بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 13 مايو 2015

هذه الأيام ..ثقيلةٌ بأحزانها.


_________________________
(1)

فى سنة 1955م شهر مارس يوم 25 ولدتنى أمى طيّب الله ثراها .
وفى سنة 1957م أصدر الشاعر المصرى صلاح عبدالصبور أول دواوينه الشعرية "الناس فى بلادى "
ولما وعيتُ القراءة والكتابة ،حرصتُ على ملاحقة الشعراء الجدد ،ونال منى ،صلاح عبدالصبور،اهتماماً كبيراً ..أشعاره ومسرحياته وترجماته وكتاباته .
وصية كريمة ،لم أغفل عنها ،من والدى طيّب الله ثراه ..أن الدكتور رشاد النويهى "محمد النويهى "وقف بجانب صلاح عبدالصبور فى بداية حياته وكتب عنه ،ربماً تأكيداً لموقفه الرافض من العقاد الذى لم يعترف بالشعر الحديث ولا بشعرائه ،وإلتزاماً بموقفه النقدى من كتابات العقاد فى كتابه "ابن الرومى ..حياته من شعره" وقد أثبت ذلك فى كتابه "ثقافة الناقد الأدبى".
وصية كريمة محفورة بذاكرتى وأنا أستهل عامى الأول من العقد السابع من سنوات العمر الحزين.
ومما جعلنى أكتب "هذه الأيام ..ثقيلةٌ بأحزانها" معاودتى قراءة تراث صلاح عبدالصبور ،وألحت علىّ قصيدة "الحزن "وما نعيش فيه من أحداث وما حصدته طوال سنوات عمرى المنقضى وأيضاً استهلالها المثير للشجن .
"ياصاحبى إنى حزين
طلع الصباح فما ابتسمت ولم ينر وجهى الصباح"
وواصلت القراءة :
حزن تمدد فى المدينة
كاللص فى جوف السفينة
كالأفعوان بلا فحيح
الحزن قد قهر القلاع جميعها وسبى الكنوز
وأقام حكاماً طغاه
الحزن قد سمل العيون
الحزن قد عقد الجباه
يقيم حكاماً طغاه
وفى آخر القصيدة :
ياصاحبى !
زوّق حديثك كل شىء قد خلا من كل ذوق
أما أنا فقد عرفت نهاية الحدر العميق
الحزن يفترش الطريق.



(2)


قال تعالى فى كتابه الكريم "قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله "سورة يوسف الآية 86
مآلنا ،فى نهاية الطريق ،العودة إلى الرفيق الأعلى ..نبثه أحوالنا ونشكو إليه شدة أحزاننا ،فما لنا سواه .
فى مستهل عمرى ..حفظت حديثاً كريماً عن رسولنا الكريم عليه صلوات الله وسلامه "اللهم ارزقنى عينين هطّالتين "
ويملؤنى العجب والدهشة وتنمو بروحى أشجار الحزن وتتسامق :
أيطلب المصطفى هذا الرزق؟
كيف ولماذا؟
وتصلنى الإجابة :
عن أبى هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لن يُدخل أحداً منكم عملُه الجنة .
قالوا حتى أنت يارسول الله ؟
قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله منه بفضله ورحمته.
صحيح مسلم ،الجزء الخامس ،ص682 ،طبعة دار الشعب ، مصر.سنة 1972م


(3)
ولم أجد من ينقذنى ،وسقطت من القطار محطماً مجروحاً باكياً شاكياً ،وأخذ بيدى من قال لى :أنا صحفى بجريدة الأهرام ، أنا مكرم حنين .
وقمت متهالكاً أستند عليه والجثث تتناثر حولى والجرحى يصرخون وعربات القطار مقلوبة وجرار القطار مطروحاً وحيداً معزولاً فى أرض زراعية تجاور خطوط السكك الحديدية
يوم حزين من أيامى التى لاتنسى ..
حادث إنقلاب القطار فى قليوب فى 1976م وغم مرور مايقترب من 40عاماً على حدوثها، إلا أنها ذكرى حزينة تتجدد ..كلما طالعت عينى محطة قليوب أثناء سفرى إلى القاهرة .


(4)
قرأت بياتريس"هذه الأيام ثقيلة بأحزانها" فكتبت إليه:
"تتكسر الأمواج فيّ
تفزعني
و ترميني
بعيدا عنك ...عن وطني
عن رياحيني
عن الحضن الدافئ
عن مطر الخريف
و الاشتياق
***
يحاورني وجعي فيك
و يحكيني
أسطورة قديمة
للشجن المكتوم
لعتمة الصبح الندية
لضياء قمر الحيارى
لحنين في رفرف من غمام
***
يا نسائم الفجر الشجية
يا قوس قزحي الحزين
يا مراياي المتكسرة
انتحليني
شمسا لأهازيجك
ضميني بصمت
بعمق
بصخب
بنار تكويني
هاتي مرافئك و احترقي
كَلِمًا فيَّ
رحيقا لأزاهيري
***
ما عاد في العمر بقية
لتحقيق أحلامي
لتشذيب الرجاء
و الأمنيات
لتلوين صباحاتي
و الأمسيات
للشهيق عند زخ المطر
للضحك البريء
و تعتعات الرياح
***
تاه الحرف مني
هدّاني قبسا من سراب
في عتمة ليل جائر
ينشد فجرا
لن يجيء
سُرِق مني النهار
الجميل
حملني بقايا ربيع
و استركّني أشلاء
لانتصارات قديمة
لقوارب تجدفني
نحو البحر...نحو السماء
و الريح العتية
نحو مخاض الغمام
و النهر يكتبني ماء
و ينهيني
يرسمني لفافة وداع
يحكيني قصة للغربة
و المجهول"

(5)

"ويلى من أيامى
روحى مترعة بالحزن
وقد اجتثت شجرتنا الوارفة الظل
وانهدمت بوابتنا المنقوشة بالريحان وبالفل
قلبى مخلوع بالخوف
يلقينى الصبح المتجهم فى سجن الليل القائم
لايحنو لى إلا سنة النوم وتهويم الحلم . "
صلاح عبدالصبور
مسرحية ليلى والمجنون
الأعمال الكاملة
ص328
طبعة 1988
الهيئة المصرية العامة للكتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق