بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 مارس 2015

ذاكرة تأبى النسيان ...من دفاترى القديمة جداً..رسائلى إلى ن.ع



الرسالة الأولى




تبدأ ،الآن . الحياة تتخذ طابعاً جديداً بشعاً وثقيلاً وسقيماً ومريضاً وهزيلاً ومريراً.
تبدأ الآن الحياة تُلقى على كواهلنا بأثقالها المميتة القاتلة الفاتكة الصاعقة .
تبدأ الآن الحياة إلى ماكانت عليه ..ضحالة وسطحية وتفاهة ورتابة وكسل وخمول وسهو ونسيان و..
لقد إنطفأ البريق ولم يعد سوى الظلال ..
الظلال الخادعة المضللة التى كنت أحذر منها وأخشاها..
بالأمس ،الأربعاء ،كنت مرهقاً ومتعباً ..ورغم ذلك لم أبخل عليك بالحضور .
ووددت لو أعطيتك روحى وكيانى وقلبى .
وشعرت باللامبالاة وكأنى إنسان من كوكب آخر.
حزين أنا وحزنى على الحياة أشد والكون أكثر حزناً وظلاماً مما كنت أتصوره.
كنت أتكلم وكأنى أهتف فى صحراء الأفكار .الأرض لم تعد خصبة ..
والشجر أجرد متساقط الأوراق ..عريان مرتعش الأغصان والنفس تكاد من عنفها أن تهرب من الحياة .والروح تكاد من غيظها أن تفر من الجسد.
والعقل يكاد من الإرباك أن يهرب وتموت بداخله الأفكار .
حزين أنا ..لامفر
"حزنة لاتطفئه الخمر ولا المياه
حزنى لاتطرده الصلاة "
بداخلى أشياء تموت
تتهاوى كخيط عنكبوت
لكن الحزن الواقف بالمرصاد يترصد الخطى يتعايش بأعماقى ويقتات من روحى ويغتسل من ينبوع حكمتى وينام فى مهجتى بكل شموخ وكبرياء .
الظلام الظلام ..فقل له يارب أن يفارق الديار .
لأننى أريد أن أعيش فى النهار .
هل يكون هناك خلاص من الحزن بالحب أو الموت؟؟ "
وجهان لعملة واحدة "
هل يستطيع الحب أن يخلصنى من حزنى ،من كآبتى ..من الدمار الذى يسكننى ؟
هل يستطيع الحب أن ينزع من أحشائى طفل الحزن الكامل الخلقة والتكوين ؟؟
هل يستطيع الحب أن يغسل أدران الروح ؟؟
هل يستطيع الحب أن يضىء درب الليل المدلهم ..الشديد العتمة والقتامة ؟؟
هل يستطيع الحب أن يزرع الأمان فى أرض القحط والبوار والخراب؟
هل..؟؟
عبءٌ ثقيلٌ ألقيه على عاتقك ياسيدتى ...وأشعر بأن المسؤولية أكبر مما تتصورين ..أكبر مما تفكرين ..أكبر من كل شىء .
هل تدرين بأننى كلما قلت لنفسى أن الحب خلصنى من حزنى ،أجد حزنى يولد من جديد مكتمل الخلقة والتكوين .
هل تدرين بأننى أحاول أن أعتصر منك لحظات أمان وحنان وأحس الرعشة والرجفة والخوف والرعب فى عينيك ..فتنهار جدران الحب بأعماقى وأظل حريقاً يأتى على الأخضر واليابس وأظل بركاناً تسيل من جوفه النيران.؟؟
هل أنا غير قادر على العطاء والحب والحنان والأمان ؟؟
هل أنا كائن غريب عن هذا الكون ؟؟
تقولين لى وبثقة عمياء "أنك تمتلكين نفسك وتسيطرين عليها "
وأعلم أنك ستنسين ماكتبته الآن ولاتذكرين سوى هذه الكلمة ..وليس هذا هو المقصود وإنما ألقى عليك عبء المسؤولية ..وكما نبهت مراراً وتكراراً وأكدت لست بشراً ولاملاكاً ولاشيطاناً، وإنما كائن غريب عن هذا الكون يتعامل معه وفى النفس حاجات .
كلنا فى الوحل لكن منا من فى الوحل ويتطلع إلى النجوم.
مجهدة أنت !
مجهدة أنت !
مجهدة أنت !
وأنا أشد إجهاداً وتعبا.
وأنا أشد يأساً وحزنا!
وأنا نهر الأحزان المتدفق.
فهل ياترى سنلتقى وكل منا بداخله كل هذه التناقضات؟
ياسيدتى ..أريدك لكى أتخلص من حزنى أو أقلل من ضرباته الفتاكة بداخلى .
ياسيدتى.. أريدك كى تلمس يداك مواطن الألم والحزن والقهر والمرار والضياع.
ياسيدتى ..أنت مجهدة وأنا أشد إجهاداً ،فإذا إلتقينا فلن نأتى إلا بالخراب .
أريدك تطفئين اللظى الحارق بأعماقى وكيانى وروحى .
أريدك نهراً يروى جديب العمر وشظف الأيام المرة المريضة المتهالكة .
أريدك ..أشتهى الذوبان فيك .
لأفر من عسس المدينة .
لأفر من روحى القلقة .كونى معى
كونى معى .
كونى معى .

أنا حزين .
.........................
26/1/1983 م الساعة الثانية عشر إلا ربع ليلاً.



___________________

الرسالة الثانية


فى البدء ..كان الحزن والهم والغم والألم والسخط والرعب والفزع.
فى البدء كان الخوف :خوف الإنسان من المجهول.
فى البدء كان الصراع بين الحديث والعتيق ،بين النور والظلام، بين الدهشة والوقار،بين الحب والكراهية ،بين الإنسان والطبيعة .
فى البدء ..مات الإنسان خوفاً من الموت.
فى البدء ..كان الوهن والدمار والانسحاق والمرار والأسى والعفونة والقرف والغثيان والقيىء واليأس.
فى البدء ..كان السواد والظلام والليل الطويل والفناء الواقف بالمرصاد.
فى البدء كان الوحش الجوانى يفتك بالأعصاب وبالأعضاء والأفئدة .
فى البدء كان السقوط فى بحر القهر والقمعوالطغيان.
فى البدء كان المرار والعدم والعقل المطحون الممزق شلواً شلواً.
فى البدء كان الخوف..وصنع الإنسان إلهاً يحميه من المخاوف والأحزان ويركن إليه فى وقت الشدة والآلام ..يستعطفه ويستهديه فى الفيافى والقفار ويلتمس عونه حين يجن ليل الخناجر والظنون والدماء،ويحدثه حين يفتك صراع الأحداث برأسه.
فى البدء ..صنع الإنسان إلهاً لكن الإله وهو من صنع الإنسان ترك الإنسان يقتات الأحزان ويعب وحيداً كأس الحسرة والدمار ..ثم قالوا له أن هناك إلهاً خلق الإنسان وقلنا عسانا نهدأ وتسكن فى الإنسان ريح الغدر والخوف والدمار .
وانتظر الإنسان ..لكنه إنتظار عقيم
انتظار عقيم
انتظار عقيم
آه ياوحدى
ياعذاباً طالت لياليه .
آه
ياوحدى .
...........
9/2/1983م

________________

الرسالة الثالثة


أعاود الكتابة إليك بعد غياب طالت أيامه ولياليه.
أحاول الكتابة ..فلطالما كان القلم ..أنيسى فى وحدتى ورفيقى فى ترحالى وسميرى فى ليالى الغربة .
أحاول الكتابة بعد مرور أكثر من شهر ..صمت فيها القلم وانغلقت أمامه أبواب الوحى والإلهام .
أكتب إليك لأنك الشط الأمين .
أكتب إليك ولك لأنك القارئ الذى لايمل .
أكتب فيك وأعلم أنك بجوارى تشدين من أزرى وترحمين طول لسانى وعنف كلماتى ومرارة ألفاظى .
أكتب وأعلم أنك تقولين بينك وبين نفسك "لقد أحببت مجنوناً"!
أكتب نبض القلب ورعشة الوجدان وإختلاجة الفؤاد وبريق الأمال .
أكتب إليك ..مادمت لى ..الأمل ..الحب ..الحنان ..الخير ..الجمال.
لقد قرأت رسائلك ..كلمة ..كلمة ..تتغنين بالحب والخير والجمال ،وأنا كل ساعة بحال!!!
تصممين على الحب وأنا أنشد الكمال .
تمسحين على ظهرى وأنا أريد الذوبان.
تكفكفين دمعتى وأنا أعلن العصيان .
تاوين حزنى أيامى وأنا نبع أحزان .
تتلمسين لى الأعذار وأنا إعصار ودمار .
أكتب وأكتب وأكتب كل شىء بداخلى بلارتوش ولاتزويق.
الصدق صديقى وشرعتى .
فكل شىء لا أخفيه عنك حيراً كان أم شراً،
حلواً كان أم مراً.
لأنك الروح
لأنك الحب
لأنك الخير
لأنك الجمال
....
16/3/1983م الساعة الثانية عشر والربع بعد منتصف الليل.



______________________


الرسالة الرابعة


صباح الخير ..وكل خير يأتى فى الصباح ..وكل صباح يطوى فى أحشائه الخير والجمال والحب.
صباح الخير ..يوم أن ترقدين بجوارى .
يوم أن أضمك إلى صدرى .
يوم أن أذوب فيك.
يوم أن أعيش بداخلك طفلاً ممراحاً وشاباً طموحاً وشيخاً عجوزاً.
صباح الخير ..يا أيها الجمال الخالد.
صباح الخير ..بكل مافى من أشواق طاغية ولهفة حارقة وحب صافٍ وعشق متجدد.
صباح الخير ..
يا أيتها العينان الساحرتان !
ياقلباً معطاءاً!
ياروحاً سخية !
صباح الخير والحب والجمال .
...........
16/3/1983م الساعة التاسعة صباحاً



__________________
الرسالة الخامسة



وماذا قدمت أنا؟
لاشىء!!!!!!!!!!
حقيقة ثابتة أبد الدهر ،لايمكن أن أنكرها أو أغض البصر عنها .
أنك تقدمين كل شىء ..
وأنا ما الذى قدمته؟؟
أقولها صراحة ً .
لاشىء
لاشىء
لاشىء
لكن ماذا تأخذين وما الذى أستطيع إعطاءه لك؟
سيدتى ..
حقيقةً لا أملك إلا قلبى ..لم تمسسه بعد أيادى الظلم والطغيان .
لا أملك إلا قلبى الأخضر ..مازال غضاً تورق حواليه الأغصان.
لا أملك إلا حبى وعشقى .
أيتها الروح الخالدة
لا أملك إلا أحاسيس إنسان لم تدنسه أدران هذا الزمن الوغد.
ماذا أقول لك؟
يانبضى
ياعشقى
ياكيانى .
آسف لا أمتلك الكلمات لأعبر عما فى صدرى
فمعذرة ياسيدتى
ياسيدة نساء الكون.
..............
23/3/1983م الساعة الثانية عشر والربع بعد منتصف الليل.

______________________

الرسالة السادسة



فى هذا الهزيع الأخير من الليل ..
أكتب إليك بعضاً من داخلى ...
وأعلم علم اليقين بأنك تفهمين ما أعانيه وأعنيه،فأنت الجزء الذى رأب صدع وجودى وحاول أن يُكمل نقصاً فى كيانى .
أنا وأنت مقبلان على العراك مع الحياة والناس والطموحات والسدود التى تقام فى وجهينا والصعاب التى تهدد أمننا ومشاعرنا والأقا ويل السامة المسمومة القاتلة التى تنفذ عبر الآذان إلى الأعماق.
الحق أقول ..أنك الحصن الذى أتحصن فيه من زوابع القدر ومتاعب الدنيا وعواصف الأيام.
الحق أقول ..بأننى(أنا وأنت) سنواجه تيارات الدمار معاً وسنقف فى وجه البشاعة والوضاعة وغداًسوف ترين ما أعنيه وما أقصده ،فلقد خبرتُ الناس والدنيا وعرفتهم معرفة حقة .
الحق أقول ..أننى لا أريد البعد عنك . أود لو أبقى معك لاتفارقينى .
أود أن أصحو فأجدك بجوارى .. بين أحضانى .
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه لقد شُغلت بك عن الدنيا بأسرها وكأنك أنت دنياى وحياتى ،أمسى وغدى ،بدايتى ونهايتى .
هناك أشياءٌفى الأعماق مستورة تود الخروج إلى النور لكنى أقتلها وأفنيها ..وغداً تُبلى السرائر.
أعطيك كل شىء .
أهبك كل شىء .
أمنحك كل شى.
لأنك تعطين وتمنحين وتهبين دون حساب الربح والخسارة .ولأننى (أنت وأنا) نعيش فى زمن داعر ،زمن الحق المقتول ،الخاسر فيه من يصبح إنساناً.
نحلم باليوم الأخضر وتبدين سعيدة ..ملاكاً فى ثياب العرس.
الدنيا لاتكفينا ،لاتملأ أعيننا ..لاتساوى ذرة من أمانينا.
لكن ..
هل يتركنا الآخرون؟؟؟!!
30/3/1983م
الساعة الحادية عشر ليلاً

_________________
الرسالة السابعة


سيدتى
أكتب عنك أغاريد العشق والغرام.
وأكتب فيك قصائد الخير والجمال .
وأكتب لك ياقطعة من كيانى المعذب المدمر القلق.
حبيبتى ..كيانى ...أود أن أعيش معك ليال طويلات بل دهور .
أكتب وأنا أستشعر روحك القوية فى الخلايا وقبلاتك وهمساتك وصوتك الحنون وعينيك الساحرتين وشفتيك السخيتين وروحك التى تملأ الكون بهجةً وجمالاً.
أكتب إليك
ياحبى ..ياعشقى
أكتب وأود أن نكون معاً .
لكن اللعنة على المسافات..
اللعنة على .....
اللعنة لأنك ...ولاأشبع منك!!
اللعنة لأننى المسافر الرحال لاأستقر فى بلد أو مكان.
فكيف تشبعين منى؟!!
اللعنة ..لأن التمرد شريعتى ومنهجى لكننى أخضع للقيود .
اللعنة ..............
سوف يصبح السادس من إبريل عيداً لكلينا.
لن أنساه
لن أنساه
لأننى أريدك وأنت بعيدة عنى
المسافات تتسع ..وتتسع
أحبك
أشتهيك
أذوب فيك
لأفر من نفسى القلقة
لأفر من مدن سقيمة
ونفوس مريضة
أحبك
أشتهيك.
...............
الساعة الواحدة بعد منتصف الليل 8/4/1983م


_________________
الرسالة الثامنة


حُبى



حقيقة أقولها لك بدون خجل ..أننى أحبك حباً ملك علىّ حياتى .
كيف صبرت كل هذه الأعوام الماضية بمنأى عنك؟
كيف طال انتظارى كل هذى السنوات حتى عثرتُ عليك فى خبايا أو حنايا هذا الزمن الجريح؟؟
كيف؟؟
ولماذا؟؟؟
كل أدوات الاستفهام لايمكنها أن تستخرج كل مايدور بداخلى.
الساعة.. أقرأ فى كتاب "فن الهوى "لأوفيد ترجمة الدكتور ثروت عكاشة .
ممتعٌ جداً هذا الكتاب ومتألق.
لقد حدثتك عنه وملحمته الخالدة "مسخ الكائنات " هذه الملحمة الضخمة ترجمها أيضاً ثروت عكاشة .
أرانى أضحك ويعلو صوتى إذ تذكرت له ترجمته وهو "ضابط جيش "لرواية ساخرة جداً جداً "سروال القس" للكاتب الأمريكى ثورن سميث .
وهى من أجمل وأحسن ماقرأت فى خلال هذا الشهر ..عثرت عليها على سور الأزبكية بالقاهرة .
قرأتها عشرات المرات ، صعبٌ جداً تلخيصها ..
سآتى بها ستسعدين بهذه الرواية المرحة، كما يقول عنها ثروت محمود وهو ثروت عكاشة .
ما حال القراءة معك هذه الأيام ؟؟
أظن أن نزار قبانى لايترك لك فرصة لقراءة آخرين !!!
عموماً لقد بدأت فى قراءة هديتك الثمينة للرجيم أوسكار وايلد ..
هذا الصاروخ المدمر الذى حطم وقار المجتمع الإنجليزى وأطاح بصوابهم وكشف عواراتهم.
إنه أبو نواس الإنجليزى ،من وجهة نظرى .
سيدتى الجميلة
أستأذن فى الانصراف ..الفجر موشك ونفسى فى سويعات أنام فيها .
أحبك .
.......................
الساعة الثانية وخمسون دقيقة من صباح 15/4/1983م


___________

الرسالة التاسعة


أراك أمامى وبين أحضانى ..
أضمك بصدرى وأروى غُلة الظمأ التى تملأ كل شىء فى حياتى .
أضمك لصدرى فأشعر بأن الحياة بين يدى .
لا أنسى أنك نور القلب وواحة الأمن والأمان فى صحراء حياتى.
لقد مرت أيام القحط والجفاف والظمأ
معك ..أنسى الدنيا ..أنسى النسيان.
هل استمعتِ إلى صوتى وهو يتلو عليك قصائد صلاح عبدالصبور ؟؟
لقد أنشدت لك بعضاً من دواوينه وسجلت، فى هذا الشريط ، قصيدته العملاقة أحلام الفارس القديم ..لكننى معك أنتِ أقول:
أحلام الفارس الجديد.
أشعر أن عبدالصبور يكتب من مهجتى ..
رائع هذا الشاعر العبقرى ..رحمه الله.
كان الدكتور النويهى يشيد به وبأشعاره فى كتابه" قضية الشعر الجديد"
يارب يكون صوتى أعجبك !!
ياريت تستمعين باهتمام(بعد إذنك) نهاية القصيدة
"صافية أراك ياحبيبتى كأنما كبرت خارج الزمن
وحينما إلتقينا ياحبيبتى أيقنت أننا مفترقان
وأننى أظل واقفاً بلا مكان
لو لم يعدنى حبك الرقيق للطهارة
فنعرف الحب كغصنى شجرة
كنجمتين جارتين
كموجتين توأمين
مثل جناحى نورس رقيق
عندئذ لانفترق
يضمنا معاً طريق
يضمنا معاً طريق.
............
الساعة الحادية عشر مساء 23/4/1983م

_____________________
الرسالة العاشرة


لن أقول كلمة عتاب ..
فأنت الوحيدة التى لايمكن أن أعتب عليها ..
وإنما أقولها كلمة واضحة وضوح الشمس فى كبد السماء .
أريد منك شيئاً واحداً وحيداً ألا وهو أن تحاولى أن تفهمينى .
هذا مطلب وحيد لاأبتغى غيره .
حاولى أن تفهمى ويوم أن تصلين لأعماقى وتلمسين داخلى سوف تستريحين .
أقول ..حاولى أن تفهمينى .
سأعطيك ِ كل شىء
كل شىء
كل شىء
كل شىء
.....
صباح السبت 28/4/1983م


_________

الرسالة الحادية عشر



الجروح فى القلبين غائرة
والأحزان تزداد وتتكاثر
والهموم تلال وأكوام ..
والظلام والليالى السوداء وجيوش الدمار تربض أمامنا وتفتك بالأحلام الخضراء.
ولكن هل نستسلم للواقع والظروف المعاندة؟
لا وألف لا إن اليوم الذى أشرق فيه شمس وجودك،يوم لن أنساه.
لأنه من أيامى المعدودة ولحظات من عمرى المسحوق بين براثن الشرور والآلام.
إن مانرتجيه من هذا الزمان وهذا الواقع المرير يفوق توقعات الغير .
وإذا كان مانحياه ،الآن،يسحقنا ويدمر فينا السعادة المرجوة ويمضغ بين فكيه البسمات والضحكات ...والمسرة ..لكن يحذونا الأمل فى غد أفضل تتاح لنا الفرصة لنصنع حياتنا بأيدينا وعقولنا وقلوبنا ونحقق البهجة والطموح والأحلام .
قد أكون كمن سرقه السكين ..ومع ذلك أبوح بما بداخلى ،لأننى لا أخفى عنك شيئاً.
بالأمس كنا نقص ونتحاكى عن المعاناة والمرارة والعقول المفقودة من الرؤوس.
واليوم نتساقى كأس الهموم .
ونرى أن الحال لاجديد فيه،ونتأكد ونؤكد لأنفسنا بأننا على الحق وبالحق وللحق سوف نظل معاً.وسوف يضمنا طريق.
الحبيبة والصديقة والطموح والأحلام ...
سوف نتصادم مع واقع مرير مرير وكما تقولين" ليس جديداً مانحن فيه"فشجرة المشاكل تورق دائماً وأوراقها لاتظل مرتبطة بأغصأنها ..فالتجديد سنة الحياة.
لابد أن يكون القادم أجمل مما نراه ..وإذا ضاع كل شىء يبدأ الأمل من جديد.
ويخطر ببالى اللحظة مثل يقول "رضينا بالغُلب والغُلب مش راضى بينا"
طيب ..وإيه الحل؟ الأمل !!
وهل نعيش من أجل مالايجىء؟
وهل نحيا على أمل قد يولد ميتاً؟
وهل نحلم بيوم فى بطن الغيب جنيناً لم يتكوّن؟
وهل...وهل ؟
يصمت العقل لأنه مشتت غير قادر على إيجاد الحلول والرد على التساؤلات.
أضحك وأتظاهر بالفرح والبهجة
والصبر مش صابر والمُر فى المهجة
بيرم التونسى يعانق القلوب والأرواح ويضع يده على أحزاننا آلامنا شجننا ..
وماذا أخذ من دنياه ؟ لاشىء لاشىء.
كتبت لك بيتاً لحكيم المعرة ..الشاعر الإنسانى العظيم ..صديق عقلى وروحى "أبو العلاء المعرى " هذا الخالد أبد الدهر
كلٌ من فى الدنيا يشكو همه***ليت شعرى هذه الدنيا لمن ؟
وكان تعليقك" ليست لأحد"
أى أننا نصارع الأوهام ونقاتل الأشباح من أجل اللاشىء .
عبثٌ كلها الحياة ..إيه ياحكيم المعرة !!!
لاتحزنى ولاتيأسى ..الأمل باقٍ مابقيت الحياة
وأذكر صديق طفولتى وشبابى البكر" ألبير كامى "الفرنسى الرائع وقولته "هكذا كتب علينا أن نكون أكبر من حقيقتنا"
أأكتبها بالفرنسية لأنى لا أُتقن الإنجليزية ..ما رأيك؟؟
على فكرة كنت أقرأ اللحظة ديوان "أزهار الشر "لبودلير ..فى طبعته الفرنسية الأنيقة .
أحبك .
10/5/1983م


________________________________

الرسالة الثانية عشر



سأبتعد اليوم عن الحديث عن أنفسنا وأتحدث عن "الأدب الروائى"
وظنى أنك ستحاولين قراءة ماكتبته ..سأبتعد عن الخوض فيما كان وفيما سيكون .
قرأت منذ يومين للمرة الثالثة رواية اللجنة للعبقرى صنع الله إبراهيم ..طبعة مطبوعات القاهرة الطبعة الثانية .ربيع 1982م ..
هذا المعذب بحقيقة الإنسان ،الباحث عن العدل والحرية والجمال .
وسبق أن قرأتُ له منذ سنوات روايته تلك الرائحة ثم رواية الفارقة نجمة أغسطس ،هذه الرواية الضخمة طبعة دارالثقافة الجديدة الطبعة الثانية أكتوبر 1976م أشتريتها آنذاك ب70قرشاً ثروة طائلة فى حينها .


سأكتب لك ماكتبته :

"رواية معاصرة كتبها أحد الذين إكتووا بنار هذا العصر وشربوا علقمه كؤوساً دهاقاً.
رواية تنضح بالمرارة والعذاب والاحباط والسقوط .
البطل ضائع بين مايحدث لنا وبين مايجب أن يحدث،حائر بين ماهو كائن ومايجب أن يكون.
البطل يسير نحو نهايته المأساوية بنفس الخطوات التى كان يسير بها نحو اللجنة الموقرة!!!
بطل ترجيدى يصرعه العصر الذى يحيا فيه لأنه يحاول أن يعرف،يحاول أن يفهم ،يحاول أن يرى الحق.
أين نحن وإلى أين نسير؟
يحاول أن يبنى مجتمعاً جديداً لكنه يصطدم بالواقع المر والإفرازات للمجتمع المتعفن من استغلال ونهب ...وإلى أبسط مايخالف مبادئ العدل والحق.
الدكتور ...شخصية أخطبوطية مازالت تقبض على زمام الأمور داخل مصرنا الحبيبة.
اللجنة ..زبانية السلطة ..زبانية البرجوازية المتسلطة على رقابنا.
البطل ضائع ..ضائع ..ضائع.
إن إنساناً يُنتهك بمثل هذه ىالبساطة لدليل على عبثية الحياة التى نحيا فيها ،فلابد من رد الاعتبار إلى الكيان الإنسانى ..فليكن القتل هو الوسيلة لاستعادة هذه الانسانية المحطمة ..لكن المؤلف من خلال التطور الدرامى للرواية ومن خلال ستة فصول يشرح ويسهب ويحلل، لكن فى النهاية ،البطل يتحلل سيأكل نفسه لأنه كالنار تريد التهطير ،تريد محو الشرور فلن تجد سوى نفسها فى النهاية .
قرار اللجنة ..أقصى عقوبة أن تأكل نفسك.
الدمار لكل شىء.
جيل السبعينيات المتعب المرهق ..وعى على هزيمة فادحة ،سلبت منه الروح والعقل والكرامة ثم حرب أكتوبر وثغرة الدفرسوار التى عكرت بهجتنا ، وأخيراً إتفاقية السلام بيننا وبين العدو الصهيونى التى أعادت سيناء منقوصة الكرامة ..وسبق أن تحدثت معك عن قوات حفظ السلام التى تجوب سيناء ليل نهار ، يوم كنت ضابط إحتياط فى سانت كاترين.
فى الصفحات الأخيرة من الفصل السادس يكتب صنع الله على لسان بطله وهو راكب أتوبيس ،أطلق عليه الشعب الكادح اسم "كارتر "، مصنوعاً فى أمريكا والمعلق على جنبيها العلامة المثبتة وتمثل علم أمريكا يعلو يدين متصافحتين ..تعبيراً عن الصداقة .
:مضيت أنقل البصر بين الوجوه الشاحبة المنهكة ...ثم يستطرد صنع الله وتوفغت عيناى عند راكبتين متجاورتين تسربلتا –بغية الانسحاب التام عن عالمنا التعس – بثياب فضفاضة داكنة اللونغطت جسديهما من الرأس إلى القدم ،فيما عدا ثقبين فى موضع العينين ،فبدتا أقرب إلى بومتين أو إثنتين من الكائنات الفضائية المرعبة .
قدرت أنهم جميعاً مستذلون مهانون يتمتعون بقدرة فائقة على التحمل .................
......................كنت أقف إلى جوار سيدة ممتلئة فى أواسط العمر ،أوشك أن يلتصق بها من الخلف عملاق فى قميص مفتوح أرسل بصره عبر النافذة متظاهراً بالشرود .."
لا أطيل عليك ...فالمقالة طويلة ..وأخشى إرهاقك وأنت لم تقرائى الرواية بعد.
سأحاول فى لقائنا القادم ،قريباً ،أن آتى بها وأيضاً المقالة كاملة ..ويكون لك الرأى فيما كتبته ، وسأرسلها إلى جريدة الأهالى ،فربما يكون لها الحظ فى النشر أو تبقى إلى الأبد من كتاباتى مرفوضة النشر .
الفجر موشك على الطلوع ..
أتركك بخير ياااااااااااااااااحبى الرائع .
20/5/1983 الساعة الثالثة والنصف

____________________________
الرسالة الثالثة عشر



أولاً: أعتذر عن عدم تمكنى فى الميعاد وآسف جداً جداً جداً ،فوالدى كان محجوزاً بالمستشفى بقسم القلب والأوعية الدموية .
ثانيا: بخصوص موضوع دراساتى العليا ..تقابلت مع الدكتور فتحى سرور وبالمصادفة رأيت الدكتور نعمان جمعة فسلمت عليه بحرارة ..وتكلمت معه بعض الوقت ،هذا الرجل أعتز به وبأستاذيته.. ولا أنسى فضله علىّ ،فهو من الذين وقفوا بجانبى أيام أحداث يناير 1977م ،
كنت ضايع ضايع .
ثالثاً : هل إستمعتى إلى شريط "ليلى والمجنون "لبعض حواريته الطويلة التى كتبها صلاح عبدالصبور ..لقد سجلتها بصوتى ..حتى أكون معك دائماً.
رابعاً: بدأت فى قراءة أعمال جبران ترجمة د.ثروت عكاشة ..بصراحة هديتك الثمينة أخذتنى بعيداً عن دراساتى والمحاكم والقضايا .
عموماً ..عاجز عن الشكر وقبلاتى الحارة لن تتوقف رغم مابيننا من مسافات .
والله ياحبى أنا سعيد بحبك جداً جداً ومشتاق مشتاق لصوتك أسمعه بيبدد جوايا الأحزان .
لن أطوّل عليك وقريباً سنلتقى بالأحضان .
27/5/1983م الساعة الثالثة ظهراً

____________________________



الرسالة الرابعة عشر



حبى الكبير
قبلاتى وأشواقى وحشااااااااااااااااااااااااااااااااااانى موت
ذهبت إلى مكتبك الساعة الواحدة ظهراً ولم أجدك وقابلنى الأستاذ .....ورحب بى ترحيباً عظيماً.
تركت له ظرف مغلق يحتوى على رواية "أحزان مدينة " لمحمود دياب ومقالة من خمس صفحات عن هذه الرواية .
يارب تعجبك الرواية وشوية الخرابيش إللى ماليين خمس صفحات ،لو عجبتك الرواية وكلامى عنها ممكن نفكر ننشرها أو نحفظها مع الكتابات الأخرى !!!
30/5/1983م
____________________________________
الصفحة الأولى



"يارب ..ثبت ورقتنا على شجرتنا وإحنا لسه صغار"

بهذا الإفتتاح الأخضر ..استهل أديبنا الموهوب محمود دياب روايته "أحزان مدينة " العنوان الرئيسى ثم هناك عنوان فرعى "طفل فى الحى العربى"
طفل له ذاكرة حديدية من خلالها يرصد لنا تاريخاً وعمراً وأحزاناً للعمر كله تتجسد فى معاناة يائسة ميؤس من إصلاحها وعلاجها.
مجتمع غريب فى بلد أشد غرابة فى عالم يزداد غرابةً وشذوذاً.
..............
الزمان: الربع الثانى من القرن العشرين "الحرب العالمية الأولى والثانية "مجتمع مابين الحربين.
المكان : الإسماعيلية .
الأشخاص: البطل هو الحدث الذى يتجدد بمضى الزمن وتطور التاريخ.
مجتمع برجوازى متوسط والأزمة على أشدها ..الإتصال بالعالم الخارجى شبه معدوم ..لاجديد يطرق حياتهم .
_____________________


الصفحة الثانية

مجتمع الرجال ..يمثلون الطبقة الشرقية العميقة بكل طيبتها وسذاجتها وجهلها وسطحيتها.
مجتمع النساء ..شرقيات قحاح لاهم لهن سوى الطعام والأحاديث المملة ..تافهات .
مجتمع الأطفال ..الجيل المتطلع إلى غد مشرق ومستقبل أفضل .
الراوى ...طفل يمثل الخروج من براثن الطفولة إلى عالم الواقع والمحسوسات والحياة بكل غلظتها.
المجتمع يسير السير الممل ..لاجديد يطرق الأبواب.
بحرٌ آسن من البشر شبه الأحياء.
بسيمة ..العروس الطفلة التى سجنت بين أربعة جدران والتى تطفح أنوثةً وتوقداً وحياةً ورغبةً
العريس ..رجل بل نصف رجل بل معدوم الرجولة .
الأهل ..متفرجون لمأساة مرة مريرة لاعمل لهم سوى الحديث والزيارة .
بسيمة.. الأمل الأخضر الذى يُقتل فى عز الضهر ..تموت من جراء التهاون والصمت المطبق والسلبية .
بسيمة ..المضروب حولها الحصار من مجتمع إنعزالى لاهم له سوى الخرافات التى تملأ رأسه وتشبع وجدانه.
__________________________________________________


الصفحة الثالثة
الطفل ..سابق لأيامه وعصره ..واعٍ..مدرك لأحداث الحياة ،يحاول إيجاد العلاقات والحلول لما يحدث أمامه ..يصطدم بالواقع الأليم والأشد ألماً والأعظم حزناًوالأكثر إهتزازاً.
إنه تعيس لأنه يريد أن يعرف ..يريد أن يجد نفسه ..ودائماً المعرفة تزيد الإنسان إدراكاً وتعاسةً.
إنه خرج من طور الطفولة بكل مباهجه وأفراحه وسروره إلى حياة الغش والخداع والنفاق والأيام المخمورة والمغموسة بقحط السنين وجفافها والساعات المريرة التى تمر على عقله فتلهبه وتزيده مراراةً وإحباطاً.
كم كان سعيداً وقتما يتحدث مع بسيمة البكر العذراء الزوجة مع وقف التنفيذ!!!!!!!.
كان يتحدث ليعرف مايدور داخل هذا العالم المغلق..واتضح له أنه كان يتحدث مع طيف جميل حالم ..سرعان ما فست عليه الوقائع فنضت عنه أثواب الكرامة المزيفة والكبرياء المزعوم المفتعل .
تهذى بسيمة :
لاتتركونى ..فأنا وحيدة وتعيسة ولكنى مازلت صغيرة لم أتزوج بعد، فحبيبى لم يزل طفلاً..سأتزوج حبيبى عندما يكبر ويصبح رجلاً ..لاتتركونى"

__________________________________________________



الصفحة الرابعة


إنه الأمل الأخضر_ رغم المأساة – يدب فى صدر بسيمة .
إنه الغد المشرق –رغم إحباطات الواقع المرير.
إنه الفجر الآتى يزيل من أمامه الظلام الكثيف الكسيح.
"هبط المساء على شارعنا حزيناً كئيباً مشحوناً بالشك والتساؤلات والسخط الذى لايعرف موضوعاً ..الرؤوس مطرقة فى البيوت السبعة ،الكارثة أقسى من أن تناقش .
الأسئلة صعبة من أن تلفظ..والولد الآثم مطرق على مكتبه يجفف دموعه فلاتجف ويرتجف ويتمنى لو يحكى لأنه كل شىء"
هذا هو الطفل الآثم لأنه عرف وآثم لأنه لايستطيع أن يقول مايعرفه ..ف
الإثم =المعرفة .
ويدرك الطفل "أن صغار الأطفال لايعترفون بالمآسى ،فالأحزان ليست من شأنهم.أما الطفل وأصدقاؤه ..كريمة ..حامد ..................................................................يود لو يقول لهم صادقاً:
"اسمعوا يا أولاد إن شارعنا غارق فى العيب حتى قمة مئذنته"
هكذا كان رأى الطفل الواعى المدرك والناظر لكل شىء والمتأمل والمكتشف ...
إن لسانه ثقيل وصدره بمايحتويه أثقل من أن يصرخ بهذه الحقيقة المؤلمة الأليمة .
_______________________________



الصفحة الخامسة


الحقيقة التى تحيل الحلم الجميل إلى واقع متعفن مقرف والصراخ الذى ينهش العقل ويفنيه.
" وبين دقيقة وأخرى سيأتى كل الأصدقاء ..سيعلنون عن بداية الأجازة بصخب هائل ..سيبحثون عن أبعد الأمور حماقةً فيرتكبونها وهم يضحكون ولكنى لا أجد فى نفسى ميلاً لأن أشاركهم وأود لو أُترك للصمت ساعةً بل يوماً كاملاًحتى أتخلص من هذا الضجيج الذى يجتاح كيانى وأعود إلى هدوئى القديم...أبوسعى حقاً ..أن أعود إلى هدوئى القديم !!!!!!!"
ورغم المأساة التى يمر بها ،فالأطفال يرددون النشيد الأخضر الآتى فى بداية الرواية الرائعة الكاشفة عن الأخطاء والعفن المتراكم داخل حياتنا ومجتمعنا وشارعنا ،فالأطفال تردد وهم يدورون حول الشجرة المستحية، يدقون على الصفائح القديمة وأصواتهم النحيلة الخضراء تقول :
"يارب ثبت ورقتنا على شجرتنا وإحنا لسه صغار
يارب قو بذرتنا فى جنتنا واجعلنا رجال
"
ونحن نردد معهم هذا الرجاء ،
هذا الأمل المأمول ،
هذا الابتهال الضارع ..كى نصبح رجالاً لنحتمل ونتحمل ونصنع غداً افضل .

______________________________







الرسالة الخامسة عشر



سيدتى الجميلة ..جداً

خطابك الأخير ..نكأ فى روحى جروحاً نازفة .
ماهذاالكلام الغريب عنى ؟؟
تقولين بأن أحلامك صارت سراباًوأوهاماً .كل شىء تحطم بيدى ...كل شىء أنا الذى أدمره وأنتِ التى تتحملين .
الحق أقول ..
إذا كنت أناالدمار وأنا الذى أدمر كل شىء وأنا الذى يشعل النار فى كل شىء
وإذا كنت أنا الذى يريد الابتعاد عنك .
وإذا كنت أنا الذى يقابل حبك وهواك لى بالثورة والدمار .
وإذاكنت أنا الذى أضعك فى مهب الريح فى حياة عاصفة ومطاردات أمنية وخوف من غد يحمل المخاطر والاعتقالات والتضييق علىّ وزجى بالسجون.
فها ياترى ..هذا صحيح؟؟
تعالى ..ياسيدتى ..نبدأ الحكاية من أولها من الألف إلى الياء:
إذا كانت كرامتك فوق كل شىء ،فلن أقف فى طريقك أبداً أبداً ..
فالشىء الوحيد الذى أعيش من أجله الحرية والحب ولن أقف فى طريقك مهما كلفنى هذا الأمر .
أنا أحمل فى روحى سعياً حثيثاً للحرية والحب وأنا بدونهما لا أساوى خردلة .
أنا أقف من الظلم الذى يشيع فى حياتنا موقفاً لن يهدأ ولن يلين طول حياتى .
السياسة تجرى فى دمى ومعارضتى الشديدة لما يدور حولنا لن يتوقف.
كفانى ماعشته والظلم والخراب ماثل أمامى مهما ذهبت من بلد لبلد أو مدينة لمدينة .
بلدنا تنتحر وتموت ببطء ولامن يسمع ولامن يرى .
أنا سأعتقل قريباً -كما تقولين- ..فليكن ذلك!! فأهلى جميعاً يرفضون ما أنا فيه ووالدى يدعو الله ليل نهار أن يهدينى !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
شىء غريب جداً ..فهل ماركس ولينين وأنجلز من الأنجاس ؟؟؟

ياسيدتى ...يوم جلست معك وطلبت منك أن تشاركينى حياتى ..قلت لك أريد أماً وأختاً وزوجة وصديقة وزميلة ورفيقة حياة وشريكة عقل وفكر ومصير وأحلام .
قلت لك عن حياتى منذ وعيت الحياة وأنا رافض لمايجرى فى حياتنا وأحلم بيوتوبيا توماس مور أو مدينة الشمس ،أحلم بالعدل والحرية والحب.
وأقسم لكِ أننى ماسعيت يوماً للدمار بل العمار .
وأقسم لكِ أننى أؤمن إيماًناً صادقاً أن الدين الإسلامى صرحٌ سامقٌ.
وأقسم بأننى لم أقف من هذا الدين القويم موقف العداء ولم يدر بذهنى هذا أبداً ..لكنهم الطغمة الفاسدة التى تُشيد ،على مبادئه الثورية ، الانهزامية والسلبية والإتكالية والرضاء بالمقسوم والمكتوب على الجبين لازم تشوفه العين .. ...!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

ياسيدتى ..قلت لك يوماً "ياسيدتى ..ياسيدة نساء الكون" ولكن ما قرأته وماسمعته منك فى لقاءات سابقة يقول لى:
أن العالم الجميل والحلم الأخضر الذين كنت أجرى وراءهما ، بدأ يتصدعان وتكثران فيه الشروخ وتتشق جدرانه وتنهار أسقفه وأسسه التى أرتكن عليها .
وأخيراً ..أقول لكِ ..تصبحين على خير
1/6/1983

______________________________

الرسالة السادسة عشر 




ذات صباح رمادى ..خرج من الظلمات إلى النور حاملاً معه أحزان الدهور وآلام البشرية ودموع البائسين وصراخ اليتامى وعويل المظلومين.
صرخ صرخته الأولى ..معلناً للدنيا التحدى والتمرد .
كان صغيراً لم يزل قطعة من اللحم الأحمر لم تحدد ملامحه، وقتئذ ،ولكنه أعلنها صرخة مدوية تهز أعطاف الدنيا وتزلزل أركان الوجود.
كان صغيراً لم يع من دنياه ثمة وعى ، لكنه إستهل بدايته بالتمرد والتحدى .
...............
ذات صباح ملبد بالغيوم سماؤه حبلى با لأحزان والأمطار وأرضه موحلة بالقاذورات ودوربه معتمة قاتمة مفعمة بالقبح .
كان صغيرنا قد صار كبيراً هرمًا شرب من بحر الأفكار وأكل من حصاد الأيام المر ونام فوق جمر الوحشة والغربة والترحال .
كان كبيرًا ..حاول أن يعرف كل شىء يسابق عمره ويتحدى الواقع والزمان .
لكن هل ياترى تمنحه الدنيا والواقع الفرصة ؟
..................
رآها حاول أن يسبر أغوار الدنيا من خلالها ويطهر أدناس الروح بملمس راحتيها ويغسل أعكار القلب ومراراته . 
رأها وتمنى فى لحظة أن تصبح له خالصة من أوشاب العصر الوثنى عصر البلادة والملل عصر الجراح والعذابات .
رآها ورقص القلب فرحاً وهللت الأعضاء طرباً وبنى قصور العشق والوله والوجد والغرام .
رآها وطال إنتظاره إلى لقياها وتحقق اللقاء وصارت قطعة منه .

.............................

أريدك ...دون أن أعرف أى شىء عنك 
أريدك كى نتحدى العالم .
أريدك كى ندمر هذا الواقع المأفون ونبنيه من جديد
أريدك كى نصبح واحداً أحداً.
أريدك وأهبك كل ما أملك دون حساب الربح والخسارة.
أهبك روحى ونفسى وجسدة وعقلى .
أريدك كى نصنع يوماً جديداً ونحقق فردوساً طال الشوق إليه.
أريدك نتحدى الكون والناس والأشياء.
أريدك كى نمضى معاً فى طريق.
أريدك كى نقهر معا تقاليد الواقع السخيفة والبالية .
أريدك كى تصبحى حباً هادئاً وعشقاً يملأ الفؤاد وروحاً ترفرف حول الهامات .
أريدك كى نضع يدا فى يد ٍونصنع دنيانا بالعرق بالدموع بالحزن بالفرح بالأم دون معونة من أحد.
أريدك وسأعطيك كل شىء ..لكن افهمينى .فلست ككل البشر ولست كأى إنسان ،
فأنا حامل الأحزان من دهر إلى دهر .
وأنا متمرد على عصرى .
وأنا ناقم أود تطهير العالم من الشر .
وأنا ساخط أريد الحب والخير والعشق
افهمينى فأنا بسيط كل البساطة مرير كل المرارة 
"أدفع رأسى ثمناً لكلمة أقولها أو ضحكة أطلقها إو إبتسامة 
أسافر الليلة فجأة ولا أرجو السلامة ".

..............................
هل تدرين الساعة مابداخلى ؟؟
هل تدرين ما تود النفس أن تفعله؟
هل تدرين مايدور برأسى؟؟
هل بقدرتك وفطنتك وذكائك أن تخترقين حصونى الشماء وتلمسين مابداخلى؟
أقولها بصراحة صريحة ..سوف تقولين أعلم ولكن ماباليد حيلة !!!!
إنها وكما قال هاملت ..كلمات ..كلمات.
لكن ياسيدتنى الفاضلة ...لست سهلاً ولابسيطاً لكننى والدمار صديقان متلازمان لايبرح أحدنا الآخر ..
دائماً أقول لك إفهمينى إفهمينى ...لقد قلت وشرحت وكتبت وطال شرحى وحديثى .
وصرت أمل من كل شىء.
وصرت أقرف من كل شىء ووجدت العالم من حولى مملؤاً بالقبح والضحالة والتفاهة والفساد .
ووجدت الناس هم الناس ،لاعقل ولامنطق ولاتدبر .
كنت أرغب وبشدة أن أرى فيك ما أبتغيه ما أهفو إليه .
كنت أهيم بك نبراساً يبدد الظلمات ويأتى بالفجر من عمق الليل المدلهم .
لكن واحسرتاه لم تزد دنياى ولم أبرح كونى الممزق الأوصال والمذبوح الرغبات والمضرج بالدماء.
...........................
بدايات الزمن الأغبر وسواد النفس تزداد قتامة وعتامة.
......................
كلماتى إليك أخطها لا أعلم هل سنواصل معاً الطريق أم نتعثر وتتوقف مسيرتنا معاً.
كلماتى حادة ومدببة تجرح القلب وتدمى الحشايا وتحرق الأوصال .
أنت أسيرة العادات والتقاليد وسجينة الحيطان والأبواب.
لما رأيتك قلت هاهى الحياة تأتيك بأفضل من فيها .
هاهى الحياة تأتى إليك وتحقق لك ما تشتهى.. إمرأة من نار ونور .
هاهى الحياة تهبك العقل والمنطق والثقافة والروح والقلب والعدل .
هاهى هى الحياة تهبك الكمال الإنسانى فى أسمى تجلياته .
ورأيتك وعرفتك وشغفت بك شغفاً ملك حياتى .
....................
قلت لك ذات لقاء هناك بداخلى شعلة يمكن فى أى لحظة أن تنطفئ .. لكن أنت شعلة سرمدية تهب الدفء والأمن والنور والنار ،وهناك بداخلك أشياء أود ألا تنطفئ لأنها لو إنطفأت إنطفأ كل شىء حولى ولتحمطت وصرت أشلاءًا .
....................
يبدو أن أحداً منا إقترف جريمة ،ولابد أن يكون هناك العقاب .

5/7/1983

الأربعاء، 4 مارس 2015

فى صحبة جلجاميش وإنكيدو


(1)

ملحمة جلجاميش من الملاحم التى سعيت سعياً حثيثاً ،أن أقرأها ،وفى سنوات التكوين والسن الأخضر والعقل نهمٌ للعلم والمعرفة .
كنت أسأل عنها فى المكتبات وشاء الله لى أن أجدها بمكتبة دار المعارف بطنطا نسخة يتيمة محشورة بين صفوف الكتب ،وكأنى عثرتُ على جوهرة ثمينة أمسكتها فى يدى وفتحت صفحاتها وسرحت مع جلجاميش ،ملكاًعلى أوروك" .
كنت فى السنة الأولى بالمرحلة الثانوية سنة 1970م وقدقرأتُ سطوراً عنها ،فأشتريتها بثلاثين قرشاً وهذا المبلغ يُعد ثروة، آنذاك.
وهذه الملحمة حققها ونقلها إلى الإنجليزية (n.k.sandars) ) ن.ك.ساندرز وترجمها إلى العربية محمد نبيل نوفل ،فاروق حافظ القاضى .
طبعتها دار المعارف بمصر سنة 1970م من القطع الكبير [24سم ×17سم] بعدد 108صفحة وتشمل المقدمة 40صفحة والملحمة 45صفحة ثم معجم الأسماء12صفحة ومن الصدف الجميلة أن الصفحة السابعة تحتوى على خريطة للمواقع التى دارت فيها الملحمة .
سأحاول الحديث عن هذه الترجمة مستقبلاً ،وأيضاً عن الترجمة التى قام عليها الدكتور عبدالغفار مكاوى وعن علاقتى الحميمة مع الملاحم العالمية التى شكلت وجدانى وأمتعتنى فى سنوات التكوين وفى بداية العقد السابع من عمرى .

(2)
يقول محقق الملحمة ومترجمها إلى الإنجليزية "تستحق هذه الملحمة أن تتبوأ مكانها فى الأدب العالمى ،لا لإنها سبقت الملحمة الهوميرية بألف وخمسمائة عام على الأقل فحسب،بل من أجل نوع القصة التى ترويها وطبيعتها ،فهى مزاج من المغامرة الخالصة والأخلاقيات والمأساة .
ونحن من خلال الحدث نشهد اهتماماً بشرياً غاية فى البشرية بالفناء وبالبحث عن المعرفة وعن مهرب من القدر المشترك للإنسان.
وليس من الممكن أن تكون الآلهة مأساوية طالما أن الآلهة لاتموت. ولئن لم يكن جلجاميش هو أول بطل من البشر ،فإنه أول بطل مأساوى نغلم عنه شيئاً،وهو على الفور أقرب الأبطال إلى نفوسنا. كما أنه النموذج الأكثر تمثيلاًللإنسان الفرد فى سعيه للحياة والفهم ،وهو سعى من شأن خاتمته أن تكون مأساة .
ولربما كان من المدهش أن شيئاً ما قديماً كقدم قصة ترجع إلى الألف الثالثة قبل الميلاد،تبقى له القدرة على أن يتحرك ويظل يجتذب القراء فى القرن العشرين بعد الميلاد ،لكنه هكذا كان شأنه.
وبالرغم من أن السرد ناقص وأن من الممكن أن يظل السرد على نقصه ،فإن ملحمة جلجاميش اليوم من أجمل الشعر الملحمى الذى تبقى من أى فترة حتى ظهور إلياذة هوميروس ،وإنها لأقدم من هذه بزمان"
ص 9

أعنيات القلب الأخضر

ذاكرة تأبى النسيان
.....
من دفاترى القديمة جداً
________________
فى بداية الثمانيات من القرن الماضى ..كانت لى محاولات فى كتابة القصة القصيرة ..
كتبت قصصاً كثيرة وأخترت منها ما رضيت عنه وجعلتها فى مجموعة قصصية باسم "أغنيات القلب الأخضر " واحتفظت بها ولم أنشرها
لكن وأنا ،بعد أيام قلائل ،أبدأ الواحد والستين من عمرى ،سأنشر منها ما أراه صالحاً للنشر .

__________________



ضباب


(1)
أنا حزين ووحيد ..خرجت فى الصباح ..الصباح حزين لأنى حزين .
فى كل صباح تتشاجر أمى مع أبى ..يستيقظ إخوتى على الشتائم ..أحمل كتبى فى يدى ..الكتب أصبحت قديمة ،عرق يدى هو السبب ..المدرس يكرهنى ويضربنى ..كل صباح أذهب إلى المدرسة ..المدرسة بعيدة عن قريتنا ..أجرى أحياناً كى أصل مبكراً ..لا أملك ثمن تذكرة الأتوبيس ..أبى فقير وأمى تشتمه كل صباح ..أمشى وحدى ..أنا حزين .
(2)
البحر ماؤه رمادية ..أنا أحب البحر ..أجلس على شطه وحدى ...أنظر إليه طويلاً ..أتكلم معه كثيراً ..لايمل سماع كلماتى ...أشكو له وهو يستمع .
أبى قال لى اليوم أنه حزين لأنه لايملك ثمن الكتب والملابس لى لإخوتى ..أنا حزين من أجل أبى ..لو كنت كبيراً أعطيته كل شىء.
قمت ..مشيت متى تُشفى أختى ؟؟
أختى الصغيرة مريضة ..مريضة منذ سنوات طويلة ..أبى أحياناً يأتيها بالدواء
..أمى تأخذها إلى المستشفى فى المدينة ..حالة أختى تزداد سوءاً ..أمى تضحك وتقول لها بلاش دلع إنتى حلوة وبقيتى عروسة ..تضحك أختى وتصمت.
(3)
الصمت ..الحزن ..الهم ..العيون زائغة ..الأفواه مكممة ..أختى راقدة على الأرض تصرخ من الألم تتلوى ..أبى صامت ..أمى صامتة ..إخوتى يبكون ..أنا حزين ووحيد.
30مارس 1980م



________________________

الله ..والفقر 


(أ)
الفقر كافر ..هكذا قالها ثم مضى إلى الشارع ..الأنوار خافتة ..الكلاب تنبح..البرد القارص يتسلل فى عظامه ..ينكمش على نفسه ..ثيابه قليلة خفيفة لاتحميه من البرد.
(ب)
الفقر كافر ..لاطعام ..كسرة خبز مع قطعة من الجبن القريش ..الحجرة عارية إلا من سرير بالغ القدم .
فى الركن عنكبوت ينصب شباكه لإصطياد ذبابة ..الذبابة تسقط فى الشرك ..العنكبوت يقترب فى حرص من فريسته ..يبدأ فى قضمها تتوقف حركتها ..تهمد.
(ج)
المكتب من خشب قديم ..لايعلم عمره إلا الله..الحجرة معتمة ..الموظفون الزملاء متبلدون كسلى ..الدوسيهات مرصوصة فى غير انتظام ..فأر يطل برأسه من خلف زجاج الشباك المكسور منذ سنين ولم يلتفت أحد لإصلاحه.
(د)
المرتب .......ضاع
(ه)
"أختك راحت المدرسة ..عايزين المصاريف ..أحوك سعيد خطب سلوى بنت عمته..الشبكة بعد أسبوعين والفرح بعد سنة ..أمك بتسلم عليك ..فى انتظار ردك .أختك صفاء" قذف بالخطاب جانباً ..قام فتح الباب ..خرج ..قابلته ابنة الحاج طلبت منه الإيجار ..أومأ لها برأسه.
(و)
المرارة تقتل ماتبقى فى فمه من مذاق..الصدر يضيق ..الحياة تزداد كآبة ..الأرض لاتدرى شيئاً..السماء تصم أُذنها عن الأنين والآنات.
(ز)
اجتماع غير عاد..كل الموظفين والسعاة ..السيد المدير يفتح فاه...لم يتم القبض على الموظف الذى سرق المرتبات وهرب ..النيابة تحقق ..المباحث تجرى البحث والتحرى ..لاجديد.
مايو1982م

___________________

إبتسامة


ضفيرة طويلة تنام على صدر ناهد ،خصلة ذهبية يداعبها الهواء ،تأبى السكون والراحة،يد رشيقة ترتفع لأعلى تحاول إيقاف عناد خصلة الشعر المتناثرة على جبهة متألقة كنور الشمس وقت الضحى .
بسمة عريضة تملأ الوجه ،تروى العطشان وتزيل الهم من صدر المتعب.
آه..ذات مساء طرى تفوح منه الخضرة وأحلام الصبا ورغبات الشباب ونور القمر يسربل الكون بضوئه الفضى ،يدغدغ المشاعر والحواس للمرهقين المتعبين .
الوسعاية تسع الجميع ..همس أحد الصحاب الحالمين :
إبتسامة ترد الروح وتحل من على المشنقة .
أكتوبر 1981م

_____________________

ليلة من ليالى قطر الندى

ليلة من الليالى الخالدات ،حلم من أحلام شهر زاد وأقاقصيص العشق والخلود ..العيون تضج بالرغبات المستكنة بالأعماق والصدور مشحونة بالأفراح والليالى الملاح ..المال يتدفق من بحر طامٍ ..القرية تسبح فى أنهار الأضواء والألوان والزينات .
من كل صوب وحدب ،القادمون يباركون يشاركون السعادة الغامرة واللحظات البهيجة الطاغية على الأفئدة المذبوحة بالأنين والآنات ؛ الأجراء الفقراء المطحنون.
الكوشة تضم العروسين ..أم العريس ست الكل تنثر الأموال على رؤوس الجالسين بيديها الشريفتين الطاهرتين ،توزع الهدايا على الفقراء ممزقى الثياب حفاة الأقدام زراعى الأطيان وحاصدى الخيرات الوفيرة .
تبتسم إبتسانة عذبة وضيئة ..يلهث ماسحو الخوج بذكر محامدها والثناء عليها .
أيام وليالى مليئة بالأفراح والاحتفالات الخرافية ..تعيد ليالى قطر الندى التاريخية عبر القرون المزدانة بالإنتصارات الجليلة والمتوجة بهالات النور والبهاء!!!!
أكتوبر 1981م
____________________


هزيمة

شوف يا ابنى ..أنا باحترمك وأحترم الإنسان إللى جواك وإنت عملة نادرة ..لكن
(دارات الأرض ..هبطت النجوم من عليائها ..تبدل الليل بالنهار ..سرت الرعدة فى مفاصلى ..إعترانى شلل مفاجىء ..لم أستطع الحركة ..عصف الرياح خارج الحجرة يشتد يعوى )
أنا عارف كويس إن بنتى بتحبك وهى بتقول لى على كل شىء ..وإنت شاب محترم ومثقف ..لكن
(مرة أخرى تُظلم الدنيا ..إنطفأ نور القلب ..سُلبت السعادة من سويداء الفؤاد ...شحوب يهز الوجدان ..أما هذه ال لكن عقبة كأداء ..تمزق أوتار سنين الحلم والرغبات ..تقتل تخنق تبعثر كل الأشياء ..تتطاير ..تتلاشى ..تتلاشى ...تتلاشى )
إنت أنسان مثقف وده رأيى فيك ،مش من النهارده .. دا من زمن بعيد ..من يوم ماكنت لسه طالب فى المدرسة الإبتدائية وتيجى تقعد مع هالة وتلعب معاها .
كنت حاسس إنك لك مستقبل ومستقبل عريض وعمرى ما كنت أصدق إن العلاقة البسيطة دى تكبر جواك .
(دخان السيجار يخرج من الأنف والفم .. حلقات حلقات تملأمساحات الفراغ المميت ..ظلال سرعان ماتفنى )
يهمنى إنك تعرف حاجات كتيرة تناسب العصر إللى إحنا فيه ..طلبات العصر ده كل يوم بتزيد وطبعاً إنت شاب وتعرف....
(قطر الندى ..حنة ياحنة ياقطر الندى ياشباك حبيبى جلاب الهوى ...أموال ظائلة أودت إلى الإفلاس ..أيام الجوعى ..المقريزى ..أشهر المجاعات فى مصر ..قصور قصور فى الطريق إلى بغداد )
للمرة الأخيرة ..أقول لك ياابنى ..إنت فقير والفقر عمره مايفتح بيت ..والحب موضة قديمة ..أنا عامل حسابى إنك تكون فهمت وأنت شاب مثقف وعايش فى زمن مُر وحاسس أكتر من الآخرين ..الحياة صعبة وأنا لايمكن أحط بنتى فى النار بإيديا .
(لو كان الفقر رجلاً لقتلته .. إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك )
آه...
ديسمبر 1981م


____________

شتائية حزينة

كثيراً ما كنت أزور قبر أختى التى رحلت فى ميعة الصبا وشرخ الشباب الغض ،وأمام قبرها يمر شريط طويل من الذكريات الدفينة ،عن حياتها ،أحلامها ..ثم لم يتركها المرض اللعين ،فخرجت صباحاً لأعود ظهراً لأورايها الثرى وكأنى أودع قطعة من نفسى .
ومرةً من المرات وفى وسط مقابر القرية ،سمعت صوت إمرأة يُنبىء عن نضوج أنثوى ،صوت رخيم مشحون بالحزن :
"ليه ياضنايا رحت وسبتنى لوحدى ..ليه وكنت حتة منى ..حتة من قلبى ..من وجودى .
آه ياكبدى ..ياعود أخضر ونشف قبل أوانه ..كنت باحسب إن العمر حيطول بك وتعيش وتمرح قدام عينيا ..وتبقى راجل وتشيل هم البيت عن أبوك إللى تعب ومعدتش قادر يشتغل ..
ليه ياضنايا تروح من بين إيديا وأنا واقفة مش عرافة حاجة .
كنت وأنت صغير ..أسهر معاك وأنت تنام وأنا صاحية عشانك إنتا..إنت دنيتى كلها ..
من يوم ماولدتك وأنا ندرت حياتى لك..كل نظرة لك ..وكل الحنان لك..وكل الاهتمام لك ..
صحيح أبوك زعل شوية وإخواتك زعلوا قوى ..لكن معرفش ليه ؟
كنت انت حبيبى وأنا قدامك باحس إنك أبويا وأخويا وكل أهلى ودنيتى .
كل الناس قالوا بعد موتك ..لأ إنت ماموتش ..إنت صاحى ..إنت حى وبتكبر قدام عينيا كل يوم ..ومابعدتش عنى ..كل يوم باشوفك بتجرى قدامى وتطلع الشارع نلعب مع ولاد الجيران وأنا قاعدة على الباب منتظراك حتى لوش الفجر ..وساعات تيجى تعيط وقلبى يتقطع وأقو لك ماتزعلش إنت بقيت كبير وأبص فى عينيك تقوم تضحك وترمى نفسك فى حضنى .
ليه ياضنايا ..ليه تروح بعيد وتسيبنى ..قتلوك الكلاب وده كان أملهم من زمان .
آه ياضنايا ..لو كنت أعرف ساعتها كنت فديتك بروحى وحياتى .
كل يوم أشوفك قدامى وافتكر كلامك ..والأحلام الكتيرة إللى كنت عايش فيها وعايز تحققها .
ضعت ..ورحت بعيد ..وضاعت معاك أحلامك وبقيت رماد..لكن أبداً إنت عايش جوايا ..وأحلامك إللى كنت باسمعها منك ح تتحقق ويبقى لنا بيت كبير زى ولاد الشراقوة ..لأ قصر ولاقصر العمدة وجنينة ومكتبة كبيرة عشان كتبك ..
على فكرة ..أنا كل يوم باطمن عليها ومفيش حد بيقرب لها .كنت بتقول لى:الكتب دى روحى ودمى ..وروحك عايشة ويانا ..
أخوك محسن بيقول عليك إنك عبقرى ..معرفش إيه الكلمة دى ..لكن بافرح لما أسمعها .
لكن.. إنت فين ياضنايا ..جعان ولاعطشان..ليه ياضنايا تروح وتسيبنى كده ..معلشى قدر ومكتوب ..ولازم تكون إنت ..أقول إيه لربنا ..هو عايز كده ..خدك من وسط إخواتك وكنت نوارتهم ..أنا بأحب إخواتك ..دول حتة من وكل واحد له عندى معزة ..ومادمت مشيت بعيد عنى يعنى أنساك ؟؟
لأ أبداً معزتك كل يوم بتزيد فى قلبى وأنا باشوفك بتكبر قدام عينيا .
أسيبك بقى ياضنايا لوحدك تنام فى تربتك وكنت بتنام فى عينيا ولابتستريح إللى على رجليا ..أروح لإخواتك زمانهم قاعدين منتظرينى وأسيبك لحد بكرة وأرجع لك تانى عشان أحكى لك على إللى حصل من أبوك اليومين إللى فاتوا ..أصله زعلنى قوى .
أسيبك ياضنايا وعزيز عليا أسيبك تنام بعيد عنى عن أمك حبيبتك ""

واختفى الصوت وأفقت من صمتى والحديث الذى آتانى عرضاً ،وتذكرت أمى وماحدث لها يوم رحلت أختى لمثواها الأخير ولا زالت حتى ،الآن ،تتذكرها ثم تشرد وتبكى فى صمت.
يوليو 1981م