من قبل؟
سوريا والطريق المستقيم للإستقامة كما يريد العدو وإلا الغزو والتفكيك.
لبنان على شفا حفرة من الضياع.
الأردن وما أدراك ما الأردن؟
السودان الشقيق وعما قريب سيصير دويلات متعددة الجنوب والشمال ودارفور .
ثم المشيخات ..والليل الأمريكى المهيمن والمسيطر والحاكم بأمره .
آه من هذا الحزن القاتل ..
الألم يعصرنى ويسحقنى .دول المغرب العربى..المغرب تونس الجزائر ليبيا ،
أين هم على الساحة ؟
ويعيدنى للواقع ويشدنى إليه شداً ويملأ عقلى وقلبى صوت الحرية القادم والثورة على الأبواب.
ثورة الجياع.
ثورة المقهورين ..
ويأتينى، من بعيد ،الصوت الشجى .. صوت فيروز تصدح ..تشدو ..تزرع،فى كيانى الأمل :
سوف نحيا .........

السبت، 9 أبريل 2016

ذاكرة تأبى النسيان


مهداة إلى تلاميذ وتلميذات بحر البقر، الحسينية، محافظة الشرقية.
........
فى 8 إبريل سنة 1994م..سافرت إلى الحسينية محافظة الشرقية. .وصادف هذا اليوم ذكرى استشهاد تلاميذ مدرسة بحر البقر الإبتدائية الذين استشهدوا بعد قصف طائرة عسكرية صهيونية لمدرسة بحر البقر الساعة التاسعة صباحا يوم 8 إبريل سنة 1970م.

كانوا 30 تلميذا مابين السادسة والعاشرة من عمرهم.
وأصيب باقى التلاميذ وغيرهم من العمال. ..

كانت تقلنى سيارة مرسيدس صفراء اللون ويقودها سائق يعرف بلاد محافظة الشرقية تمام المعرفة ومقصدنا الحسينية ثم الصالحية الجديدة وهى إحدى أقاليم محافظة الشرقية. .وتقع بدائرتها قرية بحر البقر. .التى حدثت فيها المجزرة البشعة.
طلبت من السائق وقبل الذهاب إلى الصالحية الجديدة أن نمر على مدرسة بحر البقر. .
واتخذ السائق الطريق المؤدى إليها.
كنت أجلس بجواره والحزن يتملكنى ويحرقنى ويشقينى ويفتت كبدى حسرة على ما أصابنا من هزيمة فاجعة فى 67 واحتلال سيناء وتدمير قواتنا الجوية وصارت سماء مصر المحروسة مستباحة لطائرات الصهاينة يمرحون فيها كما يرغبون ويضربون أهدافا مدنية وغير مدنية.
كان قلبى يبكى لهذه الذكرى القاسية والمميتة والساحقة للكرامة والقيمة والاعتبار.
وطن عظيم ينتهك شر انتهاك وسماء مفتوحة بلا حراسة وبلا حدود مانعة.
وطن عظيم لايستطيع حماية أرضه ولاسمائه. .ويموت أبناؤه جوعا وعطشا ويقتلون شر قتلة فى سيناء من عدو صهيونى حتى قيام الساعة.
ورغم حرب أكتوبر 73 إلا أن الغضب يقتلني.

وتدمع عيناى ويتوقف السائق ويقول متسائلا :
حضرتك بتبكى. .حضرتك تعبان نروح المستشفى جنبنا.
وأمسح دموع المنهمرة وأرد عليه :
أنا كويس. .نعدى على مدرسة بحر البقر وبعدين نروح نكمل مشوارنا.
ويعاود السائق سيره متعجبا من حالى.
ونمر من أمام المدرسة وأراها لكن تخذلنى إرادتى فلم أستطع النزول من السيارة والألم يفتك صدرى ويعصر روحى عصرا مدمرا..

وأطلب منه السير إلى مقصدنا والسائق يدير رأسه بين لحظة وأخرى يتأملنى والخوف يركبه من حزنى الشديد ويخشى أن أكون مريضا وانا أدارى عليه.
فعلا كنت أعالج من ضغط الدم المرتفع الذى أصابني فى وقت مبكر من عمرى.

وفى الطريق إستجمعت رباطة جأشى وسيطرت على عواطفى ومشاعرى وحكيت للسائق عن مجزرة بحر البقر.. وعن هزيمة 67 الفادحة الرهيبة التي قصمت ظهورنا وحطمت كبرياء وضاع جيشنا.
ويأتى الثامن من إبريل من كل عام وتعاودنى ذكرى استشهاد تلاميذ مدرسة بحر البقر. ..
..
وتستعيد أذناى صوت شاديةوهى تغنى بقوةوحزن شديد قاس وفاجع، كلمات صلاح جاهين.:
الدرس إنتهى
لموا الكراريس. ..........

ذاكرة تأبى النسيان


من منا لايحب السينما؟ ؟؟!!!

أول مرة دخلت السينما بصحبة خالى عبد العزيز، سينما أمير بميدان الساعة..أشهر ميادين طنطا. .كنت فى العاشرة من عمرى في السنة الرابعة الابتدائية.
كان خالى،أخ غير شقيق لأمى تربطهما الأم، من أنجب طلاب وطالبات القرية فى مدرسة الأقباط الثانوية بنين بالسنة الأولى.
إرتديت القميص الحرير المقلم بخطوط ابيض واحمر صغيرة الحجم، طولية وبنطلون أزرق وحزام جلدى أسود وشراب أزرق وحذاء جلدى أسود لامع بقطان أسود.
قامت أمى وجدتى أم أبى بالإشراف على هندامى ولم تنس أمى تمشيط شعرى الطويل بعض الشيء. تمت عملية اللبس بنظام وحوقلتا أمى وجدتى وبسملتا ودعت جدتى وتلت المعوذتين.
وخرجت بصحبة خالى، وأمى تودعنى على الباب بإبتسامة مشرقة وزهو خفى.
دخلنا السينما وجلسنا فى البلكون وهو أغلى مكان وأعلى ثمن.
وفجأة حل الظلام الدامس وبدأت الشاشة البيضاء تنير بالأضواء وبدأ الفيلم الأجنبى ثم يليه الفيلم المصرى.

صمت صامت وسكون عميق والحديث بالهمس وكل جالس على كرسيه مشدود القامة مفتوح العينين والأذنين. .انتباه صارم وجاد وحركة الداخلين بهدوء قاتل. .
جالس كأبى الهول منتبه جدا وسعيد جدا وروحى تنط من الفرحة.
المهم. ..أصبحت السينما، بعد هذا التاريخ الزاهر الباهر مقصدى وهدفى لوحدى أو مع أصدقائى. .فى الأعياد أو المناسبات أو فى أجازة الصيف.

رصيف نمرة 5 ،ابن حميدو، جعلونى مجرما. .فريد شوقى ومحمود المليجى وكوكبة من الممثلين والممثلات ..سعادة مابعدها سعادة .
وبعد خروجنا من باب الترسو الدرجة الثالثة. .
نبدأ فى الحكى واستعادة بعض المشاهد والحركات واللقطات والكلمات ، ونحن نعود إلى القرية سيرا على الأقدام ،ونكاد نطير من الفرح والسرور والحزن.

ذاكرة تأبى النسيان

مهداة إلى الروائى الكبير محسن يونس
.......................
أتذكر فى فترة المراهقة المتأخرة حين كان رأسى يثمل بصور المغامرات ،وسيكون هذا دأبى مستقبلا. .
سأذهب إلى هناك كثيرا. .وأعشق هذه وأكره ذاك وأبكى أحيانا وأبتسم أحيانا أخرى .
سأعيش حرا سعيدا منطلقا إلى سماوات المتعة واللذة
وتبهرنى الأضواء ويمتلأ صدرى بالحماس والنشوة.

وحدى..تقودنى قدماى فى الطريق إلى السينما وترحب بى أشجار النخيل وأشجار الزينة المنتشرة فى الحدائق .
وأسعى فى شارع الجلاء تدفعنى الرغبة في اللحاق بحفلة الساعة السادسة مساء فى سينما أمير. لعرض فيلم عودة الابن الضال للمخرج العظيم يوسف شاهين.
ويوسف شاهين من المخرجين الكبار المحترمين، صاحب قضية كبرى وهدف نبيل وعشق جارف لمصر المحروسة ..لايحب أفلامه أصدقائى ولا زملائى. يصرخون فى وجهى :
ده رجل معقد ولابنفهم منه حاجة !!!
وأتأملهم صامتا ساكنا معقود اللسان.
ولكنى أفهمه جيدا وأتمتع بأفلامه وأحرص على مشاهدتها حين عرضها.

واقف أمام شباك التذاكر. .طالبا تذكرة فى الصالة وادخل فرحا مسرورا، فالصالة بها أعداد قليلة منتشرة فى المقاعد، وتعلونى إبتسامة وكأنى سأشاهد الفيلم وحدى دون ضجيج من الدرجة الثالثة، الترسو.
كنت أدخلها مع أصدقائى لمشاهدة أفلام ملك الترسو فريد شوقى والذين معه، وأصوات المتفرجين صارخة تهيب بالبطل فريد شوقى ألا يدخل المنزل فالعصابة تنتظره للفتك به وتمزيقه شر ممزق.
وتختفي الأضواء ويعم الظلام الدامس. .ويبدأ عرض الفيلم الأجنبى. .ثم تبدأ الإستراحة وبعدها يبدأ عرض فيلم عودة الابن الضال. وسط سكون قاتل وهدوء حذر. .فالمتفرجون قليلون فى الصالة والبلكون واللوج وقلة موجودة فى الترسو ،لا صوت لهم ولاحركة.
وأكتم أنفاسى ..عيناى مصوبتان على الشاشة ورأسى ثابت وظهرى مستقيم وعقلى يسبح مع الأحداث متابعا ألا تفوته لقطة أو تغمض عليه كلمة أوتشرد منه حركة.
قمة الانتباه والتركيز والتفاعل. .
فمن أراد أن يشاهد أفلام يوسف شاهين أن يكون مستعدا تمام الاستعداد، فمثله لا يلقى القول جزافا أو يقدم لقطة غير مدروسة أو غيرهادفة . يعرف ماذا يكتب ويعرف ماذا يقدم. .صاحب رؤية وقضية يطرحها ويدافع عنها.

وتأسرنى اللقطات المبهرة والتصوير المتقن المحكم والحوار بين محمود المليجى وماجدة الرومى، فاتنتى وحبيبتى ومطربتى الأثيرة، وتصعد روحى مع الأحداث. .وتأتى النهاية.
ساعات أقوم من النوم قلبى حزين.
وأردد مع ماجدة الرومى باكيا ماحدث لنا من هزيمة مرة مريرة فى 67.
فى الصيف السابع والستين. .الذى لم ينته من تاريخنا طعمه المر المريروآثاره المدمرة الماحقة ،حتى اللحظة.

ذاكرة تأبى النسيان


مهداة إلى السيد الأستاذ الدكتور محمود غنايم
_______________________________

قريتنا تقع على الطريق الزراعى وهى المدخل من الطريق السريع ،القاهرة - أسكندرية ،إلى السنطة وزفتى .
وقرية البندرة.. التى ولد فيها وتربى الروائى الراحل الكبير عبدالحكيم قاسم ..من قرى مركز السنطة وروايته الفارقة ،أيام الإنسان السبعة ، كنت أعيشها عيشة حقيقية وكنت أساعد فى كل مايقوم به الكبار والمريدون من أصحاب الطريقة الصوفية ..

وأثناء المولد الأحمدى "شيخ العرب سيدى أحمد البدوى "أصاحب جدتى أم أمى، وهى من عائلة منسّبة إلى أسرة سيدنا على رضى الله عنه ،هكذا سمعت من والد جدتى .
فقد كانت لهم طريقة صوفية تنتهى إلى الطريقة الشاذلية وعند حلول ميلاد شيح العرب سيدى أحمد البدوى ..يتم عمل العيش والفطائر وكميات العدس واللحوم والدقة "عبارة عن ملح مطحون مضاف إليه فلفل مطحون ودقيق محروق كالردة " ثم يتم نقل هذه المواد جميعها فى سحارات خشبية ويتم إستئجار منزل بجوار المسجد الأحمدى وإقامة سرادق ضخم لإستقبال الزائرين ومد الموائد لهم مجانا وأكواب القرفة طوال فترة المولد ويسمونها الخدمة وهى تطوعية لمن شاء لخدمة زوار المولد الأحمدى رضى الله عنه .
وخلال فترة أيام المولد تصبح مدينة طنطا كعبة الزوار من أقاليم مصر وقراها بل وزوار من بلاد عربية وأجنبية ،فهو سوق ضخم تنتظره مدينة طنطا وتجارها وأهلها من العام للعام بشوق وإشتياق ولهفة وفى الليلة الختامية تحصل جميع المدارس على إجازة رسمية .
وحتى العام الفائت 2015م ذهبت إلى الساحة الكبرى فى الليلة الختامية وتجولت وأصدقائى وأولادنا بين السرادقات الضخمية لسماع الإنشاد الدينى ومص القصب وركوب الملاخى والمرجيح وتناول الحلوى وشرب القرفة وشراء الطراطير الملونة والزمامير والحمص وحب العزيز.

كما وأنه أثناء شهر رمضان تقام حلقات الذكر أمام البيت بقريتنا ميت حبيش البحرية ،تحت شجرة التوت ،أذهب بصحبة جدتى كى أرى والد جدتى.
قطب من الأقطاب،مشرقٌ وجهه بالنور، جالس فى صدر المجلس، فى حجرة كبيرة يلتف حوله المريدون والزوار وتدور عليهم صينية مرصوصا عليها أكواب القرفة الحريفة الطعم ورائحة البخور تملأ الحجرة وتنتشر فى حجرات البيت.
ولايدخل عليه أحد المريدين أو الزوار إلا وانحنى على يده مقبلاً إياها بسكينة وتوقير .
البيت مزدحم بالمريدين والمريدات والزائرات والزوار وأمام البيت تفرش الأبسطة الصوفية ويتراص عليها الرجال والشباب فى صفوف متقابلة .
بعد لحظات يخرج عليهم الشيخ الكبير ،فتعلو أصواتهم بذكر الله .
ويبدأ المنشد فى ترديد مقطع
من قصيدة الإمام البوصيرى البردة .

مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
محمد سيد الكونين والثقليـ ـن والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهوالذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ماشئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم

وأردد وراء المنشد هذه الأبيات محاولاً حفظها والتغنى بها .
وبعد أن ينتهى المنشد من إلقائه الجميل الرائع ..يهم الشيخ الكبيرواقفاً ويتبعه المريدون والزوار ،كى تبدأ حلقة الذكر ويرددون "الله حى .الله حى "
كنت وأصدقائى صغاراً لانقدر على الانضمام فى هذه الصفوف ،فنجلس على الأرض بعيداً عنهم نراقبهم وهم يتطوحون ، حتى تأخذ أحدهم الجلالة ،فنراه وكأنه يطير فلايدرى بما حوله ويردد بقوة "الله حى" .
وفجأة يقع على الأرض مما يستدعى تهدئة حلقة الذكر قليلاً ،فقد لحق به آخرون وتساقطوا على الأرض وهم يرددون :"الله حى ".

الأربعاء، 6 أبريل 2016

حبلاية القرود

فؤاد عجوة. ..يحمل فى قلبه هموما سياسية ويكاد يستمطر السماء الدعوات أن تخرج مصر من كبوتها سليمة معافية.
ما إن يضمنا مجلس إلا ويصير الحديث عن هذه الهموم التى تثقل القلب وتتعب العقل.
لم يكتف فؤاد بما نعيشه ونراه ونكابده من مشقة وتعب فى سنوات العمر وما نعانيه من أزمات صحية مزمنة وقاسية ومؤلمة،يقول لى:
فاكر يانويهى أيام زمان لما كنا شباب وتصورنا إننا ح نغير العالم ودلوقتى مش شايفين غير مهازل وشوية أقزام فى مجلس النواب.
ضحكت ولم أستطع السيطرة على الضحك وقلت:
يافؤاد دى جبلاية القرود. .فاكر زمااااااااان لما كنت تسألني واحنا فى كلية الحقوق جامعة القاهرة ...ساعات بتغيب ولما أسأل عليك يقوللى دا راح جنينة الحيوان إللى قدام الجامعة.
عارف ليه يافؤاد كنت بأروح جنينة الحيوان عشان أتفرج على القرود. ..كنت معجب بهم وهمه بيلعبوا مع بعض. ..إللى بيحصل فى مجلس النواب زى جبلاية القرود بالظبط. .وربنا يحمى مصر من ولادها القرود! !!!!!!!

أبو نواس بين النويهى والعقاد ونصير




1
القص الشعبى لم يدخر وسعا ،أن أصبحت حياة الشاعر الرجيم الحسن بن هاني وشهرته، أبو نواس. هذا الشاعر الفحل ،حكايات تروى عن مجونه واستهتاره وعبثه وخروجه على منظومة القيم والتقاليد وعلاقته مع الخليفة العباسى هارون الرشيد.
حكايات اختلط فيها الغث بالثمين والحقيقة بالمزيف والصحيح بالمنحول.

عرفته حق المعرفة وحفظت بعض أشعاره وعشت أتقصى حياته ووالدى رحمة الله عليه يتحدث عن كتاب نفسية أبى نواس للدكتور رشاد النويهى وهواسم الشهرة للدكتور محمد محمدالدسوقى النويهى ،ويحكى ويقول :
أن كتاب الدكتور النويهى يعتبر أول دراسة متفردة عن أبى نواس . وأنا أحتفظ بالطبعة الأولى منه.
وأن الدكتور النويهى و الدكتورة عائشة عبدالرحمن وشهرتها بنت الشاطىء ..كلاهما يحتضنهما الدكتور طه حسين ويرعاهما لنبوغهما وتميزهما فى الدراسات الأدبية.
وأن كتاب نفسية أبى نواس. .أحدث ضجة كبيرة يوم صدوره وكتب عنه الدكتور طه حسين .
................
2
يقول النويهى :إن دراسة أبى نواس توضح لنا مقدار الترابط بين عوامل التكوين الفردى وبين مؤثرات البيئة فى بناء الشخصية،وتعيننا على الإجابة عن هذا السؤال الصعب المشهور:
إلى أى حد يتأثر الفرد الممتاز بظروف عصره وإلى أى حد يتأثر بتكوينه الفردى.
ص168

كانت هذه الدراسة الرائدة للنويهى فتحا جديدا فى الدراسات الأدبية. .وارتكانها على علوم النفس لتحليل الشخصية.
ويؤكد والدى رحمة الله عليه:
أن الدكتور محمد النويهى وهو ابن عم والدى ..كثيرا ما يردد أنك لكى تتذوق الشعر الجاهلي أو العصور التى توالت من بعده ،لابد أن تعيش حياة الشعراء فى الصحراء ..فلايمكن أن تتذوق الشعر وأنت بعيد عن بيئة الشاعر.
ويتذكر ضاحكا :
كان النويهى يعاكس الشيخ محمد خلف وهو أزهرى زوج ستك الحاجة آمنة قريبة والدتك ويأتى له بالصعب من الألفاظ ويضعها فى بيت من الشعر لامعنى له ويطلب منه تفسيره. .ويسهر الشيخ ويفتح القواميس ودواوين الشعراء. .ولايستطيع الشيخ محمد فك ألغاز الكلمات. .وفى نهاية الأمر يعجز عجزا مبينا. ..ونضحك وكأننا انتصرنا عليه. .

نساء قريتنا


كلما مررت على سوق قريتنا ،بعد الفجر ومع أول شروق الشمس ،وأجد نساءنا الكادحات المستقيظات مع الخيط الأول من نور الشمس ،..بائعات وذاهبات إلى الغيطان ساحبات الجواميس والعجول والأبقار ،أتذكر على الفور قصيدة موت فلاح للشاعر الإنسانى الكبير صلاح عبد الصبور التى أحفظها منذ عقود .
إنه يؤكد على عمق الحياة وروعتها والإخلاص فى التعامل معها.
هذه الصور الحقيقية لنسائنا العظيمات الكادحات،تفتح شهيتى للحياة والمناضلة حتى آخر رمق .
بعيدًا عن التقعر والثرثرة الفارغة والأحاديث الباطلة .
هنا الحياة الحقيقية .
............................
موت فلاح
لصلاح عبدالصبور
....................
لم يكن يوماً مثلنا يستعجل الموتا
لأنه كل صباح، كان يصنع الحياةَ في الترابْ
ولم يكن كدأبنا يلغط بالفلسفة الميتةْ
لأنه لا يجد الوقتا
فلم يمِلْ للشمس رأسَه الثقيلَ بالعذاب
والصخرةُ السمراءُ ظلت بين مَنْكِبيه ثابتةْ
كانت له عمامةٌ عريضةٌ تعلوه
وقامةٌ مديدةٌ كأنها وَثنْ
ولحية الملح والفلفل لوناها
ووجهه مثل أديم الأرض مجدورُ
لكنه، والموت مقدورُ،
قضي ظهيرةَ النهار، والترابُ في يده
والماء يجري بين أقدامه
وعندما جاء ملاكُ الموت يدعوه
لوّن بالدهشة عيناً وفماْ
واستغفر اللهَ
ثم ارتمي...
والفأس والدرة في جانبه تكوَّما
وجاء أهله، وأسبلوا جفونَه
وكفَّنوا جثمانَه، وقبَّلوا جبينَه
وغيبوه في الترابْ، في منخفض الرمال
وحدَّقوا إلي الحقول في سكينةْ
وأرسلوا تنهيدةً قصيرةً... قصيرةْ
ثم مضَوا لرحلةٍ يخوضها بقريتي الصغيرةْ،
من أول الدهر، الرجالْ
من أول الزمانِ
حتي الموتِ في الظهيرة.
من أول الزمانِ
حتي الموتِ في الظهيرة.

شهدى عطية الشافعى

الجريمة. .دراسة ثوثيقية كتبها صلاح عيسى عن وفاة شهدى عطية الشافعى.
وقام بالتحقيق فى أسباب الوفاة اللواء مصطفى النويهى. .وكيل وزارة الداخلية المفتش العام فى ستينيات القرن الماضى.
وأثبت من خلال التحقيقات تعرض شهدى للتعذيب من قبل صف ضباط وضباط السجن الذى أدى إلى وفاته.
قرأت كثيرا عن شهدى عطية الشافعى وكتابه الفارق عن الحركة الوطنية فى مصر.
كانت الحركة الشيوعية المصرية وقياداتها المثقفين أول من صرخوا ونندوا بالظلم والفقر والمرض والجهل السائد في طول البلاد وعرضها ولم يهنوا ولم يتقاعسوا ولم يهادنوا ..كانوا الصخرة الصلدة التى تكسرت عليها معاول الهدم والتخريب.
كانت الحركة الشيوعية المصرية بكل أطيافها العقل الواعى والمستشرف لمستقبل أفضل وغد مستنير.
تقابلت مع بعضهم فى سبعينيات القرن الماضى..الدكتور فؤاد مرسى والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله وفى طنطا طبيب العيون عزت شلبى ومحمد مراد وعريان نصيف وعطية الصيرفى من ميت غمر وكتاباته الثورية ،نقابتنا فى خدمة السلطان، ويقصد النقابات والحركات العمالية.
هؤلاء جميعهم كانت لهم صولات وجولات فى الحركة الشيوعية المصرية. .
الملك فؤاد الملك فاروق الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أنور السادات والرئيس محمد حسنى مبارك. ..طردوا الشيوعية والشيوعيين الوطنيين وغازلوا التيارات الرجعية التى نمت وترعرعت تحت أبصارهم وفى نهاية الأمر استولوا على السلطة لولا يقظة هذا الشعب الواعى لدخلنا نفقا مظلما وسادنا ليل طويل .
إنتسبت لحركتهم وعايشتهم وقرأت أدبياتهم ،فلم أجد فيهم إلا الوطنية الحقة لمصرهم المحروسة.
المجد للذين سعووا ويسعون لخير مصر ورفعتها وتقدمها.
المجد للذين ضحوا بأرواحهم فداء لتراب هذا الوطن العظيم.
المجد للذين رحلوا وهم يحملون شعلة الثورة ضد الظلاميين والخونة والعملاء .
المجد لهم. .
المجد لهم. .
المجد لهم..


2
من كتاب يوميات الواحات لصنع الله إبراهيم وقد صدرت الطبعة الأولى عن دار المستقبل العربى بالقاهرة،وكتاب يوميات الواحات توثيق لفترة اعتقال صنع الله بسجن الواحات.
والكتاب إدانة لعبد الناصر.
وصفحات الكتاب 289 مقسمة إلى :
مدخل..........ص7
يوميات1964-1962....ص43
فذلكة ختامية. ...ص171
هوامش.....181حتى ص289
وهوكتاب من القطع المتوسط.
كنت أود من الأستاذ سماح. ..أن يذكر المرجع لكنه نسى.
أعتقد أن كتاب يوميات الواحات لصنع الله إبراهيم وكتاب الجريمة لصلاح عيسى ، الذى إستقى معلوماته من ملف القضية والتحقيقات التى تمت والتقارير التى كتبها اللواء مصطفى النويهى وهو من اقاربى الأقربين، فعائلة النويهى عدة فروع لأصل واحد، محاولة جيدة لتأربخ فترة مهمة فى حياة الوطن.
أتمنى أن أكتب يوما عن هنري كورييل اليهودى المصرى و الشيوعية والشيوعيين فى مصر ودورهم التثقيفى والنضالى حتى إنضواءهم تحت مظلة حزب التجمع الوطنى مع تيارات اليسار المصرى.
عاطر تحيتى ومودتى

نرجسيون فى حياتى


يتأتا فى الكلام ولايحسن التفكير،
قضى سنين العمر عالة على موائد الآخرين.
همس فى أذنه شيطان :
أنت سيد المغنيين فى ساحة الفقراء!
واعتراه هوس وجنون
وخط فى الكراس :
أنا من يحسن النظم والشعر والنثر
أنا سيد الشعراء
أنا الخيام
ونشر من ركيك الشعر عشرة دواوين ،

رجال عرفتهم ....الدكتور جلال رجب المحامى


1
....وأضحك ويعلو صوتى ضاحكا :
لكن يادكتور جلال. .مانراه على الساحة من تضييق على الحريات وخنق الأصوات المنددة بالقمع والقهر علاوة على قانون الطوارئ الذى لايبدو له نهاية ..والحرب المنظمة ضد نقابة المحامين والمشاكل التى تتعرض لها والانشقاقات داخل النقابة والإجراءات التعسفية التى تنال المحامين. ....وسيادتك تعرف الكثير وأكثر من كل الموجودين.
ويشخط فى أستاذنا الجليل عبد الحكيم فرهود نقيب المحامين بالغربية قائلا :
النويهى ده مشكلة يادكتور جلال. .ومش عايز يسكت. . يانويهى. .الدكتور جلال جاى النهاردة يقعد معانا شوية وبعدين نروح نكمل قعدتنا بنادى المحامين. .
ويبتسم الدكتور جلال ويوجه كلامه للجالسين بغرفة المحامين بمجمع المحاكم بطنطا خلف ديوان محافظة الغربية :
كل اليساريين بكل أطيافهم وتياراتهم مش عاجبهم وضع البلد والنويهى أعرفه كويس. .وفى لجنة الحريات صوته عالى. .
ومن أقصى الغرفة يعلو صوت زميل :
خليه يسكت يادكتور ..
ويعقب الدكتور جلال رجب على طلب الزميل:
ماليش دعوة سيادة النقيب يتصرف معاه.
........
تعرفت على الدكتور جلال رجب فى ثمانينات القرن الماضي أثناء وجودى بمجمع محاكم محافظة كفر الشيخ ..
فهو أحد الأعلام فى النقابة العامة للمحامين وشيخ جليل من شيوخ المحامين. .من مواليد فوة سنة 1930م حصل على ليسانس الحقوق وسافر إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراة فى القانون الجنائي وعاد سنة 1957م وافتتح مكتبه فى مدينة كفر الشيخ وكان من كبار المحامين وأول محامى يحصل على الدكتوراه.
كانت أسرته من كبار ملاك الأطيان الزراعية وممن يطلق عليهم إقطاعيون وعاد ليجد ثور1952 م قد جردت أسرته من أملاكها. .
إنتسب الدكتور جلال رجب للحركات اليسارية ودافع عن الفقراء والمعدمين وكان مكتبه الملاذ والملجأ لهم.






 
2
فى ليلة رجعت من القاهرة. .كان فيه اجتماع فى النقابة العامة. .وتعبان قوى قوى. .وقلت لمراتى :
سيبونى أنام براحتى. .وقد كان .
وش الفجر صحى البيت كله. .فيه جرس الباب وتخبيط شديد ولقينا ست ومعاها ولد شايلاه وتبكى وتقول:
الواد سخن نار ولازم تكشف عليه .
فقلت لها :
أنا مش دكتور شوفى دكتور.
ردت على :
إنت دكتور واكشف على الواد وخد إللى إنت عايزه. .الواد سخن نار وخايفة يجرى له حاجة.
فقلت لها، وانا نص صاحى ونص نايم :
أنا مش دكتور أطفال. .انا دكتور فى القانون.
قالت لى بغضب :
إنت دكتور واليافطة مكتوب عليها دكتور. .عشان خاطرى الواد سخن نار.
يضحك الدكتور جلال رجب. .وكلنا آذان صاغية وترقب. .كيف سيتصرف الدكتور ؟
يقطع الدكتور جلال الصمت الذى يسيطر علينا ويقول :
لقيت مفيش فايدة والست مصممة على إنى دكتور ولازم أكشف على ابنها وكان معاها جوزها.
لبست هدومى ورحت معاها لطبيب أطفال فى الشارع إللى ورايا وصحيت الدكتور وكشف على الواد وكتب له الروشتة. .وحاولت تدفع ثمن الكشف فالدكتور صاحبى رفض وقال لها :
ابنك بخير وعنده اللوز وبعد ماتروح الحرارة هاتيه عشان تشيل اللوز. .وفلوس الكشف والعملية الدكتور جلال دفعهم.
يقول الدكتور جلال :
لقيت الست وجوزها بيعتذروا لى. .وأنا روحت البيت كنت حاسس إنى ح أقع وأنا ماشى من التعب وقلة النوم.

أحمد الخواجة

أحمد الخواجة صنيعة جمال عبد الناصر. .فرضه فرضا على نقابة المحامين. ..ولايمكن أن يكون نقيبا لأعرق نقابة شابا في الثلاثين من عمره أو أقل قليلا.
وموضوع الإنتخابات النقابية كانت مثل الإنتخابات البرلمانية والاستقتاءات الرئاسية. .يتم صنعها دون وضع إرادة الشعب أو النقابيين أى إعتبار. .وكانت لاتقل عن999'99% .
وبعد موت عبدالناصر وتسلم السادات رئاسة الجمهورية. .جرت المسيرة ولم تتغير.
لايعقل أن تعقم نقابة المحامين فلايوجد بها إلا أحمد الخواجة نقيبا حتى مات.
إنها إرادة السلطان وهى الغالبة دون مقاومة تذكر.
خطأ عبدالناصر والسادات ومبارك. .سياسة القمع والقهر والكبت. .التى صاروا عليها ردحا طويلا من السنين. .وأخيرا تاهت النقابات المهنية ولم يعد لها دور في مسيرة الوطن.
ولله الأمر من قبل ومن بعد

الدكتور مجدى يوسف


(1)
لم يكن الأستاذ الدكتور مجدى يوسف غريبا على ثقافتى ،وإنما كان له نصيب وافر فيها رغم قلة كتبه التى قرأتها.
فى سنة 1993م وأثناء مرورى فى ميدان الساعة بطنطا وبالواجهة الزجاجية لمكتبة الهيئة المصرية العامة للكتاب. .فرع طنطا. .شد انتباهى وبقوة كتاب معنون" التداخل الحضارى والاستقلال الفكرى"
لمؤلفه الدكتور مجدى يوسف. .
فقمت بشرائه وسهرت ليلا معه حتى انتهيت منه.

الكتاب نوع جديد من الكتابة وبحث جاد... سأعود إليه لاحقا لطرح أفكاره.
وفى سنة2001م فوجئت بمدير مكتبة الهلال فرع طنطا. .يطلبنى عبر صديق للمرور عليه ..وسنحت لى الفرصة ومررت فوجدته يقول لى:
لقدحدثتنى عن الدكتور مجدى يوسف وها هى دار الهلال تنشر له كتابا "من التداخل إلى التفاعل الحضارى"
ونال منى الكتاب عناية فائقة. .فالدكتور مجدى يوسف أستاذ الأدب المقارن والثقافات الإجتماعية المقارنة..ويتميز بحثه بالجدية والموضوعية وطرح المواضيع الأكثر أهمية فى حقول الأدب المقارن.

تابعت كتاباته وأبحاثه المنشورة بمجلة فصول. .وانشغلت بعملى ولكن ما أثاره كتابان الدكتور مجدى يوسف لم يبرحا فكرى.
وفى سنة 2007م وأثناء وجودى بالمجلس الأعلى للثقافة رأيت كتابا"تاريخ مختلف للأدب العالمى" تأليف أرماندو نيشى، ترجمة حسين محمود، تقديم ومراجعة وشروح الدكتور مجدى يوسف،فكان أول ماقمت بشرائه مع الكتب الأخرى التى اشتريتها.
قرأت الكتاب مرة بعد مرة. .وأخذنى تقديم الدكتورمجدى يوسف عبر 36 صفحة إلى سنوات الاحتلال والحقبة الاستعمارية الكئيبة التى عاشتها بلادنا والبلاد الأخرى ونظرة المستعمر لحياتنا وثقافتنا ومقدساتنا وهى النظرة الرافضة والمهينة والمشمئزة.

أنا والطواوببس

 صغيرا كنت وفى رحلة مدرسية بالمرحلة الابتدائية. .ومع زملائى بالفصل، بنات وصبيان، نذهب إلى المنتزه، هكذا كنا نطقها وليس المتنزه، تصطحبنا الآبلة .
كنت أقف متسمرا أمام قفص الطواويس منبهرا بألوانها الفاتنة. .فالطواويس جمالها ينحصر فى ريشها الملون.
وتدور بى الأيام وأستكمل تعليمى بكلية الحقوق جامعة القاهرة،ولايمر يومان إلا وأنا أمام قفص الطواويس بحديقة الحيوان بالجيزة والتى على مقربة من الجامعة، فعشقى للألوان نما منذ طفولتى، فى قريتنا، والحقول سندس أخضر على مدى الشوف والأشجار والزروع المختلفة الطعم والشكل والحجم والألوان والطيور والعصافير الملونة والأسماك التى أصطادها من الترعة بالسنارة البوص.
المهم..رحلتى مع الطواويس لم تنته. .فمن الطواويس الحقيقية إلى الطواويس المزيفة. .
طالت رحلتى مابين محام فاشل يزهو بملبسه ومحامية تافهة لاتملك سوى جمالها.
ومابين المخانيث أشباه الرجال والنساء المتحذلقات.
ومابين جاهل جهول يرى في نفسه العالم النحرير.
ومابين متفيقه لايقرأ إلا عناوين الكتب وكاتب عار من صحيح اللغة.
ومابين ناس كتيرين يزهون بجهلهم .
ومابين شاعر تافه وكاتب قصة أتفه منه ،أنفقت فترة فى قصور الثقافة ، أعانى من النرجسية والطاووسية.

وأزعم لنفسى أن الطواويس هى ألوان مبهرة فقط لاغير .
ومن ثم فأنصاف الشعراء والكتاب الذين ينتشرون فى حياتنا إنتشار النار فى الهشيم ويسرقون من كتابات الآخرين ..وهم الخواء من الثقافة والقراءة.والفكر والتفكير و اللواتي /الذين سرعان ماينتشرون ويبهرون وفى لحظة يختفون وتتوارى أسماؤهم. .وكأنهم لم يولدوا.


وهذه حكايتي مع الطواويس.

........
صغيرا كنت وفى رحلة مدرسية بالمرحلة الابتدائية. .ومع زملائى بالفصل، بنات وصبيان، نذهب إلى المنتزه، هكذا كنا نطقها وليس المتنزه، تصطحبنا الآبلة .
كنت أقف متسمرا أمام قفص الطواويس منبهرا بألوانها الفاتنة. .فالطواويس جمالها ينحصر فى ريشها الملون.
وتدور بى الأيام وأستكمل تعليمى بكلية الحقوق جامعة القاهرة،ولايمر يومان إلا وأنا أمام قفص الطواويس بحديقة الحيوان بالجيزة والتى على مقربة من الجامعة، فعشقى للألوان نما منذ طفولتى، فى قريتنا، والحقول سندس أخضر على مدى الشوف والأشجار والزروع المختلفة الطعم والشكل والحجم والألوان والطيور والعصافير الملونة والأسماك التى أصطادها من الترعة بالسنارة البوص.
المهم..رحلتى مع الطواويس لم تنته. .فمن الطواويس الحقيقية إلى الطواويس المزيفة. .
طالت رحلتى مابين محام فاشل يزهو بملبسه ومحامية تافهة لاتملك سوى جمالها.
ومابين المخانيث أشباه الرجال والنساء المتحذلقات.
ومابين جاهل جهول يرى في نفسه العالم النحرير.
ومابين متفيقه لايقرأ إلا عناوين الكتب وكاتب عار من صحيح اللغة.
ومابين ناس كتيرين يزهون بجهلهم .
ومابين شاعر تافه وكاتب قصة أتفه منه ،أنفقت فترة فى قصور الثقافة ، أعانى من النرجسية والطاووسية.
وأزعم لنفسى أن الطواويس هى ألوان مبهرة فقط لاغير .
ومن ثم فأنصاف الشعراء والكتاب الذين ينتشرون فى حياتنا إنتشار النار فى الهشيم ويسرقون من كتابات الآخرين ..وهم الخواء من الثقافة والقراءة.والفكر والتفكير و اللواتي /الذين سرعان ماينتشرون ويبهرون وفى لحظة يختفون وتتوارى أسماؤهم. .وكأنهم لم يولدوا.

وهذه حكايتي مع الطواويس.