أبو يزيد البسطامي نصوص غير منشورة
مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي
مخطوط رقم 1505 بالمكتبة الأهلية بباريس
تحت سنة 261 هـ : ورقة 193 أ
و فيها توفي أبو يزيد البسطامي ، و اسمه طيفور بن عيسى بن شرشوان < و كان > مجوسيا فأسلم. و كان لعيسى ثلاثة أولاد و هو ( أكبرهم ) أ كبرهم ، و طيفور أوسطهم ، و علي أصغرهم. و كانوا كلهم زهادا عبادا. و كان أبو يزيد أفضل أهل زمانه و أجلهم حالا ، و له لسان في المعارف و التدقيق و في علوم المكاشفات و الفناء و البقاء لم يسبق إليه.
ذكر طرف من أخباره
حكى أبو نعيم الأصفهاني و ابن باكويه و ابن خميس في " مناقب الأبرار " طرفا من زهده و كراماته و خوفه و ورعه و جميل صفاته و عباداته.
حدثنا جدي رحمه الله بإسناده إلى العباس بن حمزة يقول : صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر. فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالا لاسم الله تعالى و ارتعبت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه. فهالني ذلك. – و روى جدي عن ابن ناصر بإسناده إلى عيسى بن آدم ابن أخي أبا يزيد قال : كان أبو يزيد يعظ نفسه فيصيح : يا مأوى كل سوء ! المرأة إذا حاضت طهرت بعد ثلاثة أيام و أكثره عشرة ، و أنت قاعدة منذ عشرين أو ثلاثين ، بعد ما طهرت. فمتى تطهرين ؟ ! إنك تقفين بين يدي الله الطاهر < و الذي يقف بين يدي الطاهر > ينبغي أن يكون طاهرا.
قلت : لم يذكر له جدي في " المنتظم " سوى هذه الكلمات عن العباس بن حمزة و عن عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد. و لا خفاء أن الرجل كان جليلا سيدا عارفا نبيلا. و قد استقصيت أخباره و ذكرت أحواله و آثاره. فأقول :
حكى ابن باكويه بإسناده عن قاسم الحداد قال : خرج أبو يزيد في بعض سياحاته فجاء إلى دجلة فالتقى به الشّطان ، فحول وجهه عنها ثم قال : و عزتك ! إنك تعلم أنني ما عبدتك لهذا ، فلا تحجبني عنك.
و حكى عنه علي بن جهضم في " بهجة الأسرار " قال : صعد أبو يزيد ليلة على سور بسطام ، فدار عليه طوال الليل مجتهدا أن يذكر الله تعالى ، فلم يقدر إجلالا و هيبة. فلما طلع الفجر نزل فبال الدم. قال : و جلس يوما بين يدي المنبر. – و قد حكى هاتين الحكايتين جدي في كتاب " المنتخب في الوعظ".
و حكى عنه أبو عبدالرحمن السلمي قال : قال أبو يزيد : جلست ليلة في المحراب ، فمددت رجلي ، فهتف بي هاتف : يا أبا يزيد ! من يجالس الملوك ينبغ ( 1 ) أن يجالسهم بحسن الأدب.
و حكى عنه ابن جهضم في " البهجة " أنه قال : رأيت رب العزة في المنام فقلت : يا خداه ! كيف الطريق إليك ؟ فارق نفسك و تعال ( 2 ) . و حكاه جدي في " المنتخب ".
و ذكر ابن خميس في " المناقب " عنه أنه أذّن مرة ( 3 ) ثم أراد أن يقيم فنظر في الصف فرأى رجلا عليه آثار السفر ، فكلمه بشيء ، فخرج الرجل من المسجد. فقيل له : ما قال لك أبو يزيد ؟ قال لي : اخرج و اغتسل فما يجوز التيمم في الحضر.
و حكى أيضا قال : اشتهر رجل بالولاية ، فقال أبو يزيد لبعض إخوانه : قم بنا إليه. فدخل الرجل المسجد و بصق تجاه القبلة. فرجع أبو يزيد و قال لصاحبه : امض ( 4 ) بنا ، فهذا غير مأمون على أدب من آداب الشريعة ، فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من الولاية ؟!
قال : و غسل يوما ثوبه في الصحراء و معه صاحب له فقال له صاحبه : علقه على حائط الكرم فقال : ما أذن لي صاحبه. فقال : علقه على الشجر ؛ ( 194 ا ) فقال : تنكسر أغصانه فيفسد. فقال : ابسطه على الإذْخِر . قال : يفسد ، لأن الله جعله علفاء للدواب. فولى ابو يزيد ظهره إلى الشمس و جعل القميص على ظهره و رأسه و قلبه حتى جف ثم لبسه.
قال : و دخل يوما إلي ، فغرس عصاه في الأرض ، فوقعت على عكاز شيخ إلى جانبه ، فوقع العكاز. فقام الشيخ فانحنى و أخذه. فقام أبو يزيد إلى الشيخ و قبل رأسه و حالله و قال : إنما انحنيت و أخذت العكاز بسببي.
قال : و قدم شقيق البلخي و ابو تراب النخشبي على أبي يزيد و قدمت السفرة و هناك شاب جالس ، فقال له أبو يزيد ( 5 ) قم فكل مع الشيوخ . فقال : أنا صائم . فقال له أبو تراب : كلْ و لك أجر صوم شهر. فأبى. فقال له شقيق : كلْ و لك أجر صوم سنة. فأبى. فقال لهم أبو يزيد : دعوه فقد سقط من عين الله. فأخذ الشاب بعد سنة فقطعت يده.
قال : و قال عمر البسطامي: كنا قعودا في مسجد أبي يزيد ، فقال : قوموا بنا نستقبلْ وليا ( 6 ) من أولياء الله. فقمنا و إذا بإبراهيم بن ستنبه الهروي قد أقبل فقال له ابو يزيد : وقع في خاطري أنني أستقبلك و أشفع لك إلى ربي. فقال له إبراهيم : لو شفعّك في جميع الخلائق لم يكن عجبا: إنما هم قطعة من طين. فتحير أبو يزيد من جوابه.
هوامش المحقق :
1 – ينبغي
2 – تعالى
3 – عرة
4 – أي يقيم الصلاة
5 – أبويز
6 – أوليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق