بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 أكتوبر 2015

أحزان الأنبياء

(1)
حزن الأنبياء
................
ما من مرة أسترجع فيها ماحفظته من آيات الله إلا وتسطع بذاكرتى الآيات الكريمة :
" ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنت الأعلون إن كنتم مؤمنين"آل عمران الآية 139
"وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم "يوسف الآية 84
قال أنما أشكو بثى وحزنى إلى الله" يوسف 86
سيدنا يعقوب يحزن ويمتلأ غمًا وهمًا ويبكى بكاءًا مرًا يذهب بنور عينيه .
فمابالك بما يجيش بصدره ويدور بقلبه ...؟!!!!
إنه الحزن الفتاك لغياب ابنه يوسف .
وها هو الحزن الأكبر يصيب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبعد أن بلغ الاختناق به أى مبلغ ، فيهاجر من مكة الحبيبة وقد أدت وحشية القوم، غلاظ القلوب، سيئو الخلق ..حداد الألسنة ،به مالا يصبر عليه بشر من إيذاء وإهانة وسب وقذف وشهوة القتل .
فيقول وقلبه دامع ولسانه يشكو وروحه متعلقة بمكة المكرمة به :
والله إنك لأحب أرض الله إلىّ ،وإنك لأحب أرض الله إلى الله ،ولو أن قومك أخرجونى منك ماخرجت "
لا أنسى سيدى رسول الله وقد نثر بعض غلاظ القلوب التراب على رأسك الشريف وتدخل بيتك والتراب يعلو رأسك وتقوم إحدى بناتك الكريمات وتغسل رأسك الكريم وهى تبكى بكاءًا شديدًا.
لا أنسى سيدى رسول الله وأنت تستجير بالله من هؤلاء القوم الغلاظ الأكباد ،الميتى الأرواح ، السيئى الطبع ،العديمى التربية ،القليلى الأدب .
لا أنسى ..
لا أنسى .......



(2)
محمد يبكى
صلى الله عليه وسلم
يارسول الله .
.يانبينا الكريم ..
.ياسراجنا المنير ..
هل تأذن لنا ونحن جميعًا من حولك نتساءل ونترقب ونفزع ونجزع :
ما الذى أحزنك يارسول الله ؟
ما الذى أبكاك وأضناك ؟؟
من الذى سولت له نفسه أن يبكيك؟؟
بل ما الذى أدمى فؤادك وأدمع عينيك ؟
الويل لنا ..
الويل لنا ياسيدى العظيم .
الويل لنا أن تجرأ منا عليك .
الويل لنا ما دامت الحياة .
الويل لنا .
محمد رسول الله يبكى ...؟
أمحمد رسول الله يحزن ...؟
امحمد رسول الله يألم ...؟


(3)
عام الحزن 
....
ويشعر محمد الرسول الكريم بالمصائب تتابع عليه بموت عمه أبى طالب وزوجته الحنونة خديجة بنت خويلد .
يقول عليه صلوات الله وسلامه:
مانالت منى قريش شيئًا أكرهه ،حتى مات أبو طالب.
آهٍ.. يارسول الله ..
تكأكأ عليك السفهاء و الضباع والذئاب والمخانيث أشباه الرجال فيطرحون عليك رحم الشاة وأنت تصلى ،وتقف ،ياسيدى الكريم على بابك ،حاملًا هذ ا الأذى على عود ثم تقول بحزن شديد :
يابنى عبد مناف ،أى جوارٍ هذا ! ثم تلقيه فى الطريق.
معذرة ياسيدى
هم السفهاء ..
هم السفهاء...
وتخرج ياسيدى العظيم من مكة إلى الطائف تلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومك ورجاء أن يقبلوا منك ماجئت به من الله عز وجل ،فخرجت إليهم وحدك وتكلمت معهم ولكنهم أغروا بك سفاؤهم وعبيدهم ،يسبونك ويصيحون بك..فاجتمع عليك الناس وألجئوك إلى بستان لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، هما فيه، ورجع عنك من سفهاء ثقيف من كان يتبعك ،فعمدت يارسول الله عليك صلوات الله وسلامه إلى ظل شجرة عنب فجلست فيه .
معذرة يارسول الله ..
ماذا نفعل بالسفهاء؟؟
معذرة ..ياسيد الخلق ..لاتحزن .
ويشكو رسول الله إلى ربه ،وهو مطمئن ألا يؤذيه أحد من السفهاء ،ويتضرع قائلًا :
اللهم إليك أشكو ضعف قوتى،
وقلة حيلتى ،
وهوانى على الناس،
يا أرحم الراحمين ،
أنت رب المستضعفين ،
وأنت ربى ،
إلى من تكلنى ؟؟
إلى بعيد يتجهمّنى ؟
أم إلى عدو ملكته أمرى ؟
إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى ،
ولكن عافيتك هى أوسع لى ،
أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات ،
وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك ،
أو يحل علىّ سخطك ،
لك العتبى حتى ترضى ،
ولاحول ولاقوة إلا بك.

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

محمد واليهود ..قراءة عابرة


فى سنة 1994 م صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. الألف كتاب الثانى، 

محمد واليهود 
نظرة جديدة 
تأليف: الدكتور بركات أحمد
ترحمة :محمود على مراد
236صغحة من القطع الكبير 

هذا البحث الموضوعى عن علاقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم باليهود.
قرأت الكتاب مرة بعد مرة محاولا الوقوف عندالخطوط العريضة لمايطرحه الدكتور بركات أحمد. 
شغلنى الكتاب لما فيه من نظرة موضوعية جديدة لم يطرحها أى باحث إسلامى من قبل.
المؤلف الدكتور بركات ،هندى الجنسية والإقامة ،مسلم .
حاول الدكتور بركات أن يناقش ويحاور كل كتب التاريخ التى سجلت العلاقة بين سيدنا محمد واليهود وزادت مراجعه العربية والأجنبية إلى مايقرب 17صفحة .
يقول فى التقديم ص11:
"
العلاقات بين مجموعة الناس،لاسيما حين يكون للدين دخل فيها،علاقلات يكثر فيها النزاع وتكثر المعاناة .وقصص من استشهدوا فى سبيل دينهم تغذى الخرافات ،
كما أن التحامل على الآخرين يضيف مرارة للأساطير،والاعتبارات السياسية وكتابات العلماء المتحيزين تخلع على الأساطير ثوب التاريخ. 
وماروى عن علاقات محمد بيهود الحجاز لم يكن إلا أسطورة من هذه الأساطير.
وقد قمت بتحليل هذه الفترة المبكرة من فترات التاريخ الاسلامى الذى قبل المؤرخون،المسلمون منهم وغير المسلمين، ماوردفيه على علاته دون تمحيص."
كما قلتُ شغلنى هذا البحث الذى أطاح بمصداقية الكثير من المرويات ومن خلال تناقضها مع مرويات أخرى يكررها ،ولسنوات طويلة، علماؤنا وشيوخنا ومفكرونا دون تمحيص أو تدقيق حتى أصبحت حقائق مقدسة لايجوز المساس بها مهما كانت الأسباب وإلا عدّ صاحبها خارجا عن الملة ومرتدا وكافرا ..إلخ...
أزعم لنفسى أن التاريخ الحقيقى والموضوعى والرصين لتاريخ الإسلام فى عصره الأول لم يُكتب بعد،وما نقرأه ماهو إلا ترديد مقدس لما كتبه مؤرخو التاريخ الاسلامى فى بدايته.
ومن المثير للشفقة للعقل الإسلامى التقليدى المتمثل فى الأزهر الشريف .. أنه إنتبه أخيرًا لهذا البحث الذى أثبت خرافة الكثير من المرويات عن علاقة سيدنا محمد باليهود والتى يقدسها شيوخ الأزهر أعظم تقديس وكأنها فى مرتبة عليا لايجوز المساس بها وتكفير ناقدها إن وجد.
ثار الأزهر الشريف بشيوخه الأجلاء وطالبوا بمصادرة الكتاب وسحبه من الأسواق وذلك إثر نشره فى طبعةجديدة صدرت عن مكتبة الأسرة منذ سنتين ،وقدمر على صدوره بمصر ونشره بالمكتبات حوالى عشرين عامًا أو أكثر ،لأنه يطعن فى الدين الإسلامى .......................إلخ كما هو المعتاد والمألوف والمتعارف عليه من السباب والتكفير والخروج عن الملة.
المثير للدهشة ..أننى انتظرت ،طويلًا وطويلًا جدًا ،أن يصدر كتب علمى رصين يناقش ماأثبته الدكتور بركات من خرافة الكثير من المرويات المقدسة فى التاريخ الإسلامى .
الأزهر الشريف إكتفى فقط بالسلاح الفتاك إنه المصادرة ، وهذا ديدنه،وهذا لعمرى من أعظم إنجازاته على مر تاريخه!!!!!!!!!!!!!!!!
الأزهر الشريف صار قلعة ً للدواعش الجدد ..ولاحول ولاقوة إلا بالله .
أتمنى أن يكون هذا البحث "محمد واليهود..نظرة جديدة" من ضمن الكتب التى يقرأها الأصدقاء الأفاضل ،حتى يتعرفوا على حقيقة المرويات المقدسة التى لاتصمد أمام البحث الموضوعى الجاد والرصين .
وكما قال شاعر العربية الأعظم أبو العلاء المعرى 
كذب الظن ،لا إمام سوى العقل***مشيرًا إليه فى صبحه والمساء 
أو كما قال .

مع ..عبدالرحن الشرقاوى


(1 )

فى سنواتى الخضراء وأنا مهموم بالتحصيل العلمى والثقافى طرقت كل الأبواب عاقدا العزم على الإلمام بالتنوع الثقافى والحضارى .

كان عبدالرحمن الشرقاوى النجم الساطع فى الحقل الثقافى العربى.
قرأت كل ماكتب وتابعت كتاباته ولن أنسى رواياته الأرض. .،الشوارع الخلفية. ,ومسرحيته الفتى زهران ثم الحسين ثائرا والحسين شهيدا ثم كتاباته الدينية رائعته محمدرسول الحرية ودراسات أخرى لها أكبر الأثر فى تكوينى الثقافى والفكرى.
رائعته محمد رسول الحرية من الأعمال الأدبية الخالدة التى حاولت أن تتحدث عن
 الرسول البشر
الرسول الإنسان
الرسول القائد
الرسول الزوج
الرسول الأب
لم يكتب سيرة موثقة وإنما يكتب عن حياة الإنسان الذى صار نبيا ورسولا . 

كنت أقرأ في سنة 1978م هذه الرائعة من وجهة نظرى وأهيم مع المؤلف فى مشاعره المتوقدة وهويحكى عن الرسول الكريم .
كنت اهتز من الأعماق وأعيش مع الرسول الكريم ألمه وحزنه وخوفه وفرحه.
دراسة أدبية راقية كتبها عاشق للحرية عن رسول الحرية. .
أعود إلى سنواتى الخضر ابحث عن عقلى وروحي وقلبى.
ها أنا وبعد مايقرب من 38سنة ..اعاود قراءة أعمال الشرقاوى من جديد.
مفتون انا بكتابه محمد رسول الحرية. .وليقل فيه الرافضون أطنان الكلام .


(2)

محمدرسول الحرية
عبدالرحمن الشرقاوى
عبر 435 صفحةمن القطع الكبير. .تبدأ الملحمة الإنسانية بتقديم بالصفحة الأولى 
بسم الله الرحمن الرحيم 
.'قل إنما أنا بشر مثلكم. 
ثم الإهداء 
إلى ذكرى أبى. .الذى غرس فى قلبي منذ الطفولة حب محمد. 
ثم يكتب المؤلف مقدمته للطبعة الأولى.
ثم تبدأ فصول الملحمة الإنسانية الكبرى من عاشق الحرية عن محمد رسول الحرية. صلى الله عليه وسلم.

(3)
لم أكن سوى شاب مصري من ريف مصر يسعى للحرية والعدالة الاجتماعية في مصر. 
تقابلت فى عمرى الأخضر مع قادة الفكر السياسي والثقافى والقانونى. ،وقت أن كنت طالبا بكلية الحقوق جامعة القاهرة فى سنة 1973م.
رأيت وسمعت وجلست مع الدكتور رفعت المحجوب.
رأيت وسمعت وجلست مع الدكتور عبدالمنعم الشرقاوى، عرفت من زميل أن الدكتور عبدالمنعم الشرقاوي الذى يدرس لنا مادة المرافعات مع الدكتور فتحى والى.،هو شقيق عبدالرحمن الشرقاوى.
حضرت محاضراته القيمة وشعرت بحزنه الشديد وانكساره، كان يدخل المدرج بجسده الممتلىء ويبدأ محاضرته دون النظر إلى الطلبة.
قيل لى ممن أثق فى كلامه أن الدكتور عبدالمنعم الشرقاوى كان معتقلا فى عهد عبدالناصر وعومل معاملة سيئة أثرت عليه تأثيرا قاسيا.
فى هذا الزمن كان العسس يمسكون بالرقاب ويتحكمون بالعباد ويحكمون البلاد.
حرصت على حضور محاضراته محاولا النظر إلى وجهه وسماع كلامه. .اقنعت نفسى أن اقترب منه وأعيتنى الحيل لسرعة خروجه من المحاضرة.
سألت نفسى كثيرا. .هل القبض والاعتقال يؤديان الى هزيمة الروح وانكسار حاملها. .؟
طال بى العمر وصورة الدكتور عبدالمنعم الشرقاوى لاتفارق ذاكرتى.

(4)

الفتى مهران
من الأعمال الشعرية مسرحية الفتى مهران وتعد من
المسرح الشعرى الكلاسيكى.
أهدى الشرقاوى هذه المسرحية لشقيقه الدكتور عبد المنعم الشرقاوى.
إلى الدكتور عبدالمنعم الشرقاوى المحامى
ارجو أن تقبل هذه الصفحات عرفانا ببعض مالك على أيها الأخ الصديق،والأستاذ، والرائد.


(5)
الفتى مهران
فى أواخر شهر ديسمبر 1973م بالسنة الأولى بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وكعادتى المزمنة التى مازالت تلازمنى حتى اللحظة. ،البحث عن الكتاب والوقوف طويلا عند باعة الكتب والجرائد والمجلات وشراء الجديد من الإصدارات.
سور الأزبكية. .هذا السور الخالد الذى حصلت منه على الدرر من الكتب والموسوعات والكتب الفرنسية .
كنت أتقن اللغة الفرنسية فى تلك السنوات الخضراء وكم قرأت من الأشعار لرامبو وبودلير وملارميه وجاك بريفار وعاشق اليزا لوى اراجون وكوكتو وهوجو. ....ألخ
أزعم أن أعمال قادة الفكر والثقافة والسياسة فى روسيا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا قرأتها مترجمة من سور الأزبكية والمكتبات المحيطة به.
سنوات خضراء أزهرت فى روحى عمرًا زاهرًا أعيش عليه وأنا فى سنتى الأولى من العقد السابع من عمرى .
أعود للفتى مهران ..وأقول أنها مسرحية طويلة حاول فيها الشرقاوى أن يستعرض فيها مقدرته الشعرية الفائقة ويطرح من خلالها همومه ورؤيته لما يدور فى الوطن .
كانت موجهة فى المقام الأول والأخير إلى سلطان البلاد ،منبهًا ومحذرًا مما يدور فى الوطن ومع الشعب من حكامه وموظفيه.
يقول الشرقاوى وبأعلى صوته :
"مهران :
قل له أيها السلطان فلتحرص على موثقنا
إن فى هذا سلامًا للوطن وأمانًا لك من قبل سواك
قل له يا أيها السلطان لاتقهر الإنسان أن يعمل ما يأباه
لاتجعل الإنسان وحشًا ضاريًا ينهش أوصال الحياة
قل له لاترسل الجيش لكى يفتح سوق السند للتجار ،احذر فالخطر جاثم بالأبواب
وائل:
قل له الأمر صريحًا فهو قد أخفته الحاشية
مهران :
قل له أيها السلطان لاتحكم اليوم من الأرض سوى ماتستطيع
أن تشيع العدل والرحمة فيه وثبت الحب والأمن به
عوض :
أعترض ..أهو درس فى أصول الحكم؟
سلمى :
اسكت ياعوض.
مهران:
قل له إن عمالك قد طاردوا الصدق من القلب
فما عاد لسان ينطق سوى بالكذب
وماعاد جنان بعد يهجس بسوى الزيف
وهذا كله من حصاد الخوف ..هذا الخوف منك
يجعل الناس كأعواد تردد
كل ماينفخ فيها من عبارات الولاء
إن هذا الخوف منك هو لن يهدم غيرك
فاعتراض صارخ ممن يحبك
لهو خير ألف مرة من رضا كاظم غيظ يرهبك "
ص23
ورغم كل هذه التحذيرات ..ذهب الجيش لليمن .
وأذل رجاله جموع الشعب.
وساد الخوف هواء البلاد ،فتنفس الناس الخوف ..
وكانت الهزيمة الفادحة فى يونيو 1967م
وانكسر ت قامة السلطان وباتت البلاد ليال مفزعة مرعبة .
وتسللت الهزيمة لطين الوطن ولوثت ماء النيل وتسممت الزروع ويبست الثمار .
هذا اليوم الملعون .
ذكرى تقتات من روحى وتسمم بدنى .

الأحد، 18 أكتوبر 2015

أغانٍ نويهية حارقة


(1)
صهيل الروح
قلت لها محبتى نار فلا تقربى
إنى أخشى عليك الجحيما
قالت:حبى مرض لن تبرأ منه
قلت: الحقيقة أبقى وأخلد
قالت :حبى لك لن يتبدد
وتعانقت روحانا بحب عظيم
فيض من اﻷنوار يغمرنا
والحب يتأجج فى صدرينا
متى تلاقحت الروح بالروح
متى سرى الجسد خارج سياجه
متى يصهل الضوء بذراته
متى تأججت الشمس بنورها
اننا معا
خارج حدود الزمان
خارج حدود المكان
ﻻ مكان وﻻ زمان
عشت زمنا
انقب فى السماء عنها
اهرقت روحى بين يديها.
(2)
زمن الزلزلة
أخمش صدر الريح
أنزع القيود
أحطم الأغلال
أبحث عن زمن قادم
أنبش فى جوف الأيام
أهمس بالصوت الصارخ
ياعمري
يا أنا
ياشعاعا ياسنا
ياظلاما ضمنا
الريح تعوى
وتمزق حبنا
وتنثر بقايانا
للعواصف المقبلة
فليكن مايكون
فنحن
فى زمن الزلزلة.
2000م
(3)
روحي ..تطير
تنقب في السموات
تستصرخ في كل اﻷشياء
آه .......منك
لاحقينني في الصحو وفي المنام
تدخلين بيني وبين الكلام
تهصرين قلبي بنور ونار
تحمليني إلى الروابي الخضر
وأرض اﻷساطير
شربت من نبعك الفياض
أنهارا ......وأنهارا
أنهل من ثغرك الفياض ﻷرتوي
وأروي جفاف السنين
وقحط اﻷيام
آه منك حبيبي

(4)
نفرتيتى
هل تنسين نفرتيتى؟؟؟
لحظات ..مسروقه من انياب الزمن الغادر.
لحظات..نبتهل للنور ..للضياء ..للجمال.
لحظات …محفورة فى جبين اﻷيام.
لحظات ..اعياد سعدت فيها الروحان.
نعمت فيها النفسان.
هدأت فيها حرفة اشواق ممتده لعصور وعصور.
..............
هل تنسين نفرتيتى ..بلد اﻹسكندر؟؟
بحر الشوق يجمعنا.
وتلاصق جسدينا فى نور العشق.
وزرقة امواج البحر تضحكنا.
هل تنسين نفرتيتى؟؟
صرختك المهموسه..
تأخرنا …والعسس لنا بالمرصاد.
...........................
بصدرك المعطاء ..خبأت وجهى.
رأيت الدنيا حلوة جميلة.
رأيت انسام الليل وعطر الفجر.
رأيت روحى تهيم فى الملكوت.
رأيت روحى تولد من جديد.
رأيت بستان الحب مليئا بالورود.
آه..من هذا الصدر!!
وأه ….منك نفرتيتى!!!
11/6/2000م

(5)

جنون العشق
مجنونًا كنت أنادي باسمك كل الأسماء
كل الأشياءي
كل زهور الغابات
كل نساء العالم فى كتب التاريخ
وفى كل اللوحات
كل حبيبات الشعراء
كل ملهمات الأدباء
مجنونًا كنت أنادي ،باسمك ، السماء
.............................
مذهولًا
كنت أعد الساعات .. الدقائق .. الثوانى
حتى أراكِ
مذهولًا
أنتظر اللحظة الوهاجة
لطلعتك الفتانة
حبى لك ..أكبر من هذا العالم
حبى نور يسطع فى هذا الكون
حبى .. صلاةلعينيك
تغسل روحى
وتطهر أدرانى
............................
حزينة ًكنتِ
تعيسةً أراكِ
مهمومةً تمشي خطاك
كلماتك تقطر أحزانًا
نظراتك ساهمة شاردة فى بحر دمار
ماهذا ياحبى
مزقتى قلبى
كل الدنيا فداك
وينقشع الألم الفتاك
وأنزع من صدرك كل الأشواك
فأنت الحب الباقى

مع الشاعر حسن النجار

(1)
شاعرنا الكبير حسن النجار
لا أملك إلا أشعارك التى تزدحم برأسى سراجًا منيرًا..
عشتُ معها سنوات التكوين .
وها أنا أعيش معها وبصحبتها شيخوختى .
فلتأذن لى بنشر بعض قصائدك على صفحتى .
...................
أغنية إلى نفسى
أنتَ لو جئتنى
قبل هذا الزمان الغريب
ربما كنتُ أدعوكَ للبيت
نعقد جلستنا القرفصاءَ
على سندس البيعة – الملك .
ينتصب الليل فينا بلادا ..
فنشرب خمرتنا فى وعاء الفتوحات
نمضى الى مدن – لستُ أعرفها
ننتقى شاهدا ونحطُ الرحال
وندخل مطْيبة الروح ،
ينتصب الليل فينا بلاطاً
وفى آخر الليل أحمل عنكَ النياشين .
لكننى الآن منجردَّ
كل شعبى يرانى غريبا
وأرضى موطَّأٌة لخيول المغيرين
- من كل صوب يجيئون –
أيتهاْ الأرض كونى دثارا
وكونى لى امرأة من نساء القوارير
أجرعها .. وأقول آتى زمن الخمرة
الآن فاغتبقينى .
_________________________
هياكل .. من قش ونور
من ذا ؟
نفرتيتى فى آخر الليل
تنجاب عنها القرون الغبار
انزعى عنك هذا النقاب الهلالى
هل تسمحين ؟
المساحيق فى هذه العلبة ،
الكركدن العزوف هن الشاحبات
أصبغى جيدا
مالنا كلنا واجم يا حرير ؟
امتلكت الصدى والمدى آه
فى أيما ذرة من رمال الصحارى البداية ؟
مرت على جمل طائر قال عنه النواسى
شيئاً ،
ولكنها فى القطار السهوبى كانت
بسروالهاالضيق
امرأة من لهيب الصنوبر والثلج ،
نامت إلى الصبح بين ذراعىَّ ،
من كوَّر الأرض تحت يدى سُرَّة ؟

(2)
شاعرنا الكبير حسن النجار
سعادتى الغامرة تنمو وتملأ مساحات عظيمة فى روحى .
أراك فى ميدان الساعة بطنطا ..تسير بخطى وئيدة حاملًا على كتفك الأيسر شنطتك الجلدية ،وأزعم أنها ممتلئة بأحزان الشعراء .
لا أريد إيقاف هذه الخطى الوئيدة ،وأودعك بقلب يحمل كل مشاعر التقدير .
أنتم الناس أيها الشعراء !
هل يمنحنى زمنى وقتًا ..أكتب فيه عن أحزان الشعراء؟؟
قلت لك..فقلت لى : ليتك تكتب ..فالموضوع مهم للغاية .
سأكتب ياشاعرى الكبير ..
سأكتبه هديةً متواضعة لشاعرى الأثير ..علّه ينال الرضى والقبول.
إحدى قصائدك ..
نعـاس الفضـا
فى النعاس الفضائىِّ قبَّلنى قُبلةً
واستطال على الرئتين ..
انبسطت قليلا
فجاذبنى .. واستراح
كل شئ هنا غارقٌ
فى بياض الصباح .
فى الطريق اشتريتُ خطى
واكتريتُ غلاما يحدثنى
فأرانى ضمادة أقدامه
فحملتُ الغلام
وحدثته عن جوادى الذى مات
فى صحن أشعاره
كان طفل الحفاوة فى الريح
يغمس حافره فى دمى
ويطيل ارتداء البلاد .
تأملتُه فرحاً
واستخرتُ القصائد فى النوم
فاخترتُ أن أهتدى لنعاس الفضا
قلتُ يا ريحُ
أيتها الريحُ
إنى غدا مقبلَّ مدبرٌ ..
أوقفتْنى المسافةُ عن عشقها
فاحترفتُ الإقامة فى اللون :
صادفتُه مرةً فى البياض الجميل ،
وثانيةً فى البياض المعاد .

(3)
شاعرنا الكبير حسن النجار
أتحدث معه قليلًا وقليلًا جدًا ..أعد الكلمات كى لا أثقل عليه وأنا مدرك حجم تعبه ..
تكفينى منه حسوات تبل الريق.
ويكتب متأثرًا بما يعانيه ..وأقرأ ويعصرنى حزنى عصرًا .
وأطلب من سائق العربة التمهل قليلًا حتى تكتمل نبوءة شاعرنا الكبير فى وطن عظيم يسعى للخلاص من انكسارات وهزائم ودماء.
""هذا اليوم"13/9/2015م" عدت مكتئبا من مركز الكلي بالمنصورة لأن التحاليل غير مطمئنة .
ثم وجدتني اعود تلقائيا الي قراءة قصيدة ( ياسائق العربة )
فساعدوني علي قراءتها معي :
ياسائق العربة
__________________________________
ياسائق العربة
تمهل قليلا ياسائق العربة
كي أقبِّل جدران بيتي الذهبي
( أقبل ذا الجدار وذا الجدار )
انتظرتك طويلا علي حافة الخوف
ولم تأت إلا وأنا في كامل شجاعتي
الأدبية
تزدهر خطاي علي خرائط البلدان
بلدا بعد بلد
وميدانا بعد ميدان
شاهرا سيف الأغاني من غمده
ومتشحا بعباءة المواسم المزركشة .
ياسائق العربة :
هل عربتك بلون الذهب
كما بيتي
نظف مقعدها من تراب الطريق
لقد قطعتَ شوطا كبيرا حتى
تصل إليَّ
وأنا كنت في انتظار أن يطرق بابي
ساعي البريد
ليبشرني بفوزي بالجائزة الكبرى .
ياسائق العربة:
هل رجالك انتهوا من عمارة البيت
البعيد
هل جعلتهم يشيدون باحته
علي شكل مائدة حرف T
فانا أحب أن يقاسمني جلسة الطعام :
أصحاب المعالي الشعراء،
وجنود الجبهة ،
والحاشية،
وحراس الأغنية الخضراء ،
هؤلاء الذين أخفقوا في اقتناص الذئب
قبل أن يسطو علي فراشي .
ياسائق العربة:
هل الطقس هناك ملائم لجلوسي
علي مقعد الأبدية
فانا أحب السهر مع قصائدي
أرسمها هلالا علي أفق مدينة
أُخرجٌ منها شخصيات مثابتي
لنقضي معا وصلات مديحٍ
في حب الإله العظيم
هؤلاء الذين يخرجونني الآن
من هذه الدنيا عاريا
كيوم ولادتي .
ياسائق العربة ..
2015"

أغنية خضراء لليوسفين


(1)
أشرقت شمس أول أغسطس1991م ..ونعانى الناعى بموت يوسف إدريس ..واستكتبنى الصديق والصحفى أحمد عبدالفتاح ،المسؤول عن الصفحة الأدبية بجريدة الوفد، لمقالة عن يوسف إدريس وهو يعلم حجم علاقتى بشخص يوسف إدريس وبإبداعاته ..فلبيت الدعوة مرحبًا .
وكتبت مقالًا بعنوان" يموت الزمار " وهى عنوان لقصته الشهيرة بمجموعته القصصية "اقتلها" التى صدرت عن مكتبة مصر سنة 1982م
كتبت المقالة عن عبقرية مصرية كان لها التأثير الأعمق فى مسيرة القصة المصرية ..ولا أنسى ثورته عند نشر رسالة دكتوراه تنال من إبداعه القصصى وتأثره الشديد بأعمال أنطون تشيخوف .
كانت مقالته أو قصته كما أرادها "يموت الزمار" من أعمق ماكتب ..مرثية حزينة لكاتب عملاق وأذكر سطورًا:
"فلقد كان حلمى بالكتابة كحلمى بالقورة كحلى بالمعجزة القادرة على شفاءكل داء وأى داء ..وفى عمرى أنا سأرى اختفاء الحفاء،وعمومية الكساء ،وزوال الحاجة واكتفاء كل محتاج .
كانت واحة العمر ألجأ إليها كلما نضب معين الخيال ،وأتزود منها وبالقدرة على مواصلة اللهاث.
وكان الوصول على مرمى حجر،وكأننى سأصحو فى الغد لأجد الصباح فجرًا ليس فجر يوم ولكن فجر عصر .
عصر كامل تام يعود فيه الإنسانيحب بكل نهم وعمق وظمأ الحب ،ويعيش وروعة الحياة يشربها مترعًة قطرًة وراءها قطرةً،ولكل قطرة طعم ،ولكل لحظة زمن تمر أشواق وصهللة ومعانٍ"
كنت لا أتصور أن تُنشر له مقالة أو قصة أو مسرحية إلا وأقرأها مرةً بعد مرةٍ.7
كنت لا أتصور أن يصدر له كتاب ولا أبادر إلى ضمه لمكتبتى .
وأذكر أن جريدة الأهرام برئاسة محمد حسنين هيكل أسرعت فى إلحاقة الطابق السادس بمبنى الأهرام مع كتاب مصر الكبار .
كان يحمل النبوءة بين جناحيه وفى قصصه ،ناقدًا ومحذرًا مما سيأتى .



(2)
كتبت المقالة وسلمتها للصديق العزيز أحمد عبدالفتاح ...كتبتها بألق الروح وقهر الغياب ..ونشرها على عمود بطول الصفحة .
يوسف إدريس.. المتمرد على رتوب الوافع وجمود الحياة ..يتألق فى كتاباته تألق العاشق المتيم بالحياة والبشر .
كنت لا أتصور أن تُنشر له مقالة أو قصة أو مسرحية إلا وأقرأها مرةً بعد مرةٍ.7
كنت لا أتصور أن يصدر له كتاب ولا أبادر إلى ضمه لمكتبتى .
وأذكر أن جريدة الأهرام برئاسة محمد حسنين هيكل أسرعت فى إلحاقة الطابق السادس بمبنى الأهرام مع كتاب مصر الكبار .
وتأتى قصصه معبرًا عن المسكوت عنه واستجلاءًا لواقع مغمور لم يطف بعد على سطح الحياة .
كان يحمل النبوءة بين جناحيه وفى قصصه ،ناقدًا ومحذرًا مما سيأتى .
وفى24من شهر أعسطس1991م ..خرج إلى الحياة ولدى الذى وتيمنًا بيوسف إدريس ..أسميته "يوسف".

ذاكرة تأبى النسيان



(1)

منزلة المرأة فى الجاهلية

وقد بلغ العرب الشأو العالى قبيل الإسلام فى تنظيماتهم الإجتماعية وأعرافهم فكان عندهم أن الأب هو رئيس الأسرة ..ولاتتجاوز سلطته الرئاسة اللازمة لإدارة شؤونها فكان لكل عضو فيها مركزه ورأيه وماله الخاص ،وكانت المرأة عندهم لها منزلة محترمة فالرجل منهم يفخر بنسبه لأمه كما يفخربنسبه لأبيه والمرأة تمد الرجل بالرأى والنصيحة وتتمتع فى عصرها الجاهلى بنصيب وافر من الحرية .
والأب كان يستشير بناته فى أمور زواجهن ،وكان الزواج عند العرب فى جاهليتهم على أنواع شتى فكان الرجال يخالطون النساء وكانت النساء يخالطن الرجال.
وقد وجدعندهم أيضًا زواج الناس اليوم فكان الرجل منهم يخطب المرأة التى يريدها ممن لهم الولاية عليها ثم يصدقها ويتزوجها بعد رضاء أهلها.
وعندهم أيضًا أن المرأة يمكن أن تخطب الرجل كما فعلت خديجة وعرف العرب أنواعًا من الطلاق والرجعة فى العدة ولكن الغالب أنه لاتوجد حدود لعدد الطلقات.
فكلما طلقها راجعها قبل إنقضاء عدتها لأنه إن راجعها بعد انتهاء عدتها لايتزوجها مرةً أخرى ألا برضاها.
ص276،275
طه إبراهيم
مساهمة فى حل أزمة العقل العربى المسلم
أصول بديلة للفقه والفكر
طبعة ميريت للنشر والمعلومات ، القاهرة ،الطبعة الأولى سنة 2002م

(2)
أعراف جاهلية متنوعة تبنتها الشريعة .
نظام الزواج بالشراء كان شائعًا عند الساميين قديمًا وكانوا يطلقون على الثمن الذى يدفع نظير اقتناء الزوجة ..المهر بالعربية ،وكان المهر يدفع لأب الزوجة وقد أورد العقد الفريد قصة صعصعة بن معاوية عندما جاء إلى عامر بن الظرب يطلب الزواج من ابنته فقال عامر :أتيتنى تشترى منى كبدى والحسيب كفء الحسيب"وتجد ملاحظة قاعدة الكفاءة بالحرية والمال وبمقدار مايدفع لشراء البنت ،كمهر "وقد قال قيس بن ذهير للنمر :إن لم تجدوا الأكفاء لبناتكم فخير أزواجهن القبور.
ولم يستطع فقهاء الشريعة التخلص من أصل القاعدة سواء فى معنى المهر أو فى قاعدة الكفاءة رغم أن الإسلام انتقى نظرية الصداق الجاهلية بدلًامن المهر ،فقد ظل زواج المهر أى الشراء شائعًا فى الجاهلية إلى قبيل ظهور الإسلام فأبدل بالصداق ،والصداق هو الهبة التى تعطى للمرأة نفسها ..
أما المهرفكان فى الأصل المال أو الثمن الذى يعطى لوالد المرأة أو أهلها عوضًا عن فقدها.
لقد قامت الشريعة تأثرًا بأصل نظام الزواج بالتقرير بأن المهر هو مقابل استمتاع الرجل ببضع المرأة فأبدلوا البيع الجاهلى حيث كان الأب هو الذى يقبض الثمن بأن جعل البيع بواسطة الفتاة لعضوها التناسلى مقابل المهر ،إذ لايحل للرجل التماس ذلك العضو دون أن يدفع الثمن ،وهذا من بعض أعراف الجاهلية . ص278
طه إبراهيم
مساهمة فى حل أزمة العقل العربى المسلم
أصول بديلة للفقه والفكر
طبعة ميريت للنشر والمعلومات ، القاهرة ،الطبعة الأولى سنة 2002م

الجمعة، 26 يونيو 2015

معجز أحمد..أبو العلاء المعرى

(6)

يقول: من شك أنك فردٌ: لا نظير لك، فإني أراهنه وأشارطه بروحي وروحه، فحذف للدلالة، وإنما راهنه بروحه لفرط يقينه، أنه لا نظير له، فعلم أنه يفوز بالظفر، ويظفر بالخطر؛ لأن الروح أعز الأشياء
يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره
اعوذ، وألوذ: متقاربان في المعنى.
يقول: يا من ألتجىء إليه في آمالي، ويا من أعتصم به مما أخشاه وأحذره من المكاره.
ومن توهمت أن البحر راحته ... جوداً وأن عطاياه جواهره
الهاء في جواهره: للبحر.
يقول: يا من خلت أن راحته هي البحر وأن عطاياه هي جواهر البحر التي تخرج منه؛ لأن الجواهر لا تكون إلا من البحر.
ارحم شباب فتىً أودت بجدته ... يد البلى وذوي في السجن ناضره
الهاءات: كلها للفتى.
يقول: ارحم شباب فتىً أهلكت البلى جدته، فأخلقته، وذبل في السجن ما كان ناضراً منه
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ... ولا يهيضون عظماً أنت جابره
لا يهيضون: أي لا يكسرون ما تجبره أنت، ولا تجبر الناس ما تكسره أنت، يعني: أنهم لا يقدرون على رد أمرك ومثله قول الآخر:
لا يجبر الناس عظم ما كسروا ... ولا يهيضون عظم ما جبروا
وقال أيضاً يمدح شجاع بن محمد بن عبد العزيز بن الرضا المضاء الطائي المنبجي:
عزيزٌ أسى من داؤه الحدق النجل ... عياءٌ به مات المحبون من قبل
الأسى: جمع أسوة، وهي الصبر. والأسا: مصدر أسوت الجرح أسواً وأسياً.
يقول: عزيز: أي قليل الوجود صبر من داؤه، أو مداواة من داؤه الحدق الواسعة، وهو داء عياء. ثم قال: به أي بهذا الداء. مات المحبون من قبل. ويجوز أن يكون المراد بالأسى الحزن، وعزيز: أي شديد صعب، يخشى عليه. وعزيزٌ: مرفوع بالابتداء وأسى خبره، وجاز البتدا بالنكرة لأنه في تقدير فعل، كأنه يقول: عزيز أسى، وداء عياء خبر ابتداء محذوف كأنه قال: وهو داء عياء.
فمن شاء فلينظر إلي فمنظري ... نذيرٌ إلى من ظن أن الهوى سهل
المنظر: موقع النظر عليه.
يقول: من أراد أن يجرب هذا الداء فلينظر إلي، ليبصر نحول جسمي فإن منظري، أو حالي نذير ومخوف لمن ظن أن العشق هين، وأن الحب يمكن الخروج منه، والمقصد تعظيم أمر الهوى وقلة المداوة منه.
وما هي إلا لحظةٌ بعد لحظةٍ ... إذا نزلت في قلبه رحل العقل

هي: ضمير قبل الذكر، والمراد به الخصلة، أو اللحظة المذكورة من بعد، وروى: وما هو، وأراد الهوى المذكور في البيت الذي قبله. والهاء في قلبه: ترجع إلى من في قوله من داؤه.
يقول: لا يتولد الهوى إلا من نظرةٍ إثر نظرة، فإذا حلت تلك اللحظات المتكررة في القب، رحل العقل وزال بعد نزولها، فلا ينتفع بعد ذلك بالعقل.
جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي ... فأصبح لي عن كل شغلٍ بها شغل
يقول: جرى حب هذه المرأة في جميع بدني، واستولى علي بجملتي وجرى مجرى الدم، أي أنه امتزج بجميع بدني كالدم الجاري فيه، فأصبح لي شغل بها، يشغلني عن كل شغلٍ هو سواه، وقيل معناه: أن هواها ذللني حتى عنها من شدة تأثيره في روحي وعقلي وبدني.
هذا وروى: فأصبح عن غير شغلي بها شغل.
ومن جسدي لم يترك السقم شعرةً ... فما فوقها إلا وفيها له فعل
فما فوقها: يجوز أن يكون في العظم وفي الشعر، والهاء في فيها: للشعرة وروى: فيه وأراد به: الجسم. وفي له للسقم.
يقول: لم يترك السقم من جسدي شعرة وما فوقها، في الصغر أو العظم، إلا وفيها للسقم تأثير وفعل، وتأثيره في الشعرة؛ لأن تحت كل شعرة منفذ إلى البدن، فيريد أن الحب وصل إلى كل مكان من جسده، وفعل السقم في الشعر: الشيب. وقيل: أراد بالشعرة: أقل شيء من جسده.
إذا عذلوا فيها أجبت بأنةٍ ... حبيبتا قلبي فؤادي هيا جمل
روى: بأنةٍ، ورنة: وهما واحد. وحبيتا: الألف فيه بدل من الياء، وأصله: حبيبتي على إضافة إلى الياء، إلا أنه أبدلها ألفاً، تخفيفاً. كقوله تعالى: " يا حسرتي على ما فرطت " والحبيبة تصغير الحبيبة. وأراد به: التخصيص لا التحقير. وقوله: قلبي أي: يا قلبي. وهو بدل من حبيبتا، وفؤادي بدل: من قلبي. وذلك نداء بعد نداء، وجميعها منصوب بالنداء المضاف. وهيا: حرف النداء. وجمل: اسم المرأة. وهو مبني على الضم بالنداء المفرد.
يقول: إذ لاموني في حبها، كان مكان جوابي لهم بأنةٍ حكايتها: يا حبيبتي يا قلبي، يا فؤادي، يا جمل، وفيه تنبيه على أن الحبيب ينزل منزلة القلب، فلهذا، بين جواب العذال: أنها والقلب واحد. وقيل: تقديره يا حبيبتا قلبي أدركيني، فإني أشتكي قلبي ولا أبالي بملامة من يلومني فيها، ولا ألتفت إليه.
كأن رقيباً منك سد مسامعي ... عن العذل حتى ليس يدخلها عذل
الهاء في يدخلها: للمسامع، وهو جمع مسمع وهي الأذن.
يقول: كأنك قد وكلت بي رقيباً منك يراقبني، من أن ألتفت إلى اللوام، فكأنه سد أذني عن دخول العذل فيها، فلا أسمع ما يقولون من هجرانك، والتسلي عنك، ومثله قول الآخر:
كأن رقيباً منك يرعى خواطري ... وآخر يرعى ناظري ولساني
ويجوز أن يريد: كأن الرقيب الذي يحفظك عني سد أذني عن سمع العذل فيك، حسداً منه على جريان ذكرك في سمعي؛ ذلك أني كنت بعد اللذة في سماع ذكره، كما قال أبو الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذةً ... حباً لذكرك فليلمني اللوم
كأن سهاد العين يعشق مقلتي ... فبينهما في كل هجرٍ لنا وصل
يقول: كان السهر بالليل يعشق عيني، فبين الأرق والعين وصلٌ عند كل هجر لنا، يعني: أن الأرق لا يجد الوصال إلا عند هجران الحبيب.
أحب التي في البدر منها مشابهٌ ... وأشكو إلى من لا يصاب له شكل
فضل المحبوبة على البدر، فقال: أحب التي في البدر منها مشابهٌ: وهو جمع شبه، على غير القياس. فجعل منها شبهٌ في البدر، ولم يشبهها البدر بكليته ثم فضل الممدوح على المحبوبة. فقال: وأشكو إلى من لا يصاب له شكل: أي مثل فجعل في البدر منها شبهها، وجعل الممدوح بلا شبه.
إلى واحد الدنيا إلى ابن محمدٍ ... شجاع الذي لله ثم له الفضل
حذف التنوين من شجاعٍ: طلباً للتخفيف بسكونه، وسكون اللام من الذي.
يقول: أشكو إلى من هو واحد أهل الدنيا الذي لله تعالى الفض ثم له.
إلى الثمر الحلو الذي طيىءٌ له ... فروعٌ وقحطان بن هودٍ لها أصل

طيىء: قبيلة. وقحطان بن هود: أصل بعض العرب والهاء، في له: للثمر. وفي لها: لطيىء، والتأنيث لأجل القبيلة، ويجوز أن يكون التأنيث راجعاً إلى الفروع، وروى: له. والتذكير يرجع إلى اللفظ. لأن طيئاً لا تأنيث في لفظه، شبهه بالثمر الحلو، لأن في الثمار حامضاً ومراً، ثم جعل أباه غصناً من شجر طيب فروعه طيىء، وأصله قحطان بن هود.
إلى سيدٍ لو بشر الله أمةً ... بغير نبيٍّ بشرتنا به الرسل
يقول: وأشكو إلى سيد لو بشر الله أمةً بمن هو غير نبي، لبشرتنا رسل الله تعالى بهذا الممدوح، قبل وجوده، كما بشر الرسل عن الله تعالى بنبينا صلى الله عليه وسلم. إلا أن العادة لم تجر بالبشارة، بغير الأنبياء عليهم السلام.
إلى القابض الأرواح والضيغم الذي ... تحدث عن وقفاته الخيل والرجل
وروى القانص الأرواح: وهو الصائد، وروى: عن وقفاته ووقعاته.
يقول: إلى الذي يقبض الأرواح في الحروب، وإلى الأسد الذي يتحدث عن وقعاته في الحروب الخيل. أي: أصحابها، والرجل: جميع الراجل.
إلى رب مالٍ كلما شت شمله ... تجمع في تشتيته للعلي شمل
شت: أي تفرق، وتجمع: أي اجتمع.
يقول: أشكو إلى صاحب مالٍ كلما تفرق شمل المال يبذله، تجمع عنده للمعالي شمل، فيكون تفريقه له سبباً لاجتماع المعالي عنده، ومثله لأبي تمام:
وليس بيانٌ للعلي خلق امرىء ... وإن جل إلا وهو للمال هادم
همامٌ إذا ما فارق الغمد سيفه ... وعاينته لم تدر أيهما النصل
يقول: هو كبير الهمة، يشبه السيف في مضائه وشدته، وبشاشة وجهه كصقالة السيف، فإذا فارق السيف غمده تشك فيهما حتى لا تعرف أيهما السيف وهو كقول أبي تمام:
يمددن بالبيض القواضب أيدياً ... فهن سواء والسيوف القواطع
رأيت ابن أم الموت لو أن بأسه ... فشابين أهل الأرض لانقطع النسل
أراد بابن أم الموت: أخاه، يعني: أخا الموت.
يقول: رأيت الممدوح أخا الموت، فلو أن بأسه وشدة قوته شاع بين أهل الأرض لانقطع النسل: أي نسل الخلق، لأنه يفنيهم ببأسه، ولأنهم يخافونه ولا يدنو ذكرٌ من أنثى فينقطع النسل.
على سابحٍ موج المنايا بنحره ... غداةً كأن النبل في صدره وبل
على فرسٍ سابحٍ موج المنايا بنحره: أي نحر الفرس في الغداة التي ترى فيها النبل متواتراً إلى صدره كأنه وبل: أي مطر. يعني: أن السهام لا تؤثر في صدر هذا الفرس، كما لا يؤثر فيه قطر الماء، وقيل: إن الهاء في صدره للممدوحن يعني: أن فرسه يلتقي موج الموت بنحره، وأن الممدوح يوم الحرية يلتقي السهام بنحره، فلا يبالي كأنها عنده قطر المطر.
وكم عين قرنٍ حدقت لنزاله ... فلم تغض إلا والسنان لها كحل
حدقت: أي أحدقت النظر إليه، والنزال: المنازلة، وهي المحاربة نازلاً.
يقول: وكم عين مقارنٍ له: محارب، أحدت النظر إليه للمنازلة، فلم تغض إلا وصار سنان الرمح كحلاً لها. يعني: أنه جعل السنان لها موضع الكحل.
إذا قيل: رفقاً! قال: للحلم موضعٌ ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل
رفقاً: نصب بفعل مضمر، أي ارفق رفقاً، أو استعمل رفقاً.
يقول: إذا قيل له في الحرب: ارفق! قال: للحلم موضع، وليس هذا موضعه. وحلم المرء في غير موضعه جهل. ومنه قول الآخر:
يناشدني حاميم والرمح شاجرٌ ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
ولولا تولى نفسه حمل حلمه ... عن الأرض لانهدت وناء بها الحمل
حمل حلمه: مفتوح لأنه مصدر، والحمل في آخره بكسر الحاء لأنه اسم.
يقول: لولا الممدوح تولى حمل حلمه عن الأرض لانهدت الأرض من ثقل حلمه، وأثقلها الحمل، فجعل الحلم أعظم من الأرض؛ وهو مبالغة عظيمة.
تباعدت الآمال عن كل مقصدٍ ... وضاق بها، إلا إلى بابه السبل
الهاء في بها: للآمال، وفي بابه: للمدوح.
يقول: لم يبق في الدنيا جوادٌ يقصد بالأمل سوى هذا الممدوح، فبعدت الآمال عن كل مقصد، وضاق بالأمل السبل من جميع الجوانب، إلا بابه، فهو المقصود إليه في الحوائج والآمال.
ونادى الندى بالنائمين عن السرى ... فأسمعهم: هبوا فقد هلك البخل
الندى: رفع لأنه فاعل نادى، والسرى: سير الليل.
يقول: نادى العطاء بالذين ناموا عن السرى، لعدم الأسخياء الكرام، وغلبة البخلاء اللئام، ونبههم.

بقوله: هبوا فقد هلك البخل، لوجود هذا الرجل، الذي أصاب بالجود مقتل البخل. ويجوز أن يكون وصل عطاؤه إلى الناس، ومن دون أن يسافروا لأجله، فكأنه ناداهم ونبههم لوصوله إليهم في أوطانهم.
وحالت عطايا كفه دون وعده ... فليس له إنجاز وعدٍ ولا مطل
يقول: إن عطاياه اعترضت دون وعده وسبقته، فلا يحتاج إلى إنجاز وعد، ولا مطل ولا مدافعة؛ لأن هذه الأشياء لا تكون إلا بعد الوعد.
فأقرب من تحديدها رد فائتٍ ... وأيسر من إحصائها القطر والرمل
الهاء في تحديدها، وإحصائها: للعطايا، وكان الوجه أن يقول: وأيسر من إحصائها إحصاء القطر، إلا أنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
يقول: رد فائتٍ أقرب من تحديد عطاياه، وتحديد منحه. وعد قطر المطر، وحبوب الرمل: أهون من إحصاء نعمه؛ فكما لا تقدر الناس على هذين، كذلك تحديد عطاياه، وتعديد مننه غير مقدور عليه، بل ذلك دخل في المقدور.
وما تنقم الأيام ممن وجوهها ... لأخمصه في كل نائبةٍ نعل
تنقم: تعيب، وما: للسؤال. ومن في قوله: ممن هو الممدوح: والهاء في وجوهها: للأيام. وفي أخمصه: للممدوح والأخمص؛ باطن القدم.
يقول: وما تنكر الأيام، وتعيب من رجل، وجوه الأياه نعلٌ لأخمصه في كل نائبة ومحنة، يعني أن الأيام تابعة له ومطيعة، وهو يعلوها حتى يطأ وجوهها، فتكون بمنزلة النعل لأخمصه. أي باطن قدمه.
وما عزه فيها مرادٌ أراده ... وإن عز إلا أن يكون له مثل
عزه: أي غلبه.
يقول: لم يتعذر عليه مراد طلبه، وإن كان ذلك صعباً شديداً، إلا أن يريد أن يأتي بمثل له، فإنه يتعذر عليه وجوده لأنه لا مثل له.
كفى ثعلاً فخراً بأنك منهم ... ودهرٌ لأن أمسيت من أهله أهل
الرواية الصحيحة نصب دهراً عطفاً على ثعل وقوله: بأنك منهم رفع: لأنه فاعل كفى وأهل رفع: بخبر ابتداء محذوف. كأنه قال: هو أهلٌ لأن أمسيت من أهله، فارتفع أهلٌ وصفاً لدهر، وارتفع دهرٌ بفعل مضمر، تقديره: ليفخر دهرٌ أهلٌ، لأن أمسيت من أهله.
يقول: كونك منهم، كفاهم فخر كونك أهلاً له وهذا وما قبله إفراط في المدح.
وويلٌ لنفسٍ حاولت منك غرةً ... وطوبى لعينٍ ساعةً منك لا تخلو
طوبى له: أي خير له، وقيل: أصله من الياء. وهو من طيب.
يقول: ويلٌ لمن طلب منك غفلة؛ فإنه إذا طلب ذلك قتلته، وهو لا يظفر بك، وطوبى لعين منك لا تخلو ساعة، فإنها تكون في الراحة وترتع في روض محاسنك.
فما بفقيرٍ شام برقك فاقةً ... ولا في بلادٍ أنت صيبها محل
يقول: ليس لفقير أبصر برقك ونظر جودك فاقة، وليس في بلادٍ أنت قطرها قحطٌ ولا جدب.
وقال أيضاً يمدحه:
اليوم عهدكم فأين الموعد؟ ... هيهات! ليس ليوم عهدكم غد
وروى: اليوم وعدكم وكذلك في الثاني؛ لأنهما متقاربان في المعنى.
يقول: اليوم لقاؤكم، وهو آخر اليوم الذي اجتمعنا فيه، فعرفوني أين الموعد للقاء الثاني؟ ثم قال: هيهات: أي ما أبعد ما أطلب! ليس ليوم وعدكم غدٌ أبلغ إليه. وقيل معناه: اليوم ميعادكم الذي وعدتموني فأنجزوا لي وعدي، وهو وعد الملاقاة والوصل ثم قال: هيهات! ليس ليوم وعدكم غدٌ. أي أموت وقت فراقكم، فلا أعيش إلى غد ذلك اليوم. ومثله قول الشاعر:
قالت أسير غداً فقلت لها ... هدد ببينك من يعيش غداه
والأصل في البيت قول أبي تمام.
قالوا الرحيل غداً لا شك قلت لهم ... الآن أيقنت أن اسم الحمام غد
الموت أقرب مخلباً من بينكم ... والعيش أبعد منكم لا تبعدوا
روى مخلباً: وهو للسبع كالظفر للإنسان، ويروى مخلباً؛ وهو مصدر خلب يخلب: إذا أخدع، خلابةً ومخلباً، أو يكون مصدراً من خلب: إذا اختطف. وروى لا تبعدوا: من البعد في المسافة. ولا تبعدوا: من الهلاك.
يقول: الموت أقرب إلي من فراقكم، لأني أموت قبل أن تبينوا عني، خوفاً من فراقكم، ومهما فارقتموني كان العيش أبعد منكم، لأنه يعدم البتة، فهو أبعد منكم، لأنه لا يرجى عوده، وإذا بعدتم كنتم موجودين. ثم قال: لا تبعدوا. يعني لأن ببعدكم تبعد الحياة مني، وقيل: إنه دعاء للأحباب بألا يهلكوا، بل يبقوا سالمين، وبأن يقربوا منه. وهو تفسير البيت الأول.
إن التي سفكت دمي بجفونها ... لم تدر أن دمي الذي تتقلد

تتقلد: من قولك تقلد فلانٌ دم فلانٍ إذا باء بإثمه.
يقول: المرأة التي سفكت دمي بجفونها الحسنة، لم تعلم أن الذي تتقلده وتبوء به هو دمي. يعني: أنها قتلتني بجفونها الملاح، وأنها لم تعلم أني قتيلها بتلك الجفون.
قالت وقد رأت اصفراري: من به؟ ... وتنهدت فأجبتها: المتنهد
من به: أي فعل به، أو من المطالب به. وتنهدت: أي تنفست. وقيل: تنهدت المرأة؛ إذا رفعت صدرها وثديها.
يقول: إن هذه المرأة لما رأت ما بي من الاصفرار قالت مستفهمة: من فعل به ذلك؟ من المطالب به؟ وتنفست عند ذلك ترحماً لي، لما شاهدت من حالي فأجبتها: المتنهد. أي قلت: الذي فعل بي ذلك هو المتنفس. وإنما لم يقل: المتنهدة؛ لأنه رده على معنى الإنسان أو الشخص، ومعناه أن الذي حصل بي منك دون غيرك، أي أنت فعلت ذلك.
فمضت وقد صبغ الحياء بياضها ... لوني كما صبغ اللجين العسجد
اللجين: الفضة، والعسجد: الذهب. هذا البيت يفسر على وجوه: أحدها: أنها مضت عني لما قلت لها في البيت الذي قبله، وقد صبغ الحياء والخجل بياضها، يعني أنها لما استحيت مما قلت لها احمر لونها ومضت، ثم عدل عن ذلك إلى وصف نفسه فقال: لوني كما صبغ الفضة الذهب. أي اصفر وجهي. وقال بعضهم: معناه أن الحياء صبغ لونها أحمر، ثم لحقها الخوف في الوقت من الرقباء أن يروها، فاصفر لونها لذلك الفزع بعد الخجل، فيكون تقديره: صبغ الحياء بياضها لوناً كلوني؛ لأن الحياء إذا كان مع الخوف يصفر الوجه. وقيل: أيضاً لأن الحياء يجلب اللونين معاً؛ لأن المستحي يحمر أولاً ثم إذا فكر فيما حصل منه الحياء، يصفر لونه، فيصير كصاحب الخوف، فكأنه ذكر الحالة الثانية فبين أنها خجلت واستمر بها الخجل والحياء حتى اصفر لونها، فصار كلوني الذي هو كلون الذهب الممتزج بالفضة.
فرأيت قرن الشمس في قمر الدجى ... متأوداً غصنٌ به يتأود
قرن الشمس: أول ما يبدو منها، وهو يضرب إلى الصفرة، وذلك يدل على استحالة لونهاأصفر، وأراد به الصبغ الذي حصل في وجه المرأة الذي هو كالقمر، وأراد: أن وجهها بمنزلة قرن الشمس، وقمر الدجى. وقصد تشبيهه بهما جميعاً، وقوله: متأوداً: أي متمايلاً يتأود به غصن: وهو قد المرأة والهاء في به: ترجع إلى قرن الشمس. فمعناه: رأيت متمأوداً يتأود به غصن.
عدويةٌ بدويةٌ من دونها ... سلب النفوس ونار حربٍ توقد
وهواجلٌ وصواهلٌ ومناصلٌ ... وذوابلٌ وتوعدٌ وتهدد
العدوية: منسوبة إلى بني عدي. والبدوية: منسوبةٌ إلى البدو. والسلب: الاختطاف.
والهواجل: جمع الهوجل، وهو الأرض المطمئنة، والصواهل: جمع الصاهل من صهيل الفرس، وهو صوته. والمناصل: جمع المنصل، وهو السيف، والذوابل، جمع الذابل وهو الرمح.
يقول: إن هذه المرأة من أبناء الكرام ومن دون الوصول إليها هذه الأشياء.
أبلت مودتها الليالي بعدنا ... ومشى عليها الدهر وهو مقيد
يقول: أخلقت الليالي وتطاولها مودتها بعدي وبعدها، ومشى على ذلك الدهر فأفسدها بمشيه عليها وهو مقيد، وذلك لأنه إذا كان مقيداً كان أثقل وطئاً لاعتماده على الرجلين، وقصر خطوه، فيحطم الشيء إذا مشى عليه. وهي مبالغة مليحة وصنعة في الشعر حسنة.
أبرحت يا مرض الجفون بممرضٍ ... مرض الطبيب له وعيد العود
أبرحت: أي جاوزت الحد. يخاطب مرض الجفون، أو يكون المرض بمعنى المريض، فكأنه يقول: يا مرض الجفون الذي في عينيها، أو يا مريض الجفون، تجاوزت الحد، بممرض يعني: به نفسه، حتى مرض الطبيب له، ومرض عواده، فعادهم الناس، وإنما مرضوا رحمةً له واغتماماً لشدة حاله ورقةً عليه لما رأوا مابه من الهزال.
يقول: أمرض الأطباء حزنهم لقصورهم عن شفائه لعظم دائه.
فله بنو عبد العزيز بن الرضا ... ولكل ركبٍ عيسهم والفدفد
الهاء في فله: للممرض، وعنى به نفسه.
يقول: بنو عبد العزيز بن الرضا: الذين هم الممدوحين يكفوني لأني ألجأ إليهم في أحوالي وأجعلهم سبباً لإدراك آمالي، وكذلك أيضاً ركب هؤلاء، فمنهم عيسهم؛ لأن عطايا الأرض التي هي من ملكهم، يريد أنهم ملوك الدنيا، وأنه لا مقصود من الناس غيرهم.

وقيل إن معناه: إن هؤلاء لي ولغيري، ممن لا يقصدهم، ليس إلا العيس التي يركبونها والمفاوز التي يقطعونها، إذ لا يحصلون بقصدهم غيره إلا على الطلب، وأنا قد ظفرت بالمطلوب بقصدي إياهم.
من في الأنام من الكرام ولا تقل ... من فيك شأمٌ سوى شجاعٍ يقصد؟
من: للاستفهام، والمراد: الإنكار، وقوله: شأم: أي يا شأم، ومعناه: من في الأنام من الكرام سوى شجاع، ولا تقل من فيك يا شأم. يعني: أنه المقصود في الدنيا للخلق، فهو واحد الناس في الناس، لا واحد الشأم وبعض من الدنيا.
أعطى فقلت: لجوده ما يقتنى ... وسطاً فقلت: لسيفه ما يولد
يقتنى: أي يدخر. وسطاً: من السطوة، وهي القهر، والغلبة، والحملة في الحرب وما بمعنى: الذي. يقول: بالغ الممدوح في الإعطاء حتى قلت: إن ما يقتنيه الناس من الأموال لجوده ليفرقها، وبالغ في سطواته حتى قلت: إن لسيفه كل ما يولد.
وتحيرت فيه الصفات لأنها ... ألفت طرائقه عليها تبعد
يقول: صارت صفات الواصفين متحيرة فيه لأنها يعني الصفات وجدت طرائق هذا الممدوح بعيدة عليها، ثم وصف بعض طرائقه فقال:
في كل معتركٍ كلىً مفريةٌ ... يذممن منه ما الأسنة تحمد
الكلى: جمع الكلية. والمفرية: المقطوعة. ويذممن: فعل الكلى وتحمد: فعل الأسنة.
يقول: إن من طرائق الممدوح أنه شجاع، وله في كل موضع حرب كلى مقطوعة للقتلى، تذم الكلى المفرية من فعله، ما تحمد أسنة الرماح. وذلك الشيء هو الكلى.
نقمٌ على نقم الزمان تصبها ... نعمٌ على النعم التي لا تجحد
نقم الزمان: نوائبه.
يقول: هذا الممدوح نقمة مصبوبة على نقم الزمان، وهي في الحقيقة نعم على النعم التي أنعم بها على الناس. يعني: إن الممدوح يدفع نوائب الزمان، فهو نعمة عليها وتلك نعمة على الناس، لأنهم يأمنون بها نوائب الدهر وهي نعمة متتابعة، مترادفة ولا يمكن أحد أن يجحدها لكثرتها وشهرتها.
في شأنه ولسانه وبنانه ... وجنانه عجبٌ لمن يتفقد
يقول: في كل واحد من هذه الأربعة من الممدوح عجب لمن تأمله! ففي شأنه: أعجب عظماً، وكبر همة، وفي لسانه: فصاحة، وفي بنانه: كتابة وسخاء، وضرباً وطعناً، وفي جنانه: قوة ونجدة وذكاء وشجاعة، وعلماً وفطنة وغير ذلك.
أسدٌ، دم الأسد الهزبر خضابه ... موتٌ، فريص الموت منه يرعد
الهزبر: من صفات الأسد، ويريد به المبالغة في الشدة. والفريص: بالفاء جمع فريصة، وهي لحمة تحت الكتف.
يقول: هو أسد عادته قتل الأسود، فدم الأسد القوي خضابه الذي يتخضب به عند قتله إياه، وهو أيضاً موت، لإفنائه الأعداء، وترعد منه: أي الموت يفزع منه.
ما منبجٌ مذ غبت إلا مقلةٌ ... سهدت ووجهك نومها والإثمد
الإثمد: ما يجعل في العين مما ينفع.
يقول: ما هذه البلدة بفراقك إلا كمقلة سهرت شوقاً إليك فغاب عنها نومها وكحلها، فلما عدت إليها نامت فرحاً بقدومك؛ فعاد إليها نومها وكحلها ووجدت روحاً وسكوناً.
فالليل حين قدمت فيها أبيضٌ ... والصبح منذ رحلت عنها أسود
يقول: إن الليل بقدومك هذه البلدة صار ضياء، كما كان ضوء النهار ظلاماً عند غيبتك عنها، وهذا المعنى مأخوذ من قول أبي تمام:
وكانت وليس الصبح فيها بأبيضٍ ... فأمست وليس الليل فيها بأسود
ما زلت تدنو وهي تعلو عزةً ... حتى توارى في ثراها الفرقد
كل تاء تأنيث في البيت، وفيما قبله، وفيما بعده: كناية عن منبج، لأجل البقعة، والبلدة.
يقول: ما زلت تقرب منها وهي ترتفع تشرفاً بك، واعتزازاً بمكانك، حتى علت السماء فتوارى الفرقد في ترابها وبقعتها.
أرضٌ لها شرفٌ سواها مثلها ... لو كان مثلك في سواها يوجد
يريد أن علوها لمكان الممدوح فيها.
فقال: إن هذه الأرض بلدة شريفة. سواها من الأرضين مثلها، لو كان مثلك موجوداً فيها.
أبدى العداة بك السرور كأنهم ... فرحوا وعندهم المقيم المقعد
بك: أي بسببك.
يقول: إنهم أظهروا السرور بك، وبقدومك، وفي قلوبهم من كراهة ذلك من الخوف والغم ما أقامهم وأقعدهم، فأضمروا العداوة في الباطن، وإن كانوا على توددٍ في الظاهر وعندهم من الغم المقيم المقعد.
قطعتهم حسداً أراهم ما بهم ... فتقطعوا حسداً لمن لا يحسد

قطعتهم: مبالغة في القطع.
يقول: جعلت العداة قطعاً؛ غيظاً وحسداً عليك، حتى أراهم حسدهم ما بهم من التقطع والذلة والنقص والمرض وتغير اللون، فتقطعوا حسداً لما فيك من الفضل، وأنت لا تحسد أحداً لأنك قد جمعت الفضائل الكلية، والحسد من دأب الناقصين، فأنت تحسد ولا تحسد أحداً.
حتى انثنوا ولو ان حر قلوبهم ... في قلب هاجرةٍ لذاب الجلمد
انثنوا: أي رجعوا. والجلمد: الحجر الصلب.
يقول: تقطعوا حسداً حتى رجعوا، وفي قلوبهم من الحر حسداً وكمداً؛ ما لو كان ذلك الحر في قلب هاجرة النهار، لذاب بحرارتها الحجر الصلب، وجعل للهاجرة قلباً لما ذكر قلوبهم لازدواج الكلام.
نظر العلوج فلم يروا من حولهم ... لما رأوك وقيل: هذا السيد
العلج: أصله حمار الوحش، وجمعه علوج. والمراد به: الكفار من أهل الروم.
يقول: لما رأوك الحساد دهشوا، وأظلمت الدنيا عليهم فزعاً منك، واستصغروا من حولهم من العساكر، استعظاماً لك من هيبتك، حتى أنهم لم يروا من حولهم من الخيل والحشم لاشتغالهم برؤيتك، ولأنك فقتهم حسناً وقيل لهم: هذا السيد.
بقيت جموعهم كأنك كلها ... وبقيت بينهم كأنك مفرد
يقول: لقيت جموع أولئك كأنك بوحدتك جملتهم، لموازنتك إياهم، وبقيت أنت بينهم مفرداً، لا نظير لك. وهذا تأكيد للمصراع الأول.
لهفان يستوبي بك الغضب الورى ... لو لم ينهنهك الحجا والسؤدد
لهفان: نصب على الحال من الغضب، وقيل بقيت لهفان، ويستوبى: من الوباء، وأصله الهمز فأبدله ضرورة، ومعناه: يفنى ويهلك، والغضب: فاعل يستوبى، والورى مفعوله ويجوز: أن يكون يستوبى: أي يوبى الغضب الذي بك. والباء في بك زائدة والورى: فاعله، والغضب مفعوله.
يقول: غضبك يكاد يهلك الناس، لو لم يكفك العقل والسؤدد، فبقيت لهفان بين الغضب المهلك، وبين العقل والسؤدد.
كن حيث شئت تسر إليك ركابنا ... فالأرض واحدةٌ وأنت الأوحد
أي كن في أي مكان شئت، فليس لنا، ولا لركابنا مسرى إلا إليك؛ لأن الأرض واحدة، وأنت مالكها. وإنك أنت أوحد، لا نظير لك ولا شبيه.
وصن الحسام ولا تذله فإنه ... يشكو يمينك والجماجم تشهد
لا تذله: أي لا تذله، فخفف.
يقول: صن سيفك واغمده ولا تذله فتفنيه من كثرة استعماله فإنه يفنى الحسام وتشكو يمينك، من كثرة ضرب الجماجم: وهي عظام الرءوس تشهد له بذلك، ومن حق السيف عليك أن تصونه ولا تهينه وهذا نظير قوله:
شم ما االتضيت فقد تركت ذبابة ... قطعاً وقد ترك العباد جذاذا
يبس النجيع عليه فهو مجردٌ ... من غمده فكأنما هو مغمد
النجيع: دم الجوف. وقيل: الدم الطري.
يقول: قد جف الدم على حسامك وهو مجرد عن غمده، لكنه من الدم اليابس عليه كأنه مغمد.
ريان لو قذف الذي أسقيته ... لجرى من المهجات بحرٌ مزبد
ريان: ضد عطشاً، وهو نصب على الحال. والمهجة: دم القلب.
يقول: هذا السيف ريان من الدماء؛ لكثرة ما أسقيته من دماء القتلى، فلو رمى ما أسقيته من الدماء لجرى منها بحرٌ، يعلوه الزبد لغزارته.
ما شاركته منيةٌ في مهجةٍ ... إلا وشفرته على يدها يد
التذكير الذي في البيت: للحسام، والتأنيث: للمنية. وشفرة السيف: حده.
يقول: ما شاركت المنية هذا السيف في نفس من الأنفس، إلا وحده على يد المنية يدٌ فتكون يده فوق يدها.ومثله لأبي تمام قوله:
مطلٌ على الآجال حتى كأنه ... لصرف المنايا في النفوس مشارك
غير أن المتنبي فضل السيف على المنية، وأبو تمام سوى بينهما.
وقيل: إنما شاركته المنية فزعاً منه؛ لأن السيف يدٌ على يدها، يمنعها ويعوقها.
إن الرزايا والعطايا والقنا ... حلفاء طيٍّ غوروا أو أنجدوا
حلفاء: جمع حليف، وهو الجار المحالف على الولاية، وطيٍّ: أراد طيئاً فخفف.
يقول: إن المصيبات، والعطيات، والرماح حلفاء طيىء، غير مفارقة عنهم، أينما حلوا نجداً أو غوراً، سهلاً أو جبلاً.
صح: يال جلهمة. تذرك، وإنما ... أشفار عينك ذابلٌ ومهند
جلهمة: قبيلة المدوح. والأشفار: يريد بها الأهداب هاهنا.
يقول: ناد أيها الممدوح وقل: يال جلهمة، تدرك، وقد أحاطوا بك برماحهم وسيوفهم، حتى كأن أشفار عينك سيف ورمح، لكثرة سيوفهم ورماحهم.

وفيه معنى آخر: وهو أنك إذا صحت بهم جاءوك واجتمعوا عندك، وهابوك، حتى كأن أشفار عينك إذا نظرت إليهم، ذابلٌ ومهند؛ لهيبتك في قلوبهم ولطاعتهم لك.
من كل أكبر من جبال تهامةٍ ... قلباً ومن جود الغوادي أجود
الجود: المطر الشديد، والغوادي: جمع غادية، وهي السحابة التي تنشأ غداة.
يقول: إن كل رجل منهم أكبر من جبال تهامة وأسخى من السحاب التي تأتي غدوة. وهذا يمكن أن يكون متعلقاً بقوله: أشفار عينك ذابلٌ ومهند من كل رجلٍ أكبر من جبال تهامة. ويمكن أن يكون للقسمة والتبعيض، كما يقال: رأيت من الناس ذاهبٌ. أي من هو ذاهب.
يلقاك مرتدياً بأحمر من دمٍ ... ذهبت بخضرته الطلى والأكبد
أحمر: صفة لمحذوف، يعني: بسيف أحمر من دم.
يقول: الذي هو أكبر من جبال تهامة قلباً، يراك متقلداً بسيف أحمر، مما عليه من دماء الأعداء، صبغت خضرته وصقاله دماء الأعناق والأكباد، وسترها فيأتيك به.
حتى يشار إليك ذا مولاهم ... وهم الموالي والخليقة أعبد
يقول: حتى يطاعون لك منقادون لأمرك، ويشار إليك فيقال: ذا مولاهم أي سيدهم وهم مع ذلك سادات الناس كلهم، فأنت سيدهم، والخلق عبيدهم، فأنت سيد السادات.
أنى يكون أبا البرية آدمٌ ... وأبوك والثقلان أنت محمد
تقديره: كيف يكون آدم أبو البرية، وأبوك محمد، وأنت الثقلان.
يريد: إذا كنت أنت الثقلين، وأبوك محمد، فأبو البرية إذاً أبوك! لا آدم! والثقلان: الجن والإنس. ومثله قول الآخر:
وليس على الله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد
يفنى الكلام ولا يحيط بفضلكم ... أيحيط ما يفنى بما لا ينفد؟
أيحيط، استفهام: والمراد به الجحد. ويفنى وينفد بمعنى، فلذلك وضع أحدهما موضع الآخر.
يقول: يفنى كلام الشعراء في مدحكم فلا يحيط بفضلكم؛ لأن للكلام نهاية وليس لفضلكم نهاية، فكيف يحيط المتناهي بما لا يتناهى؟!.
وقال في أبي دلف وكان قد حبسه الوالي لشيء بلغه عنه، وأبو دلفٍ هذا سجانٌ حبس المتنبي عنده مدة سنتين وقد أهدى إليه هدية وهو في السجن:
أهون بطول الثواء والتلف ... والسجن والقيد يا أبا دلف
أهون: أي ما أهون طول الثواء، وهذا إن بناه من الإهانة فهو من الشاذ. كقولهم: ما أعطاه للمال. لأن ما زاد على الثلاثة لا يبنى منه فعل التعجب، إلا بلفظ ثلاثي، فكأنه يقول: ما أشد الإهانة بطول الثواء والتلف.
وإن كان من هان يهون فهو صحيح يدل عليه ما بعده من الأبيات، وكان قد حبس في السجن، وكان يتعهده رجلٌ يعرف بابن كنداج كنية أبي دلف، يأتيه بالطعام وغيره، فشغل عنه يوماً، فكتب إليه بهذه الأبيات يقول مخاطباً لأبي دلف: ماأيسر طول الثواء والهلاك علي، والسجن والقيد كل ذلك هين علي وهذا يدل على أنه كان محبوساً.
غير اختيارٍ قبلت برك بي ... والجوع يرضي الأسود بالجيف
يقول: قبلت برك بي عن غير اختيار بل بالاضطرار الواقع، كما أن الأسد إذا جاع، ولم يظفر بفريسةٍ، يأكل الجيف اضطراراً! كذلك حالي، في قبول برك.
كن أيها السجن كيف شئت فقد ... وظنت للموت نفس معترف
التوطين: جعل النفس وطناً.
يقول للسجن: كن كيف شئت علي، فإني قد وطنت نفسي للموت، توطين المعترف بالشيء، الراضي به، المقر بالموت، الذي سكن إليه. وقيل: المعترف الصابر. يعني: وطنت للموت نفسي نفس رجل صابرٍ على الشدائد.
لو كان سكناي فيك منقصةٌ ... لم تكن الدر ساكن الصدف
يقول: لو كان كوني في السجن توجب منقصة وذلاًّ لكان كون الدر مع جودته وعلو قدره في الصدف الذي هو أخس حيوان البحر يوجب له النقص. فكما لا تؤثر خسة الصدف في قدر الدر، كذلك حالي في السجن. وهذا تسلية لنفسه.
وكان قوم ي صباه قد وشوا به إلى السلطان وكذبوا عليه وقالوا: قد انقاد له خلقٌ من العرب، وقد عزم على أخذ بلدك، حتى أوحشوه منه فاعتقله وضيق عليه، فكتب إليه يمدحه:
أيا خدد الله ورد الخدود ... وقد قدود الحسان القدود
أيا: يحتمل أن يكون حرف نداء، والمنادى محذوف، وتقديره: أيا قوم. ويحتمل أن يكون افتتاح الكلام. مثل أما وألا وخدد: أي شقق. وقد: أي قطع، وأصله القطع طولاً. والقدود: جمع القد، وهو القامة.
قال يدعو على ورد الخدود والقدود الحسنة، وفيه وجهان:

أحدهما: أن يكون على عادة العرب، في أنهم إذا استحسنوا شيئاً وتعجبوا منه دعوا عليه! نحو قولهم: قاتل الله فلاناً ما أفصحه!.
والثاني: أن يحمل على حقيقة الدعاء عليها. فيقول: شقق الله ورد الخدود وقطع قدود الحسان قدوداً، فإني قد لقيت منها بلاءً وجهداً، وقاسيت منها مشقة، ويدل عليه قوله فهن أسلن دما مقلتي ومثله لجميل:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح
فهن أسلن دماً مقلتي ... وعذبن قلبي بطول الصدود
يقول: هن أسلن من مقلتي دماً؛ من بكائي عليهن، وعذبن قلبي بطول إعراضهن عني. وروى مهجتي أي قتلنني وسفكن دمي.
وكم للهوى من فتىً مدنفٍ ... وكم للنوى من قتيلٍ شهيد
المدنف: الذي طال مرضه. يعتذر من قوله فهن أسلن دماً.
فيقول: ما أنا بأول عاشقٍ قتل شهيداً، فكم للهوى من فتىً قد دنف وصار إلى شرف الموت، وكم للنوى من قتيلٍ شهيدٍ مثلي، قد قتله الحب، كما قتلني شهيداًز
فواحسرتا ما أمر الفراق ... وأعلق نيرانه بالكبود
يقول: واحسرتا على نفسي من مفارقة الأحباب، فما أمر الفراق وأشد مرارته! وما أشد علق نيران الفراق بالكبود! وجمع الكبود ذهاباً إلى العموم، فكأنه قال: ما أعلق نيرانه بكبود العشاق. وروى: وأحرق نيرانه بالكبود.
وأغرى الصبابة بالعاشقين ... وأقتلها للمحب العميد!
قوله وأغرى: تعجب من غرى بالشيء إذا ولع به. والصبابة: رقة الهوى. والعميد: المصاب عمود قلبه.
يقول: ما أولع الصبابة والشوق بالعشاق، وما أقتلها للمحب المصاب قلبه! يتعجب من ولع الهوى وقتله للعشاق.
وألهج نفسي لغير الخنا ... بحب ذوات اللمى والنهود
ألهج: أي أعرض، وأولع. واللمى: حمرة الشفة تضرب إلى السواد. والنهود: نتوء الثدي.
يقول: ما أولع نفسي بحب النساء، لمى الشفاة، نواهد الثدي، الموصوفات بالحسن والجمال، لا الخنا: الذي هو داعية الزنا، لكن لأجل النظر فقط.
فكانت وكن فداء الأمير ... ولا زال من نعمةٍ في مزيد
أي كانت نفسي المذكورة، وذات اللمى والنهود فداء الأمير الممدوح. على وجه الدعاء، ثم ذكر دعاءً آخر فقال: ولا زال الأمير من الله تعالى في زيادة تامة من النعمة.
لقد حال بالسيف دون الوعيد ... وحالت عطاياه دون الوعود
الوعود: جمع الوعد، وهو مصدر وعد. فيكون بمعنى: الوعد.
يقول: حال الأمير بسيفه دون الوعيد، فيقتل قبل أن يوعد، وحالت عطاياه دون الوعد؛ فيعطي قبل أن تعد. فالأول: يدل على فضل قوته، والثاني: على فضل سخائه وجوده.
فأنجم أمواله في النحوس ... وأنجم سؤاله في السعود
أنجم أمواله منحوسةٌ لتفريقه إياها، وأنجم سؤاله مسعودة لاستغنائهم بما يبذله لهم من الأموال ويفرقه بينهم.
ولو لم أخف غير أعدائه ... عليه لبشرته باللود
يقول: لو كان الخوف على الممدوح من أعدائه وحدهم، لكنت في أمنٍ دونهم، فبشرته بدوام الحياة غير إنما أخاف عليه من غير أعدائه، وهو الله تعالى، ذو القضاء المبرم في جميع الناس. والغرض هو الاستخفاف بأعدائه. وروى: عين أعدائه يعني: أن يصيبوه بعيونهم السيئة.
رمى حلباً بنواصي الخيول ... وسمر يرقن دماً في الصعيد
الصعيد: التراب الخالص. وقيل: هو ظاهر الأرض.
يقول: رمى حلباً بوجوه خيله، لما حاربها برماح له، تريق دماء أعدائه في الصعيد: أي التراب.
وبيضٍ مسافرةٍ ما يقم ... ن لا في الرقاب ولا في الغمود
يقول: رماها بسيوفٍ مسافرةٍ، غير مستقرة في رقاب الأعداء ولا في غمودها؛ لأنها تتقدم من رقاب إلى رقاب، ومن قتيل إلى قتيل، فليس لها قرار؛ لكثرة ما تستعمل في الضرب فكأنها مسافرة غير مقيمة في غمد أو عنق.
يقدن الفناء غداة اللقاء ... إلى كل جيشٍ كثير العديد
يقدن: فعل السيوف التي لا تقيم في غمد، أو عنق. يقول: يقدن أي يسقن الفناء غداة اللقاء للحرب، إلى كل جيش كثير العدد؛ فهذا فعلهن وسفرهن.
فولى بأشياعه الخرشني ... كشاءٍ أحس بزأر الأسود
الخرشني: هو والي حلب، وخرشنة. هو الحصن في بلاد الروم.
يقول: ولي الخرشني الذي حاربه الأمير بأصحابه وأشياعه، كانهزام الشاة عند ما تحس بصوت الأسد.

يرون من الذعر صوت الرياح ... صهيل الجياد وخفق البنود
يقول: انهزموا عنه، وخافوه، حتى ظنوا صوت الرياح أنه صهيل خيوله وخفق أعلامه، وأنهم إذا رأوا شيئاً ظنوه رجلاً ومثله قول جرير:
ما زلت تحسب كل شيءٍ بعدهم ... خيلاً تكر عليهم ورجالا
والأصل في ذلك قوله تعالى: " يحسبون كل صيحةٍ عليهم هم العدو " .
فمن كالأمير ابن بنت الأمي ... ر أم من كآبائه والجدود؟
من: استفهام. ومعناه النفي.
يقول: ليس أحد مثل الأمير وليس أحد كأبيه وأجداده، وهو أيضاً كريم من جهة الأمهات.
سعوا للمعالي وهم صبيةٌ ... وسادوا وجادوا وهم في المهود
يقول: إن الممدوح وأباءه وأجداده قد سعوا في طلب المعالي في حال صباهم، وسادوا غيرهم، وجادوا بأموالهم، وهم أطفال في المهود، والغرض المبالغة في سؤددهم وكرمهم. وروى: وشادوا أي بنوا المجد ورفعوه.
أمالك رقىً ومن شأنه ... هبات اللجين وعتق العبيد
الواو في قوله: ومن شأنه، واو الحال. ويجوز: أن يكون واو العطف، ومن في موضع النصب، وتقديره إذاً يكون: يا مالك رقىً ويا من شأنه هبات الفضة وإعتاق العبيد.
دعوتك عند انقطاع الرجا ... ء والموت مني كحبل الوريد
حبل الوريد: عرق في العنق، يتصل بالقلب.
يقول: دعوتك لما انقطع الرجاء من الحياة، وقرب الموت مني، كقرب حبل الوريد.
دعوتك لما براني البلى ... وأوهن رجلي ثقل الحديد
براني: أي أنحلني، وقطعني، والبلى: مصدر بلى الشيء. وروى: لثقل الحديد.
يقول: دعوتك عند الشدة، وعظم أثر القيد برجلي!
وقد كان مشيهماً في النعال ... فقد صار مشيهماً في القيود
يقول: قد كان مشى رجلي قبل ذلك في النعال، وصار الآن مشيهما في القيود! فلا عهد لي بالقيود قبل هذه الحالة!
وكنت من الناس في محفلٍ ... فها أنا في محفلٍ من قرود
لصوصٌ أطاعوا أبا مرةٍ ... بترك الركوع وترك السجود
كأني قرنت بهم في الجح ... يم أرى كل يومٍ وجوه اليهود
يقول: كنت إلى الآن في محفل من كرام الناس، وأنا الآن في محفل من القرود! وأراد بهم الأوباش وأصحاب الأهواء ثم بين فقال: هم لصوص وأطاعوا إبليس بترك الصلاة. وأبو مرة: كنية إبليس.